د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: آخر مقالات الدكتور عبد الباسط عبد المعطى رحمه الله 22/6/2010, 5:35 pm | |
|
آخر مقالات الراحل الكبير الدكتور عبد الباسط عبد المعطى أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس والذى وافته المنية مساء يوم 26 مايو 2010 رحمه الله رحمة واسعة ماذا جرى لمصر والمصريين ؟ لعب الدين ولا يزال أدواراً مؤثرة فى مجمل حياة المصريين وطوال تاريخهم الممتد منذ العصور الفرعونية وإلى الآن . يتقاطع الدين مع كل دورات حياتهم ويؤثر فيها ، أفكاراً وقيماً وسلوكاً ، منذ لحظة الميلاد وحتى ما بعد الوفاة . هو كلى الحضور فى حياتهم اليومية ، خاصة تنشئتهم فى الأسرة وفى التعليم والإعلام وفى علاقاتهم فى العمل وفى البيع والشراء وفى الشارع والطريق العام وفى مشاركتهم السياسية والاجتماعية . ولهذا فمن اليسير تأثر المصريين بما يرسل لهم من خطابات دينية ، وإن كانت تأثيراتها متفاوتة ، بتفاوت ظروف المصريين المتفاوتة تعليمياً وثقافياً ومن حيث مواقعهم الطبقية وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية وفرص معاشهم فى إجمالها وتفصيلاتها .ولا يوجد فى مصر الآن خطاباً دينياً واحداً ، بل عدة خطابات متباينة وبدلاً من أن يعمق هذا التعدد وحدة التدين لدى المصريين ويثريها أتت تلك الخطابات حافلة بالتناقض فيما بينها من حيث المعارف والقيم والأوامر والنواهى ، ومن ثم تنتج أنماطاً متباينة ومتناقضة جزئياً أو كلياً من الوعى الدينى .ولعل ما يجمع بين كل تلك الخطابات ، أنها جميعاً تتأثر بحصاد الأوضاع السياسية والاقتصادية والطبقية والثقافية فى المجتمع المصرى ، وهو تأثر يتفاعل مع مرجعية معارف ومقاصد وأهداف أنصار كل خطاب . فالانقسام والاستقطاب الاقتصادى والاجتماعى والفجوات المتزايدة فى الدخول وفرص المعاش ، ينتج خطاباً أو أكثر استقطابياً وإقصائياً للآخر الدينى والاجتماعى والثقافى والفكرى والسياسى . وأفضى خلل العدالة الاجتماعية فى التعليم والصحة وانخفاض الأجور والبطالة والفقر ، إلى تقديم أرضية وظفها أنصار بعض الخطابات الدينية خاصة السلفية المتشددة لاستقطاب أنصار لخطابهم والأهم من هذا أن الواقع السياسى والاقتصادى المأزوم تحديداً ، أنتج خطابات مأزومة فى تعاملها مع قضايا الوطن والمواطن ، خاصة الديمقراطية وتداول السلطة والتعامل مع العلم والنمو المنتج والعدالة الاجتماعية والانتماء الوطنى ، والاندماج داخل وبين فئات المجتمع وشرائحه وطبقاته . وأسهم بطء التحول نحو الديمقراطية فى إخفاق بعض القوى السياسية عن التعبير عن أهدافها الوطنية وصعود تيارات مرتبة علمية فى مواجهة الخطاب المتشدد . لقد أسهم الفقدان النسبى للأمان الاجتماعى بالمعنى الشامل إلى بحث بعض الفئات والشرائح ، الدينية والاجتماعية ، عن أطر أضيق لتحقيق هذا الأمان ، فانسحبوا من الانتماء الوطنى والمجتمعى المشترك إلى الانتماء الدينى ، وبداخله فى أحيان غير قليلة الانتماء إلى العصبيات القبلية والعائلية وجماعات المصالح حتى وإن كان بعضها موفقاً ، ثم الأسرة الصغيرة ، وفى بعض المواقف اللجوء إلى انتماءات فردية لا تخلو من نفعية وأنانية . وقبل أن نسير معاً فى تحليل الخطابات الدينية السائدة فى مصر ، فكراً وممارسة ، يهمنا التأكيد على ملاحظتين أساسيتين ، أكدهما آخرون من خلال مقالات صحفية وكتابات ومقابلات إعلامية وبحوث علمية . تذهب الملاحظة الأولى إلى أنه فى الوقت الذى تزايدت فيه مظاهر ملموسة ذات صلة بالتدين ومنها تزايد بناء المساجد والكنائس والملبس كالحجاب والتنقب ، والجلباب القصير ، والسروال ، عند الساقين وإطالة اللحى والتردد على المساجد ، وزرع موائد الرحمن فى رمضان وانتشار المسابح والسلاسل المحملة بالرموز الدينية الإسلامية والمسيحية ، والصور الدينية ، وتزايد أعداد المعتمرين والحجيج وتكرار كل منهما فى العام الواحد لدى بعض الفئات ، واهتمام البعض بإنشاء زوايا ومساجد صغيرة أو دعمها مالياً على الأقل ، ومساعدة بعض الفقراء فى العمرة والحج وغيرها ، فإنه وفى الوقت نفسه والسياق نفسه تزايدت الظواهر الاجتماعية السلبية : الطلاق - الزواج العرفى - علاقات غير مشروعة - التسول - الرشوة - الفساد المالى والإدارى - العنف بكل أنواعه ومجالاته مادى ولفظى ورمزى ، فى الأسرة والشارع والمدرسة والعمل ، وتزايدت المحسوبية للاستفادة من بعض الفرص ( فرص العمل - الخدمات ) احتكار الأسواق - الغش ( فى المواد الغذائية ومواد البناء ) السرقات العلمية والفنية والأدبية ، والنصب والتحايل على الجمهور بإعلانات عن مشروعات بناء وخدمات ومعاهد تدريب وفرص عمل واستشارات مختلفة بعضها وهمى . إن هذه الملاحظة تكشف لنا عن أزمة واضحة ، تحمل تناقضات مخيفة بين الفكر والممارسة ، وبين المظهرى والسلوك الفعلى . ورغم كرنفال الخطابات الدينية الداخلية والخارجية واختلاط بعضها بالبعض الآخر ، إلا أنه يسود فى مصر الآن ثلاثة أنماط أساسية على الأقل غير النمط الشعبى المعتدل التجميعى المتواصل : الأول : هو الخطاب الرسمى: الذى يصدر عن المؤسسات الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية ومؤسسات التعليم والإعلام . ورغم وجود أصوات مستنيرة ومعتدلة وتنويرية بين صفوف هذا الخطاب ، فإنها لا تشكل تياراً بارزاً بينها ، ومن ثم تتبخر تأثيراتها فى سياق الخصائص البارزة لهذا النمط الرسمى من الخطاب والذى يمكن إيجاز أهم خصائصه فيما يلى : 1- أنه خطاب نصى يعتمد على النصوص المنتقاة ذات الصلة بالمناسبات الدينية والاجتماعية والسياسية ، ويعزل بعضها عن علاقته بالنصوص الكلية وما تنطوى عليه من تعميق فهم النصوص المنتقاة ومقاصدها .2- أنه يركز أكثر على العبادات ولا يواجه على نحو صريح ومباشر القضايا والمشكلات الجوهرية للوطن والمواطن ، كالمشاركة والفقر والبطالة ودعم حقوق المواطنين وبصرف النظر عن أى تمايزات بينهم على أساس الدين أو حسب النوع أو الجيل .. إلخ . وفى أحيان غير قليلة يهتم بالآخرة وعذاب القبر أكثر من الاهتمام بالأمور الحياتية .3- أنه خطاب أقرب إلى تبرير ما يحيط بالناس من مشكلات وهموم ، ويحملهم مسئولية معاناتهم من تلك المشكلات لعدم تمسكهم بقواعد الدين وأوامره ونواهيه . 4- أنه غالباً ما يضبط بعض فتاواه على توجهات السلطة السياسية .5- أنه لا يخلو من توجهات إقصائية للآخر الدينى وللمرأة وللشباب ، بمحاصرة حقوقهم الإنسانية ولو جزئياً ، خاصة فى العمل والمشاركة السياسية وإشباع الحاجات الأساسية كالصحة والتعليم والإسكان . فهو يختزل قدرات المرأة فى كونها أنثى وربة بيت ، وينظر للشباب باعتباره أنانياً ومادياً ومتسرعاً ومستسهلاً ، وتسقط أعداد منه فى الغواية والمحرمات . ومن ثم يطالبون بضرورة إصلاح أخلاقه وضبط سلوكهم وفقاً لما يراه الكبار ومن خلال سلسلة من عبارات الوعظ والإرشاد التى لا يلبث بعض الشباب إلا وينصرف عنها .6- أن بعض منتجى هذا الخطاب لا يزالون يختلفون حول قضايا مجتمعية كثيرة ومنها ودائع البنوك وفوائدها وبعض قضايا الأحوال الشخصية ومشاركة المرأة اقتصادياً وسياسياً . الثانى : خطاب السوق أو خطاب الليبرالية الجديدة : وهو خطاب يسأل عن إنتاج جانب مهم منه " الدعاة الجدد " المنتشرون عبر كل وسائل الاتصال والإعلام . ومن أهم خصائصهم أن ليس لبعضهم فى مرحلة التكوين تعليماً دينياً ، ويختلفون فى الملبس ولغة الخطاب ومفرداته فجعلوها الأقرب من لغة الشباب ومفرداته بما فى ذلك بعض المفردات بلغة أجنبية مقارنة برجال الدين التقليديين وبعضهم أقرب فى أعماره من أعمار الشباب . ولعل من أهم خصائص هذا الخطاب :* أنه يركز على السلوك الفردى للمتدين الصالح ، والمواجهة الفردية للمشكلات والإنجاز الفردى ، من خلال شعار " ابدأ بنفسك " . ومن ثم يلقى هذا الخطاب دعماً من بعض رجال الأعمال فى الداخل والخارج ، لأنه يدعم المشروع الخاص الفردى ويتحيز له .* أنه أكثر الخطابات السائدة توظيفاً للدين توظيفاً اقتصادياً ومادياً : مسابقات وإعلانات ذات توجهات دينية ، إنتاج مواد إعلامية لتوزيعها والتكسب منها ، إنتاج الملابس ذات تمييز دينى وتوزيعها ، إنتاج أيقونات ورموز دينية إسلامية ومسيحية ، وإنشاء محلات وشركات ذات لافتات دينية .. إلخ .* أنه يختلط فى لغة هذا الخطاب ، السرد والحكايات التاريخية الدينية ، التى لا يخلو بعضها من تأليف " وتوليف " والاعتماد على تنويع أدوات التعبير ، بالصوت والوجه والرمز وأحياناً البكاء وإنتاج " الدموع " .* أنه خطاب يحفظ بعض خصائص الخطاب الرسمى والخطاب السلفى المتشدد ، خاصة الموقف من جسد المرأة وأدوارها المجتمعية ، والتعامل مع الآخر الدينى كأهل ذمة وليس مواطناً ومع الآخر الثقافى بأنه كافر ومرتد .غير أنه نظراً للتحديات الجوهرية التى يواجهها الشباب المصرى ، وهى تاريخية ومعاصرة ومعقدة ، يصعب حلها فردياً حتى أضحى الشباب جيلاً فى انتظار العمل والسكن والزواج ، والمشاركة ، ولهذا بدأ بعض الشباب وعلى نحو متزايد ينصرف عن هذا الخطاب ، لأنه لم يسعفهم فى مواجهة ما يعانون من مشكلات وتحديات وهموم وتطلعات . الثالث: الخطاب السلفى المتشدد : يتزايد تغلغل هذا النمط من الخطاب الدينى بين فئات وشرائح اجتماعية متباينة ، وإن أتى تأثيره وقبول الالتزام به متبايناً حسب خصائص المتلقين له من حيث تعليمهم وثقافتهم وأوضاعهم الاقتصادية . ولقد أفضى إلى تزايد هذا النمط مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التى تفاعلت فأنتجت فرصاً لتزايد انتشاره ومنها : * تزايد الدخول والبطالة والفقر ، توفر هذا التزايد أرضية سعى أنصار هذا الخطاب لاستغلالها وتوظيفها لاستقطاب أعداد متزايدة من أصحاب المشكلات من خلال بعض الخدمات والمساعدات العينية والمادية الآنية .* دعم سلطة الدولة لهذا الخطاب ، فعندما تولى الرئيس السادات سلطة الدولة ، أتاح للإخوان المسلمين الأب العقلى لهذا الخطاب ولبعض التيارات الدينية الأخرى ، الإسلامية والمسيحية فرصاً للحركة عبر الأحزاب والإعلام ، كما أسهم فى تقوية أنصار هذا الخطاب معنوياً عندما أعلن شعار " دولة العلم والإيمان " وأنشأ فى الجامعات المصرية جماعات إسلامية لمواجهة الناصريين والشيوعيين .* استطاع أنصار هذا الخطاب توظيف بنية أساسية متاحة لهم تاريخياً ، لا يستطيع غيرهم توظيفها والتى تتمثل فى المساجد والكنائس ومختلف الأماكن ذات الصلة بالعبادة .* استطاع أنصار هذا الخطاب توظيف التحويلات الثقافية والفكرية الدينية والاجتماعية للمصريين الذين هاجروا لبعض بلدان الخليج العربية وهى تحويلات ذات أعماق متشددة محافظة ، تقوم على التحريم والتميز الدينى بالملبس - النقاب والحجاب والجلباب - واللحى وغيرها .* جندوا واستقطبوا مجموعة من أساتذة الجامعات الذين أسهموا فى ما يسمى " أسلمة العلوم " للتأثير فى الوعى الدينى والسياسى لطلاب الجامعات فى اتجاه الخطاب السلفى المتشدد .* تمكنوا من توظيف بعض الفضائيات وبعض البرامج التليفزيونية لنشر أفكارهم ومعارفهم ومعتقداتهم ، وأفادوا فى هذا الصدد من مساهمات " إخوان المهجر " كما وظفها فى ممارسات شبيهة بعض " أقباط المهجر " .* وظفوا وعلى نحو متزايد قدراتهم المالية والاقتصادية وربما بعض التمويل الخارجى ، توظيفاً اقتصادياً ، من خلال بعض المشروعات الاقتصادية كالبنوك والشركات المالية والتجارية . لقد وظفوا هذا الدعم المادى لنشر خطابهم ، واستقطاب بعض الفقراء والمحتاجين نحوه .رغم تكرار القول فى وسائل الإعلام وبعض المنتديات أن " الإخوان المسلمين " جماعة محظورة ، إلا أن أنصارها يتحركون ويتصرفون كما لو كانوا حزباً سياسياً رسمياً شرعياً . فقد تمكنوا من التغلغل إلى النقابات المهنية والجمعيات الأهلية ، وعقدوا صفقات مع بعض الأحزاب السياسية للوصول إلى مجلس الشعب ، حدث هذا مع حزب الوفد العلمانى عام 1984 ، ومع حزب العمل 1987 ، واستطاعوا أن يشغلوا أكبر نسبة من مقاعد مجلس الشعب بعد أعضاء الحزب الوطنى ، مقارناً بكل أحزاب المعارضة ، وهو ما حدث فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة 2005 .