إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الدكتور مصطفى النشار يكتب عن: العلاج بالفلسفة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الدكتور مصطفى النشار يكتب عن: العلاج بالفلسفة Empty
مُساهمةموضوع: الدكتور مصطفى النشار يكتب عن: العلاج بالفلسفة   الدكتور مصطفى النشار يكتب عن: العلاج بالفلسفة Empty5/7/2009, 1:06 pm


العلاج بالفلسفة
بقلم : د‏.‏مصطفي النشار
أستاذ الفلسفة بآداب القاهرة
قد يثير هذا العنوان دهشة القارئ الذي عرف صورا متعددة من العلاج الطبي والنفسي لكنه لم يسمع يوما عن العلاج الفلسفي‏!‏ فهل ثمة علاج يمكن ان تقدمه الفلسفة للإنسان خاصة في ظل تفاقم مشكلاته الصحية والنفسية والاجتماعية والسياسية والبيئية‏...‏الخ‏.‏

الحقيقة التي ينبغي ان يعرفها الناس أولا هي ان الفلسفة كما هو معلوم هي أم كل تلك العلوم التي ازدهرت في عصرنا وتناسي المتخصصون فيها ان الفلسفة هي الأصل الذي لولاه ما كانوا‏,‏ وهي السند الذي لولاه ما نجحوا في الكشف عن أي جديد في علومهم وهي الأداة الضرورية للإبداع وللإقناع معا‏.‏
والحقيقة الثانية التي ينبغي ان يعيها الجميع ان العلاج بالفلسفة قديم قدم تاريخ الفلسفة نفسها‏,‏ إذ لم تنشأ الفلسفة إلا للإجابة عن تساؤلات جوهرية أرهقت الإنسان وارهقت عقله واثرت علي ادائه في الحياة مثل تساؤلاته عن ماهية هذا الوجود الذي يعيش فيه وعن اصله وعن مصيره ثم تساؤلاته عن نفسه من هو وما هي ماهيته‏,‏ وما هو مصيره‏!‏

لقد كانت هذه وتلك تساؤلات أقلقت مضاجع الانسان ولم تأته الإجابات إلا عن طريق فلاسفة نجحوا من خلال تأملاتهم وعقولهم الفذة في ان يصلوا الي إدراك الكثير من الحقائق حول هذا الوجود وحقيقته وحول ماهية الإنسان وما يعانيه من مشكلات‏,‏ ويكفي في هذا الصدد ان نشير إلي ما قام به فيلسوف قدير مثل سقراط الذي قام بدور كبير في علاج معاصريه حينما نبههم إلي ان المشكلة الحقيقية تكمن في انهم لم يبدأوا بمعرفة حقيقة انفسهم وحقيقة ما يدعون العلم به قبل ان يتوجهوا الي الآخرين معلنين انهم قد عرفوا كل شيء وامسكوا بكبد الحقيقة‏!‏

لقد تحلي سقراط بشجاعة حينما واجه هؤلاء المدعين مباشرة ليسألهم عن حقيقة ما ادعوا العلم به عبر تساؤلات كشفت لهم انهم يجهلون جوهر ما ادعوا العلم به‏,‏ فالذي يدعي انه أتقي الناس لايعرف شيئا عن حقيقة التقوي أي ما الذي يجعل التقوي تقوي‏,‏ وكذلك الذي يدعي الشجاعة‏...‏ لايعرف شيئا عن ماهية الشجاعة وهكذا نجح سقراط في علاج مدعي العلم بأن كشف لهم عن زيف ادعاءاتهم‏,‏ فضلا عن انه أوضح لهم ان طريق المعرفة الصحيح يبدأ بأن يدرك كل منا نظريا حقيقة أو ماهية أي موضوع يتحدث فيه‏.‏
وكان هذا اول درس في العلاج بالفلسفة‏:‏ ان يحرص كل من يتحدث في أي موضوع علي تعريف دقيق لكل ما يتحدث به أو عنه في ثنايا هذا الموضوع بحيث يكون مدركا ادراكا عقليا ومنطقيا واضحا لماهية هذا الموضوع‏.‏

توالت بعد ذلك صور العلاج الفلسفي لكل قضايا الانسان ومشكلاته عبر تاريخ الفلسفة فقد واصل افلاطون طريقة استاذه العلاجية فأسس الفلسفة كعلم للحوار‏.‏ وأكد ان علاج أي مشكلة يكون دائما عبر الحوار بين اطرافها‏,‏ ذلك الحوار الذي يتفقون منذ بدايته علي انه طريقهم للوصول الي حقيقة الموضوع الذي يختلفون حوله وكان افلاطون مدركا لطبيعة الحقيقة الانسانية حينما كشف عن ان هذه الحقيقة حمالة أوجه‏)‏ وان كلا منا يمكنه ان يكتشف جانبا من هذه الحقيقة وقد أكدت كل كتابات أفلاطون ذلك حيث جاءت علي هيئة حوارات بين فلاسفة حقيقيين ويمثله فيها احدهم‏.‏

وكانت شخصية سقراط تقوم بهذا الدور وعادة ما كانت تنتهي هذه الحوارات دون ان ينتصر فيها رأي علي الآراء الاخري انتصارا حاسما إشارة من افلاطون الي ان كل رأي له وجاهته وان انتقد من الآخرين‏,‏ وكان هذا هو الدرس الثاني في العلاج بالفلسفة‏:‏ انه استخدام الحوار العقلي للنظر في أي موضوع أو مشكلة يختلف الناس حولها‏,‏ ففي الحوار يحاط الجميع علما بتعدد اوجه النظر إلي تلك المشكلة‏,‏ وقد يتفقون في النهاية علي رؤية احدهم في حلها أو يبلورون من خلال الحوار حلا جديدا لها لم يكن مطروحا لدي احدهم منذ البداية‏.‏

أما الدرس الثالث في العلاج بالفلسفة فقد قدمه ارسطو حينما وجد ان المعارك الفكرية بين سقراط وافلاطون من ناحية وبين السوفسطائيين من ناحية اخري وبين كل هؤلاء اليونانيين من ناحية ثالثة‏,‏ إنما أساسها الخلط في استخدام التعابير اللغوية والغموض في الاستدلالات العقلية‏!‏
حينئذ كتب أرسطو مؤلفاته المنطقية مميزا بين الطريق الصحيح في التفكير والاستدلال وبين الطرق الخاطئة في استخدام اللغة سواء في التعبير أو في الاستدلال‏,‏ لقد كان اكتشاف ارسطو للأسس المنطقية للتفكير الصحيح والتمييز بينها وبين التفكير الخاطئ علامة فارقة في تاريخ الإنسان‏,‏ لأنه ولأول مرة يكتشف كيف يفكر بطريقة سليمة ويتجنب الأخطاء كما تعلم كيف يكتشف المغالطات التي يمكن ان يوقعه فيها الآخرون سواء في استخدامهم للألفاظ اللغوية الغامضة أو كثيرة الدلالات أو في الاستدلالات التي لا تراعي القواعد الصحيحة للاستدلال‏.‏

والطريف ان الفلسفة القديمة بعد ارسطو قد تحولت برمتها الي فلسفة علاجية‏,‏ فكل التيارات الفلسفية في العصر بين الهللينستي والروماني استهدفت التماس طريق لسعادة الانسان وسط ظروف شديدة الوطأة من حروب وصراعات تلاعبت بأقدار الانسان الفرد لدرجة ان تغير المثل الاعلي للإنسان في ذلك الزمان فبدلا من ان يكون المثل الاعلي للمواطن هو المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية في بلاد اليونان اصبح المثل الاعلي هو التماس طريق فردي للسعادة يكون بعيدا عن هذه المشاركة لأنها لم تكن تجلب آنذاك إلا القتل والتشريد‏.‏
ومن ثم فقد جاءت فلسفات هذا العصر لترسم للإنسان هذا الطريق الفردي لالتماس السعادة بعيدا عن تلك الظروف الخارجية المعقدة والمضطربة فتحدث أبيقور عن ضرورة ان يتحلي الإنسان بأعلي قدر من الهدوء والطمأنينة الداخلية علي اساس من الرضا بالواقع والاكتفاء بما هو ضروري من اللذان الحسية للدرجة التي عرف معها اللذات بأنها غياب الألم فإذا كنا نتألم من جوع أو من عطش فالنكتف بما هو ضروري من المأكل أو من المشرب أو ما شابه فهذا الضروري هو اقصي درجات اللذة لأنه سيغيب معه ألم الجوع أو ألم العطش وإذا ما افرط الانسان بعد ذلك فإن هذا الإفراط سيأتي بالألم مرة أخري وان كان بشكل مختلف‏!‏

وركز أبيقور في فلسفته العلاجية علي علاج آلام النفس لأنها في رأيه أشنع من آلام الجسد فإن كل انسان يتألم ويعاني القلق‏,‏ خوفا من الموت او من المصير فإنه بالعلم والفلسفة يمكنه التخلص من هذا القلق‏,‏ فما الموت إلا انعدام الاحساس‏.‏ وان كان يتألم لغياب الحبيب فإن علاجه يكون عند أبيقور بتذكر لذة اللقاءات السابقة معه أو بتوقع لذة اللقاء به بعد ذلك‏.‏ وقد كان هو نفسه يمارس هذه الطرق للعلاج من الألم ففي احدي رسائله يقول لأحد اصدقائه انه يتغلب علي اشتداد آلام المرض الذي ينخر في جسده باستعادة ذكري حواراتهما السابقة في مختلف القضايا‏.‏

أما الرواقيون فقد ضربوا اروع الامثلة سواء في فلسفتهم أو في حياتهم علي ان الفلسفة فيها الشفاء من شتي انواع القلق وكل اصناف الهم والألم‏,‏ واكدوا انه كلما تعمقت الحكمة الفلسفية لدي الانسان نجح في التوافق مع كل ظروف الحياة ومع ذلك الكون بما فيه من كائنات طبيعية وبما فيه من بشر‏.‏
وكل ذلك من خلال مبدأ استندوا اليه هو العيش وفقا للطبيعة سواء الطبيعية الخارجية أو الطبيعة العاقلة للإنسان‏,‏ فالإنسان الذي يعمل عقله في الوجود من حوله ويعيش جيدا سيجد انه مثله مثل غيره من الكائنات فكلهم في رعاية إلهية واحدة ومن ثم عليه ان يتوافق مع كل ما يحدث من ظواهر وان يتعاطف مع كل من حوله‏,‏ ومن التعاطف بين البشر وظواهر الطبيعة دعا الرواقيون الي فلسفتهم البيئية المميزة بعدم الاعتداء علي الطبيعة‏.‏
نشرت بجريدة الأهرام عدد 5/7/2009
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
الدكتور مصطفى النشار يكتب عن: العلاج بالفلسفة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأئمة الأربعة الدكتور مصطفى الشكعة
» حوار مع الدكتور مصطفى عمر التير أستاذ علم الاجتماع الليبى
» المنهج النقدي في البحث الاجتماعي .. بقلم: الدكتور طلال عبد المعطي مصطفى
» العولمة وتاثيراتها في الثقافة العربية - ماجستير
» د. محمود عبد الفضيل يكتب: غرق وول ستريت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: