د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: الرأسمالية المصرية في مواجهة الأزمة العالمية 22/2/2009, 4:15 pm | |
| الرأسمالية المصرية في مواجهة الأزمة العالمية بقلم : د. طه عبدالعليم تبدو فضيلة التعلم الايجابي بعيدة عن سلوك الرأسمالية المصرية. باختصار, لأن غالبية كبار رجال الأعمال وكبري الشركات الخاصة, لم تستوعب أن الربح الخاص يفقد مبرره الاقتصادي وسنده الأخلاقي من منظور المجتمع إذا لم يتولد عن- ولم يستثمر مجددا في- نشاطات اقتصادية منتجة تحقق الربحية المجتمعية وتراعي المصلحة العامة, ولم تدرك أن اقتصاد السوق الحرة قد سقط بمعياري كفاءة تخصيص الموارد وعدالة توزيع الدخل مع الأزمة العالمية بسبب إطلاقه لروح الجشع من عقالها وعدائه للموازنة بين أدوار الدولة والسوق. أقول هذا منطلقا من أنه لا غني عن دور الرأسمالية شرط أن تكون مسئولة, ومسلما بأنه لا بديل عن السوق شرط أن يكون اجتماعيا.
وأزعم, أولا, أن الصورة الذهنية السلبية للرأسمالية المصرية في الاعلام والمجتمع تجد سندا في الواقع. ومن ذلك, في ظل الأزمة الراهنة, أن كبار رجال الأعمال في مصر, حين يرفضون خفض أسعار منتجاتهم لمجابهة الركود الزاحف, ويلوحون بدلا من هذا بطرد العمالة حفاظا علي مستويات أرباحهم, فانهم يدفعون نحو خفض الطلب الفعال للمستهلكين والعاملين, ومن ثم يعمقون الركود ويهددون الربح! وأجدني أستعير صيحة الحكيم توما الأكويني' اللهم الهمني الفضيلة.. ولكن ليس الآن'! وبكلمات أخري' فان' فضيلة' تعظيم' الربح' صار مرجوا تأجيلها, لأن' خطيئة' خفض' الاستهلاك' تدفع الي تعميق الركود. وحين تضاعف شركات الأسمنت أرباحها غير المبررة وترفض هامش ربح يتناسب مع تكلفة انتاجه, ويعجز قانون مكافحة الاحتكار عن ردعها نتيجة ثغراته الأصلية وتعديلات اللحظة الأخيرة, وتواصل الحكومة دعم الطاقة لمصانع الأسمنت وتتردد في تسعيره! حين يحدث هذا, يبدو أن المثل الأعلي لمثل هذه الشركات التي تمتعت بفرص احتكارية لتعظيم الربح وتركيز الثروة, هو الاقتداء بنهج إدارة بوش الفاشلة, أقصد خصخصة الأرباح وتعميم الخسائر! وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي في ظل ارتفاع البطالة وانخفاض الدخل! وأعرف ثانيا, أن السعي لتعظيم' الربح' قانون موضوعي لاقتصاد السوق, لا تستطيع الرأسمالية نظاما وطبقة أن تعيش بغيره. ولا جدال أن الربح الرأسمالي كان قاطرة التقدم, التي نقلت المجتمعات من بؤس نظم ما قبل الرأسمالية الي عصر الثورة الصناعية ثم الي زمن الثورة المعرفية. وكان تجاهل' الربحية' سبب سقوط الاقتصاد الاشتراكي الماركسي, لأنه عجز عن تعظيم عائد تخصيص الموارد, فتمخضت مأثرته عن عدالة توزيع الفقر, وعجز عن رفع الانتاجية وحفز الابتكار, وهزم في المباراة العالمية للتنافسية والتقدم! بيد أن سقوط اقتصاد الأوامر- بما في ذلك التطبيق العربي للاشتراكية- لا ينبغي أن ينسي الرأسمالية المصرية أن أهم نواقص' السوق الحرة' هي تجاهل الربحية المجتمعية والمصلحة العامة من قبل رجال الأعمال, وتغييب تدخل الدولة في الاقتصاد بتنظيم السوق وتوزيع الدخل والملكية العامة من جانب صناعي