د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: الاشتراكية.. والليبرالية..والأزمة العالمية 2/6/2009, 6:32 pm | |
| الاشتراكية.. والليبرالية..والأزمة العالمية بقلم : د. وحيد عبد المجيد ليس من شيم الليبراليين الجدد أن يسلموا بهزيمتهم أو يعترفوا بأخطاء في خياراتهم أو يقروا بفشل مشروعهم. ولذلك يشنون الآن حربا أيديولوجية ضارية ضد الليبرالية الاجتماعية التي ترفض مبدأهم الأساسي الذي يضفي قدسية علي حرية السوق, ويعتبر دور الدولة رجسا من عمل الشيطان.
ولعل أبرز ما يميز هذه الحرب هو اعتماد مبدأ أن الهجوم خير وسيلة للدفاع. وهم يوجهون سهام هجومهم الآن ضد التوسع الذي يحدث بشكل طبيعي في دور الدولة, سواء في الولايات المتحدة أو غيرها, لمواجهة التداعيات الاقتصادية المتعاظمة للأزمة المالية. فقد لجأوا إلي تكتيك يصعب اعتباره بارعا, بالرغم من أنه ينطلي علي البعض, وهو اعتبار هذا التدخل المتزايد للدولة تعبيرا عن سياسة اشتراكية. ووفقا لهذا التكتيك, أصبح باراك أوباما هو( أفضل مروجي الفكر الاشتراكي في العالم) من وجهة نظر عضو مجلس الشيوخ الجمهوري السيناتور جيم ديمينت. كما صارت سياسة تحفيز الاقتصاد التي لجأت إليها كثرة من دول العالم امتدادا لأفكار لينين وستالين وفقا لما قاله مايك موكابي حاكم ولاية اركنساس السابق وأحد قادة( مؤتمر العمل السياسي المحافظ). وبالرغم من أن هذا تكتيك مكشوف, إلا أنه يروق فيما يبدو لقطاعات من اليسار في بعض بلادنا العربية, وغيرها. فيبدو لهم حديث الاشتراكية هذا كما لو أنه تعويض عن التراجع الذي تعرض له اليسار, وخصوصا في العالم العربي, منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتفككه. وبالرغم من أن اليسار استعاد شيئا من الثقة- التي كان قد فقدها أو كاد- نتيجة التحولات الكبري التي شهدتها أمريكا اللاتينية في العقد الجاري, فقد بقي في حاجة إلي اعتراف ما بعودته إلي الساحة. ولذلك ما زال العنوان الذي تصدر مجلة' نيوزويك' قبل عدة أسابيع( الآن.. كلنا اشتراكيون) يحظي باهتمام فائق يدل علي أن في أوساط اليسار من يحفلون بخطاب الليبراليين الجدد, الذي يزعم أن العالم الرأسمالي يلجأ إلي الاشتراكية لمواجهة الأزمة العالمية التي انفجرت في نوفمبر من العام الماضي. ولكن بمنأي عن هذا الاحتفاء, ينبغي الانتباه إلي الدلالة الأكثر أهمية للخطاب المحتفي به وهي أن الليبرالية الجديدة التي تسببت في الأزمة العالمية مازالت تقاتل. فما هذا الخطاب إلا تعبير عن اتجاهها الذي ينظر إلي أي دور للدولة, مهما صغر, علي أنه شر من إنتاج الاشتراكية التي يعتبرها هذا الاتجاه المصدر الأول للشرور في عصرنا الراهن. ولما كان الليبراليون الجدد يقصدون الليبرالية الاجتماعية حين يتحدثون عن الاشتراكية, فهذا يعني أن' الاعتراف' الذي التقطته أوساط يسارية لا أساس له. فالاشتراكية, لدي الليبراليين الجدد, هي' الاسم الكودي' لليبرالية الاجتماعية. وهم يلجأون إلي هذا الخلط, منذ سبعينيات القرن الماضي, سعيا إلي تشويه خصومهم الليبراليين الذين يؤمنون بدور للدولة لا غني عنه لتصحيح اختلالات السوق. فقد اعتمد الليبراليون الجدد في صعودهم, وخصوصا في الولايات المتحدة, علي نجاحهم في اتهام الليبراليين الاجتماعيين بالتحول صوب مفاهيم وسياسات اشتراكية. ولا عيب في ذلك لأن انفتاح الليبرالية علي الأفكار الاشتراكية المتعلقة بالتوسع في الرعاية والخدمات والتأمينات الاجتماعية هو الذي أنقذ الرأسمالية من انهيار كان محققا بدون هذه الأفكار. ولذلك أصبحت قضية دور الدولة محور الخلاف بين الليبراليين الجدد والليبراليين الاجتماعيين. وقد بدأ هذا الخلاف عندما سعت الليبرالية الجديدة إلي تقويض توجه الليبرالية الاجتماعية نحو بلورة مفهوم متقدم لوظيفة الدولة التوزيعية والرقابية, تضمن الإقرار بضرورة تدخلها لإعادة توزيع ناتج النمو الاقتصادي إذا عجزت آليات السوق عن ضمان حد أدني من العدالة, ولكن بدون أن يمس ذلك الأصول الاقتصادية نفسها. وارتبط توجه الليبرالية الاجتماعية إلي تأكيد دور الدولة في هذا السياق بإعطاء أهمية خاصة للنظام المالي في إعادة توزيع الدخل من خلال الضرائب, وتشجيع التوسع في الإنفاق علي الخدمات الاجتماعية وضمان ظروف عادلة للعمل في إطار السوق الحرة. كما بلورت الليبرالية الاجتماعية مفهوم' الحرية الإيجابية' بمعني توفير الظروف التي تمكن المواطنين في مختلف درجات السلم الاجتماعي من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الفردية والعامة, وهو ما يختلف جوهريا عن مفهوم' الحرية الاجتماعية' الذي طرح في بعض النظريات الاشتراكية كبديل لتلك الحقوق والحريات. ويشمل هذا الاختلاف مفهوم إعادة التوزيع, الذي يرتبط في الليبرالية الاجتماعية بشروط أهمها البدء بتعظيم الثروة القومية حتي يتوفر ما يمكن توزيعه, وإلا صار الأمر توزيعا للفقر علي الجميع. كما لا يساوي هذا المفهوم بين من يعملون ومن لا يعملون, ولا يضع تكافؤ الفرص في موضع يلغي التفاوت الطبيعي في القدرات والإمكانات. وإذا كانت الليبرالية الاجتماعية تؤمن, مثل بعض النظريات الاشتراكية, بأن النمو في حد ذاته لا يكفي لحل مشكلة الفقر ما لم تسانده سياسات توزيعية عادلة, فهي ترفض من هذه السياسات ما أدي في بعض التجارب الاشتراكية إلي إفقار الأغنياء دون الأخذ بيد الفقراء. وقد اقتربت الليبرالية الاجتماعية, بهذا المعني, من الاشتراكية الديمقراطية, ولكن مع استمرار الاختلاف الأساسي بينهما. فعلي رغم أن للدولة دورا أساسيا في كلتيهما, يظل الفرق بينهما في عدم قبول الليبرالية الاجتماعية_ بعكس الاشتراكية الديمقراطية_ لسياسة التأميم إلا في ظروف استثنائية. ومع ذلك يتيح التقارب الذي حدث بين الليبرالية الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية أساسا كافيا يمكن البناء عليه لتصحيح مسار النظام الاقتصادي العالمي علي نحو يحول دون حدوث أزمات كبري في المستقبل. نشرت بجريدة الأهرام عدد 2/6/2009 | |
|