عندما نكبر ونتقدم في العمر، تكبر معنا أحزاننا وتتساقط أوراق شجرة الحياة التي نستظل بها واحدة بعد الأخرى. وها هي ورقة أخرى من أوراق المعرفة تتساقط. فقد رحل عن عالمنا مساء يوم الأربعاء 26 مايو 2010 المفكر العربي المصري الكبير وعالم الإجتماع الأستاذ الدكتور عبدالباسط عبدالمعطي. برحيل الدكتور عبدالمعطي فقدت مصر عالما جليلا عاش مسكونا بحب هذا الوطن وأمضي سني عمره في كشف بواطن عالمه الإجتماعي وتقديم الحلول البسيطة للمشكلات المعقدة. وكان الأستاذ الدكتور عبدالباسط عبد المعطي القدوة والمثل لكوكبة كبيرة من شباب الباحثين والدارسين في علم الإجتماع في مصر والعالم العربي على حد سواء.
للأسف لم أنل شرف الجلوس أمام الدكتور عبدالباسط عبدالمعطي كطالب علم، ولكنني تعلمت منه الكثير من خلال علاقتي المتميزة به والتي بدأت من خلال عملنا من خلال إدارة السياسات السكانية والهجرة بجامعة الدول العربية. قابلته عام 2002 بصحبة صديقنا المشترك الأستاذ خالد لوحيشي مدير إدارة السياسات السكانية والهجرة. كنت قد قرأت له من قبل دراسته المتميزة حول الهجرة الداخلية في مصر أثناء إعداد أطروحتي لنيل درجة الدكتوراة بجامعة ساسكس بإنجلترا. تقابلنا بعد ذلك كثيرا وعملنا سويا في العديد من الفعاليات الخاصة بإدارة السياسات السكانية وكذلك من خلال عملنا سويا كخبراء لدى اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي أسيا (الإسكوا). وأتذكرحديثه معي في مدينة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2007 حيث حضرنا سويا مؤتمرا حول الشباب نظمته الإسكوا وأتيح لي أن أنهل من تجاربه الثرية وأبحاثه في مجال الهجرة والشباب.
من ضمن أعماله الأخيرة التي ألقت الضوء على الطبقة الوسطى المصية كتابه الذي نشر ضمن أعمال مكتبة الأسرة والذي نفذ فور صدوره بعنوان "الطبقة الوسطي المصرية من التقصير الى التحرير عام 2006. وقد إشتكى لي وقتها الدكتور عبدالمعطي من أنه هو شخصيا وهو مؤلف الكتاب لا يمتلك نسخة من هذا الكتاب. ذهبت الى معرض الكتاب بعد حديثنا هذا ووجدت الكتاب فإشتريت نسخة له ونسخة أخرى لي ولكن لم تتح لي الفرصة لتسليمه نسخته. لابد لي الآن أن أحتفظ بها تذكارا جميلا من عالم جميل. لقد كان بالفعل جميلا محبا للجمال ساعيا اليه في كافة المجالات.
كان لقائي به للمرة الأخيرة بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة حيث شاركنا سويا في الحفل الإقليمي لإطلاق النسخة العربية من تقرير التنمية البشرية 2009 في 14-15 مارس 2010الذي أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع إدارة السياسات السكانية والهجرة بالجامعة ، والتي كان عالمنا الجليل يعمل مستشارا لها. لقد كان الرجل كعادته، قمة في التواضع ورصانة التفكير والبعد عن اللهجة الصِدَامية التي أصبحت سائدة في حوارات أيامنا هذه. كان آخر حديث لي معه في إحدى المناقشات الجانبية خلال هذا الإجتماع كان تعليقا حول كتاب كنت قد أهديته إليه حول الإتصالات وأثرها على المجتمع المصري. رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما أعطي لهذا الوطن. والله هذه صدمة كبيرة لي ولمحبي الدكتور عبدالباسط.
د. أيمن زهري
** يحظر النشر أو الاقتباس دون الإشارة للمصدر **