القرار. والأمر بايجاز أن الربح المبرر والتراكم الانتاجي والتقدم الاجتماعي مشروط بمواصلة دور الدولة في كبح الجشع الفردي والسعي للريع وتركز الثروة. ولنتذكر جميعا أن شعارGreedisGreat أو' الجشع عظيم', الذي رفعه شارع المال الأ مريكي, قد سقط مدويا مع الزلزال المدمر للأزمة الاقتصادية التي قاد اليها! وثانيا, ان إدارة بوش الجمهورية قد ضاعفت تركيز الثروة لدي الريعيين بالتيسيرات الهائلة لتعظيم دخولهم والإعفاءات الضريبية عليها, ثم حاولت تحميل دافعي الضرائب خسائر جشعهم, وقدمت التمويل للمؤسسات المتداعية بغير ضمانات تكفل إعادة الإقراض المصرفي, وزيادة انفاق المستهلك ومساندة الصناعة الأمريكية! وأما وصفة اقتصاد العرض, التي تزعم أن تركز الثروة بالانحياز للأغنياء يترتب عليه تساقط ثمار النمو علي الفقراء, فقد أخفقت بدورها حين انفجرت فقاعة الاقتصاد الريعي! وانضم العاملون للعاطلين ولحق مالكو المنازل بالمشردين! وكان الحصاد هو تفاقم أسباب الأزمة, لأن' اقتصاد السوق' يرتكز الي' سيادة المستهلك' القادر علي الإنفاق والمطمئن علي وظيفته, ولأن انفاق المستهلك الأمريكي كان قاطرة النمو العالمي بإنفاقه علي الصادرات العالمية, ومصدر نمو الاقتصاد الأمريكي باستغراقه في الدين العقاري! وقد شجع مروجو الرهن العقاري ورواد الاقتصاد الورقي ثقافة الاستهلاك التي دفعت المواطن الأمريكي لإنفاق ما يفوق دخله بكثير, وروجت لثقافة الاستثمار الورقي في العالم لتغطية فجوة الادخار الأمريكية! حتي حلت الكارثة! وأقول ثالثا, إن خسائر مصر كانت محدودة في مواجهة الأزمة المالية العالمية. فقد تمكنت البنوك الوطنية من تجنب كارثة الانهيار المصرفي بفضل نهوض البنك المركزي المصري بواجبه الرقابي, وأيضا بفضل عدم هرولة الدولة الي خصخصة البنوك المملوكة لها انصياعا لأوامر' إجماع واشنطن' وتعاليم' الاقتصاد الحر'! بيد أن خسائر فادحة قد لحقت بالمستثمرين المصريين في البورصة المصرية بسبب السحب المفاجيء والواسع لرؤوس الأموال الأجنبية الساخنة المضاربة, ولكن أيضا نتيجة قصور الضبط والرقابة والشفافية في البورصة! كما تعرض بعض المستثمرين المصريين في الخارج لخسائر جسيمة, ليس فقط بسبب الانسياق وراء قطيع المستثمرين في' كازينوهات' البورصات العالمية حيث جشع المقامرة وجرائم الاحتيال, ولكن أيضا نتيجة قصور الضوابط الضرورية علي تدفقات رؤوس الأموال الي الخارج! وعاني من لهم جدارة الوصول الي قروض البنوك العالمية مع نضوب معينها أو إحجامها عن الإقراض جراء فساد خطط إنقاذها, وواجه أصحاب الاستثمارات المباشرة في الخارج مخاطر الركود! ولكن لنتذكر أنهم قد تخلوا عن الاستثمار في تصنيع مصر وأمنها الغذائي, وهو ما كان من شأنه استيعاب الو دائع الراكدة في البنوك المحلية, ولم يحدوهم مثال الرأسمالية الآسيوية التي دفعتها المسئولية الاجتماعية الي تفضيل الاستثمار في التنمية الوطنية رغم فرص العولمة أمامها! وفي رؤيتهم لمجابهة ركود الاقتصاد الحقيقي لم ير ممثلو الرأسمالية المصرية سوي جانب العرض, وهو ضروري, حين طالبوا بالمزيد من الحماية لأرباحهم, وتجاهلوا جانب الطلب, الذي لا يقل ضرورة! فذهبت