إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الاستاذ فهمي هويدي يكتب: مسألة ضمير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الاستاذ فهمي هويدي يكتب: مسألة ضمير Empty
مُساهمةموضوع: الاستاذ فهمي هويدي يكتب: مسألة ضمير   الاستاذ فهمي هويدي يكتب: مسألة ضمير Empty6/6/2009, 3:16 pm


مسألة ضمير
بقلم: فهمي هويدي

بسبب التعارض بين الضمير السياسى والضمير المهنى، خسرت فرصة المشاركة فى حوار مباشر مع الرئيس أوباما يتمناه أى صحفى. ذلك أننى كنت قد أبلغت من قبل السفارة الأمريكية بالقاهرة أننى سأكون ضمن مجموعة من الصحفيين ستلتقى الرئيس الأمريكى لإجراء حوار معه عقب إلقاء خطبته.

أعددت نفسى وجهزت أربعة أسئلة تمنيت أن أسمع منه إجابة عليها. وحين وصلت مع غيرى من المدعوين للاستماع إلى الخطاب، أبلغت بأن المجموعة التى ستلتقى الرئيس أوباما حجزت لها أماكن بالقرب من باب جانبى حتى ندلف منه مباشرة للقائه بعد الانتهاء من خطابه. وسلم كل واحد منا بطاقة بلاستيكية تتضمن اسمه وبيانات المناسبة. وبحبر أحمر كتب عليها إنها «إعلام مؤقت» لمرة واحدة. وعليها ختم رئاسة الجمهورية ــ إدارة الأمن ــ مع توقيع رئيس الإدارة المركزية للأمن.
جلست إلى جوارى صحفية ماليزية شابة قالت إنها دعيت للاشتراك فى الحوار، وفهمت منها أن مجموعة الصحفيين المدعوين للقاء عددهم ثمانية من العالم العربى وبعض الأقطار الآسيوية. ومن باب الفضول سألتها عن قائمة أسمائهم فأخرجت دفترا صغيرا قرأت منه أن الثمانية موزعون كالتالى: اثنان من مصر (كنت أحدهما) وواحد من السعودية وآخر من لبنان وخامس من فلسطين وسادس من إندونيسيا وهى من ماليزيا. ثم قالت وهى تطوى الدفتر أن الثامن من إسرائيل. حينما سمعت الكلمة الأخيرة شعرت أن عقربا لدغنى، فرجوتها أن تتأكد من المعلومة، وحين أعادت النظر إلى أوراقها قالت إنها صحيحة، وأن «الزميل» الإسرائيلى ينزل معهم فى نفس الفندق، وأنه جالس معنا فى الصف. طلبت منها أن تشير إليه، ففعلت، وحين التفت إليه وجدته يتبادل التحايا مع زميلنا السعودى.
لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لى، حيث ما خطر لى على بال أن أجلس لا فى صف واحد ولا على طاولة حوار واحدة مع إسرائيلى فى ظل الأوضاع الراهنة. وما أزعجنى فى الأمر أيضا أننى لم أبلغ بأنه سيكون بيننا صحفى إسرائىلى فى اللقاء مع الرئيس أوباما. وهو ما قلته لموظفة السفارة الأمريكية، وأنا أنقل إليها انسحابى من المجموعة واعتذارى عن عدم المشاركة فى الحوار.
قلت أيضا إن الرئيس أوباما جاء ليخاطب العالم العربى والإسلامى، وإسرائيل ليست من الدول العربية ولا هى من الدول الإسلامية، فلماذا يقحم صحفى إسرائيلى وسط المجموعة العربية والمسلمة.

ومن ثم اعتبرت أن الإقدام على هذا التصرف ومفاجأة المشاركين به يعد عملا غير برىء وغير مقبول. وهو فى حده الأدنى يعبر عن الاستهانة ببقية المشاركين.
للحظة انتابنى شعور بالخجل حين وجدت أننى مدعو للجلوس على طاولة واحدة مع صحفى إسرائيلى كبير، فى حين تجمع عشرة أشخاص من الناشطين الأجانب وسط الميدان الذى تشرف عليه الجامعة، وهم يحملون لافتات ويرددن هتافات بالإنجليزية تدعو إلى رفع الحصار عن غزة، وتطالب أوباما بوقف دعم إسرائيل فى حرب الإبادة التى تشنها ضد الفلسطينيين. كانت هتافاتهم ترن فى أذنى وصور ضحايا العدوان على غزة تتراءى أمام عينى طوال الوقت.
دعك الآن من آلاف الناشطين الغربيين وحدهم الذين سمح لهم الأمن بالتظاهر الرمزى، لأن لهم «صاحب» يمكن أن يحتج أو يمنع عنهم الأذى إذا تعرضوا لأى سوء، بينما «صاحب مصر» حبس الناس فى بيوتهم ولم يسمح لهم بمغادرتها منذ الليلة السابقة، لم يستغرق قرارى رفض المشاركة فى اللقاء وقتا. وأيدنى بعض الأصدقاء الذين أثق فى وطنيتهم وسلامة حسهم.

نسيت الحوار وأسئلتى الأربعة، والعناوين التى خطرت لى، بل ونسيت السيد أوباما شخصيا، وما يمكن أن يترتب على انسحابى من تداعيات. ذلك أننا نعرف أن رفض مقابلة مأمور القسم أو ضابط المباحث يعد عندنا أمرا مكلفا يمكن أن يدفع المرء ثمنا له لعدة سنوات، فما بالك برفض مقابلة رئيس الولايات المتحدة الذى هو «مأمور العالم» بأسره. غير أن ذلك الهاجس لم يقلقنى، أولا لأنه زعيم بلد ديمقراطى يحتمل تصرفا «ديمقراطيا» من هذا القبيل. وثانيا لأننى لم أرفض مقابلة الرئيس بدليل أننى قبلت الدعوة وسلمت نفسى لممثليه، ولكننى رفضت صحبة الإسرائيلى.

لم تكن هذه هى المرة الأولى التى أعبر فيها عن مقاطعتى لإسرائيل بمثل هذا التصرف الذى أعرف أنه متواضع للغاية ولم يغير شيئا من خرائط الشرق الأوسط ولا من مواقف مثقفى التطبيع، لكنه بالنسبة لى كان نوعا من إنكار المنكر، غاية ما يحققه أنه يسمح لى بأن أنام مرتاح الضمير. ذلك أننى أعتبر أن الصحفى شأنه فى ذلك شأن أى مثقف هو فى النهاية ضمير أمته. والضمير لا يقبل التجزئة أو التقسيط.
إذ لا أستطيع أن أميز بين الضمير المهنى أو السياسى أو الأخلاقى. واعتبر هذا التمييز الذى يمارسه البعض ليس سوى نوع من الاحتيال أو الالتفاف يراد به فى النهاية تسويغ خيانة الضمير. وهو ما لا أرضاه لنفسى، وأحسب أنك أيضا لا ترضاه لى. لأننى يوم الحساب لن أسأل عن حوار صحفى خسرته، ولكننى سأسأل عن ضميرى إذا خنته.
نشرت بجريدة الشروق عدد 5 يونيو 2009
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
الاستاذ فهمي هويدي يكتب: مسألة ضمير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» د. محمود عبد الفضيل يكتب: غرق وول ستريت
» من قتل الأقباط؟
» د‏.‏ علي ليلة يكتب: المواطنة بين السياق القومي والعالمي
» د. أحمد أبوزيد يكتب: العولمة وحقوق الإنسان.
» الدكتور مصطفى النشار يكتب عن: العلاج بالفلسفة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: