المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي
بقلم عزالدين مبارك *
ليس هناك اختلاف بين عامة الناس والساسة والمفكرين أن الاقتصاد هو عماد الدولة الحديثة بحيث يتوفر رغد العيش لجميع المواطنين من خلال تراكم الثروة وتوزيعها. كما أن الاقتصاد كعملية إنتاج الخيرات والخدمات عن طريق التفاعل بين رأس المال والعمل والتكنولوجيا يتأثر بالعوامل الثقافية والسياسية والبيئة المؤسساتية.
وقد أجمع المفكرون الحداثيون في هذا الشأن، أن طبيعة النظام السياسي المتبع في دولة من الدول له تأثير كبير على المنظومة الاقتصادية وقد أظهرت الدراسات العلمية أن النظام الديمقراطي يمكن الاقتصاد من التطور السريع أكثر من غيره من النظم.
فمن أهم محددات النظام الديمقراطي نجد التداول السلمي على السلطة وحرية التعبير والشفافية في المعاملات واستقلال القضاء.وهذه المزايا تعطي للفعل الاقتصادي منافع عديدة بحيث أن وضوح عملية انتقال السلطة من طرف لآخر يكون عن طريق الانتخابات النزيهة فلا نجد الانقلابات والثورات والصراعات الطاحنة والتكالب على الحكم كنوع من السطو على السلطة بالقهر وقوة السلاح ومنطق الغنيمة.
فالصراعات في النظم الديكتاتورية المتسلطة تحد من التطور الاقتصادي لأن الخوف هو أكبر أعداء المستثمرين زيادة على تغول القلة واستحواذهم على الشأن الاقتصادي بالإضافة للفساد المستشري بين الطبقات الحاكمة في غياب الشفافية واستقلال القضاء العادل.
والأوضاع المتعفنة والتي يسود فيها الظلم والقهر وغياب حرية التعبير وانتشار المحسوبية تؤدي حتما إلى الهزات الاجتماعية الطاحنة والثورات مما ينجر عنه ضياع كل ما راكمته الأجيال السابقة من ثروة. فلو كان هناك نظام ديمقراطي لوجدت الحلول عن طريق الحوار والتوافق في ظل لعبة سياسية واضحة المعالم والطريق.
وبما أن الهدف الأساسي للاقتصاد هو خلق الثروة عن طريق العمل لإشباع الحاجيات الأساسية للمواطنين ثم استثمار الفائض في مشاريع منتجة، فإن النظام الديمقراطي يحمي العامل وصاحب رأس المال بما يتيحه من آليات التفاوض والسماح للنقابات بالنشاط الحر كما يمكن المستهلك من التعبير عن رأيه حتى لا يغرر به.
والحرية المنضبطة باحترام القوانين المنبثقة عن الإرادة الواعية للمجتمع من خلال نوابه وممثليه تقاوم الاحتكار وترشد المستهلك وتدعم التنافسية مما يساهم في الرفع من مستوى الجودة ومقاومة الفساد والتوزيع العادل للثروة.
وأهم ما يميز النظام الديمقراطي وجود آليات مرنة تمكن المجتمع من النجاة من الصعوبات الظرفية بأخف الأضرار بعيدا عن الهزات المدمرة للاقتصاد.
كما أن النظام الديمقراطي يوفر البيئة المثالية للعمل والاجتهاد والمثابرة والمبادرة للمواطن لوجود ضمانات قضائية وقانونية تحميه من التجاوزات والعراقيل وهذا من شأنه الرفع من مردوديته وفعله مما يساهم بالدفع في عجلة الاقتصاد.
فالنظام الديمقراطي إذا هو ضرورة اقتصادية أيضا زيادة على أنه يمثل حاليا مطلبا اجتماعيا لكل الدول في العالم وبدونه لا يمكن المرور إلى الإشباع الحقيقي للحاجيات الأساسية للمواطنين في كنف التطور الأمثل للاقتصاد.
لكن الوصول للهدف المنشود يتطلب بالنسبة للدول النامية مثل تونس تجاوز التجاذبات المذهبية والعقائدية والثقافية والتي كنا نظن أنها محسومة مسبقا بحكم أن المجتمع التونسي متجانس دينيا ولغويا ومذهبيا والمرور بالفعل إلى إرساء نظام ديمقراطي حقيقي يمكننا من المحافظة على ما أنجزته الأجيال السابقة من ثروة مادية ومعنوية لا بأس بها وتدعيمها أساسا بالبعد الديمقراطي.
فلا مجال بعد الثورة أن نقع فريسة الأوهام والتوغل في ثنايا النوايا والتأويلات والتخوين والتطاحن من أجل الكراسي والرجوع إلى منطقة الصفر وتفكيك المجتمع وتكوينه من جديد على أسس نعتقد جزافا أنها الحقيقة الغائبة.
والحقيقة الماثلة أمامنا هي بالأساس اقتصادية لمواجهة التحديات التي من أجلها قامت الثورة وهي البطالة والعدالة الاجتماعية والحرية ولا يمكن تحقيق ذلك في أسرع وقت ممكن إلا إذا تركنا جانبا الجدل الإيديولوجي العقيم وتمسكنا بالتوافق لتأسيس النظام الديمقراطي المنشود.
*كاتب ومحلل اقتصادي وسياسي