التكالب على السلطة في غابة الذئاب
بقلم عزالدين مبارك*
في عالمنا العربي المليء بالعجائب والأساطير والتناقضات نعيش هذه الأيام مشهدا سرياليا ينتقل فجأة وبدون مقدمات من الملهاة إلى المأساة كالمسرح الإغريقي. وقد تحول الربيع العربي الذي بدأ حلما ورديا ودفئا إلى شتاء قارص تخللته البروق والزوابع والاهتزازات البركانية.
والمحدد الأساسي لهذا التحول هو الواقع الفكري والسياسي للشعوب العربية وخاصة النخب منها والتي بقيت حبيسة منظومة فكرية تتمحور حول التكالب على السلطة والاتكاء على ناصية الريع الوظيفي وإقطاع الدولة الاستبدادية النافية للآخر الخارج عن بيت الطاعة.
فالسلطة بمفهوم التحوز القهري للثروة ثم توزيعها على الموالين وعبدة المال والأوثان وبائعي الضمائر فهي سلطة متعالية على الأفراد وعلى الدولة ذاتها ولا تحكم إلا حسب نزواتها الذاتية ولا تفكر أبدا في المغادرة وهي الجاهلة لمكر التاريخ وصيرورة الزمن.
وتصرف السلطة على هذه الشاكلة نابع من استكانة الرعية وتزلف النخب لها سرا وجهرا حتى أصبحت المناصب الإدارية حكرا على الولاءات ولعائلات بعينها ولا حديث عن الكفاءة والعلم والمصداقية وهكذا تصبح الدولة كائنا ممسوخا في خدمة بعض الأشخاص وحقا خاصا مكتسبا وكل من يعارض ذلك يصبح ملعونا وخارجا عن العرف والعادة.
فالسلطة بالمفهوم المتخلف للكلمة هي غنيمة تدر على أصحابها الجاه والثروة والقوة وإشباع النزوات والغرائز مادام القانون غائبا وفاقدا لفاعليته ولا يمكن تنفيذه عليهم مهما تعددت أخطائهم وتجاوزاتهم وحماقاتهم. فالقانون لا يطبق إلا بالتعليمات الفوقية ولا يسلط إلا على البسطاء والمستضعفين في الأرض.
فالجشع السلطوي والتكالب على المناصب بدون مشروع مجتمعي وإفادة حقيقية للناس سوى التباهي والحصول على المنافع المادية الشخصية ومساعدة الأقارب والأبناء لا يؤدي بالمحصلة إلى فائدة تذكر بالنسبة لبناء الدولة الحديثة والقطع مع الماضي الاستبدادي التسلطي والمتخلف.
ويتعجب الكثير من الناس عن حال التخلف الذي نعيشه من جميع النواحي والسبب بين وجلي أمام أعيننا وهو التكالب على السلطة من أجل منفعة شخصية وذاتية و نزعة فردية لخدمة القلة وتكديس الثروة وإفساد المجتمع حتى تتحول الدولة مزرعة خاصة والمواطن فيها عبد من العبيد لا رأي له ولا مشورة ومفعول به قسرا .
وفي ظل التغول الذي يزيد بأسا وشدة مع مرور الأيام حتى يخال صاحب السلطة أنه شبه إله بمفعول سحر جوقة المريدين والشعوذة السياسية المحيطة به فيتطور به الأمر إلى حالة مرضية مستعصية فيبدد ثروة البلاد ويدخل في صراعات لا طائل منها حتى تأتي إلى قصره الغربان والذئاب فتحوله إلى خراب ينعق فيه البوم.
وهكذا يتحمل المواطن وزر التكالب على السلطة وسكوته عن مواجهتها وسلبيته عند إحجامه عن نقدها ومسايرتها في أعمالها الشيطانية وقبوله بالقهر والاكتفاء بفتات من ثروة بلاده واعتبار ذلك فضلا عظيما وليس حقا طبيعيا.
وكل سلطة وخاصة إن جاءت من بيئة متخلفة ومقهورة كحال البلدان العربية لا تعنيها بالقطع المصلحة العامة والمواطن فهدفها الأول والأخير التمكن من الدولة والبقاء في الحكم أطول فترة من الحكم باستعمال نفس الأساليب القديمة والتي جربت فنجحت وهي ليست معنية بالإصلاحات والبناء ففاقد الشيء لا يعطيه.
فالقهر والاستبداد يولد الخوف من العودة إلى الوراء وأيام الشدة والبؤس والتلاشي وهذا في حد ذاته مبعث ريبة وتلهف على استغلال الفرصة التاريخية واستعمال كل الحيل لترويض الأفاعي وقلع أضراس الذئاب الجائعة لوليمة مازالت تبحث عن مدعوين وعرسان جدد.
فالذاكرة السياسية العربية المثقوبة لا تغادرها كوابيس الماضي بسهولة ولذلك تحول الربيع العربي من آمال مجنحة إلى فترة من الشك والتساؤلات والتراجعات المخيفة والتناحر حول كعكة مسمومة في ظل صخب يصم الآذان ولا نرى دخانا أبيض في آخر الطريق.
ومن مكر التاريخ العربي الغريب الأطوار إننا مازلنا نلعب على حواشي الأشياء ولم نفهم من التطور الحضاري الإنساني غير القشور الفارغة ولم نتمسك من الماضي بغير فواح البخور وتوليد آليات الاستبداد والتكالب على السلطة حتى وإن كانت مفسدة مطلقة وفي غابة من الذئاب النهمة والجائعة.
*كاتب ومحلل سياسي