إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى خطوة على طريق الوعي |
|
| مفهوم الطبقة علي ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: مفهوم الطبقة علي ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة 29/8/2009, 9:53 pm | |
|
مفهوم الطبقة علي ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة د. هاني خميس أحمد عبده قسم الاجتماع, كلية الآداب, جامعة الإسكندرية بالرغم من أن التحليل الطبقيClassAnalysis ليس بالأمر الجديد في علم الاجتماع, إلا أنه لم يفقد قدرته علي فهم وتحليل وتفسير التغيرات الطبقية في المجتمعات الإنسانية عبر الفترات التاريخية المختلفة, فلقد أسهمت العولمةGlobalization بصورة كبيرة في إعادة تشكيل العلاقات والتكوينات الطبقية. فالتحليل الطبقي إنما يساعدنا علي دراسة وفهم الطبقات في المجتمعات القومية مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الدولية متعدية الجنسية للعلاقات الطبقية.
وإذا كانت السياسة الاجتماعيةSocialPolicy لدولة ما تعد في جوهرها بمثابة برامج ومشروعات خطط تنموية تهدف للنهوض بأفراد المجتمع وتحسين أوضاعهم المعيشية في مجالات التعليم والصحة والإسكان وتوفير فرص العمل, فإنه يمكن القول انطلاقا مما سبق بأن وضع السياسة الاجتماعية إنما يحتاج بدوره إلي فهم البناء الطبقي والأخذ في الاعتبار التباينات بين مختلف الشرائح الطبقية حتي يتسني تقديم الخدمات لمستحقيها من تلك الشرائح الطبقية في المجتمع. وفي ضوء ماسبق نطرح في هذا المقال مجموعة من التساؤلات تتمثل فيما يلي: ماهو دور التحليل الطبقي في فهم التغيرات الطبقية علي مستوي البناء الاجتماعي, ماهي الإشكاليات التي تثار عند وضع خريطة طبقية للمجتمع الإنساني, ما طبيعة العلاقة بين البناء الطبقي والسياسة الاجتماعية في المجتمع المصري, إلي أي مدي يمكن الاستفادة من التحليل الطبقي عند وضع السياسة الاجتماعية.
أولا- دور التحليل الطبقي والتغيرات المجتمعية: بالرغم من قدم التحليل الطبقي إلا أنه لم يفقد قدرته علي تحليل وفهم وتفسير التغيرات الطبقية في المجتمعات الإنسانية عبر الفترات التاريخية المختلفة, فالتحليل الطبقي أصبح لا يأخذ في الاعتبار المداخل النظرية الجديدة التي يقدمها الباحثون السوسيولوجيون فحسب, بل يظل أداة رئيسية وفعالة في مساعدة الباحثين علي فهم التعقيدات والتشابكات الخاصة بالعمليات التاريخية والاجتماعية, حيث يمكن من خلاله التعرف علي التشكيلات( التكوينات) الطبقيةClassFormations وتغيراتها(1). فلقد أسهمت العولمة بكل تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إعادة تشكيل العلاقات والتكوينات الطبقية حيث أصبح وضع خريطة طبقيةClassMap مشكلة بحثية ليس علي المستوي المحلي فحسب, بل علي المستوي الدولي وذلك عندما نقوم بدراسة وتحليل' الطبقة الرأسمالية متعدية الجنسية'TransnationalCapitalistClass, فالتحليل الطبقي بات يساعدنا علي دراسة وفهم وتحليل الطبقات في المجتمعات القومية مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الدولية متعدية الجنسية للعلاقات الطبقية(2).
ويمكن القول بأن إدراك وتمييز الأبعاد الدولية للطبقات الاجتماعية ليس بالأمر الجديد, بل تجسد في أعمال الرواد الأوائل للتحليل الطبقي منذ ما يزيد علي قرن مضي, ونجد علي سبيل المثال كلا من' ماركس' و'إنجلز' قد تناولا الأبعاد الدولية للطبقة, إذ ألقيا الضوء من جانبهما علي فكرة انتشار رأس المال في كل مكان, وقيام الطبقة البرجوازية باستثمار رأس المال خارج حدود الدولة وذلك بحثا عن الربح وتنظيم الاتحادات الاقتصادية الرأسمالية, وينطبق هذا الأمر علي الطبقة العاملة من وجهة نظرهم التي كان لها مماثل علي نحو دولي إذ كان شعارهم' اتحاد عمال العالم'(3).
فاليوم لايمكن أن نتجاهل العلاقات الطبقية الدولية, إذ أصبح العمل ورأس المال والإنتاج وكذلك الثقافة ذات طابع كوكبيGlobal, وأيضا أصبحت الطبقات ذات طابع كوكبي علي نحو متزايد. ويمكن القول بأن العولمة أصبحت تمثل مرحلة جديدة في تطور الرأسمالية, إذ أصبح الرأسمالي يملك ويدير علي نحو كوكبي ويقوم بالسيطرة علي وسائل الإعلام وتشكيل الرأي العام وهذا الموقف الجديد والمثير للجدل أصبح بمثابة تحد للباحثين في مجال العلم الاجتماعي(4).
وتعد الشركات والمؤسسات متعدية الجنسيةTransnationalCorporations من أبرز آليات العولمة في جانبها الاقتصادي والتي ينظر إليها علي أنها من أكثر القوي التي أسهمت بشكل قوي وكبير في إعادة صياغة وتشكيل العلاقات الطبقية, إذ أصبح هناك اتساع وامتداد لرأس المال والملكية الخاصة علي المستوي الدولي وأصبحت تقوم تلك الشركات والمؤسسات بالعديد من الأنشطة الاقتصادية علي المستوي العالمي ومثال ذلك: الاستثمار الأجنبي والإنتاج والتجارة الدولية وتحويلات المال. ويمكن القول بأن حجم رؤوس الأموال المملوكة لتلك الشركات والمؤسسات قد تزايدت بصورة كبيرة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين لدرجة يمكن القول معها بأن الدخل السنوي لعدد من الشركات والمؤسسات متعدية الجنسية أصبح يتعدي إجمالي الناتج القومي لبعض الدول النامية(5).
كما تقوم تلك الشركات والمؤسسات بتوطيد العلاقات فيما بينها لخدمة مصالحها وأهدافها علي المستوي العالمي ويتجلي ذلك في صورة منتديات وتحالفات اقتصادية ضخمة(j) هدفها الأساسي صياغة الاستراتيجيات الاقتصادية علي المستوي العالمي, كما تتضح الممارسات ذات الطابع الأيديولوجي في أنشطة تلك الشركات المتجسدة في تركيزها علي القيم ذات الطابع الرأسمالي الاستهلاكي(6).
وقد أشار إليه بعض الباحثين مثل' كوكس'Cox و'سكلير'Sklair- في ظهور مايعرف' بالطبقة الإدارية متعدية الجنسية'TransnationalManagerialClass, أو مايعرف' بالطبقة الرأسمالية متعدية الجنسية'TransnationalCapitalistClass, فتلك الطبقة لاتضم بداخلها الرأسماليين بالمعني الماركسي التقليدي, بل تضم مجموعة من الشرائح التالية(7): أ- المديرون أو التنفيذيونExecutives والذين يقودون ويديرون الشركات والمؤسسات الكبري متعدية الجنسية. ب- البيروقراطيونBureaucrats إذ يقومون بتسهيل وإنجاز الوظائف الحكومية والإدارية الخاصة بالنظام الرأسمالي وتسهيل عمل الأنشطة الاقتصادية علي المستوي المحلي والقومي والدولي من خلال تنظيم العلاقات الاقتصادية الخارجية في ضوء سياسات المنظمات الدولية مثل' البنك الدولي' و'صندوق النقد الدولي', و'منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي', ومنظمة التجارة العالمية' وبنوك التنمية الإقليمية وكذلك العديد من الوكالات التابعة للأمم المتحدة, بالإضافة إلي تيسير إجراءات جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال وضع التشريعات والقوانين المناسبة لعمل تلك الشركات. جـ- السياسيون والمهنيون ذوو التوجهات الرأسماليةPoliticians&Professionals والذين يقومون بإنجاز العديد من الخدمات الفنية للحفاظ علي النظام الرأسمالي العالمي. د- الصفوة الاستهلاكية(ConsumeristElites التجار ووسائل الإعلام) وتهدف إلي دعم القيم الاستهلاكية للرأسمالية الكونية.
