د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: د. رفيق حبيب يكتب: تغييب الدولة المصرية 22/3/2009, 5:34 pm | |
| تغييب الدولة المصرية بقلم: د. رفيق حبيب السياسات الغربية، ومنها السياسة الأمريكية والإسرائيلية، تجاه الدولة المصرية - ولا نقول نظام الحكم في مصر - تحتاج لنظرة فاحصة، لعلنا نعرف المقصود منها والغرض النهائي لها. ومنذ سنوات طويلة، يبدو الهدف النهائي معلنا ومعروفا، ومع هذا يتم تجاهله، لدرجة تدعونا للبحث لمعرفة ما هو معروف بالفعل. وهنا لا نتكلم فقط عن موقف الدول الغربية عامة، والحلف الأمريكي الصهيوني خاصة، من نظام الحكم - أي النخبة الحاكمة - فالمسألة في السياسة الغربية لا تتعلق فقط بالأفراد الذين يحكمون الآن، والسياسة الخارجية للدول الغربية لا ترهن نفسها علي موقف الشخص الموجود في السلطة، ولا تترك نفسها نهبا لاحتمالات المستقبل. فالسياسة الغربية تجاه مصر، تهدف للوصول إلي حالة محددة للدولة المصرية نفسها، بكل مؤسساتها وقدراتها وإمكانياتها. فالمطلوب هو تحقيق حالة سياسية علي المستوي المؤسسي في مصر، تحمي مصالح الغرب من وجهة نظره. لهذا لا نتصور أبدا أن أحوال الدولة المصرية لا تعنيهم، وأنهم فقط يركزون علي اتجاهات الحاكم. والمتتبع لسلسة السياسات الغربية في المنطقة، خاصة تجاه مصر، يمكن أن يكتشف الهدف النهائي من تلك السياسات. فالقضية لا تتعلق بوجود نخبة حاكمة متحالفة مع الغرب، لكن القضية تتعلق أساسا بوضع الدولة المصرية. وكل المؤشرات تدل علي أن الغرب يهدف لإضعاف الدولة المصرية، بدرجة تقربها من مستوي عدم القدرة علي الفعل أو الحركة. فالسياسات الغربية لا تريد مصر قوية، حتي إن كانت متحالفة مع الغرب، أو حتي مع الحلف الأمريكي الصهيوني، فتلك السياسات تريد مصر الضعيفة. تلك هي خلاصة السياسة الغربية في المنطقة، بالنسبة لمصر. وهي تعد امتدادا للسياسات الغربية تجاه بقية الدول العربية والإسلامية. فهناك دول مطلوب تفكيكها، مثل الصومال والعراق والسودان، وهناك دول أخري مطلوب حصارها وإضعاف دورها وقدراتها مثل مصر، ثم هناك دول مطلوب إغراقها في الصراعات الداخلية بين الطوائف والمذاهب، وهكذا.. فالسياسة الغربية تهدف إلي إضعاف المنطقة، بحيث تكون غير قادرة علي أي فعل إيجابي، وبالتالي تكون غير قادرة علي تحقيق أي تقدم، علي أي مستوي. وإضعاف المنطقة، وحصار الدول وإضعافها، يعني أن المطلوب ليس مجرد التحالف مع الغرب، أو التوافق مع السياسة الغربية في المنطقة، وتنفيذ أوامر الحلف الأمريكي الصهيوني، بل المطلوب ألا توجد دولة قادرة علي اتخاذ أي قرار مستقل. فالنخبة الحاكمة التي تقرر التحالف مع الغرب - التي تستند لدولة قوية وقادرة - يمكنها أن تغير قراراها فيما بعد، أو يمكن أن تتغير النخبة الحاكمة نفسها في المستقبل، وتأتي نخبة أخري، وتغير موقفها تجاه السياسات الغربية، وتجاه التحالف مع الدول الغربية. لذا فالمطلوب هو إفشال أي محاولة لوجود دولة قوية. وهذا يعني منع قيام مؤسسات للحكم لديها قدرات ذاتية كافية للفعل المؤثر، مما يمنع تغيير سياسات النخب في المستقبل تجاه السياسات الغربية. وهنا تبرز قضية مهمة، فالسياسات الغربية في المنطقة تركز علي وجود مؤسسات للحكم في حالة من الضعف، بحيث إذا قامت حركة إصلاح أو تغيير، أو قامت ثورة ضد نظم الحكم القائمة، فيصبح من الصعب علي أي فئة تصل للحكم أن تجد لديها إمكانيات أو قدرات تجعلها قادرة علي مواجهة السياسات الغربية في المنطقة. فإذا وصلت نخب وطنية جديدة للحكم، وحاولت التخلص من هيمنة السياسة الغربية علي المنطقة، خاصة السياسة الأمريكية الصهيونية، فستجد أنها تقف علي رأس دولة رخوة ومفككة من داخلها. وبهذا تجد تلك النخبة نفسها دون أدوات لمواجهة الهيمنة الغربية، وفي هذا الوقت تكون الدول