د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| |
د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: يونان لبيب رزق .. مؤرخ الواقعية.. وديوان الحياة المعاصرة 6/11/2009, 2:41 pm | |
| يونان لبيب رزق مؤرخ الواقعية.. وديوان الحياة المعاصرة يقلم: د. خالد عزب المصرى اليوم عدد ٦/ ١١/ ٢٠٠٩ تابعت عن كثب منذ أن كنت طالبًا فى جامعة القاهرة الدكتور يونان لبيب رزق، كنت أرى فيه روح العالم المتواضع الذى يبحث بجد، ويتبنى تلامذته النبغاء كأنهم أبناؤه. فى محاضراته كان يقرأ التاريخ دون تحيز. أمر صعب على أى مؤرخ أن ينزع عن نفسه موروثاته المحفوظة فى عقله الباطن، لكى يقدم لنا التاريخ بقراءة مختلفة عن الآخرين، لم يكن مقلدًا بل كان مجددًا عن غيره من المؤرخين، لم يكن مترجمًا لكتب ينسبها لنفسه، وهى من بنات أفكار مؤرخين أجانب، لذا كان صادقًا مع نفسه وقرائه، كان أول احتكاك مباشر بينى وبينه حين كنت ألقى محاضرة فى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، فرأيته يجلس فى الصفوف الأولى معلقًا على ما أثرته حول مشروع إنقاذ أسوار صلاح الدين الشرقية، ومنذ ذلك اليوم أصبحنا أصدقاء صداقة الأب والعالم للابن الصغير، الذى يسعى لأن ينهل من علم يونان لبيب رزق.
لعل ميلاد يونان لبيب رزق فى أكتوبر ١٩٣٤، ووفاته فى بدايات ٢٠٠٨ يعكسان مراحل مختلفة فى حياة يونان الإنسان، الذى درس فى كلية الآداب، جامعة عين شمس، التى اشتهرت برسوخها وتميزها، ومنها حصل على درجتى الماجستير والدكتوراه عن تاريخ السودان المعاصر، الذى رحل إليه مقيمًا فى الخرطوم، باحثًا عن وثائق هذا البلد الذى ارتبط تاريخه بمصر، وارتبط تاريخ مصر به، فأصدر عن السودان ثلاثة كتب، لكن كان اختياره للتدريس فى كلية البنات بجامعة عين شمس فرصة أتاحت له أن يشكل مدرسة تاريخية شكلها وفق رؤيته، فركز على محورين أساسيين، فيها المؤسسات كالأحزاب والوزارات والجمعيات وغيرها، والشخصيات العامة، مثل محمد باشا محمود وبطرس باشا غالى، ومصطفى باشا النحاس، ثم ذهب لاستكمال تاريخ مصر من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه، وهى بالمئات أشرف عليها، فإذا وضعت هذه الرسائل جنبًا إلى جنب وجدتها فى نهاية الأمر موسوعة تاريخية لمصر المعاصرة. كانت هذه الرسائل وموضوعاتها محل نقاش فى سيمنار كلية البنات، جامعة عين شمس، الذى أسسه يونان لبيب، كان يجلس فى السيمنار ليناقش تلامذته، الذين يطردون ما لديهم من مشروعات بحثية، أو أبحاث جديدة، فكان السيمنار محل اهتمام الباحثين المصريين والعرب والأجانب، لما تميز به من حرية النقاش وتداول الأفكار، لكن يونان ومن خلال رئاسته للجنة العلمية لمركز دراسات تاريخ مصر المعاصرة، فى دار الكتب والوثائق المصرية- دفع مئات الدراسات نحو النور من خلال سلسلة كتب عملية أسسها، هى «نهضة مصر» التى صدر منها ما يزيد على السبعين كتابًا حتى الآن، سدت ثغرات كبيرة فى الدراسات المتعلقة بتاريخ مصر المعاصرة، أراد أن يبدأ هذه السلسلة بكتاب يجذب الرأى العام والمؤرخين لها، فبدأها بكتاب له هو «الأصول التاريخية لمسألة طابا، دراسة وثائقية» هذا الكتاب هو خلاصة ما وصل إليه من بحث، بعد ضمه سنة ١٩٨٥، إلى اللجنة الوطنية المصرية التى رأسها القانونى القدير الدكتور وحيد رأفت، الذى عهد إلى الدكتور يونان لبيب بمهمة جمع الوثائق الخاصة بالنزاع المصرى الإسرائيلى حول منطقة طابا، فكسبت مصر القضية بحكم قانونى، وهنا تحول يونان إلى بطل قومى، فبعد أن كان ضمن مؤرخى الجامعات المصرية المرموقين، صار شخصية عامة يشار إليها بالبنان. رأس يونان لبيب رزق لجنة التاريخ فى المجلس الأعلى للثقافة فى مصر، وقبيل وفاته كان يحضر مع أعضاء اللجنة لإعداد مؤتمر علمى ومجموعة من الدراسات العلمية حول تاريخ الجامعة المصرية، بمناسبة مرور مائة عام على إنشائها، كما كان لسنوات عضوًا فى مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واتحاد المؤرخين العرب، والمجلس الأعلى للصحافة، وعينه الرئيس حسنى مبارك عضوًا فى مجلس الشورى المصرى لخبراته المتميزة. إذن نحن أمام شخصية لها أبعاد متعددة دفعت بصحيفة «الأهرام» أن تعهد إليه بتأسيس مركز دراسات تاريخ الأهرام، فاختار فريقًا من شباب الباحثين لمعاونته فى هذه المهمة، ليخرج لنا كل يوم خميس من كل أسبوع مقالة ظل يكتبها حتى وفاته، وظلت تنشر ممهورة بتوقيعه حتى فبراير ٢٠٠٨، لينتج لنا ما يزيد على ٧٠٠ دراسة توثق لحياة المصريين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. منذ أن صدرت صحيفة «الأهرام» فى أغسطس ١٨٧٦، قدم يونان فى هذه الدراسات رؤيته لمصر منذ القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، لكل ما يجرى على أرض مصر من وقائع وأحداث وعلاقة مصر بالوطن العربى والعالم، لم يترك شاردة ولا واردة إلا وضمنها مقاله الأسبوعى، حتى صفحات الحوادث والإعلانات لم تفلت من قلمه، وقدمها بصورة شيقة جعلت القارئ يعدها وجبة تاريخية دسمة يقرؤها وينهل منها نهاية كل أسبوع، صدرت هذه المقالات فى سلسلة من الكتب تحت عنوان «الأهرام ديوان الحياة المعاصرة». لكن كان آخر ما قام به الدكتور يونان لبيب رزق هو مراجعته العلمية وإشرافه على قسم مهم من موقع «ذاكرة مصر المعاصرة»، الذى أشرف على تنفيذه، وطلبت منه بصفة شخصية أن يتولى معنا إعداد المادة العلمية لمجلسى الشعب والشورى، بوصفه خبيرًا تاريخيًا فى الشؤون البرلمانية، ووافق يونان، وعمل بحماس دفعنا لإصدار كتابين بإشرافه، أولهما صدر حديثًا تحت عنوان: «مجلس الشورى المصرى» والثانى على وشك الصدور، وهو عن مجلس الشعب المصرى. إننى ومن خلال تعارفى عن قرب بهذه الشخصية الفريدة، أرى أنه قلما يتوافر لنا مؤرخ ليست لديه نزعة تعصب، ولا نظرة تحيز، بل أرى فيه المؤرخ الإنسان الذى اهتم بتتبع مؤسسات الدولة المعاصرة والشخصيات العامة المؤثرة، فيا حبذا لو أصبح لدينا فى كل قطر عربى يونان لبيب رزق.
| |
|