إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الكاتب الجزائري شرف الدين شكري ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
tarek
عـضــو




ذكر عدد الرسائل : 32
العمر : 43
التخصص : la sociologie
الدولة : algerie
تاريخ التسجيل : 16/02/2011

الكاتب الجزائري شرف الدين شكري ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة Empty
مُساهمةموضوع: الكاتب الجزائري شرف الدين شكري ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة   الكاتب الجزائري شرف الدين شكري ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة Empty8/1/2012, 12:41 am

الكاتب الجزائري شرف الدين شكري لـ"آفاق": ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة
1


شرف الدين شكري
0

1
أجرت الحوار- ياسمين صلاح الدين
1
قال الكاتب والباحث الجزائري شرف الدين شكري إن ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة، والحدّ من عجلة ميل الكفة إلى الطّرف المُهيمِن. وفرّق شكري في حوار خاص مع موقع "آفاق" بين المثقف النقدي الذي يجابه شرطة المكان والزمان، وبين المثقف السّطحي الذي وهبَته بورجوازية الأمية فُرصَةَ اعتلاء مكانة مرموقة في سلَّم الأنشطة الثقافية.
واعتبر شكري عام 2008 عام الركود في الجزائر على أكثر من صعيد. وقال "أقول بأنها كانت كسابقاتها، منحدرا خطيرا يهوي بالعقل وبالنور إلى هاوية ظلماء، تجعل هذا الوطن، مهما تكدَّست الأموال في بنوكه، يَسْـقُطُ أخلاقيا، ويخسر اقتصاديا، ويُفلس في برامجه التربوية ومشاريعه الأكاديمية والبحثية شبه الغائبة عن عمق الأزمة...سنة بعد سنة".
وفي رده على من يقولون بأن زمن المثقف انتهى وأن هذا الزمن وهو زمن السياسة والمصالح قال شكري "هذه مقولة رومانسية خالصة. المعارف تتواجد وتتفاعل فيما بينها في كل العصور وحده الفكر كفيل بإشعال فتيل انبثاقها".
وأضاف "إن السياسة وُجدت أصلا لأجل خدمة المصالح الإيديولوجية، وأما الثقافة فقد وُجدت لكي تتعارض مع هذا الاتجاه. ودوما كانت السياسة ذات منحى تدجيني، والثقافة ذات منحى تحرُّري. ولذلك فإن الدول التي تحققت فيها الإنجازات الثقافية بشكل راق ومتطوِّر، هي دول عرفت كيف تمنح السياسي عطلةً ذهنية ثقافية، واكتسبت شرعيتها من طلاق الثقافي من السياسي، وبالموازاة من ذلك تطوَّر السياسيُّ بدوره، واكتسب شرعيته هو الآخر".
وفيما يلي نص الحوار
آفاق: اتفق أغلب المثقفين الجزائريين على أن سنة 2008 كانت سنة للركود على أكثر من صعيد. ما رأيك؟
شرف الدين شكري: لو تم طرح هذا السؤال خلال السنوات الفارطة على المثقف الجزائري الذي لا يقتات من سلة ما تدرّ به الدولة من صدقة على المثقفين، لكانت الإجابة دوما بنعم.
المثقف النقدي لا تحكمه الرُّقعة الجغرافية التي يتواجد فيها (والتي تتسم على تعدُّدها ببعض الصفات المُشتَرَكة)، بقدر ما تحكمه نوعية الخطاب الثقافي السائد في بلده. ولذلك فإن إجابة المثقف النقدي في مصر أو سوريا أو المغرب، أو أية دولة عربية أخرى ستكون شبيهة بإجابة المثقف النقدي في الجزائر ولكن بدراجات مختلفة نوعيا، وهي أنّ سنة 2008، كانت سنة ركود.
الركود صفة يُنعِتُ بها الهامش المركزَ في الغالب، إلا أن الثقافة السائدة في دولة ذات حقوق مدنية عريقة مثلا، وذات مكتسبات ديمقراطية لا يمكن لها أن تحول، يختلف عن الركود الذي تشهدُهُ الدول الفقيرة إلى الحريات الشخصية والحقوق المدنية والمكتسبات الديمقراطية المتينة.
