زائر زائر
| موضوع: ا د / اكرام هاروني : الأسرة النووية وواقع المجتمع الجزائري 11/6/2010, 6:34 pm | |
| لقد كان للتغير الإجتماعي الناتج عن التحضر و التصنيع و ظهور نمط المسكن الحديث العوامل الفعلية في تغيير الأسرة الجزائرية تدريجيا من عائلة كبيرة ممتدة إلى أسرة نووية صغيرة . و كقاعدة تقول بأن نظام الأسرة الزواجية يقوم في أغلبه على وجود جيلين لا أكثر ، أي جيل الأبناء و جيل الآباء وهذا ما يجعل فرصة إستمرارية هذه الأسرة قليل فبمجرد زواج الأبناء تنتهي الأسرة النواة خاصة بوفاة أحد الوالدين
إلا أنه الملاحظ للشواهد و الأدلة الواقعية للمجتمع الجزائري توقفنا عند حقيقة عكسية تماما تجعلنا نقول: بأن شكل الأسرة النووية هي ' حالة عابرة ' فقط فسرعان ما تحتم الضروف المعيشية إلى إعادة تركيب و امتداد العائلة من جديد بعد زواج الأبناء . و لا نقاش في أن السبب يعود إلى أزمة السكن التي تعيشها البلاد، و على ذلك فإن كان نمط السكن الحديث قد ساهم في تغيير بنية و شكل العائلة الجزائرية من الممتدة إلى النووية المنفصلة مجاليا و إقتصاديا ، فإن الأزمة من العوامل التي كان لها الأثر الفعلي في إعادة إمتداد الأسرة الجزائرية على الأقل مجاليا ، و إن كانت عائلة ممتدة من نوع خاص ، أو ما يطلق عليها الأسرة المعدلة أو في كنف الإمتداد .
و بالنسبة لعلماء الإجتماع فإن أزمة السكن ناتجة عن عدم التوازن الذي حدث في السياسات التنمويةإلى جانب النمو الديموغرافي الذي عرفته البلاد منذ الإستقلال بسبب تحسن ضروف المعيشة و قلة الوفيات وهذا من وجهة النظر الكيفية . و إعتبرها البعض الآخر من وجهة نظر كمية وهذا من الناحية الإقتصادية و المدعمين لهذه الوجهة يعتمدون على إحصائيات لتبيان التأخر الموجود في إنجازالمساكن و التزايد الملح على السكن من حيث الطلب سنويا و إزدياد الأسر من ناحية أخرى .
و من خلال المعطيات الكمية يتضح أنه خلال 30 سنة ( 66 – 98 ) تضاعف عدد الأسر ب 2031.167 أسرة في إحصاء 1966 إلى 4096000 أسرة عام 1996 ، في حين سجل قطاع السكن عجز في توفير مطالب هذه الأسر . والواقع أن السكن لم يعد أمرا هينا أو سهل المنال ، و بالرغم من أن نظام الشقة لا يسمح بإقامة نظام العائلة الممتدة إلا أن الواقع المعيش يجعلنا نشاهد الكثير من الأسر تتقاسم شقة صغيرة و هي وضعية محتمة، و لاشك أن الفضاء الضيق وما يؤدي إليه من إحتكاك دائم يجعل الحياة ضمنها أكثر مشقة حيث يفتح المجال للشجارات و غياب الراحة النفسية
بالإضافة إلى هذا ، نجد أن المسكن الحديث قد إتخد أبعادا إجتماعية و إقتصادية هامة تعكس الوضعية الحالية للأسرة الجزائرية التي أصبحت غير راضية عن الشقق الموجودة لاسيما و أن أغلبها من نوع F3 – F 2 مما يجعل نسبة إشغال الغرفة كبير ، لذلك فهي تضطر في الكثير من الأحيان إلى تعديل المسكن للتأقلم مع الوضع .
و للوقوف على حقيقة الإكتضاض في الحجرة الواحدة نقوم بتقسيم عدد أفراد الأسرة الواحدة على عدد الغرف ، وتعتبردرجة التزاحم مثالية إذا كانت هنالك غرفة واحدة لكل واحد من الأولاد ، و في الجزائر فقد بلغت نسبة إشغال الغرفة الواحدة في إحصاء 1998 7.13 و هوما يؤكد حقيقة الإكتضاض في المسكن الواحد .
أما بالنسبة للمساكن الفردية و بالإستناد إلى إحصائيات 1998 ، فإن المسكن الفردي بنوعيه :التقليدي و الحديث ، ( الفيلا )هو النمط الأكثر إنتشارا في الجزائر ، و هذا بغض النظر عن القطاع التابع إليه و ذلك بمعدل 55.5 % و بمعدل 20.60%، من مجموع السكنات الشاغرة يأتي المسكن التقيلدي في المرتبة الثانية .
وقد إنتشرت ظاهرة البناء الفردي ذا الطوابق المتعددة التي تبنى عادة بعدد الأبناء الذكور الذين بزواجهم يقيمون فيها ، وهي كإستراتيجية تتبعها ا|لأسرة لمواجهة أزمة السكن وتكون هذه البناءات عادة تتناسب و شكلها الهندسي مع ثقافات و عادات الأسرة و كما يقوم الفيلسوف الفرنسي ' فرناند رودل' :' يبنى البيت أو يعاد بناؤه دائما حسب الأنماط التقليدية ففي هذا المجال أكثر من غيره يشعر الفرد بقوة المثل الماضي ' . وبالرغم من أن الشركات الكبرى التابعة للدولة تقوم سنويا ببناء إسكانات جديدة متعددة الطوابق وفق طرق صناعية حديثة، إلا أن هذه الأخيرة يصاحبها إرتفاع نفقات البناءوبالتالي فإن الوحدات التي ينتهي بناؤها كل عام لاتقضي إحتياجات المواطنين، وحتى ما إذا تم الإستفادة منها يبقى مشكل غلاء الكراء الذي يرتفع يوما عن يوم، وبالرغم من أن الدولة حاولت من خلال التسيير السكني وضع سعر كراء محدد إداريا، إلا أن أسعار الكراء ترتفع سنويا بحيث تفوق طاقة المواطنين . هذا ويرشح أن يرتفع سعر الكراء في السنوات المقبلة وذلك بإرتفاع سوق الكراءخاصة في المناطق الحضرية الكبرى، سعر الكراء يختلف بإختلاف القطاع وبينهما علاقة طردية ، فكلما إرتفع ثمن الكراء في القطاع العام صاحبه إرتفاع يفوق الضعف في القطاع الخاص ولعل هذا ما يفسر تقلص نسبة إنتشار الأسرة النووية في هذه الأوساط بحيث لم يعد الشباب المقبل على الزواج أو الأسرة التي ترغب في الإستقلال قادرين على كراء مسكن منفصل مما يضطرهم إلى البقاء في بيت العائلة.
و بالإستناد إلى دراسة حول نمط الأسرة ومحدداته إنطلاقا من إحصائيات 1998 ، يكشف لنا عن حقيقة هامة و هي أن الأسرة النووية التي تعد النمط السائد في المجتمع ، تنتشر في البيئات الريفية عنه في البيئات الحضرية و الجدول الآتي يوضح ذلك :
- جدول رقم 6 : يبين نسبة إنتشارنمط الأسرة النووية في المجتمع الجزائري حسب القطاع.
القطاع
نمط الأسرة | حضري | ريفي | المجموع |
أسرة نووية |
العدد |
% |
العدد |
% |
العدد |
% | 1900178 | 70.90 | 1244409 | 71.30 | 314587 | 71 |
المصدر : محمد بو مخلوف : مرجع سبق ذكره ، ص93 .
و إن كان الإعتقاد السائد أن الأسرة النووية هي من خصائص المجتمع الحضري أو أنها جاءت كمنهاج لتطور هذا الأخير، فيبدو من خلال معطيات الجدول أن الإعتقاد غير صحيح، بحيث يتضح لنا أن البيئة الريفية هي التي ينتشر فيها النمط النووي وذلك بنسبة71.90%مقابل 70.90 % في المناطق الحضرية ، و بالرغم من أن الفارق ليس كبير إلا أن هذا يؤكد هذه الحقيقة .
و يمكن رد هذا، إلى أن التغير الذي عرفه المجتمع الجزائري هوتغير شامل طال جميع البنيات الريفية و الحضرية على حد سواء ، مما يجعلنا نصل إلى أن متغير الحضرية غير كافي لإنتشار ظاهرة الأسرة النووية في المجتمع و يكشف عن وجود متغيرات وعوامل أخرى أقوى منها لعل أهمها الفارق في عدد سكان البيئتين،وبالتالي تأثير هذا الأخير على المسكن فكلما اتجهنا إلى المراكز الحضرية الكبرى كلما لاحظنا النقص الواضح في المساكن و إرتفاع ثمن الكراء عند الخواص إلى جانب نمط المساكن المنتشرة ، عكس البيئة الريفية حيث تنتشر المساكن البسيطة و بالتالي ينخفض ثمن الكراء ليناسب الدخل الشهري لبعض الأسر .
و بهذا فإن كان العمل المأجور قد ساهم في وقت مضى على إنفصال الأبناء عن آبائهم و تكوين أسر صغيرة ، فإن الضروف الراهنة وغلاء المعيشة و إرتفاع ثمن الكراء و عدم كفاية الدخل الشهري قد كبح قوة الإندفاع لإنشاء أسر زواجية مستقلة .
و مع إزدياد تكاليف البيت الجديد بسبب الإرتفاع في أسعار مواد البناء يصاحبه التصاعد في تكاليف بناء البيوت مما يجعل الراغب في إمتلاك بيت مضطرا أن ينفق أكثر من دخله الشهري لذلك ، و أما من لا تسعفه قدراته المالية على الشراء فإنه يجد صعوبة في الإستأجار، و كلما تصاعدت الأسعار يزداد عدد من لا يقدرون على الإستغناء عن جزء من الدخل للحصول على بيت للسكن ، فمن غير المعقول أن ينفق المرء نصف دخله أو أكثر لهذا الغرض ، و في المستقبل فإن الأحوال الصعبة المتوقعة قد تؤثر للحد من مقدرة الشباب على رفع شعار الإستقلال عن بيت العائلة .
و على العموم، فالدولة لن تكون بإستطاعتها إمتلاك الوسائل المادية الكافية التي تتمكن بها من دعم السكن المستقبلي و قد تعوض هذه التكاليف على أساس سعر البيع و الإيجار والذي سيكون دائما فوق طاقة ساكن المدن، كما أن البرامج التي توظف دائما بأنها منجزات إجتماعية فإنها تؤدي مظهر إجتماعي للدولة أكثر ما تؤدي إلى إشباع حاجيات العدد الأكبر من هم بحاجة ماسة إلى المسكن ، و يبقي المستفيدون الوحيدون من هذه البرامج هم : الموظفون المحضوضون و الفئات الأغنى و أصحاب المهن التجارية ...مما يجعلنا نتنبأ بمستقبل الأسرة الجزائرية ..كبيرة و ممتدة
المراجع : محمد بومخلوف: نمط الأسرةو محدداته. دراسات احصائية و تحليل نظري، سلسلة الوصل، منشورات كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية، الجزء1، العدد2 ، 2006. 2- سامية مصطفى الخشاب: النظرية الاجتماعية ودراسة الأسرة. دار المعارف، القاهرة، 1993. عادل أحمد خوار : مستقبل المدينة و النمو الاقتصادي. مركز الكتاب الاردني، الاردن، 1990. |
|