د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: عوامل انفجار الأزمة الاجتماعية في مصر 9/3/2009, 12:56 pm | |
| عوامل انفجار الأزمة الاجتماعية في مصر هل تؤسس لعودة نهوض الحركة العمالية والشعبية؟ حسين عطوي - مجلة العرب والعولمة - العدد 45
تشهد مصر هذه الأيام اشتداداً في حدة الصراع الطبقي، على خلفية ازدياد معدلات الفقر وانخفاض مستويات المعيشة، بفعل تدني الأجور وارتفاع منسوب التضخم، ويعبر عن هذا الصراع في تصاعد موجة الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات الشعبية والعمالية الاحتجاجية والمطلبية التي تطال العديد من القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، وكان أبرزها إضراب عمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى للمطالبة بزيادة الأجور، ما يشير إلى انتقال الفئات الشعبية من حالة السكوت والركون والقبول بالأمر الواقع إلى حالة الاحتجاج ورفض هذا الواقع والمطالبة بتحسين ظروف حياتها، التي لم تعد تطاق. فحسب تقرير الأمم المتحدة فان عدد المصريين الذين يعيشون في فقر مدقع أصبح 20%، على الرغم من النمو الاقتصادي السريع نسبيا خلال هذا العقد. وأوضح منسق الأمم المتحدة في مصر جيمس راولي: "أن معدل الفقر المدقع في الفترة من 2000 إلى 2005 زاد إلى 19،6 في المائة من 16,6 في المائة من عدد السكان"، وأن "واحد من كل خمسة مصريين لا يتمكن من تلبية احتياجاته الأساسية". (راجع جريدة السفير في 18/1/2007). وتفيد وثيقة للأمم المتحدة بان نسبة من يعيشون بأقل من دولارا في اليوم تبلغ 20.2 في المائة حالياً. وترافقت هذه الأرقام مع تسجيل المعدل السنوي لمؤشر أسعار الاستهلاك ارتفاعاً إلى 12,6 في المائة في شباط الماضي بعدما كان 12,4 في المائة نهاية عام 2006 و 3,1 في المائة نهاية عام 2005، أما مؤشر أسعار الجملة فارتفع بمعدل 16,5 في المائة. والمفارقة أن هذه الأرقام عن تدهور مستوى المعيشة لحياة الشعب المصري، التي تدفعه إلى التحرك الاحتجاجي، تترافق مع الحديث عن زيادة في نمو الناتج المحلي بمعدل سنوي بلغ السنة الماضية 6,9 في المائة و7,2 في المائة في الفصل الأول من هذه السنة، بعد كان المعدل في التسعينات يقدر بـ 4,4 في المائة. والمفارقة أيضاً أن حصة الزراعة والصناعة من هذا النمو كانت تمثل نصف الناتج المحلي المصري، في حين سجلت عائدات السياحة دخلاً مهماً بلغ 7,2 بليون دولار أميركي، ونمو التجارة 30 في المائة، لكن الميزان التجاري سجل عجزاً لكون فاتورة الاستيراد لا تزال اكبر من فاتورة الصادرات، عوضه الفائض في إيرادات السياحة وعائدات قناة السويس وتحويلات المغتربين من الخارج. ومع ذلك فان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبر عن القلق من استمرار ارتفاع معدل الولادات واتساع قاعدة الفقر وانتشار الأمية والبطالة المرتفعة (2,15 مليون عاطل عن العمل عام 2004) لافتاً إلى التفاوت الاقتصادي واجتماعي بين الأقاليم الرئيسية الثلاثة: الوجه البحري والوجه القبلي والمحافظات الحضرية. بينما ذكرت جريدة العربي المصرية بان أعداد العاطلين عن العمل بلغت 6 ملايين عاطل بما يعادل 25 بالمائة من قوة العمل( 21 آب 2005) مشيرة إلى إغلاق حوالي 1000 مصنع بالمدن الصناعية الجديدة خلال النصف الثاني من عام 2006. ويترافق ذلك مع ارتفاع معدل الدين الخارجي والداخلي الذي بلغ أرقاماً فلكية في عام 2004 حيث وصل إلى عتبة 599 مليار جنيه(حوالي 10,8 مليار دولار) أي ما نسبته 119 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي(راجع دراسة المشهد السياسي والاقتصادي في مصر لـ تركي فيصل الرشيد 14/8/2005). إن هذه الأزمة والأرقام المذكورة آنفاً تظهر المدى الذي بلغه التفاوت الاجتماعي حيث باتت هناك أقليه غنية تملك كل شيء معبر عنها ببروز أصحاب المليارات الجديد، في مقابل أغلبية من الشعب تعيش بين حدي الفقر والفقر المدقع، مما أدى إلى انتشار أحزمة البؤس حول العاصمة المصرية، التي باتت مطوقة بها،لا تتوفر فيها أبسط احتياجات الحياة، من مياه، وكهرباء، وصرف صحي، ونظافة، فيما الناس تعيش في بيوت عرضة في الصيف للحر الشديد، وفي الشتاء للبرد القارص وسط حرمان وسوء تغذية، مما أدى إلى انتشار الأمراض حيث ذكر برنامج الأمم المتحدة للإنماء والبيئة بشأن الأوضاع الصحية للشعب المصري: (أن 5 ملايين مصري أصيبوا بفيروس التهاب الكبد الوبائي) (750 ألف حالة إصابة سنوياً) و4 ملايين مصاب بمرض السكري، و14 في المائة