صندوق ضد البطالة والفقر
بقلم عزالدين مبارك*
لا نختلف في القول أن الثورة التونسية قد جاءت كنتيجة حتمية بالأساس ضد الفقر والبطالة والتهميش والتوزيع الغير عادل للثروة مما خلق حالة من الغليان والكبت المقموع والاحتجاج الصامت والانتحار البطيء والهروب إلى عوالم الشعوذة والفساد حتى وصل الأمر إلى وضع لا يطاق ولا يحتمل فانطلقت الشرارة الأولى وكان ما كان.
لكن المتتبع للأحداث اللاحقة وصيرورة الثورة وما تحقق من انجازات على أرض الواقع لم يشاهد إلا غبارا على أرض المعركة وكلاما كثيرا وضجيجا يصم الآذان لا غير فلم تتحسن الأحوال بل زاد الطين بلة بحيث تصاعدت نسب البطالة والفقر والتهميش والفساد والمحسوبية.
لم تأت الحكومات المتلاحقة بأجوبة مقنعة على مطالب التونسيين ولم تشف غليلهم وتقدم لهم الحلول اللازمة لمشاكلهم الملحة بل اثقلت كواهلهم وخاصة الفئات الضعيفة والمهمشة منهم بالزيادات في الأسعار وانعدام الأمن والتردد في أخذ القرارات والتمطيط في المرحلة الانتقالية وعدم الشروع في المحاسبة للمفسدين والفاسدين وبذلك ساهمت في اشتداد عود الثورة المضادة وقبر الثورة وهي في مهدها.
فالحكومة التي تدعي أنها ثورية لا يمكن أن تكون كذلك دون أن يكون لها مشروع ثوري نراه بأم العين ولمس اليد على أرض الواقع وليس كلاما تذروه الرياح كالزبد في البحر. فالمشروع الثوري النابع من إرادة الشعب المنادي بالحرية والكرامة الوطنية له أبعاد ثلاث اجتماعية وسياسية واقتصادية والمؤسف أننا وقعنا في مطبات إيديولوجية سياسوية غير فاعلة ومجدية بالنسبة للمواطن البسيط ولا تهم إلا النخب المتزلفة والباحثة عن الكراسي والمواقع .
إذا دخلنا في الدجل السياسي العقيم وضاعت منا البوصلة ودخلنا في متاهات كالهوية والعلمانية والمذهبية والسلفية وتناسينا بمكر أو عن جهل ما هو مطلوب منا وهو محاربة الفقر والبطالة والفساد.
ولتحقيق هذا الهدف المنشود وبعث رسالة إيجابية لهذه الفئة المهمشة والتي هي مصدر من مصادر التخلف الاجتماعي والسخط الشعبي فلا بد من بعث صندوق وطني ضد البطالة والفقر . فليس من العدل في شيء أن تحرم مجموعة من الناس من العيش الكريم والعمل بدون إرادتها وبحكم ظروفها الاجتماعية وانتماءاتها الجهوية والجغرافية كما انه من حقها أن يكون لها نصيب من الثروة الوطنية وأن تمكن من المساهمة في الحياة المدنية والمجهود الوطني.
وتمويل هذا الصندوق يتأتى من الهبات ومساهمة الدولة والأفراد الناشطين وأصحاب الثروات ليقوم ببعث المشاريع وتمويلها بنسب فائدة ضعيفة لفائدة العاطلين عن العمل وتسهيل اندماجهم بسوق الشغل وتمكين الغير قادرين على ذلك من جراية محترمة تعيد لهم كرامتهم وحقهم في العيش الكريم.
ولا أخال أن نسبة واحد في المائة مثلا تقتطع من مداخيل الأجراء ستؤثر على مستوى عيشهم لكنها في المقابل ستساهم في مساعدة الكثير من الناس وخلق فكرة جديدة من التضامن الاجتماعي بين أفراد الشعب الواحد عوض التمركز حول أهداف فئوية ضيقة ومطلبية مجحفة دون النظر بعين الرحمة نحو الفقراء والمساكين والمهمشين.
فبعد الثورة وازدياد الاعتصامات والمطلبية واشتداد الخوف من كلمة ''ديقاج'' السحرية والتي أصبحت تستعمل لابتزاز رؤساء الهياكل الإدارية والمؤسسات الاقتصادية بحيث تنامت وتيرة الترقيات والخطط الوظيفية والامتيازات الممنوحة من سيارات وبنزين وغيرها لشراء الذمم وإسكات الأفواه التي لا تشبع وتفتحت شهيتها على الآخر فالمهم بقاء المسؤول في الكرسي الوثير والتمتع بنعيم المنصب أطول فترة ممكنة فهو لا يدفع بالطبع من جيبه ولا تهمه مصلحة المؤسسة التي ربما يصيبها الافلاس من بعده.
لقد تم توظيف الكثير من المال المهدور في غير محله وبدون فائدة لأن الانتاجية انخفضت ولم تتحسن بحكم زيادة الحوافز الغير مثمرة فآليات العمل والتنظيم والمراقبة والهيكلة بقيت على حالها ولم تأخذ بأبعاد الكفاءة الحقيقية والحوكمة الرشيدة والتصرف العلمي والعقلاني الهادف بل تم استعمال المحسوبية والولاءات وخدمة الشخص وتعظيم المنفعة الخاصة.
فلو وجهنا القليل من هذه الأموال السائبة إلى مجهود الاقتصاد التضامني الاجتماعي عن طريق صندوق ضد البطالة والفقر لكان الأمر ذو فائدة عظيمة ورمزية في غاية الأهمية بعد سنتين من الثورة.
فالاقتصاد التضامني الاجتماعي هو الحل الأمثل لهذه المعضلات المستعصية كالفقر والبطالة بما أن موارد الدولة لا تكفي للقضاء على البطالة والتهميش في فترة قصيرة من الزمن.
ومن واجبات الدولة هو خلق المشاريع الكبيرة والسهر على إعطائها الصبغة القانونية والتنظيمية والهيكلية والمساهمة في تعبيد الطريق أمامها لما لها من نفوذ وآليات وشرعية.
*كاتب ومحلل سياسي