أدراج الرياح مناشدات وزير التجارة والصناعة بخفض الأسعار تجنبا للكساد المحدق, المهدد لرجال الأعمال شأن غيرهم! وأري رابعا, أن الحاضر صورة المستقبل. وبعبارة أخري, أن فلسفة مواجهة الأزمة الراهنة ستحدد صورة مستقبل الاقتصاد المصري. وإذا أردنا مجابهة الأزمة في سياق رؤية استراتيجية لمستقبل الاقتصاد المصري, سواء قصدنا التنمية أو النظام, فان نقطة البداية هي تحديد الأسباب الجوهرية لانكشاف اقتصادنا تجاه الأزمة العالمية الراهنة. وقد قيل الكثير بشأن خسائر تراجع الصادرات والاستثمارات والمعونات وعجز موازين التجارة والمدفوعات والموازنة العامة للدولة وتهديد الاستقرار المالي والنقدي وانخفاض معدلات الاستثمار والنمو والتوظف والأجور.. إلخ. ورغم ما يقال- وبحق- عن مزية تنوع الاقتصاد المصري, فان ضعف مناعة الاقتصاد المصري تجاه الأزمة يرجع بالأساس الي تراجع الصادرات الريعية ( قناة السويس وتحويلات العمالة وايرادات السياحة والصادرات البترولية), وضعف الاقتصاد الحقيقي ( تأخر التصنيع وتراجع الزراعة وتفضيل الاستثمار العقاري علي حساب الصناعي والزراعي). ولنتذكر أن قوة الاقتصاد الحقيقي في الصين جعلت أثر الأزمة محدودا في تراجع معدل النمو المتوقع الي8% سنويا! وهو ما يزيد علي أحلامنا, وأن حفز الاقتصاد الحقيقي يمثل الرا فعة الأساسية التي تراهن عليها إدارة أوباما لإنقاذ أمريكا من الكساد! وهو ما يغيب عن بالنا! ومن المدهش أن تطالب رأسماليتنا بما يضاعف معدل التضخم وخفض الحصيلة الضريبية للدولة وسعر الفائدة المصرفية سعر صرف الجنيه..إلخ, أي بما يهدد الاستقرار الاقتصادي الكلي ويهدر مكاسب الاصلاح الاقتصادي! وبينما دفعت الأزمة التي قاد اليها القطاع الخاص الي رد الإعتبار للقطاع العام في القلعة الأمريكية للسوق الحرة, من المذهل أن يطرح برنامج لتوزيع صكوك الأصول العامة وصفه رئيس مجلس الشوري بأنه' هلامي'! وأخيرا, أقول بكلمات موجزة أن الرأسمالية المصرية لم تستوعب المفهوم الواسع للمسئولية الاجتماعية للمشروع الرأسمالي منذ الانفتاح الاقتصادي, ولم تدرك ضرورة التحول الي اقتصاد السوق الاجتماعي بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. وفي تقديري أن مواجهة الأزمة الراهنة من منظور المستقبل توجب توجيه الزيادة المقررة للإنفاق العام الي التعليم والبحث والتطوير للإرتقاء بتنافسية المجتمع والمشروع, وتوفير الحوافز للاستثمار الخاص في تصنيع مصر والأمن الغذائي, وحماية السيادة الاقتصادية في السوق الوطنية عند جذب الاستثمار الأجنبي وتحرير التجارة, ووضع' الأبعاد الاجتماعية في قلب سياساتنا وبرامجنا' كما أكد الرئيس مبارك. وفقط بتنمية الاقتصاد الحقيقي وتحقيق العدل الاجتماعي وتعزيز الأمن الاقتصادي القومي يمكن لمصر ليس فقط مجابهة الأزمة وإنما إعادة بناء اقتصادها علي صورة الاقتصادات الصناعية المتقدمة. لكن هذا يبقي مشروطا بأن تكف الرأسمالية المصرية عن التعلم السلبي من الأزمة بمواصلة التبشير بوصفة السوق الحرة الفاشلة! وأن تتحلي بالمسئولية الاجتماعية بمفهومها الواسع في اقتصاد سوق اجتماعي. نشرت بجريدة الأهرام عدد 22/2/2009 | |
|