من المواطنين يعانون من حساسية الصدر، وما يقرب من 15 مليون مصاب بالأنيميا، فيما سجل أكثر من 100ألف إصابة بالسرطان، بينهم نسبة ملحوظة من الأطفال، بينما هناك أكثر من 25 في المائة مصابون بفقر الدم. انفجار الأزمة الاجتماعيةكان من الطبيعي أن يؤدي هذا التفاوت الاجتماعي الحاد، وانتشار الفقر والأمراض والحرمان والبؤس، إلى انفجار الأزمة التي بلغت مستوى نوعي، وعبر عن ذلك في تفجر موجة الاحتجاجات في مختلف المناطق والقطاعات العامة والخاصة، كدليل على شمولية الأزمة وحجم القطاعات الشعبية المتضررة منها، وقد بدأت الاحتجاجات تتصاعد على نحو غير مسبوق منذ منتصف عام 2006، حيث سجل تقرير مركز الأرض لحقوق الإنسان في مصر مئات الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات في محافظات القاهرة والشرقية والإسكندرية، الاسماعلية، السويس، سوهاج، البحرية، الغربية، الجيزة، بني سويف، المينا، بور سعيد، القليوبية، الدقهلية، الفيوم، دمياط، أسوان، الوادي الجديد، جنوب سيناء، كفر الشيخ، البحر الأحمر وسيناء. وذكر مركز الأرض في دراسة تحت عنوان: "الاحتجاج في مواجهة التوحش" الصادرة في تموز الماضي 2007، أن 283 حالة احتجاج قد حصلت في النصف الأول من العام الجاري في المؤسسات الحكومية والخاصة، حيث أشار إلى 117 حالة تجمهر و85 حالة اعتصام و66 حالة إضراب عن العمل و15 حالة تظاهر إضافة إلى عشرات الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات قام بها الأكاديميون والقضاة والمهندسون والفلاحون والطلاب والصحافيون والمطالبون ببديل عن مساكنهم المهدمة، والمتضررون من انهيار مؤسسات الدولة ونتائجها الكارثية والمحتجون على القمع والتجاوزات الأمنية. استنتاجات: إن ما تقدم يشير إلى أن مصر قد دخلت مرحلة نوعية من الصراع الطبقي الحاد، على خلفية الأزمة الاجتماعية، التي بلغت عتبة نوعية، متزامنة مع أزمة وطنية نابعة من إلحاق مصر بالتبعية للخارج، وخيانة وطنية وقومية نتيجة توقيع اتفاق كامب ديفيد، واستمرار السياسات المتواطئة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.فمند انتفاضة عام 1977 على خلفية ارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية شهدت مصر حالة من الهدوء النسبي على صعيد الاجتماعي وكان مرد ذلك عاملان:الأول: المكتسبات الكبيرة التي كانت محققة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على الصعد الاجتماعية والاقتصادية.والثاني: حملة الوعود التي أطلقها السادات في ذلك الحين لتحقيق الرخاء الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وانتهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل. غير أن هذين العاملان قد تبخرا اليوم، ولم يبق منهما شيئاً يجعل المصريين يمنون أنفسهم به، فالمكتسبات الاجتماعية من رعاية صحية وتقديمات اجتماعية وتعليم وفرص عمل متوافرة جرى تصفيتها على مدى ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن، والأراضي الزراعية التي وزعت على الفلاحين، بموجب قانون الإصلاح الزراعي في عهد عبد الناصر، تم سلبها منهم مجدداً وإعادتها إلى الملاكين القدامى، أما القطاع العام الذي شيِّد وتطور على نحو كبير في ظل النظام الناصري فقد جرى التفريط به عبر بيعه بأسعار بخسة، في إطار صفقات عقدت لصالح بعض الرأسماليين والشركات الأجنبية. هذا يعني أن الأزمة باتت شاملة كل المستويات الاجتماعية والوطنية، وهي وصلت إلى مرحلة متقدمة، ما يشير إلى إفلاس سياسات النظام وعدم قدرته على تلطيف الأزمة أو الحد منها، فيما يؤشر حجم واتساع الإضرابات والتظاهرات إلى سقوط هيبة السلطة وجرأة الحركة العمالية والشعبية على التحرك وتحدي القمع والاستبداد. ومثل هذه الأزمة التي تأتي مترافقة مع فشل وتعثر الاحتلال الأميركي للعراق، ومحاولات الإدارة الأميركية فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد للسيطرة على المنطقة وإخضاعها وإعادتها إلى عهود الاستعمار المباشر، تشكل بيئة جديدة لنهوض الحركة الشعبية والعمالية والوطنية على غرار المرحلة التي سبقت ثورة 23 تموز عام 1952، التي قامت من اجل تحرير مصر من السيطرة الاستعمارية والتبعية للغرب ومحاربة الفساد والرد على الخيانة والتواطؤ مع الاستعمار البريطاني في تمكين استيلاء الصهاينة على أرض فلسطين وتشريد شعبها.فاليوم تتكاثف كل هذه العوامل إلى جانب الأزمة الاجتماعية الحادة، وهو ما يفسر هذا الحراك السياسي والاجتماعي الذي تشهده مصر.
| |
|