دور الإعلام أثناء ادارة الأزمة
د.هشام عوكل .الجامعة الحرة هولندا
العالم اليوم يعيش حالة من التعقيد على جميع المجالات، وهو تعقد غالبا ما يُنتج الكثير من الأزمات، ابتداء من أزمة الذات المعاصرة، مرورا بالأزمات السياسية والاقتصادية ووصولا إلى الأزمة البيئية. فالأزمات طالت كل المجالات الحياتية وعملت على إعادة تشكيل العالم وفق رؤى تتجاوز قدرة المجتمعات والأفراد على التحكم فيها، سواء تعلق الأمر بالإرهاب، أو بالأزمة المالية، أو الحروب و الإبادة الجماعية، أو التهجير الجماعي للسكان، أو الكوارث البيئية. بالتوازي مع ذلك، فإن الأزمات غالبا ما تهيئ المجتمعات للتفكير في استراتيجيات جديدة فاعلة تساهم فيها كل القوى المجتمعية لتدشين مرحلة جديدة من الحياة.
ونظرا لكثرة الأزمات وتنوعها وتصاعد حدتها، سواء السياسية أو الاقتصادية، أو الثقافية، أو المجتمعية، تبرز أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في مصاحبة الأزمات، سواء من حيث دورها في إحداثها أو المساهمة في تفاقمها أو حلها. وتتباين الرؤى حول أهمية وحدود الدور الذي تلعبه هذه الوسائل بين المحتفين بها، والناقدين لها بشدة، بينما “ الحقيقة” تقع بين هذا وذاك.
فإن كانت وسائل الإعلام، بشقّيها التقليدي والجديد، تمثل فاعلا محورياً في صياغة عالم اليوم، فإنه يمكن أن تلعب دورا توعويا وتربويا مهما في خلق وعي بالأزمات من خلال الإخبار والشرح والتفسير، أو الميل إلى تغطيتها بطريقة درامية إثارية يغلب عليها التسطيح وتغييب وعي الأفراد. إن الاختيار بين هذين النمطين، هو الذي يجعل الإعلام يتموقع ضمن الفاعلين الساعين إلى تجاوز الأزمات، أو أولئك الباحثين عن تضخميها واستثمارها في الحصول على عائدات آنية.
وإذا وسعنا دائرة الأسئلة أكثر: كيف يكون الإعلام، بوصفه، مجالا بحثيا وممارسة مهنية، أداة فاعلة في إدارة الأزمات والسيطرة عليها؟ بمعنى آخر هل هناك “ ثقافة” معرفية ومهنية خاصة تؤهل الإعلاميين للتعامل مع الأزمات؟ كيف يتم توظيف الإعلام وإدارته أثناء حدوث الأزمات؟ هل يقتصر الأمر على المهنيين أم أن الأمر يتعدى إلى الأكاديميين؟ وما دور كل منهما؟ هل تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات بغض النظر عن طبيعتها: مالية، اقتصادية، صحية، بيئية، رياضية، ثقافية، سياسية، اجتماعية؟ هل تتساوى وسائل الإعلام في تأثيرها و توجيهها للأزمات؟ ما هي علاقة الخصوصيات الظرفية للأزمات بطريقة تناول وسائل الإعلام لها؟ هل هناك اختلاف بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في تغطية الأزمات؟ هل تؤثر الأزمات على وسائل الإعلام بطريقة تمس جوهر نشاطها المهني، وآلياتها التنظيمية، وطبيعة أشكال خطابها؟ كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المتنوعة؟ وأخيرا ماذا عن الموضوعية المعنية والالتزام بخدمة الحقيقة والأمن والاستقرار في العال
يمكن أن نتناول دور الإعلام أثناء الأزمة من وجهتين و هما:
1/- دور الإعلام أثناء الأزمة من وجهة نظر المنظّمات:
ترى أغلب المنظّمات أنّ الأجهزة الإعلاميّة تُسيطر على المعلومات ،و تعمل كمرشّح لما يتلقّاه الجمهور من أخبار و كيفيّة تفسيرها للأزمات ، من خلال تناول الإعلام أو عدم تناوله لقضايا يمكن أن تؤثّر على السّياسات العامّة الّتي تُتّخذ و كيفيّة تنفيذها و المعلومات الّتي يتمّ تغطيتها ، و رؤيتهم و آرائهم و النّغمة الّتي يقدّمون بها الموضوع يمكن أن تحدّد أو تُظهِر الأحداث و تشكّل اتّجاهات الرّأي العام.