لم توجد الثقافة النقدية للتهليل أبدا مهما كان الخطاب السائد. فالقوةُ التي تستمدَّ منها السلطة مكانتها– مهما كان نوعها- هي ضعفُ الطرف المحكوم، لذلك وُجدت ثقافة النقد لأجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة، والحدّ من عجلة ميل الكفة إلى الطّرف المُهيمِن، والعمل بقدر الإمكان على جعل الكفتين في توازن متشابه.
قليلةٌ هي المجتمعات التي حققت اعتدالا بين الكفّـتين، ولكنّ الأمر – أي تحقيق الاتزان- لم يعد مستحيلا في ظل توافر الشروط العقلية والاستعدادات العلمية والتقنية التي تسمح بذلك. إلا أن المرجعيات الذهنية – كما هو الحال في أغلب البلاد الإسلامية والعربية - والاغتراب الحاصل بين الطبقة الحاكمة التي استأثرت بهرم الحكم وبالسلطة الرمزية، أي بالقوة المطلقة وغير العقلانية، والطبقة المحكومة، يجعل هذا التطبيق شبه مستحيل، ويُسقط كل محاولات الإصلاح، ويدفع بها إلى أجلٍ لا يمكن أبدا التنبؤ بزمن انقضائه.
هل كانت سنة 2008 سنة للركود على أكثر من صعيد؟ أقول بأنها كانت كسابقاتها، منحدرا خطيرا يهوي بالعقل وبالنور إلى هاوية ظلماء، تجعل هذا الوطن، مهما تكدَّست الأموال في بنوكه، يَسْـقُطُ أخلاقيا، ويخسر اقتصاديا، ويُفلس في برامجه التربوية ومشاريعه الأكاديمية والبحثية شبه الغائبة عن عمق الأزمة...سنة بعد سنة.
آفاق: شهدت السنة الماضية مصادرة للفكر بدأ بصالون الكتاب وما تعرض له من رقابة شديدة وصلت حد التضييق على الكتاب وعلى الناشرين.
شرف الدين شكري: إنَّ مسار حرية التعبير وأداء المثقف في الجزائر (أُحِبّ أن أتحدَّث دوما عن المثقف النقدي بمفهوم محمد أركون، كي نميِّز بين صاحب الشهادة أو الموظِّف في حقل الأنشطة الثقافية، وبين المثقف صاحب الرؤية أو التصوُّر المؤَسَّس وفق مرجعية ومنهجية معينة) هذا المسار في الجزائر، يُعدُّ هشًّا جدا، وحديث عهد إذا ما قورن بالمسارات المختلفة التي خطت تاريخ الشعوب الأخرى، وهو مسارٌ حافلٌ بالمخاطر التي وضَعَتها في مجابهته مختلف الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، والتي أرسَت دعائم صولجانها لا بالعقل، بقدر ما اعتمدت في ذلك على التكتلات العشائرية المسلَّحة، والتمويهات الشعائرية.
فالسياسي الحاكم عندنا، لم تخنه أبدا فطنة دهائه – الثعلبية - في الارتكاز دوما على العصا والشفاعة أو شفاعة العصا، وظل يردِّدُ مطلق حكمه دوما مع كورس المهللين، والذين يعتمدُ عليهم في تبرير تصرُّفاته، والذين لا يختلفون في العادة بين حاكم وآخر إلاّ شكلا ربما بسبب تكدُس سني – القِوادة- على كاهلهم وشحوب سحنهم التي استوفت تاريخ صلاحيتها، وظلت على تاريخ عهدة القوادة سائرة، من ديكتاتورٍ إلى آخر.
آفاق: أيضا قضية منع إصدار كتاب لمحمد بن تشيكو ومداهمة المطبعة التي كانت بصدد طبعه بأمر صادر عن سلطات عليا، وعزل مدير للمكتبة الوطنية الروائي أمين الزاوي من منصبه.
شرف الدين شكري: مصادرةُ العناوين النقدية التي تمسُّ بالقواعد الهشَّة لتلك الحكومات الدكتاتورية، مَنْـعُ أسماء مهمَّة من تداول القراءات التفكيكية للبنية الزنخة لذهنية العربي والمسلم الواهنة، وجعلها تشكُّ ربما للمرة الأولى بعد قرون عدة في المغالطات التاريخية الخطيرة، وفي (مكتسباتها) الجاهزة، مُصادرة أدوات التشهير العلني لفداحة الموقف الرّاهن الذي يقف عليه أولو أمرٍ مشكوك في نزاهتهم، إقالة بيادق أرادت أن تتسلَّل إلى مناصب أعلى في طاولة شطرنج هذا الوطن، بعد أن كانت على عهد وثيق ربما بميثاق الرضوخ، استحواذ السلطة المؤبَّدة على شرعية التاريخ، وتعريته من سلطة النقد الأكاديمي، وإلغاء محدودية الحكم الذي لا يمكن له أن ينتهي وسط مجتمعات مقموعة وذات نسبة عالية من الأميين، كل هذا، وأكثر، يجعل من سيناريوهات السقوط أشياء محتملة يمكن للعاقل أن يتنبَّأ بها، وبأعتى منها مستقبلا.
آفاق: أليس هذا تراجعا في مسار حرية وأداء المثقف في الجزائر؟
شرف الدين شكري: طبعا لا ! فهو استمرار للمسار الخطأ الذي انتهجته هذه الدولة في بناء ذاتها بعد الاستقلال مباشرة.
آفاق: طيب دعني أسألك عن موقف المثقف من كل ما يجري على الساحة الثقافية والسياسية في البلاد؟
شرف الدين شكري: كما ذكرت أعلاه، هناك المثقف النقدي الذي يجابه شرطة المكان والزمان التي لا تهدأ أبدا، أي أنه يشارك في ديناميكا صناعة الحياة، حتى ولو كان ذلك بشكل عسير، وحدَهُ الزمن سيذكره له– الزمن الآتي طبعا ! – وهناك المثقف السّطحي الذي وهبَته بورجوازية الأمية فُرصَةَ اعتلاء مكانة مرموقة في سلَّم الأنشطة الثقافية البسيطة جدا: كالكتابة الغرامية التي يقتات منها القراء المراهقون، أو الشوفينية الوطنية التي يعتمدُ عليها النظام الديكتاتوري القائم، أو الدينية التكفيرية التي يعلقُ بها مجرمي المجتمع وضحاياه على حبل غسيلٍ واحد....
آفاق: هنالك من يعتبر المثقف متواطئا مع هذا الركود لأنه لا يعمل على تغييره.
شرف الدين شكري: طبعا نعم، وطبعا لا ! فالمثقف الذي عرف كيف يرسم الإنسان الجزائري بشكل مغاير في مرحلة الاستعمار الفرنسي الجائر والمشوِّه في العمق للهوية الوطنية، هو نفسه من يرسم امتداد ذلك الاستعمار في شكله الراهن، عبر مستغلِّي الرموز الاستعمارية، والذين عرفوا كيف يوظفونها لأجل استعمار أبناء بلدهم اليوم.
والمثقف الموظَّف – حسب تعبير أدونيس- هو نفسه من كان يتغنى بعيون الجريمة فيما مضى، ولا يزال يتغنى بعيون الجريمة اليوم. وربما أفضل مثال سأسوقه الآن، هو المثقف الموظف الذي يعتلي سدَّةَ أعلى هيأة ممثلة للكُتّاب في البلاد اليوم، والذي تم تنصيبه من قبل وزارة الثقافة، لأجل السكوت عن جرم تقتيل الثقافة في هذا الوطن، وإبعاد صوت الأدباء والكتَّاب وإلاَّ فبماذا نفسر سكوت اتحاد الكتاب الجزائريين عن قضايا الرأي الخطيرة التي مسَّت وضعية المكتبة الوطنية، ومكانة أدونيس في الخطاب العربي الراهن بعد تكفيره بشكل طاعن من قبل هيأة دينية مفلسة وبلا غاية في الجزائر، وسكوته حتى على المجازر اليومية التي تطحن الإنسان العربي في غزة، وأمّا الحديثُ عن برنامج إنعاش اقتصادي حقيقي يرسِّخ مكانة الكاتب والمُبدع الجزائري، فهذا أمرٌ ،لا يزال بعيدا كل البعد عن القدرات الذهنية البسيطة لممثل هذا الإتحاد .
آفاق: هنالك أيضا انشغال المثقف الجزائري بالمعارك الشخصية التي انفجرت بين الأدباء (حرب واسيني ضد الطاهر وطار، وحرب أمين الزاوي ضد أحلام مستغانمي).
شرف الدين شكري: المعارك الشخصية التي ذكرتِها والتي يحرِّكُ تفاصيلها بعض الكُتَّاب المعروفين، فإنها معارك تدخل في سياق سلوكيات الدّلال الذي يحتكم عليه من نالوا حظهم من غنائم الحرب ضدَّ الأمية العالية التي تنخر البلاد.
آفاق: على ذكر أحلام مستغانمي فقد أعلنت أنها طلّقت فكرة الإشراف على جائزة مالك حداد احتجاجا على الواقع الثقافي الذي وصفته بأنه واقع تسوده الرشوة والمحسوبية والمعارك الخاسرة.
شرف الدين شكري: لم اعرف مسابقة ثقافية نزيهة في هذا الوطن، لم اعرف حُكْما نزيها واحدا في هذا الوطن. "أحلام" كما يدلُّ عليها اسمها، انقادت بشكل طيبٍ جدا وراء أحلامها بإرساء جائزة أدبية نزيهة، تكرِّس الأعمال المتميزة، وتدفع بها إلى فضاء إشهاري أرحب كي ينال الأديب حقه المشروع وحين اصطدمت أحلامها بمافيا القِوادة السياسية وآكلي لحوم الإبداع، ومهرِّبي حقوق الأدباء ومستحقاتهم، وكومندوس الشوفينية المشوَّهة التي لا تكفُّ عن التصفيق لحكّام الأميين – وليس الأُمويين طبعا! - واستحال الحلم إلى كابوس، خرجتْ في الطبعة الأخيرة لتلك الجائزة بكلمتها الشهيرة التي فضحت تأزُّم الوضع في البلاد على مختلف مستوياته، وأعلنتْ تعليق الجائزة أو نقلها إلى بلد آخر، كدليل على العلامة المميزّة الحالية التي لا نُحسدُ عليها أبدا، والتي تعيشها البلاد موسومةً بسكوت شبه شامل.
آفاق: وكيف تفهم كمثقف وباحث الحملة التي تعرضت إليها الروائية أحلام مستغانمي وهي التي أسست مساحة للإبداع وفتحت المجال للعديد من الأدباء كي يظهروا عبر جائزة مالك حداد؟
شرف الدين شكري: بطبيعة الحال، لا يمكن لحادثة فاضحة كهذه أن تمرَّ دون أن تدافع الهيئات المتسببة بشكل مباشر على إفلاس هذا الوطن ثقافيا عن نفسها ، وأن تجنِّدَ كومندوس الرداءة والشوفينية، كي تواصل بعد الضمان المسبق لأفول تلك الجائزة غناءها النشاز وحدها على غصن خيبتنا التليدة. يبدو الأمر غريبا، ولكن "الجزائري يمتلكُ فعلا، طاقة رهيبة لتدمير كل ما هو جميل"! حسب تعبير أحد الصحافيين الجزائريين في تسعينيات القرن المنصرم.
آفاق: سأنتقل بك إلى سؤال آخر: حدثني عن الحركة الثقافية في مدينتك "بسكرة" وماهي الميزات الإيجابية التي حققتها على الصعيدين الفكري والأدبي؟
شرف الدين شكري: مدينة بسكرة، مدينة داخلية تقع في الشرق الجزائري، وتُعتبر بوابة للجنوب الكبير. مدينة تقبع بين الموت والحياة. مدينة استهوت الكثير من الرسامين والكُتّاب والفلاسفة. استهوت "أندريه جيد" الذي كتب فصولا عدّة من "الأغذية الأرضية" و "اللاأخلاقي" و"يومياته" فيها، وكذلك أنتول فرانس، و"بونابارت الثالث"، و"بول مكارتنيه" ، و"ماركس"، والعربي بن مهيدي، ومحمد العيد آل خليفة، وابن خلدون الذي عاش فيها تسع سنوات، وبدأ فيها كتابه الشهير "المقدِّمة".
هي مدينة تقع بين طرفي الموت والحياة. فيها من الأخضر الشيء الكثير- أكثر من خمسة ملايين نخلة، فريدة الجودة عالميا- ومن اليابس الكثير. مدينة كلّ المتناقضات. لهذا ربما، كانت دوما سبَّاقة إلى قيادة مسار الفكر في هذا الوطن منذ مرحلة الاستعمار الفرنسي.
وكغيرها من مدن الجزائر، فإنها تفتقد اليوم لذلك الطابع السياحي، وتلك الروح الثقافية، وتلك البنية المعمارية المحلية، بعد انتهاج الدولة سياسة الإهمال المتعمِّد لكل ما من شأنه أن يُسعف الموروث الثقافي وينمِّيه كمكسب ديناميكي متجدِّد، يعكس هوية ديناميكية متغيّرة ومتأقلمة مع فضاءات المعرفة الجديدة.
لقد تمكنت خلايا الحزب الواحد لعدَّة عقود من تسيير شؤون المدن الجزائرية بمطلقية تامة، بحجة الانتماء الثوري لا غير، ولذلك فإن المستوى التعليمي لتلك الفئات - عمومها طبعا - كان جدُّ محدود، ممّا جعل المكتسبات القديمة تشيخ، وتتآكل، وتندثر مع مرور الزمن، وتفقد طابعها النشيط، وتعجز في الأخير عن مواكبة مستجدات العصر، وتنعدم. إنها سياسة التجهيل التي تقود مصير هذا الوطن في العمق، و يا له من مصير!
آفاق: هنالك من يقول بأن زمن المثقف انتهى وأنه زمن السياسة والمصالح؟
شرف الدين شكري: هذه مقولة رومانسية خالصة. المعارف تتواجد وتتفاعل فيما بينها في كل العصور وحده الفكر كفيل بإشعال فتيل انبثاقها. ربما نستطيع أن نطرح هنا سؤالا أركيولوجيا خالصا: لماذا يا ترى تتواجدُ هذه المعارف، بدل تلك؟ لماذا يا ترى أصبح السياسي هو الذي يقود بدل الثقافي - جدلية سلطة السياسي والثقافي - ؟ لماذا ارتبطت فكرة المصالح بالنشاط الثقافي، وأُسيء استيراد فكرة مجازاة العمل الثقافي، بحيث ارتبطت هذه المجازاة بالمحسوبية والرّسالة المسيّرة والمنمَّقة وخدمة خطاب الحاكم، بدلَ العمل على تنمية العمل الإبداعي الحقّ الذي يؤكِّدُ على الجديد، بدل تكريس تلك الأوجه الثقافية الباهتة؟
الخطأ لا يعود إلى المصطلح أو المفهوم كما أكّدتُ دوما، الخطأ يعود إلى سوء استيرادنا لمفاهيم هي منّا براء، جعلتنا نغتربُ في تبنينا لها، وجعلتْ الفعلَ يتنافى مع مضمونها.
إن السياسة وُجدت أصلا لأجل خدمة المصالح الإيديولوجية، وأما الثقافة فقد وُجدت لكي تتعارض مع هذا الاتجاه. ودوما كانت السياسة ذات منحى تدجيني، والثقافة ذات منحى تحرُّري. ولذلك فإن الدول التي تحققت فيها الإنجازات الثقافية بشكل راق ومتطوِّر، هي دول عرفت كيف تمنح السياسي عطلةً ذهنية ثقافية، واكتسبت شرعيتها من طلاق الثقافي من السياسي، وبالموازاة من ذلك تطوَّر السياسيُّ بدوره، واكتسب شرعيته هو الآخر.
في الدول المتخلِّفة إذن، لم يتطوَّر أي خطاب، لأنه لم يأخذ شرعيته من تخصُّصه، مما جعلنا نعيش نوعا من البراغماتية المتوحِّشة، التي يمكن تسميتها بسياسة المصالح أو الانتهازية الظرفية التي أفرغت المعارف من أنساقها الصحيحة المُعدَّة لها. ولذلك وجب النظر اليوم في خبايا هذه السياسة المريضة، من اجل التفكير في إمكانية تصويبها ووضعها على المسلك الصحيح الذي أُعِدَّت لأجله، كلٌّ بحسب تخصُّصها، وإلاّ فإن الكارثة التي نعيشها اليوم ثقافيا، ستتفاقم أكثر وسوف يتواصل نزيف الفقد إلى مالا تُحمدُ عقباه، وننقرض مثل الشعوب القديمة التي لم يتبقى لها ما تعطيه للتاريخ ،مثلما عبّر عن ذالك أدونيس.
آفاق: هذا يعني أن وزارة الثقافة أعلنت إفلاسها إزاء هموم وحاجة المثقف إلى قانون يحميه إبداعيا وإنسانيا؟
شرف الدين شكري: ينبغي هنا الحديث عن شرعية المؤسسة في حدِّ ذاتها. فالمؤسسة التي لا تتمتَّع بشرعية التمثيل، والتي يكون همُّها، وشغلها الشاغل هو تشريع كل الحملات الإشهارية التي تخدُم الحاكم، بدل العمل على حماية المثقَّف، وتنمية الوضعية الاجتماعية له، وحماية العمل الإبداعي وتسطير ورشات تكوين والدفاع عن حرية الاختلاف التي تتعارض حتما مع هفوات الحُكم وإعادة تقييم المُكتسبات لأجل تطويرها، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة التي تعكس همّ رجالات الثقافة، والاشتغال على تنمية النتاج الثقافي المجدِّد والمتعقِّل، بدل الفولكلور السّليقي الجاهل، هي مؤسسة وجب النظر في شرعيتها أصلا!
ولكنّ هذا الـ"حلم" لا يمكن له أن يتأتى إلاّ ضمن سياق إصلاحي شامل يبتدئ من القمة، كي يمتدّ من ثمة إلى القاعدة.
الخطاب الثقافي، ليس خطابا منفصلا عن باقي الخطابات المؤثرة في حياة الشعوب، هو جزء لا يتجزَّأ من تلك الديناميكا وذلك النتاج المتولِّد عنها. ولنا أن نرى بأم أعيننا وضعية الإنسان الجزائري والعربي اليوم، وأن نحكم على شرعية ونوعية ونظام السلطات التي تسيره. هي شرعيات واهنة، عجوز، متشايخة، ودهاؤها صار يوحي بالضحك عليها أكثر من احترامها.

تهميش المثقف واغتياله نفسيا: مسؤولية من؟

شرف الدين شكري

الجزائر نيوز : 09 - 08 - 2010

لتعريف ''المشهد الثقافي'' سوف أعتمد على مدخل سوسيولوجي بسيط وذكي جدَّا، جاء في تعريف الثقافة، لعالِم الاجتماع الجزائري، وادي بوزار: ''الثقافة ليست في الطبيعة• الثقافة ليست في الزهرة• الثقافة متواجدة في حركتنا على الطبيعة ورؤيتنا للزهرة'' والمشهدُ الثقافي، حسب رؤيتنا الخاصة، يتأثّثُ حمتا من تعريفنا وفهمنا لنوعية ارتباطنا(علاقتنا) بالطبيعة التي تحيط بنا•
لا تحمل الطبيعة أية ثقافة، مهما كان نوعها• تهوى الطبيعة ممارسة لعبة العقر أمام المعنى• وحدها الثقافة تكفلُ للإنسان قوّة اختراق ذلك العقر وإضفاء المعنى• ووحدها الثقافة النقدية تكفلُ للإنسان قوّة تجديد معنى الحياة• فتغدو الصخرة التي تتأبى أمام المعنى، بشرية كانت أو جمادا، حمّالة حياة وجمال، وربما أيضا حمالة موتٍ وفناء! ••• أي أن ديناميكا اللاّحراك، تخرج عن صمتها وتأخذ معنى لها عبر تبنيها للحركية، فتخلق أو تُبدع بذلك كرونولوجيا التمايز، في شكل زهرة بريّة مسلّحة بأشواكَ تدافع بها عن نفسها من تأويلات المثاقفة، وتطرح للمؤوِّل أيضا مراوغات لا نهائية من الفتوحات والخروقات والتفكيكات والبنى والمعاني التي تضمن لها إمكانية مواصلة الحياة، وفي نفس الوقت إمكانية حدّها والقضاء عليها• كل الاحتمالات واردة في لغة ''الطبيعة والزّهرة''•
لم تتفق أية ثقافة أو حضارة عبر مرِّ العصور على تعريف صريح للطبيعة: حسب آرثر لوفغوي Arthur Lovejoy هناك أكثر من ستة وستين تعريفا للطبيعة• فالمعنى الزئبقي الذي تحمله الطبيعة يستمدُّ حياته من لزوجة جوهر الطبيعة البشرية الذي لا يمكن اختزاله ضمن قمقم أية منظومة أخلاقية أو قانونية إلاّ نسبيا• ولذلك فإن الإنسان العادي محكوم من قبل تينك المنظومتين اللتين تجسدان معناهما المادي عبر خضوعه• ولذلك أيضا فإن المُبدع أو المجهَّز بثقافة النقد لا يمكن له إلاّ أن يدخل في مجابهة مستمرّة مع تينك المنظومتين، مدفوعا بالقناعة والالتزام الصارمين بلزوجة الطبيعة، وباستحالة إخضاعها لأي نوع شُرطي يقضي عليها ويغمرها باليباس• هذه هي ميكانيزما السياسة الداخلية ل ''المعنى'' التي تتشكلّ دوما من معنى محافظ، ومعنى مجدّد• ربما نستطيع اختزال ذلك عبر كلمة أدونيس بأن ''المعنى هو أمام الإنسان''•• وأما طبيعة الكتابة المُبِدعة، فإنها تأخذ معناها الواسع من وحدانية الفعل، أكثر ممّا تأخذه من اشتراكيته• ولذلك لا يمكن تحديد عوالم فعل الكتابة إلاّ بشكل مقارَب أو تأويلي غير إلزامي• وكذلك هو الحال مع باقي الفنون•
؟؟؟ فالخطاب التوجيهي أو التخطيط الذي من شأنه أن يجنّد - يعبئ - سوسيولوجيا الرأي العام من أجل الحكم على النتاج الفني، هو خطابٌ مصلحاتي يقوم ضدّ المنطق الفني الذي تشارك في رسمه ثلاثة محاور، هي: الطبيعة والمعنى والمُنتَج الفني• وكما حاولنا الاقتراب من طبيعة الطبيعة، ولزوجة المعنى الذي يتأتى من ذلك، ونوعية المُنتَج، فإننا، وبحكم تفاعلنا وسط مجتمع لم ينل حظّه بعد من التوازن بين المُتبنّى المادي والمكسَب الذهني، نستطيع أن نحكم على طبيعة وشكل وظروف تواجد الإنسان الممتهن لرسالة المثاقفة، على اختلاف أنواعها في هذا المجتمع بيُسر• فمن جهة، هناك أولا غياب البعد التصوّري لمفهوم الطبيعة عن ذهنية الناشئة، وبالتالي عن ذهنية المجتمع الذي يحمل مسؤوليات بيولوجية، باستطاعتها أن تؤثّر سلبا على كل طاقة مبدعة قد تقع تحت مسؤوليتها• فلا زالت بعدُ الكثير من الدول العربية بلا أية تنشئة فلسفية• ولا زالت حتى جامعاتها تحرّم تدريس الفلسفة !• من أين إذن للتجمعات السوسيولوجية أن تأخذ معايير الحكم على الفعل الإبداعي؟ وأمّا الدول الأخرى التي تجذر فيها التدريس الفلسفي، فإنها لا زالت بعد تعاني من وطأة نوع من الرباط غير التوافقي بين الفكرة ضمن مرجعيتها المنهجية وظروفها الميلادية، والفكرة في شكلها المطبَّق• من هنا، كما ذكرت أعلاه، يمكن لنا تفهّم ظروف الخلق الإبداعي في هذه المجتمعات التي تصرّ على أن تبقى حديثة النشأة، برغبتها الجاهلة في اختزال المعنى، متعذرة دوما بعامل الزمن الجامد الذي يسكن ذاكرة غبية تصرُّ على التخلُّف أو كما يقول أفلاطون : ''الزمن المتحرّك في الذاكرة الجامدة'' •Dans la mémoire immobile Le temps mobile
من هنا أيضا، يبدو فعل اشتراكية النشاط الثقافي، بمثابة التجمُّع الهائل لقوى التجهيل التي تتكاثف فيما بينها من أجل مداهنة السلطة المركزية في هذه الدول المتخلّفة - المسؤول المباشر عن عملية التخلُّف •-