الغربية قادرة علي التخلص من تلك النخب الجديدة، قبل أن تعيد بناء الدولة مرة أخري. تلك هي الصورة، خاصة في الحالة المصرية. فالدولة المصرية عندما أخرجت من الصراع العربي الصهيوني، دخلت في مرحلة تصغير دورها وتأثيرها في المنطقة المحيطة بها. وهو ما يجعل الدولة تنكفئ علي ذاتها، وتقل قدرتها علي حماية نفسها من خارجها. والدولة المصرية - خاصة - لا يمكن حمايتها من داخل وادي النيل، لأن الخطر يأتيها من الخارج، لذلك كانت الدولة المصرية في فترات قوتها تحمي نفسها علي بعد آلاف الكيلو مترات من حدودها الشرقية والغربية والجنوبية. أي تحمي نفسها من خلال حماية المنطقة التي تعيش فيها، أي أن أمن الدولة المصرية لا يتحقق إلا من خلال الأمن القومي العربي، أو أمن الدول المحيطة بمصر. ولم يكن خروج مصر من المواجهة مع إسرائيل، هو أول وآخر عمليات تحجيم مصر. فبعد ذلك، لم يعد لمصر تأثير سياسي ليس فقط عسكريًا في المنطقة. وأصبحت مواقف مصر تابعة لمواقف دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما حدث في الحرب علي لبنان والحرب علي قطاع غزة. بل ثبت أيضا أن السياسة الإسرائيلية والأمريكية تجاه مصر أرادت التقليل من أهمية ما تقوم به مصر أمام العالم، وهو ما ظهر في رفض إسرائيل لاتفاق التهدئة في اللحظة الأخيرة. هذا المشهد يكتمل في الواقع بمشهد قرار المحكمة الجنائية الدولية بالقبض علي الرئيس السوداني عمر البشير، وتقديمه للمحاكمة بتهم عدة. والمسألة لا تدور حول سياسة الدولة السودانية أو الحكم السوداني تجاه منطقة دارفور. لكنها تدور حول موقف الغرب من السودان نفسه، وصورة مستقبل السودان في السياسة الغربية. وهي صورة معروفة ومنشورة منذ زمن بعيد. فالغرب لا يريد «سودان موحد»، لأن «السودان الموحد» بكل موارده الزراعية والنفطية، يمكن أن يكون دولة قوية، والسودان الموحد القوي يمثل حماية للدولة المصرية، وامتدادًا لأمنها في الحدود الجنوبية. لكن إذا تحول السودان إلي دويلات صغيرة، عندئذ يمكن السيطرة علي هذه الدويلات، وحصار مصر من حدودها الجنوبية. وتفكيك السودان يزداد أهمية عن صعوبة تفكيك الدولة المصرية. ففي السودان تقسيمات جغرافية يمكن استخدامها في تفكيكه. لكن الأمر يختلف في مصر، فلا توجد أي تقسيمات جغرافية تسمح بتفكيك مصر إلي دويلات. لهذا فلا يمكن ترك الدولة المصرية دون حصار خانق لها، لا يسمح لها في أي وقت بأن تصبح دولة قوية وقادرة علي حماية حدودها. ولأن مصر تحمي حدودها من أقصي جنوب السودان إلي أقصي حدود شرقية في منطقة الشام - كما حدث تاريخيا - لذا أصبحت إسرائيل علي حدود مصر الشرقية، وأصبح من الضروري أن تكون القوي الغربية أو إسرائيل نفسها علي الحدود الجنوبية لمصر. لهذا فتفكيك السودان مطلوب لسببين: الأول: لتفكيك دولة عربية إسلامية، مثل غيرها، ضمن مخطط إضعاف المنطقة والهيمنة عليها، والثاني يتمثل في صعوبة أو استحالة تفكيك الدولة المصرية، مما يجعل تفكيك عمقها الجنوبي ضرورة حتمية. والسودان الآن يتفكك لأنه السودان، ويتفكك لأنه في الحدود الجنوبية لمصر. لكن النخبة الحاكمة في مصر تقف في موقف المتفرج، مع أن مخطط تفكيك السودان قد بدأ منذ عقود بالحرب في جنوب السودان، ويستكمل الآن بالتمرد في غرب السودان. والنخبة الحاكمة استسلمت بالكامل للمخططات الغربية دون أي مواجهة لها. والدولة المصرية لم تعد مستقلة أو لها آليات عمل ذاتية، بعيدة عن النخبة الحاكمة. مما جعل الدولة المصرية في حالة صمت أمام مخطط حصارها والقضاء علي قدراتها. والنخبة الحاكمة لا تهتم بما يحدث من إضعاف للدول المصرية، وكأن هذا الإضعاف لا يؤثر فيها أو في بقائها في السلطة. وكأنها تهتم بالبقاء علي رأس الدولة، حتي إن غابت الدولة نفسها! نشرت بجريدة الدستور المصرية عدد 22/3/2009 | |
|