2/- دور الإعلام أثناء الأزمة من وجهة نظر أجهزة الإعلام:
لا شكّ أنّ الإعلام يمثّل بؤرة اهتمام الرّأي العامّ عند حدوث أزمة، و الإعلام يمكن أن يلعب دورا جدّيّا و حيويّا في التّوعية بالأزمات المحتملة. و دور الإعلام الرّئيسي من وجهة نظر المسؤولين و المشتغلين بالإعلام هو التّأكيد على صالح المواطن و تبصيره لكلّ ما يمكن أن يضرّه ، و خلق إحساس بالمسؤوليّة الجماعيّة و تأكيد روح التّكامل و التّعاون.
و يسعى الإعلام عند حدوث الأزمات إلى الحصول على المعلومات اللاّزمة، و القيام بالاستعانة بالخبراء لإجراء التّحليلات و التّعليقات، و الهدف هو خلق رأي عامّ واع و مهّيأ لامتصاص ما حدث.
و من الضّروريّ في كلّ مرحلة من مراحل الأزمة إعداد تقرير إعلاميّ يتناول جميع عناصر الأزمة و تأثيرها، و خاصّة فيما يتعلّق بالجمهور و الرّأي العامّ ، و يجب العمل على توفير المصداقيّة مع الجمهور و الّتي تعتمد على احترام ذكائه و عدم الاستهانة بقدراته على التّمييز ، و على التّعرف على النّغمة الصّحيحة و العزف على الوتر الحسّاس ،دون إثارة مُبالَغ فيها للمشاعر و الّتي ينبغي أن يكون هناك قدر كاف من المعرفة بها من جانب المسؤولين بالإعلام.
ب- الاعتبارات الّتي يجب مراعاتها أثناء التّعامل مع الإعلام عند حدوث أزمة بالمنظّمة:
إنّ العلاقة بين أجهزة الإعلام و فريق إدارة الأزمات يجب أن تتمّ معالجتها بدرجة عالية من الدّقة و الحيطة و الحذر ، و هناك بعض الاعتبارات الّتي يجب مراعاتها أثناء التّعامل مع الإعلام عند حدوث، أزمة بالمنظّمة :
- يجب تلبية احتياجات أجهزة الإعلام الّتي تتطلّب معرفة الحقائق بسرعة و دقّة و وضوح.
- الإعلان عن الحقائق و تطوّرات الموقف بصورة واضحة لا تقبل الالتباس حتّى لا يحدث تحريف فيها.
- الاعتراف بالأخطاء و توخّي الأمانة و الصّدق في نقل المعلومات ، و توضيح أسباب حدوث الأخطاء لأنّ إنكارها و معرفة الإعلام بها من جهات أخرى يمكن أن يؤدّي إلى موقف غير مستحقّ من جانب الإعلام في تغطية الأزمة.
- مواجهة الغموض و عدم التّأكد و الانفعال المصاحب للأزمات.
- عدم اتّخاذ المنظّمة موقف الدّفاع عن النّفس و الإجابة على التّساؤلات بثقة و مصداقيّة.
- إعداد قائمة بالإجابات عن الأسئلة المتوقّعة مثل عدد الوفيّات أو الإصابات و الخسائر وقت الأزمة.
- يجب محاولة كسب ثقة و تعاون و تعاطف الإعلام و الموظّفين و الرّأي العام.
- الاستعانة بالمحامين و الخبراء لتحديد الوسيلة الّتي يمكن بها معالجة الموقف و إعداد المذكّرات و التّصريحات اللاّزمة للإعلام.
- مصداقيّة التّعامل مع الإعلام بلا تضخيم و لا تصغير للأزمة .
- توفير سجلاّت و إجراءات الأمن الخاصّة بالمنظّمة ، و إبراز أيّ تصرّفات بطوليّة للعاملين أثناء مواجهة الأزمة.
- الانتباه للصّور الّتي تأخذها أجهزة الإعلام، فليس للمنظّمة أيّ سلطة على الصّور الّتي أُخِذت.
ج- وسائل إعلام الأزمات
بما أنّ التّهديدات و المخاطر المرتبطة بالأزمة علاوة على ضغط الوقت ترفع من درجة التّوتّر و لاعقلانيّة الجمهور، و من ثمّ يكون أكثر عرضة للاستهواء و الوقوع تحت تأثير الشّائعات، كان من الضّروريّ تكرار الرّسائل التّحذيريّة. و قد أشارت الأبحاث أنّه كلّما زادت المصادر الّتي يسمع منها الفرد رسالة التّحذير و الدّفاع كلّما زاد الاعتقاد في مصداقيّته ،و لذلك فإنّ استخدام مصادر و قنوات إعلاميّة متعدّدة يزيد من احتمال وصول التّحذير أو المعلومة بالنّظر إلى فئات مختلفة من الجمهور ، كما أنّه يؤدّي إلى التّغلب على حالات التّشتّت المعتاد الّتي تنتاب بعض فئات الجمهور و نوضّح فيما يلي أهمّ وسائل الإعلام أثناء الأزمة:
1/- الصحافة المكتوبة
تلعب الصّحف دورا هامّا في تكوين الرّأي العام، فهي تزوّد الجماهير بالأخبار اللاّزمة لها، تنشر المقالات و تعكس آراء الآخرين، و هي تتميّز بخصائص معيّنة منها:
- أنّها تصل إلى جمهور كبير من مختلف الفئات.