ويمكن القول بأن دور الصفوة السياسية والإدارية داخل الدولة القوميةNationState أصبح يتجسد في تيسير الأنشطة الاقتصادية الرأسمالية الكوكبية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والإندماج مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي, وصندوق النقد الدولي والكثير من الممارسات والتي تتفق مع سياسات السوق الحر وتنفيذ مبادئ واتفاقيات منظمة التجارة العالمية. وكل ماسبق إنما يهدف بدوره للحفاظ علي النظام الرأسمالي وتدعيم الطبقة البازغة والتي يطلق عليها' الطبقة الرأسمالية متعدية الجنسية'. ومجمل القول أن النظام السياسي والجهاز الإداري داخل الدولة أصبحا في خدمة مصالح تلك الطبقة وتدعيمها والمحافظة علي نموها وازدهارها وأيضا إزالة كافة العقبات التي تعترضها حتي وإن كان ذلك علي حساب باقي الطبقات الأخري داخل الدولة( الطبقات الوسطي والدنيا). فالطبقة الرأسمالية متعدية الجنسية تري أن اهتماماتها ومصالحها الاقتصادية تتجسد أكثر في اندماجها مع النظام الرأسمالي العالمي, فلم يعد هناك اندماج لتلك الطبقة مع أي دولة أجنبية أو مع العالم المتقدم أو العالم الغربي, بل مع النظام الرأسمالي الكوكبيGlobalCapitalistSystem, بالإضافة إلي أن أعضاء تلك الطبقة أصبحوا يقومون باستيعاب ونشر ثقافة وأيديولوجية النزعة الاستهلاكية الرأسمالية الكوكبية( بما تحويه هذه النزعة من قيم وممارسات حياتية وأنشطة يومية تتفق مع طبيعة تلك النزعة.
وفي ضوء ماتحتويه الطبقة الرأسمالية متعدية الجنسية من شرائح طبقية, فإن هناك بعض الشرائح والفئات الطبقية التي تظل خارج محيط تلك الطبقة, فعلي سبيل المثال هناك الباعة الجائلونHawkers والفلاحون والصيادون وأصحاب الأعمال المؤقتة والعاطلون, حيث يظل هؤلاء خارج القطاع الرسمي وخارج نطاق تلك الطبقة والتي تؤثر عليهم بصورة مباشرة وغير مباشرة, وهذه الفئات السابقة, بالإضافة إلي القوي العاملة في القطاع الرسمي إنما يظلون يشكلون غالبية سكان العالم ويحتلون مرتبة أدني في البناء الهرمي الاجتماعي الكوكبي(9). ويطلق علي تلك الفئات أو الشرائح الطبقية السابقة' الجماعات التابعة'SubordinateGroups والتي تتكون من(10): أ- الطبقة الوسطي الجديدة. ب- طبقة العمال لدي القطاع الرسمي وغير الرسميFormal&InformalSector. جـ- الفلاحين والمهمشين. ويمكن القول بأن العمال الذين يشتغلون بالقطاع غير الرسمي تظل أوضاعهم غير مستقرة بالإضافة إلي ازدياد أعداد العاطلين والعمال المؤقتين وأيضا الفلاحين والمهمشين إذ يظل هؤلاء مستبعدين من الاقتصاد الكوكبي. فأوضاع الطبقات المهمشة تظل عسيرة في ظل استبعادهم من المشاركة في الأنشطة الاقتصادية, بالإضافة إلي الاستغناء عنهم وعدم الاستفادة منهم في ظل تقليل تكاليف الإنتاج, ونقل المصانع إلي الدول التي لديها طبقة عاملة تعمل بأجور قليلة, فتلك الطبقات أصبحت أكثر عرضة لهجوم رأس المال العالمي ورياح وعواصف الأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية(11).
