د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: حقوق الإنسان بين الشعار والحقيقة .. بقلم: د. أحمد فتحي سرور 9/12/2008, 1:07 pm | |
| حقوق الإنسان بين الشعار والحقيقة بقلم: د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إن مجرد الاحتفالية الرمزية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان, منذ إقرار هذا الإعلان, هو فرصة مهمة لتقويم انجازاته وتحليل تحدياته واستشراف مستقبله.
لقد اعترف هذا الإعلان بنوعين من حقوق الإنسان: الحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وقد شهد هذا الإعلان علي يد الأمم المتحدة تحولا نحو الالتزام القانوني بهذه الحقوق بإقرار عهدين دوليين مستقلين, يعتبر كل منهما أساسا للنظام القانوني لحقوق الإنسان, وقد تأكد منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عدد كبير من القرارات وخاصة قرارات المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا سنة1993, أن حقوق الإنسان الواردة في هذين العهدين تتسم بالعالمية وبعدم التجزئة وبالاعتماد المتبادل وبالترابط وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي التعامل مع حقوق الإنسان بنوعيها بطريقة متساوية وعادلة.
وفي تقديري أن أهم عنصر يستحق التحليل في مقام تقويم انجازات الإعلان العالمي وتحليل تحدياته هو العلاقة بين البعدين الوطني والدولي لحقوق الإنسان في عصر العولمة, فقد بات واضحا أن هذين البعدين أكثر ترابطا منذ أي وقت مضي. لقد أدي كل من تحرير التجارة وعولمة الاقتصاد الي تناقص دور الدولة المباشر في العملية الاقتصادية والي تزايد أدوار الأطراف غير الحكومية, وتأثر كل شعب ليس فقط بقرارات حكومته وبرلمانه المنتخب, وانما أيضا بقرارات حكومات وبرلمانات دول أخري, وذلك بسبب انتشار الاتفاقيات الدولية الشارعة المتعلقة بنظم التجارة العالمية وما استتبعه ذلك من صدور تشريعات وقرارات وطنية إعمالا لهذه الاتفاقيات.
لقد كان للعولمة بلاشك منافع كثيرة, ولكنها منافع استأثرت فيها الدول الكبري بالقسط الأكبر, بينما تركت لشعوب الدول النامية الكثير من الأزمات والتحديات, وهو ما أسفر عن حقيقة صادمة تجلت في تمكين الدول الكبري بل والمجتمع الدولي في مجموعه من إضعاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتمتع بها شعوب الدول النامية, فلم تسفر هذه العولمة عن انقاذ الـ70% من البشر الذين يعيشون في حالة الفقر والجهل والبطالة, ويعانون من الحرمان من حقوقهم الإنسانية. فقد أدت برامج الاصلاحات الهيكلية التي فرضتها قوي العولمة في الدول النامية لكي تندمج اقتصاداتها في الاقتصاد العالمي الي تفشي ظاهرة البطالة وارتفاع معدلات الفقر وازدياد درجات التفاوت في توزيع الدخول وفي الحصول علي الخدمات الصحية والتعليمية, وكان ذلك بسبب تخلي المجتمع الدولي في عصر العولمة عن مسئوليته في مساعدة الدول النامية علي الاندماج الآمن في السوق العالمية, الأمر الذي أدي الي أن تدفع الدول النامية الجزء الأفدح من ثمن العولمة, وهو إضعاف حقوق شعوبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وكان ما حصلت عليه لقاء ذلك لم يكن سوي وعود ذهب تنفيذها أدراج الرياح.
لقد كان الأمل في عصر العولمة أن يتعايش أعضاء المجتمع الدولي وفقا لقواعد موحدة تقوم علي مبادئ احترام حقوق الإنسان, إلا أن ذلك لم يحدث فقد أصبحت هذه الحقوق في الدول النامية مهددة خاوية, مع أنه لايمكن بغير احترام القيم العالمية لحقوق الإنسان أن تنجح العولمة, حتي لا تصبح مجرد صيغة لحماية مصالح الأقوياء داخل المجتمع الدولي. فالعولمة لايمكن اختزالها بعولمة أجهزة الكمبيوتر, والاتصالات السلكية واللاسلكية البعيدة المدي, والأسواق المالية, بل يجب أن تتمثل في مختلف صورها في تزايد درجة الاندماج والارتباط المتبادل بين حقوق الانسان في جميع الدول والمجتمعات. لقد انقسم العالم الي فريقين في اطار غياب البعد الإنساني للعولمة, فريق أول يملك عناصر القوة فيحركها لمصلحته ويستفيد من قواعدها ومغانمها بعيدا عن احترام القيم الإنسانية, وفريق آخر لا يملك ذات العناصر من القوة, فلا يملك إلا أن يطيع وينحني أمام عواصف التحديات, حتي أصبحنا أمام نوعين من العولمة: عولمة الأغنياء, وعولمة الفقراء, وقد استشري الانقسام الاقتصادي الذي أقرته العولمة غير الإنسانية, حتي واكبه انقسام سياسي داخل المجتمع الدولي أدي الي انفصام في شخصيته تجاه حقوق الإنسان, فبينما نجد فريقا يدعو الي احترام حقوق الإنسان نجد هذا الفريق يتدخل بالسلاح في شئون دول أخري تحت ستار مسميات انسانية منها التدخل الإنساني, وفي الوقت ذاته رأينا هذا الفريق يقيم شرعية دولية مزدوجة المعايير, وباسم هذه الشرعية المزدوجة صدرت قرارات من مجلس الأمن بفرض عقوبات علي بعض الشعوب, عقوبات تعني بأبسط العبارات انتهاك حقوق الإنسان في هذه الشعوب بأمر دولي, خاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأكثر من ذلك فقد ظنت بعض الدول الكبري أنها حارسة وحامية لحقوق الإنسان في العالم بناء علي صفة العالمية التي تتمتع بها هذه الحقوق, فباتت توجه النقد والادانة لدول أخري, دون أن تصلح بنفسها اعوجاج هذه الحقوق بداخلها ودون أن تكف عن انتهاكاتها في مناسبات مختلفة.
إن الأزمة المالية العالمية الراهنة هي أزمة احتكارات ومصالح وأطماع نشبت في دول العالم الأول المتقدم, ولم يكن للعالم الثالث فيها دور ولا مصلحة, ومع ذلك, فإن الدول النامية سوف تلاحقها آثار غير مباشرة لهذه الأزمة, فتتحمل نتائجها كما حدث من قبل مع أزمة أسعار الغذاء, وأصبحت بذلك حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الدول مهددة دون ذنب.
اذا كان القانون الدولي لحقوق الإنسان قد تطور تطورا كبيرا في آليات الرقابة, فإنه لم يتطور أبدا من حيث آليات التعاون, برغم أن كليهما وجهان لعملة واحدة, فحيث يوجد الحق توجد المسئولية, ومع حق النقد يأتي واجب التعاون, فإذا نما أحدهما ومورس علي حساب الآخر اختل ميزان العدالة في العلاقات الدولية, وهذا في تقديري هو أحد أسباب الأزمة التي يمر بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عامه الستين.
لاشك أن تقرير وحماية حقوق الإنسان هي مسئولية كل دولة في المقام الأول, ومع ذلك فإننا نعيش في عالم واحد تقاطعت فيه المؤثرات واختلطت فيه عناصر السببية بين الأفعال وردودها وانتكاساتها, واذا كانت نظرية السببية أحد أعمدة فروع القانون الوطني, فانها بلاشك تصبح أكثر تعقيدا وصعوبة عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
إننا في دول العالم الثالث ـ وهنا أتحدث كبرلماني ينطق باسم الشعب ـ لا نريد أن نلقي باللائمة علي الدول المتقدمة بسبب أو بغير سبب, وأكرر وأؤكد أن مصالح شعوبنا وحقوق وحريات أفرادها هي مسئوليتنا نحن في المقام الأول, ومع ذلك فإن هذه المسئولية لايمكن تحملها إلا في مناخ يسوده الأمن والسلام والتنمية, اذا تحقق الاستقرار داخل كل مجتمع وتقاسم الجميع عوائد العولمة علي اختلاف مستوياتهم, وتحققت العدالة الدولية للعولمة واحترمت الأبعاد الاجتماعية للعولمة وبنيت علي القيم الإنسانية, أمكن مباشرة هذه المسئولية بكل اقتدار, إن أملنا في أن تكون الديمقراطية وحقوق الانسان ليس من أجل قلة, بل من أجل الجميع.
وفي الذكري الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان, أطالب خبراء القانون الدولي لحقوق الإنسان وأطالب المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان, كما أطالب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأن تعطي اهتماما أكبر لأمرين مهمين:
1 ـ الأمر الأول, هو كيفية تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من حيث المضمون ومن حيث آليات المتابعة حتي تصبح حقوق الإنسان ـ بحق وليس فقط بنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ كلا لا يتجزأ. وأطالب في هذا الخصوص بأن يلقي البروتوكول الإضافي للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل الاهتمام حتي يتم النهوض بآليات المتابعة والرقابة والتقويم في هذا المجال, الذي لا يقل خطورة وأهمية عن مجال الحقوق المدنية والسياسية.
2 ـ الأمر الثاني, هو ضرورة الاستماع الي شعوب العالم الثالث حول مدي تأثير سياسات وممارسات بعض الدول في العالم الأول علي تمتعها بحقوق الإنسان, وهو ما يتطلب تشجيع البحث والدراسة ـ ربما في شكل مشروع بحثي مشترك بين مراكز الأبحاث في دول من الشمال والجنوب بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لوضع برنامج بحثي لمسألة علاقة السببية في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين المؤثرات الدولية وانعكاساتها الوطنية. نريد أن نعرف ـ علي سبيل المثال ـ كيف نحلل أثر قواعد التجارة الدولية, وكيف نحلل أزمة الغذاء العالمي, وكيف نحلل الأزمة المالية الراهنة في الدول الغربية من منظور حقوق الإنسان؟ من هو المسئول ومن هو الضحية؟ وكيف نفهم علاقة السببية بينهما؟ وكيف نعالجها لإعلاء شأن حقوق الإنسان ولتأكيد مدي المساواة بين نوعيها بطريقة بحثية علمية واقعية بعيدا عن اسلوب الشعارات. وفي تقديري, فإن سد فجوة التحليل والفهم في هذا المجال المهم بأسلوب علمي رصين إنما هو أفضل سبيل لتوطيد دعائم التعاون الدولي كالتزام قانوني في مجال حقوق الإنسان بدلا من أن يظل هذا المفهوم النبيل ـ في قطاع كبير من ممارساته ـ مجرد ساحة لتبادل الاتهامات وإعطاء الدروس, وأداة للسياسات الخارجية لبعض الدول التي قد تستخدم حقوق الإنسان ككلمة حق يراد بها باطل.
هذا في تقديري هو الاحتفال الحقيقي بالذكري الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان حتي نسد فراغ الفهم وفجوات الحماية. علينا أن نعزز الطبيعة التعاونية لعلاقات الدول في مجال حقوق الإنسان, وعلينا أن نطبق ديمقراطية العلاقات الدولية, وبهذا ـ فقط ـ يمكن للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن يجد وسيلة للتنفيذ العملي كاملا غير منقوص. نشرت بجريدة الأهرام عدد 9/12/2008 | |
|