- تُنشر دوريّا بصفة يوميّة.
- تغطّي مساحة جغرافيّة كبيرة في داخل الوطن.
- هي سياسة رخيصة التّكاليف إذا قيست بمدى انتشارها.
و لكن يجب أن يُؤخذ في الاعتبار أنّ قارئها يحتفظ بها لوقت قصير و لا يتعدّى اليوم الّذي صدرت فيه.
و موقف الأزمة كثيرا ما يؤدّي إلى دوافع صراع في العلاقات بين الصّحفيّين و مسئولي الاتّصالات أو العلاقات العامّة ، فإذا ما سعى هؤلاء من أجل التّقليل من الآثار السّلبية، فإنّ الصّحفيّين يسعون هم أيضا من أجل إجراء سبق صحفي منافس من أجل إحداث قصص إخباريّة مثيرة ، لذا كان لزاما على المنظّمات أن تكون درجة استجابتها في نقلها للأخبار بنفس سرعة الصّحفيين أو أكثر سرعة من أجل الحفاظ على صورتها.
و يمكن للمنظّمة استخدام عدّة وسائل للاتّصال بالصّحافة منها :
- النّشرات الصّحفيّة.
- المؤتمرات الصّحفيّة.
- الإعلان.
إنّ الإعلان في فترة الأزمة له خصوصيّاته ، و هي تتمثّل فيما يلي:
- خاصيّة الوقت: فالإعلان يستدعي السّرعة، و قابليّة الاستجابة السّريعة، إذ يمكن أن يُدرَك في مهلة زمنيّة وجيزة و يمسّ جمهورا كبيرا.
_ خاصيّة التّماسك: حيث أنّ الإعلان يضمن استمراريّة الرّسالة مع القدرة على المراقبة، فهو يسمح بإصدار رسالة معدّة مسبقا بدون مخاطرة التّشويه، و مراقبتها تسمح بالتّحقّق من المحتوى.
- خاصيّة الاستيلاء على الرّأي العام : فالإعلان يسعى للفوز بقلب الرّأي العام .
2/- التّلفزيون:
تهيمن النّشرة المتلفزة على الرّأي العام ، و تكون الكلمات في هذه الوسيلة أقلّ أهميّة بالنّظر إلى الصّورة ، كما أنّه لا يتمّ الإثبات و التّوضيح بل عرض المعلومات فقط ، لذا فعلى المنظّمة استعمال هذه الوسيلة من أجل الحدّ من جانبها السّلبي هذا.
إذن فعلى المنظّمة إمداد التّلفزيون بمعلومات وصور لتطوّر الأحداث مع التّركيز على إصلاح و تقليل نتائج الحدث على المتأثّرين به ، و ذلك حتّى تتوقّف تلك الوسائل عن نشر المعلومات و الصّور الأولى للأزمة ، و الّتي تكون في العادة أسوأ ما تمّ التقاطه من صور ، و هنا يفضّل التّركيز على وجود المسئولين في موقع الحادث و في الحقيقة فإنّ هذه الوسيلة يتمّ استعمالها عند حدوث أزمات خطيرة تهيمن بدرجة كبيرة على الرّأي العام.
3/- الإذاعة:
أصبحت الإذاعة في عصرنا الحديث من أهمّ وسائل الاتّصال إلى جانب التّلفزيون، فما زال للبرامج الإذاعيّة دور كبير في حياتنا اليوميّة.
و تُعتبر هذه الوسيلة وسيلة اتّصال جيّدة في حالة الأزمة، لأنّ لها خاصيّة التّنظيم و التّكرار للأخبار بصفة أحسن من التّلفزيون و الصّحف. لذا ففي حالة الأزمة يمكن إمداد الإذاعة بتسجيلات صوتيّة للمتحدّث الرّسمي باسم المنظّمة .
4/- الانترنت:
تسمح الانترنت بإبقاء ملفّ الأزمة الّذي تعدّه المنظّمة و تنشره على موقع خاصّ بذلك- على المدى الطّويل - فهي تمنح مجالا غير محدود من أجل وضع المعلومات المفصّلة، و تسمح بالاستعمال المباشر، و لكنّها لا تمسّ عددا كبيرا من الجمهور.
المصادر والمراجع .
1.مركز الشارقة للدراسات
2.موسوعة مقاتل من الصحراء