ولعل من أهم خصائص هذا الخطاب : * أنه أصولى سلفى لا تاريخى ، لأنه يفرض على الواقع المتغير أفكاراً وقيماً تعود إلى فترات تاريخية سالفة ، تختلف فى خصائصها ومتطلباتها عن الواقع المعاصر المعاش .* أنه يعتمد التحريم والتشدد وإقصاء الآخر الدينى وإنكار حقه فى المواطنة وإقصاء الآخر الاجتماعى يفرض ثقافة دينية ذكورية على المرأة - والجيلى من خلال هيمنة الكبار على الشباب وإقصاء الآخر ، والأيديولوجى والفكرى كالليبراليين العلمانيين واليسار باعتبارهم كفرة وملحدين .* أنه يسعى نحو " أسلمة العلوم " فتحول النسبى إلى مطلق ويحول التساؤل العلمى إلى يقين ، ومن شأن هذا محاصرة العقل وإعاقة تطوير العلم ، وإشاعة كل ما هو غيبى ، وتفسير المعلوم بالمجهول .وإذا كانت العوامل الداخلية والخارجية السابقة قد أسهمت فى انتشار هذا الخطاب وتوحشه وعنفه أحياناً ، فقد نتج هذا أيضاً عن إخفاق الخطابات الدينية الأخرى الرسمى وخطاب السوق وأما الخطاب العلمانى فهو لا يخلو من أصولية وسلفية ، وأخفق أنصاره ، فى تأسيس خطاب أكثر ارتباطاً بالفئات والشرائح الاجتماعية ، ومن ثم فهو لا يزال خطاباً من الخاصة للخاصة . وإذا أردنا رصد حصاد تأثير الخطابات الدينية القائمة الآن وفى مقدمتها الخطاب السلفى المتشدد على عقول المصريين يمكن التركيز على : * إعداد العقل المصرى لقبول قضايا وأفكار مطلقة ليست فى النصوص الدينية ، لأن معظمها من تأليف منتجى هذا الخطاب وبعضها مجتزأ عن سياقه وعن علاقاته بالنصوص الأخرى ، فحول العقل المصرى إلى عقل جزئى ، بالإضافة إلى تحويل النسبى المتغير إلى مطلق كما هو حاصل فى دعوى " أسلمة العلوم " والتأكيد على فرض الماضى على الحاضر والمستقبل ، كما هو الحال لدى بعض السلفيين الأصوليين .* ترتب على ما سبق محاصرة أى تفكير علمى ، يفسر التاريخ بالتاريخ والواقع المعاش ، ويحدد التصرفات والمشكلات والظواهر ويربطها بأسبابها وعواملها التى أنتجتها ، وبذلك يعوقون فهم تلك التصرفات والظواهر والتخطيط العلمى للتعامل معها .* مصادرة حقوق المواطنة بإقصاء الآخر الدينى والآخر الاجتماعى والجيلى والثقافى والسياسى ، وتوظيف الدين سياسياً للوصول إلى السلطة كما فعل ولا يزال يفعل الإخوان المسلمون .* مصادرة صور الإبداع الفنى والأدبى والفكرى ، والأمثلة كثيرة ومتعددة وآخرها العمل التراثى الإنسانى " ألف ليلة وليلة " ، وتكفير بعض أصحاب الإبداع الفكرى وفى مقدمتهم " نصر حامد أبو زيد " على سبيل المثال . واللجوء إلى الترهيب والعنف المادى كما حدث مع " نجيب محفوظ " والقتل الفعلى ومثال ذلك " فرج فودة " وهى أساليب عنيفة وجدت مبكراً مع فكر الإخوان كما تشهد على هذا كتابات " حسن البنا " و " سيد قطب " .* دعم العقل المتعصب ، وتكرار تشكيله وتعوده على هذا التعصب ، ومن أهم مخاطر التعصب : رفض أى فكر مختلف ، ورفض أصحابه ، ورفض الحوار معهم . وهذه إحدى أهم عمليات محاصرة الديمقراطية على مستوى الفكر والممارسة .* أنه خطاب استقطابى يفتت فئات المجتمع وجماعاته ، ويباعد بينها ، ويصنع فجوات مصطنعة ، فهو يستعدى أنصار الأديان والمذاهب الدينية ، على بعضهم البعض ، ويعمق الفجوة ، وأحياناً العداء بين الذكور والإناث والأجيال ، والحكام والمحكومين ، وأنصار الحضارات الأخرى ، خاصة الحضارة الغربية ، ويسلكون فى سبيل تحقيق هذا التفتيت والتباعد وصناعة الكراهية إلى : - هجاء الآخر الدينى والحضارى وعلى أساس النوع الاجتماعى واصطناع عيوب وخصال سيئة له وتجسيد الوهم حول مخاطره على الأمة الإسلامية ، ويصل الأمر أحياناً إلى حد الإدانة والاتهام بالكفر لقد قال أحد أساتذة الشريعة المشهورين فى الغرب شئ طبيعى ومقبول ومسلم به .- التأكيد على ضرورة أن يكون الآخر فى مكانة أدنى ، من خلال انتقاء وتأليف قصص وحكايات لنفى كل حقوقه كإنسان ومواطن ، بل وسلبه كل ميزاته وخبراته وقدراته وأدواره الوطنية والاجتماعية ، التاريخية والمعاصرة . وهو ما يعنى الإصرار على استبعاده مجتمعياً ، وفى هذا تؤكد الأدبيات العلمية ذات الصلة بدراسة صورة الآخر ، أن أى آخر وكل آخر ، هو تأكيد للذات المهاجمة والعدوانية ، تمتزج فى صناعة هذه الصورة الذات ، بالتخيل ، وإسقاط عيوب الذات على الآخر ، وسلب بعض مميزات الآخر لحساب الذات السلفية المتشددة .ولعل من أخطر ما يصاحب هذه الخاصية فى الخطاب أنها تجسد بعض الأوهام واقعياً ، وتنشرها بين العامة ، خاصة الأقل معرفة منهم بتاريخ المجتمعات ، وتاريخ الأديان ، والمعلومات الدينية الصحيحة ، وبالتالى تؤثر سلباً فى مواقف الحياة اليومية لبعض الفئات والجماعات المختلفة ، فأسهم هذا الخطاب فى نشر الشك فى الآخر والتخوف منه وضرورة إتباع احتياطات مسبقة فى التعامل معه .لقد أسهم الخطاب السلفى فى إحداث شروخ مجتمعية بحاجة إلى تدخلات سريعة ، شروخ تتسع وتتجاوز الشرخ الإسلامى القبطى إلى شرخ الرجال والنساء ، ثم إلى شرخ الإبداع والتجديد فى مواجهة الجمود والتصلب الفكرى . ألا نرى جميعاً أن استمرار هذا الخطاب المتشدد حمل فى طياته مخاطر جسيمة ، لا تهدد الاستقرار الاجتماعى والسياسى فقط وإنما تهدد الأمن والوطن ، وتستعدى بعض الخارج عليه .وبعد إننا بحاجة إلى حوار وطنى شامل وعميق يشارك فيه كل القوى الوطنية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية ، للحوار حول الكيفية التى يمكن بها تحييد الخطاب الدينى وعدم إقحامه فى السياسة والعلم ، وترك الناس يطورون تدينهم الشعبى المجتمعى الذى اعتمد تاريخياً الوسطية والاعتدال وقبول الآخر ، والاندماج المجتمعى ، لا فى المناسبات الرسمية التى لا تخلو من تصنع وإنما فى الحياة اليومية للمسلم والقبطى والرجل والمرأة والشاب والأكبر عمراً .أما عن تجديد الخطاب الدينى فهو فى حاجة إلى شروط غير مواتية الآن ، لأنه عمل مجتمعى ، يتطلب إعادة النظر فى مقررات التعليم وموضوعاتها ، خاصة ذات الصلة بالتفكير العلمى ، ويتطلب مواجهة حاسمة للفكر السلفى عبر الحوار والنقاش والبرامج التليفزيونية ، وتتطلب أن تكون الثقافة بين مكونات أخرى ، ثقافة علمية ، ويتطلب قبل هذا دعم حقوق المواطنة فى كل المجالات .نشرت بجريدة العربى الناصرية القاهرة 30 مايو 2010 | |
|