| |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: مفهوم الطبقة علي ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة 29/8/2009, 9:56 pm | |
|
تابع مفهوم الطبقة علي ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة د. هاني خميس أحمد عبده قسم الاجتماع, كلية الآداب, جامعة الإسكندرية ثانيا- البناء الطبقي والسياسة الاجتماعية في المجتمع المصري: ألقينا الضوء في الصفحات السابقة علي أهمية التحليل الطبقي ودوره في فهم التغيرات الطبقية التي حدثت علي مستوي البناء الاجتماعي وذلك من خلال ظهور مايعرف باسم' الطبقة الرأسمالية متعدية الجنسية'. وسوف نلقي الضوء في هذا الجزء علي العلاقة بين السياسة الاجتماعية والوضع الطبقي في المجتمع المصري عبر فترات تاريخية وذلك علي النحو التالي: 1- فترة الخمسينيات من القرن الماضي: نشأت علاقة قوية بين الدولة والطبقة الوسطي خلال الخمسينيات من القرن العشرين في المجتمعات النامية بصفة عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة, ويرجع ذلك إلي الدور الكبير الذي لعبته الجيوش في حركة التحرر الوطني, وكان قادة وضباط هذه الجيوش ينتمون إلي هذه الطبقة, ولقد سيطرت القوي العسكرية والبيروقراطية علي نظام الحكم كما تم الاستعانة ببعض شرائح الطبقة الوسطي( الشريحة العليا ذات التخصصات والمهن المتميزة) في تشكيل وإدارة الجهاز الإداري للدولة(12). ويمكن القول إنه في ضوء تلك العلاقة القوية بين الدولة والطبقة الوسطي, فإن ذلك قد دفع بعض الباحثين إلي إطلاق مصطلح' طبقة الدولة'StateClass أو البرجوازية البيروقراطية علي هذه الشريحة, وهي عبارة عن تلك الفئات البيروقراطية من الشريحة العليا للطبقة الوسطي والتي تعمل في القطاع العام وأجهزة الدولة وتحصل علي مرتبات مرتفعة(13). ولقد شهدت تلك الطبقة بشرائحها المختلفة أوضاعا اجتماعية متميزة نتيجة لقيام الدولة بتقديم الخدمات من خلال بناء شبكات المرافق الأساسية وتوفير ودعم خدمات التعليم والصحة والإسكان وإقامة وإدارة الكثير من المشروعات الزراعية والصناعية وتقديم الدعم للسلع الأساسية والقيام بالرقابة علي الأسعار, وحماية الصناعات المحلية, والتحكم في الواردات واحتياطات النقد الأجنبي. ولقد أطلق علي هذا النموذج التنموي بكل مفرداته السابقة مصطلح' النموذج الشعبوي'Populism نظرا لأنه كان يحرص علي استقطاب هذه الطبقات بشرائحها المختلفة وكسب تأييدها السياسي من خلال وضع برامج وسياسات اجتماعية واقتصادية تهدف للتخفيف من معاناة الأفراد وتحقيق مستويات معيشية مناسبة لأفراد المجتمع وتمكينهم من إشباع حاجاتهم الأساسية بما يساعد علي التقليل من حدة التفاوت الطبقي(14).
2- فترة السبعينيات من القرن الماضي وحتي الآن: شهدت مصر تحولا جوهريا في السياسات الاقتصادية في أوائل السبعينيات من القرن العشرين, وكان من أبرزها تبني النظام السياسي لبرامج اقتصادية أطلق عليها' سياسة الإنفتاح الاقتصادي' وكانت البداية بإصدار القانون(43) لسنة1974 لاستثمار رأس المال العربي والأجنبي لتوسيع نطاق المزايا الممنوحة للمستثمرين ولإزالة التمييز بين المستثمر المحلي والأجنبي وإزالة العقبات الإدارية التي يمكن أن تواجه المستثمرين, من خلال وضع السياسات التشريعية التي تهدف إلي توفير بيئة اقتصادية مشجعة لعمل القطاع الخاص المحلي ولاجتذاب المستثمر الأجنبي(15). ويمكن القول بأن سياسة الإنفتاح الاقتصادي كانت بمثابة البداية الفعلية للتخلي عن سياسات التحول الاشتراكي والانتقال إلي سياسات اقتصادية ليبرالية والسعي لإدماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد الرأسمالي العالمي(16). ومن أبرز التغيرات الأخري التي حدثت وأدت بدورها إلي تراجع الدولة عن القيام بدورها في تقديم الخدمات الاجتماعية لأفراد المجتمع- مما يعني تدهور أوضاع وأحوال الطبقة الوسطي- زيادة حجم الدين العام الداخلي, وارتفاع عبء هذا الدين وعجز الموازنة العامة للدولة وارتفاع معدلات التضخم وتزايد معدلات البطالة وتردي معدلات الإدخار والاستثمار وأيضا انخفاض مستوي النمو الاقتصادي(17). وهناك أيضا الزيادة السكانية واستمرار حالة الركود وتفاقم الضغوط الخارجية الناجمة عن أزمة المديونية الخارجية وحدوث تناقص شديد في فرص التوظف ومن ثم زيادة معدل البطالة, كما أن استمرار حالة العجز في ميزانية الدولة أدي إلي عدم قدرة الدولة علي الاستمرار في تمويل ودعم الخدمات الاجتماعية والإنفاق علي مشروعات وبرامج السياسة الاجتماعية المتمثلة في الصحة والتعليم والإسكان. فالبعد الاجتماعي للتنمية أصبح منبوذا باعتباره يشجع علي التواكل ويستنزف موارد الدولة ومن ثم فهو مسئول عن عجز الموازنة العامة للدولة(18). ولمواجهة هذا العجز في الموازنة والعمل علي جدولة الديون المستحقة علي الدولة, فإنه قد تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي(IMF) علي وضع وتنفيذ برنامج للتثبيت الاقتصاديEconomicStabilizationProgram وأيضا الاتفاق مع البنك الدولي لوضع برنامج للتكيف الهيكلي وكلا البرنامجين يستندان علي الأسس الفكرية للمدرسة الليبرالية والتي يمكن أن نوجزها في جملة واحدة:' السوق هي الخير والدولة هي الشر'(19). وتجسدت نقطة الانطلاق لهذين البرنامجين في إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الخاصة بالدولة وأيضا السياسات الاجتماعية وصياغة قواعد وأسس جديدة والتأكيد علي أن الدولة لاتحتاج إلي هذا الكم من الأموال العامة المقترضة, وإنما تحتاج إلي رؤوس الأموال الأجنبية ولكي تتدفق هذه الأموال في صورة استثمارات أجنبية مباشرة, فإنه يتعين علي الدولة وضع سياسات اقتصادية تهدف لتشجيع القطاع الخاص. وفي ضوء ماسبق تعرض دور الحكومة للانكماش التدريجي سواء دورها في الاستثمارات المحلية وأيضا دورها في الإنفاق العام علي برامج ومشروعات الخدمات الاجتماعية. ومن اللافت للنظر أن مصر سارت بخطي سريعة للتقليص من حجم دورها المنوط بها في تقديم الخدمات الاجتماعية والتدخل في أوقات الأزمات الاقتصادية حتي أصبح أصغر من نظيره في دول رأسمالية متقدمة مثل المملكة المتحدة والسويد وفرنسا(20). فعلي سبيل المثال نجد تحرير الأسعار, وإلغاء الدعم أو تقليصه, وتحديد الأسعار طبقا لآليات السوق, مع الميل في السبيعنيات والثمانينيات من القرن الماضي لتأكيد هذه السياسات بطرق غير مباشرة من خلال علي سبيل المثال لا الحصر خفض وزن الرغيف, أو تخفيض محتوي العبوات من الزيت والصابون مع ثبات الأسعار. فالحكومة أخذت بسياسة تصويب الدعم نحو الفئات شديدة الفقر وذلك بقصر الدعم علي السلع ذات الجودة المنخفضة أو الرديئة كالخبز ذي المحتوي العالي من السن والمخلوط بالذرة, كما جاء تحرير أسعار عدد كبير من المنتجات لتقريب أسعارها من الأسعار العالمية وبخاصة السلع الزراعية والمنتجات البترولية(21). ولقد ترتب علي ذلك إقصاء غالبية أفراد المجتمع من الحصول علي حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية, وتهميش لمعظم أفراد الطبقات الوسطي والدنيا وتعرضهم للاستغلال من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية وتدني المستويات المعيشية. وبالإضافة إلي ماسبق نجد أيضا التفاوتات المتزايدة في توزيع الدخل والثروة وظهور طبقة من الأغنياء الجدد مارسوا نمطا استهلاكيا مستفزا يؤثر بدرجة أو بأخري علي الأنماط الاستهلاكية لباقي الطبقات الأخري الموجودة في المجتمع بما في ذلك الطبقات الوسطي والدنيا. وفيما يتعلق بالوضع الطبقي للمجتمع المصري, فإنه ينبغي الإشارة إلي أن أنظمة الحكم التي قبلت سياسة الانفتاح الاقتصادي والخصخصة استندت علي تحالف اجتماعي جديد يختلف عن طبيعة التحالف الذي قامت عليه أنظمة الحكم في دولة مابعد الاستقلال. وهكذا يمكن القول بأن تركيبة البنية الطبقية قد تغيرت لتصبح مزيجا من تحالف القوي العسكرية والبيروقراطية وكبار الأغنياء وممثلي الشركات والمؤسسات الأجنبية أو مايطلق عليه ا لطبقة الرأسمالية متعدية الجنسيةTransnationalCapitalistClass, والتي تتكون من شرائح اجتماعية ذات مصالح اقتصادية يعتمد استمرارها علي استمرار نشاط تلك الشركات, وهو ماقد يؤدي إلي إضعاف تماسك النسيج الاجتماعي واختفاء الشعور بالولاء والإنتماء وتأثير ذلك علي الأمن القومي المصري(22). فلقد أصبح هناك انحياز كامل من جانب الدولة للأثرياء من رجال الأعمال وذلك من خلال اتباع سياسة تستهدف خلق شريحة أو فئة طبقية تحتل قمة الهرم الاجتماعي لضمان ولاء ودعم هذه الشريحة للنظام القائم.
رابعا- التحليل الطبقي والتغير الاجتماعي( السياسة الاجتماعية نموذجا): يتبين لنا في ضوء ماسبق تراجع الدولة عن أداء دورها التنموي وتقديم الخدمات الاجتماعية من خلال قصور برامج السياسات الاجتماعية المختلفة في مجال الصحة والتعليم والإسكان ودعم الخدمات والحاجات الأساسية للأفراد داخل المجتمع ويمكن القول بأن ذلك لم يكن نقصا في الموارد والإمكانات المتاحة للدولة, بل اهتمام الدولة في تلك الفترة بتقديم الدعم والخدمات وأيضا التسهيلات للشرائح الطبقية الرأسمالية حتي وإن كان ذلك علي حساب الطبقة الوسطي والدنيا في المجتمع المصري, إذ أصبح واضعو السياسات والتنفيذيون ذوي توجه رأسمالي يقومون بتيسير مصالح النظام الرأسمالي وخدمة أفراده. وسوف نحاول في هذا الجزء أن نجيب علي تساؤل رئيسي مؤداه: ماذا يمكن أن يقدم لنا التحليل الطبقي في مجال وضع السياسة الاجتماعية ويمكن القول أنه في ضوء إسهامات التحليل الطبقي المتعلقة بفهم وتفسير التغيرات الطبقية في المجتمعات الإنسانية, إنما يساعدنا في مجمله في التعرف علي أوضاع الأفراد داخل المجتمع, ومن ثم العمل علي تحسين أوضاعهم المعيشية نحو الأفضل من خلال وضع سياسة اجتماعية ملائمة تهدف في الأساس إلي مواجهة الاستغلال وعدم المساواة في الحقوق والسلطات الخاصة بالموارد الإنتاجية, بالإضافة إلي التباينات في توزيع الدخول والثروات, فإذا كان من أهم إنجازات الرأسمالية تنمية القدرة الإنتاجية للبشر إلي حد يسمح معه من الناحية المادية بتحقيق المساواة التي تساهم في الازدهار الإنساني, إلا أن النظام الرأسمالي يقوم بخلق مؤسسات وعلاقات تحول دون التحقيق الفعلي للمساواة وربما يحدث ذلك في ضوء ثلاثة مواقف(23): 1- سعي صاحب العمل( الرأسمالي) لتحقيق فائض من الأرباح علي حساب الطبقات الأخري في المجتمع. 2- إقصاء الطبقات الوسطي والدنيا عن الوصول لموارد الإنتاج. 3- قيام الرأسمالي بالاستيلاء علي جهد العمال. فالاستغلال ذو صلة وثيقة بمشكلة السيطرة وتحدث السيطرة أولا من خلال الاقتصاد, فامتلاك الفرد لمورد ما يعطيه السلطة لحرمان الآخرين والسيطرة عليهم من خلال استخدام هذا المورد ويمكن القول بأن السلطة التي يمارسها الفرد من خلال النشاط الاستغلالي والمتمثلة في قدرته علي توظيف العمال أو طردهم, إنما هي أوضح مثال علي هذا النوع من السيطرة ولكن السيطرةDomination تكون في أغلب الحالات مقترنة بمبدأ الاستيلاءAppropriation, حيث أن الاستيلاء علي جهد العمل الخاص بالعمال يتطلب أشكالا مباشرة من التبعية خاصة في عملية العمل, مثل إعطاء الأوامر والمراقبة والتهديد وبهذا يقوم الاستغلال المقترن بالسيطرة بتحديد السمات الرئيسية للتفاعلات البنائية في العلاقات الطبقية(24). فالتحليل الطبقي ليس مجرد نظرية عن المصالح والصراعات ولكنه أيضا جزء من نظرية أخري ذات طابع تنويري وتحرري عن البدائل المتعلقة بتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وفي ضوء ماسبق يجب علي صانعي السياسة الاجتماعية الأخذ في الاعتبار مايلي:(25) 1- المصالح الطبقية:ClassInterests ويقصد بها المصالح المادية للأفراد والنابعة من العلاقات الخاصة بالمواقع داخل الطبقات. وعبارة المصالح المادية هنا تشتمل علي مجموعة من القضايا مثل مستويات المعيشة, وظروف العمل, ومستوي الجهد المبذول والرفاهية والأمان المادي. وعندما نصف مصالح الناس المتعلقة بهذه القضايا بأنها مصالح طبقية, فنحن نقصد أن الفرص التي تتاح للفرد إنما تتحدد تبعا لمواقعهم الطبقية. 2- الوعي الطبقي:ClassConsciousness ويقصد به الإدراك الشخصي للأفراد فيما يتعلق بمصالحهم الطبقية وسبل النهوض بها. 3- الممارسات الاجتماعية:SocialPractices وهي بمثابة الأنشطة التي يقوم بها الأفراد- سواء كانوا أشخاصا منفصلين أو أعضاء في جماعات- سعيا وراء المصالح الطبقية. 4- التشكيلات الطبقية:ClassFormations وهي الجماعات التي يكونها الأفراد لتسهيل تحقيق المصالح الاجتماعية والتي تمتد من المنظمات الواعية بذاتها للنهوض بمصالحها كالنقابات والأحزاب السياسية ووصولا إلي جماعات أقل ترابطا كالشبكات الاجتماعية والمجتمعات المحلية. 5- الصراع الطبقي:ClassConflict ويتمثل في النزاعات القائمة بين ممارسات الأفراد والجماعات سعيا وراء اعتراض المصالح الطبقية, وهذه النزاعات تمتد من إستراتيجيات العمال المنفردين داخل عملية العمل لتقليل مستوي الجهد المبذول, وصولا إلي النزاعات المتعلقة بتوزيع الحقوق والسلطات داخل عملية الإنتاج بين الجماعات المنظمة للعمال والرأسماليين. كما يوضح لنا التحليل الطبقي من خلال اسهاماته في فهم البناء الطبقي للمجتمع الإنساني في الوقت الحاضر, أنه عند وضع السياسة الاجتماعية لابد من الأخذ في الاعتبار التباينات بين مختلف الشرائح الطبقية في المجتمع وذلك في ضوء التغيرات التي تطرأ علي المجتمع والتي أصبحت تؤثر بدورها علي البناء الطبقي للمجتمع المصري ومن ثم فالسياسة الاجتماعية والبناء الطبقي ليسا بالشيء الثابت بل يتغيران تبعا لظروف المجتمع وأوضاعه المتباينة عبر الفترات التاريخية المختلفة. وربما يحتاج ذلك إلي ضرورة تحديث المعلومات والبيانات الخاصة بأفراد المجتمع والتي تدور حول متوسط دخل الفرد ومدي الإمكانات المتاحة له في ضوء هذا الدخل لإشباع حاجاته الأساسية بما يضمن له حياة كريمة يمكن من خلالها إشباع حقوقه الاقتصادية والاجتماعية.
المراجع: 1-AbulRahmanEmbong,_GlobalizationandTransnationalClassRelation: SomeProblemsofConceptualization_,ThirdWorldQuarterly,Vol(21),No(6),2000.P..998 2-Ibid.,P..990 3-Ibid.,P..990 4-Ibid.,P..991 5-Ibid.,P..992 (j) مثال ذلك نادي باريس ومنتدي دافوس بسويسرا. 6- محمد عبد المنعم شلبي, العولمة والطبقة الوسطي متعدية الجنسية في مصر, كراسات استراتيجية, السنة السادسة عشرة, العدد(169), نوفمبر2006, ص9. 7-AbulRahmanEmbong,Op.Cit.,P..993 8-Ibid.,P..996 9-Ibid.,P..998 12- رمزي زكي,' الليبرالية الجديدة تقول: وداعا للطبقة الوسطي', مجلة عالم الفكر, المجلد الخامس والعشرون, العدد الثالث, اكتوبر ديسمبر1996, ص ص52-53. 13- المرجع السابق, ص54. 14- المرجع السابق, ص53. 15- إبراهيم العيسوي, الاقتصاد المصري في ثلاثين عاما, المكتبة الأكاديمية, القاهرة,2007, ص103. 16- المرجع السابق, ص103. 17- رمزي زكي, مرجع سابق, ص38. 18- المرجع السابق, ص ص61-63. 19- المرجع السابق, ص60. 20- المرجع السابق, ص106. 21- إبراهيم العيسوي, مرجع سابق, ص108. 22- المرجع السابق, ص666. 23-ErikOlinWright,Op.Cit.,PP.16-.17 24-Ibid.,P..18 25-Ibid.,P..14 نشرت بمجلة الديمقراطية العدد 34 ابريل 2009 http://democracy.ahram.org.eg/
| |
| | | | مفهوم الطبقة علي ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|