الفساد نتاج بنائي تفرزه الظروف الاقتصادية الموضوعية وهو نتاج للعلاقات الإنتاجية الاستغلالية التي تنتج مصالح متناقضة بين الصفوة والجمهور. والفساد يحدث نتيجة لاعتبارات اجتماعية تتمثل في التفاوت الصارخ في توزيع الثروة كما أن أكثر النظم إفرازاً للفساد هو النظام الديكتاتوري الذي يتركز في شخصية حاكم مستبد يحوز السلطة ويجهض المشاركة الشعبية ويحكم علي الجماهير بالسلبية والعزلة.
أي أن الفساد نتيجة تخلقها أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ومن ثم فإن دراسته تتطلب دراسة طبيعة المصالح التي تمثلها النظم السياسية وشكل النخبة الحاكمة وسلوكها والتزامها الفكري والأخلاقي. والفساد في مصر علي حد تعبير ميردال أصبح (نمط حياة) وذلك لأن الدولة الرخوة يعم فيها الفساد، لأن رخاوة الدولة تشجع علي الفساد وانتشار الفساد يزيدها رخاوة.
ويميز بعض الباحثين بين فساد المجتمعات والمجتمع الفاسد، وفساد المجتمعات ينظر إليه باعتباره انحرافًا عن المألوف واستثناء من الأصل العام، أما المجتمع الفاسد فإن الفساد يصبح هو المألوف أو القاعدة العامة والوسيلة المجتمعية لتكوين الثروة والحصول علي النفوذ السياسي والمكانة في المجتمع، ويتغلغل في جميع قطاعات الحياة وعلي جميع المستويات.
ولابد أن نربط فساد الجمهور بفساد النخبة، فالنخبة تعتبر المنصب السياسي أسرع وسيلة لتحقيق الثروة وتمارس أعمال الفساد كالعمولات والرشاوي التي يتورط فيها أفراد النخبة، وعندما تفسد النخبة فإن فرص فساد العامة من المواطنين تتزايد، ولابد أن نذكر أن الفساد يوجد في جميع المجتمعات مع اختلاف في الدرجة ومدي انتشاره، فالفساد ظاهرة لا تقتصر علي الدول النامية بل تشمل الدول المتقدمة، ولكن الدول المتقدمة يمكنها التحكم في الفساد وضبطه ويمكنها أن تبقيه عند أدني درجة ممكنة وتقلل بذلك من الأضرار والآثار السلبية المترتبة عليه.
وسوف تزداد معدلات الفساد في مصر وذلك لعدة أسباب من أهمها تواطؤ الصفوة الحاكمة والأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية مع الفاسدين، وإخفاء الفساد والتستر عليه وعدم كشفه، وكذلك صدور قوانين تسمح بممارسة الفساد أو تقنين الفساد، وصعوبة الحصول علي معلومات عن الفساد، وحتي إذا أمكن الحصول عليها فليس من السهل إثبات صدقها
الدكتور أحمد أنور - أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية التربية جامعة عين شمس
نقلاً عن جريدة البديل عدد 8/8/2008