***
من عادة الصوت المفرد أن يغيب في غيهب تعالي الأصوات• ولأنّ، أخلاقيات حماية الصوتَ المفرد، لم يُسمح بها بعدُ في مجتمعات التوّحُش السياسي والأخلاقيات المتعالية، فإنّ أي تجمُّع من شأنه أن يُسكِنَ صوت التفرُّد، فاتحا المجال أمام تجمع أصداء الفراغ، أكثر ممّا يمنحه من تجمُّع لمقامات الملء•
قليلة هي التجمُعات الثقافية التي أسّست متنفّسا للصوت المنفرد في تاريخ الفنّ، ومن كان لها ميزة ذلك البناء، فإنها استمدّت تعاليمه وتصوراته من الجهد الفردي الخالص الذي امتدّ فيما بعد عبر المريدين والمحبّين والتابعين• وبطبيعة الحال، فإن رخصة إثبات الوجود، تتطلّب دوما ممهدّات نفسية وفراغات أو توسُّعات وتمدُّدات Dilatations قانونية، واستعدادات مادية قد تحتّمها ظروف المجابهة• هذه ضروريات حضارية، تتطلّبُها شروط الإبداع الحرّ• ولذلك لا يمكن للفعل الجماعي إبداعيا أن ينجح دون نجاح فعل الإبداع الفردي أولا• كل المعايير الثقافية التي تستعمل مفهومنا أو تصوُّرنا للثقافة الحديثة، تشير دون وازع شكّ إلى الوجه البائس الذي تعكسه الثقافة العربية اليوم، وإلى محدودية قوّة الخطابات التحريرية على إضفاء دعائم مقنعة سوسيولوجيا، وإلى ندرة - بل انقراض- العامل الثقافي في التأثير على مصير الشعوب العربية، وعلى تواطؤ منظمات التجمُّع الثقافية مع السيطرة المركزية أكثر من وقوفها كضدّ مصحّح ومقرّر• لذلك فإنني لست مقتنعا حتى السّاعة بالفعل الجماعي وسط مجتمعات كهذه فقيرة إنسانيا، ومتواطئة وتعيش على وهم الأخطاء الشائعة، بقدر إيماني بالتأسيس الفرداني للفعل الثقافي الذي يصارع كل تلك الوقائع التعسفية المفروضة، في انتظار انبلاج كرونولوجيا الحقيقة التي يكون بإمكانها طرد غمامة الوهم الذي تعيش عليه الثقافة العربية منذ أكثر من خمسة قرون•
لا يمكنني أن أؤكد على تمايز المشهد الثقافي الجزائري عمّا يحدث عربيا، ولكن بحكم زيارتي لبعض الدول العربية ووقوفي على سياساتها الثقافية، أستطيع أن أصرّح بأننا نتأرجح بين من يتنفّسُ ثقافيا بصعوبة، وبين من يلفظُ أنفاسه الأخيرة ملفّعا بالقليل القليل من الأمل••• ليس إلاّ!
من مؤلفاته
التلميذ والدرس
سفرة المنتهى
الهوامش الكونية
تأملات في حياة معدمة
جبل نابليون الحزين
الحياة هي دائما...
موتُ اَحدٍ ما
مقاربة سوسيو-- أركيولوجية،
حول الأديب الجزائري مالك حداد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكاتب الجزائري شرف الدين شكري ثقافة النقد وُجدت من أجل مراقبة طغيان قوة السُّلطة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الكاتب و الأديب الجزائري ياسمينة خضراء
» حوار مع الباحث الجزائري محمد شوقي الزين
» ا د / اكرام هاروني : الأسرة النووية وواقع المجتمع الجزائري
» الجزائري و العربي مالك بن نبي لمن لايعرف
» الأديب الجزائري عمر أزراج ، ما بعد البنيوية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى المكتبــات المتخـصـصـة
 :: 
مكتـبـة علم الاجتماع والانثروبولوجيا
 :: 
مكتـبـة علم الاجتماع والانثروبولوجيا عربى
-
انتقل الى: