د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: مسئولية الشركات في الأزمة الاقتصادية العالمية 5/4/2009, 4:54 pm | |
| مسئولية الشركات في الأزمة الاقتصادية العالمية بقلم: د. طه عبدالعليم كان إهدار شركات الأعمال للمسئولية الاجتماعية بين أسباب الأزمة العالمية, بقدر ما أدي الجشع إلي نزع فتيل قنبلة الدمار المإلي الشامل التي صنعتها مقامرة' توريق' وتسويق مشتقات أوراق الرهن العقاري! وإذا كان انتهاك أخلاقيات' البيزنس' قد جعل قلة شديدة الثراء حين غادرت' الكازينو' عشية الحريق الذي تم بفعل فاعل! فإنه يرقي لأن يكون' جريمة ضد الإنسانية', بقدر ما ترتب عليه تقويض الأمن الإنساني لملايين البشر, الذين فقدوا الوظائف والمساكن, وسقطوا في براثن الحاجة والخوف, دون ملاذ آمن في أي مكان! وتضم قائمة أهم شركاء جريمة' الاحتيال المالي' البنوك الأمريكية الكبري عالمية النشاط, التي باعت أوراقا مالية بقيم تفوق قيمتها الفعلية بكثير ليشتريها الساعون إلي التوظيف الشاطر! وشركات التصنيف الأمريكية ذائعة الصيت, التي قدمت شهادات الجدارة الإئتمانية المزيفة للأوراق المالية المغشوشة مقابل رشوة معلومة! وعملية احتيال البنوك والشركات علي ضحاياها متعددي الجنسية المتلهفين إلي الثراء الخاطف يتضاءل بجانبها استيلاء رجل توظيف الأموال الأمريكي' مادوف' علي خمسين مليار دولار بالتمام والكمال في أشهر قصص هذه' الجريمة الكاملة'! وتضم القائمة إدارة ريجان, التي تبنت سياسات وتشريعات أطلقت' فوضي السوق' من عقالها! ثم إدارة بوش الإبن الجمهورية أيضا, التي كرست أيديولوجية السوق' الحرة من التنظيم والرقابة', ثم دفعتها ضغوط جماعات المصالح وأفكار الأصولية الرأسمالية إلي تجاهل' الكارثة المحدقة'; فأصابت أسواق المال بذعر امتدت نيرانه لتحرق صناعات عملاقة. وزاد الطين بلة حين قدمت إدارة بوش' خطة الإنقاذ' الضخمة المشبوهةCASHFORTRASH التي استهدفت تعزيز' غنم' أصحاب البنوك ليتضاعف' غرم' دافعي الضرائب, ثم عرقلت مساندة الاقتصاد الحقيقي! ولا نستبعد من قائمة الإتهام إدارة كلينتون الديموقراطية, حتي وإن قيل أن' ضغوط اليمين' قد جرفتها إلي الهاوية, فتصورت أن' دولة الرفاهة', التي حاولت بعثها تحت شعار' الإهتمام بالناس أولا', يمكن أن تواصل الحياة بفضل نمو اقتصادي ريعي أتاحته وفرة المدخرات العربية ثم الآسيوية, التي تدفقت للتوظيف في أمريكا! فقد ترتب علي الأزمة أن صار هذا التوظيف' الآمن والمجزي' محل شك, كما تكشف مطالبة الصين بحماية استثماراتها في أذون وسندات الخزانة الأمريكية! وفي ظل خفض البنك المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة لما يقرب من الصفر! ورغم' راديكالية' إجراءات تعزيز رقابة الحكومة علي سوق المال, وخطط الإنقاذ الاضافية اللاحقة والضخمة بدورها, بعد انتخاب أوباما, لا يبدو أن ثمة ضوءا في نهاية نفق الأزمة, ليس فقط بسبب قيود توازن القوي مع الجمهوريين, بل والأهم نتيجة استمرار تهرب البنوك والشركات من تحمل مسئوليتها الاجتماعية تكريسا لمبدأ تعميم خسائر الأزمة بعد خصخصة أرباح الوفرة! ونذكر أخيرا, وليس آخرا, بين الشركاء في' الجريمة الكارثة', أولئك الذين وفروا التبرير النظري لنهج العداء لتدخل الدولة والقطاع العام وتنظيم السوق! وتدني الإدخار وشبق الاستهلاك في المجتمع الأمريكي! و'مبتكري المشتقات', الذين ابتكروا أوراقا مالية يعاد بيعها مرارا وتكرارا, حتي تدهورت قيمة المساكن وانفجرت' فقاعة الإسكان' وانهارت أصول المصارف التي استثمرت فيها, وتوقف الائتمان أو كاد للصناعة وغيرها! ويقينا لا يمكن إعفاء الشركات من مسئولية عدم الاستجابة لدعوة إدارة كلينتون إلي' تصنيع أمريكا' لمواجهة مخاطر ضعف تنافسية صناعة السيارات الأمريكية وغيرها, لأسباب ليس أقلها شأنا اجتذاب قطاع التمويل للمبتكرين, بعيدا عن البحث والتطوير والانتاج الصناعي. فكان الحصاد المر تداعي الصناعة الأمريكية حين واجهت إعصار الأزمة رغم سياسات الدعم واجراءت الحماية; التي لم يستثمر في رفع انتاجيتها وكفاءتها وتنافسيتها وطاقتها الانتاجية! والواقع أن الشركات سعت إلي الريع الخاص السريع السهل بدلا من الجمع المسئول بين الربح الخاص والربحية المجتمعية. ومستظلة باجماع واشنطن وعدت شركات' وول ستريت' بأن تهطل أمطار النمو علي الفقراء, لكن الأخيرين لم يحظوا سوي برذاذ العوائد الريعية الهائلة للتوريق! وبينما عملت' لوبي' الشركات في الكونجرس علي مضاعفة إعفاءاتها الضريبية وتقليص برامج الانفاق الاجتماعي للدولة علي التعليم والصحة والضمان الاجتماعي, قلصت مفهومها للمسئولية الاجتماعية في تبرعات ومشروعات خيرية! ومع الأزمة ألقت الشركات بضحاياها من مشتري المساكن وموظفي التمويل وعمال الصناعة إلي قارعة الطريق دون رحمة! ومع الأزمة الاقتصادية العالمية تجدر, ليس فقط في أمريكا بل وفي مصر كما في غيرهما من البلدان, محاسبة رجال الأعمال من المستثمرين والمديرين إنطلاقا من مباديء المسئولية الاجتماعية التي تطورت في اقتصاد السوق وليس غيره! ولنتذكر, في سياق فهم أسباب الأزمة, مبادئ كيوسيTHEKYOSEIPRINCIPLES التي تطورت في شركة كانون اليابانية متعددة الجنسية بقيادة رئيس مجلس إدارتها مستر كاكوKAKU الذي تلخص تعريفه لأخلاقيات البيزنيس في:' نعيش ونعمل معا من أجل المصلحة المشتركة'. وطبقا لمبادئ كيوسي تصنف شركات الأعمال وترتقي, وفق معيار التحلي بالمسئولية الاجتماعية, إلي أنماط منها:' الشركة الرأسمالية النقية' التي تحقق النمو الاقتصادي, ولكن ينفرد مالكوها ومديروها بالأرباح, وقليلا ما يهتمون بالمستخدمين في الشركة, و'شركة تقاسم الأرباح' بين مالكيها ومديريها ومستخدميها, لكنها قليلا ما تهتم بما خارجها من مشاكل وأطراف. و'شركة المسئولية الاجتماعية المحلية', التي تحترم مصالح المساهمين والمديرين والمستخدمين, والمستهلكين والموردين والمنافسين والمجتمع المحلي, لكنها تبقي بمنأي عن المسئولية الوطنية! وفي حدود معلوماتنا لم يوجد النمط الأرقي للشركات التي تهتم, إلي جانب كل ما سبق, بالمسئولية الاجتماعية العالمية! وباختصار, فإن الشركة التي تتحمل المسئولية الاجتماعية تهتم بتعظيم أرباح جميع المساهمينSTOCKHOLDERS لكنها تهتم في ذات الوقت بمصالح وحقوق جميع الذين تتأثر مصالحهم بقرارات ونشاطات الشركة من الشركاءSTACKEHOLDERS. ولنتأمل, في سياق مواجهة آثار الأزمة, مثالا يحتذي قدمه الرأسمإلي الصناعي الأمريكي آرون فيرشتينAARONFEUERSTEIN الذي يملك مصنعا لإنتاج المنسوجات في ولاية ماساتشوسيتس احترقت معداته بالكامل في نهاية خريف عام1993, وقد قرر آرون علي الفور دفع الأجور المعتادة إلي ما بعد الكريسماس, رغم أن غالبية المستخدمين لم يعد لديه عمل يقوم به حتي تتم إعادة بناء المصنع! كما وعد أيضا بإعادة تشغيل جميع عماله حين تتم إعادة البناء, وهو ما تحقق بالفعل مع نهاية عام1997, حيث عاد للعمل كل من رغب في العودة! وفي مارس1996, كان صاحبنا آرون- مالك' شركة المسئولية الاجتماعية' هذه ضيفا في برنامج حواري تلفزيوني مع دانلوب كان مالكا' شركة رأسمالية نقية', ودار الحوار حول خفض حجم العمالة وغيرها من القضايا الأخلاقية. وبينما أعلن دانلوب أن' الشركة تتأسس وتعمل في مجال الأعمال من أجل تحقيق الربح للمساهمين. هذا هو أساس نظام المشروع الحر. إن البيزنس ليس عملا اجتماعيا'! رد آرون بان' مسئولية الشركة بالنسبة لي تعني بالفعل ضرورة مراعاة مصالح المساهمين, لكن هذا ليس كل المسئولية. فالمسئولية تشمل العمال والموظفين والحي والمدينة, وعلي صاحب العمل أن يوازن بحكمة بين هذه المسئوليات المختلفة, وأن يسعي للعدل في مراعاة مصالح كل من المساهم والعامل'. وحين تدخل المحاور قائلا' إن الاحتفاظ للعمال بوظائفهم رغم إغلاق المصنع يكلف المساهمين أموالا'! رد آرون' نعم, إن هذا يكلف المساهمين. لكن الجودة والكفاءة التي تتمتع بها مصانعنا مصيرية بالنسبة لسلامة شركتنا. إن العمال ثروة لها قيمة. إنهم ليسوا مجرد تكلفة يمكن تقليصها. إنهم البشر الذين يصنعون الجودة لنا.. ومنتجاتنا هي الأفضل في السوق لأن لدينا عمالا متميزين للغاية'! وعلق دانلوب' لقد تخلصت من35% من المشتغلين في شركتي'! فرد آرون' إننا نشعر بالمسئولية تجاه البشر ونقلق عليهم, وعادة ما نحاول وبنجاح خفض العمالة بينما تتوسع في أقسام أخري حين يتطلب التقدم التكنولوجي خفض عدد المشتغلين, وبذلك نستطيع تخفيف الألم. إننا نركز بدرجة أقل علي خفض تكلفة العمل, وبدرجة أكبر علي البحث والتطوير من أجل ابتكار وإنتاج سلع أكثر جودة لنتميز في السوق, ونحقق أرباحا أعلي, ونتقاسم مع عمالنا الرفاهة', مؤكدا أن' أجورنا أعلي من متوسط الأجور في هذه الصناعة'! ويبقي السؤال: كم من شركات الأعمال المصرية يتحلي مالكوها بالمسئولية الاجتماعية بحيث يتقاسمون الأرباح والخسائر مع عمالهم في زمن الأزمة؟ والأهم ماذا تعني المسئولية المجتمعية والتنموية والوطنية لشركات ورجال الأعمال في مصر قبل وأثناء وبعد الأزمة؟ والحديث متصل! نشرت بجريدة الأهرام عدد 6\4\2009 | |
|