د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: الدكتور عيسى عبده إبراهيم رائد الاقتصاد الإسلامي 11/1/2010, 1:13 pm | |
| الدكتور عيسى عبده إبراهيم رائد الاقتصاد الإسلامي
الدكتور عيسى عبده ( 1318 ـ 1400هـ = 1901 ـ 1980) هو رائد البنوك الإسلامية بحق، وله الفضل ـ بعد الله ـ في قيامها وانتشارها في العالم العربي والإسلامي، وإن المحاضرات التي كان يلقيها، والأحاديث الإذاعية والتلفازية التي كان يقدمها في الكويت ودول الخليج، والمملكة العربية السعودية، كان لها الدور الكبير والأثر العظيم في تغيير بعض المفاهيم في الاقتصاد الإسلامي، حيث كان البعض من رجال الأعمال، يظن أن التجارة والاقتصاد لا يقومان إلا بالبنوك، وأن البنوك لا يمكن أن تقوم بدون الربا، وأن هذا نظام عالمي لابد من التعامل معه، بحكم الضرورة، غير أن الله تعالى أبطل هذه المقولة، ودحض هذه الفرية بتوفيقه في قيام البنوك الإسلامية "اللاربوية"، كما صدرت دراسات كثيرة من تلامذة د.عيسى عبده، كلها في الاقتصاد الإسلامي وأعمال البنوك الإسلامية، بل وتأسست معاهد وكليات ومراكز تدريب للاقتصاد الإسلامي والعاملين فيه. ندوة الجمعة الأسبوعيةلقد استفاد المسلمون من محاضرات ودروس وأحاديث وندوات د.عيسى عبده، وهي مناشط قام بها أستاذنا غطت الساحة الكويتية كلها، وكانت "ندوة الجمعة الأسبوعية"، والتي كانت تقام في دارنا بمنطقة المنصورية بالكويت ـ إحدى المواطن التي شرفت بزيارته ـ بل إنه كان يرتادها دائماً ولا يتخلف عنها إلا لعذر قاهر، وكان في منهجه العلمي الذي ألزم به نفسه، يطرح القضايا الاقتصادية باقتدار، مستوعباً المعاني والدلالات لكل الآيات والأحاديث، ذات العلاقة بالاقتصاد، كما كان مدركاً تمامًا لمثالب النظام الاقتصادي الربوي، ومطلّعاً على ثغراته، وأنه من غرس يهود باعتبارهم أساطين الربا في العالم قديمه وحديثه، والممسكين بالاقتصاد العالمي ونظامه النقدي حتى اليوم. لقد وهب الله عز وجل أستاذنا ذكاءً وقَّـاداً وبديهة حاضرة، وفكراً ناضجاً، وأسلوباً حكيماً، في عرض وجهة نظره، ورغم أن القضايا الاقتصادية، وبخاصة عمل البنوك تحتاج إلى الاختصاصيين لاستيعابها والإحاطة بجوانبها، ومتابعة تطوراتها العالمية، إلا أن الدكتور عيسى عبده له من القدرة على تبسيط الموضوع في عرضه السهل بحيث تستوعبه حتى العامة من الناس، الذين يحضرون ندواته ويغشون محاضراته، ويخرجون وهم لديهم الرغبة في الإسهام والمشاركة في تأسيس البنك الإسلامي، كي يتخلصوا من أوزار البنوك الربوية التي عمّت البلوى بها أرجاء العالم بما فيها العالم العربي والإسلامي، وصار التاجر المسلم يعيش في حرج كبير نتيجة تشابك المعاملات المالية المعاصرة مع النظم الربوية التي تسير عليها البنوك في شتى أنحاء المعمورة، لأن الأساس الذي قامت عليه هو أساس ربوي، صنعته يهود.. الذين كانوا يتاجرون بالعملة ويحترفون مجال الصرافة، قبل قيام البنوك، والتي بدأت أعمالها بالإقراض الربوي للأفراد ثم المؤسسات ثم الدول، فكانت الأزمات تلو الأزمات، مما كان سبباً مباشراً في قيام الحروب المدمرة وانهيار الدول وإفلاسها. ثمار الجهود المخلصةإن علم الاقتصاد الإسلامي المعاصر، الذي أرسى قواعده د.عيسى عبده، ود.محمود أبو السعود، ود.محمد عبدالله العربي، ود.يوسف القرضاوي، ود.أحمد النجار، ود.نجاة الله الصديقي، ود.محمد عزيز، ود.محمد حميد الله، ود.محمد شابرا، وغيرهم ممن ساروا على نهجهم وأسهموا بجهودهم.. كان من ثمرة هذا أن أصبح الاقتصاد الإسلامي مادة تدرس في كثير من الجامعات، داخل الوطن العربي والإسلامي، وخارجه أيضاً، بل إن الكثير من الباحثين قدّموا رسائل في الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي وفروعه المختلفة ومنها أعمال البنوك الإسلامية المعاصرة. وإن الظاهرة المبشِّرة بالخير، هي انتشار البنوك الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، بل في بعض البلاد الأوروبية، حيث أثبتت نجاحاً باهراً، وحققت أرباحاً من المال الحلال والمستثمر بالطرق الشرعية البعيدة عن الربا المحرَّم، كما أن هناك العديد من المجلات والدوريات العلمية المتخصصة الصادرة عن البنوك الإسلامية المعاصرة، والتي يسهم في تحريرها أساطين علم الاقتصاد الإسلامي، فضلاً عن قيام الهيئات واللجان الشرعية للبنوك الإسلامية من تصحيح لمسار البنوك، ومراقبة سير العمل فيها، وفق القواعد الشرعية وضبط معاملاتها وترشيدها كي تكون في الإطار الإسلامي المنشود، وهذا كله أدعى لبث الطمأنينة في نفوس الشعوب المسلمة بأن الإسلام هو الحل لكافة مشكلاتها ومعضلاتها الاقتصادية، وهو الذي يوفر لها الأمن والاستقرار لتزدهر الحياة على هدى من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي ضوء ذلك أخذت الشعوب الإسلامية تتسابق في إنشاء هذه البنوك رغم بعض العقبات والعراقيل التي يضعها أعداء الإسلام من المرابين وبخاصة يهود. قول الإمام الشهيد حسن البنا في الاقتصاد الإسلامي: يقول الإمام الشهيد في كتابه "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي": {يتلخص نظام الإسلام الاقتصادي في اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ووجوب الحرص عليه وحسن تدبيره وتثميره، وإيجاب العمل والكسب على كل قادر، والكشف عن منابع الثروات الطبيعية، ووجوب الاستفادة من كل ما في الوجود، من قوى ومعادن وتحريم موارد الكسب الخبيث، وتقريب الشقة بين مختلف الطبقات تقريباً يقضي على الثراء الفاحش، والفقر المدقع، والضمان الاجتماعي لكل مواطن، وتأمين حياته، والعمل على راحته وإسعاده، والحث على الإنفاق في وجوه الخير، وافتراض التكافل بين المواطنين، ووجوب التعاون على البر والتقوى، وتقرير حرمة المال، واحترام وتنظيم المعاملات المالية بتشريع عادل رحيم، والتدقيق في شؤون النقد، وتقرير مسؤولية الدولة في حماية هذا النظام، وهذه القواعد كلها مبينة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكتب الفقه الإسلامي بأوسع بيان}. مؤلفات د. عيسى عبدهلأستاذنا د.عيسى عبده، بحوث ومقالات وكتب ودراسات ومحاضرات وندوات يضيق المجال عن حصرها، ولكن نكتفي بذكر بعض نماذج من كتبه على سبيل المثال: 1 ـ بنوك بلا فوائد. 2 ـ لماذا حرَّم الله الربا؟ 3 ـ وضع الربا في البناء الاقتصادي. 4 ـ الفائدة على رأس المال: صورة من صور الربا. 5 ـ الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب. 6 ـ مشروع قيام بنك إسلامي. بالإضافة إلى سلسلة من المقالات في العديد من المجلات والدوريات الإسلامية والمتخصصة، خاصة مجلة "المسلمون" الشهرية، والتي كان يصدرها الدكتور سعيد رمضان في سويسرا، وتمثل هذه المقالات ثروة عظيمة في هذا المجال من حيث الموضوع والسبق فيه. عاش أستاذنا شبابه في حركة الإخوان المسلمين، حيث شارك في أنشطتها، وساهم مع إخوانه في دفع مسيرتها، وكان من زملائه الداعية الكبير محمود عبدالحليم مؤلف كتاب "الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ" فقد ذكره المؤلف في الجزء الثاني، فقال: {عيسى عبده كان مدرساً بمدرسة التجارة المتوسطة في القاهرة في ذلك الوقت، وكان بالطبع أكبر منا سناً، وقد أخبرنا الأستاذ المرشد أن عيسى عبده كان من أسرة مسيحية، أسلمت جميعها عن اقتناع، وكان الأستاذ المرشد يحب عيسى عبده، ويقربه ويؤثره، ويقدمه دائماً للحديث إلى الإخوان، لأنه كان محاضراً لبقاً، ومحدثاً طويل النفس، وكان عيسى مندمجاً في منظمات الإخوان المســلمين، فكان أحد أعضاء الكتائب، إلا أنه لم ينتظم في سلك الجوالة، وكنا نحبه ونُقبل عليه، وكان يبادلنا هذا الحب والإقبال}. سيرة من حياته وحياة أسرتهنقل عرفات العشي في كتابه القيم "رجال ونساء أسلموا: الجزء الأول" ما رواه د.عيسى عبده إبراهيم على لسان أبيه بشأن تسميته "عيسى" حيث قال: {... إن بيني وبين ربّي عهداً لا يعلمه إلا هو، وإني أسير على الدرب لا أحيد، إنني حين تمسكت بالاسم الذي اختاره أبي وهو "عبده" تعلق رجائي بأن يمتد بي الأجل حتى أتزوج وأن أرزق مولوداً أدعوه "عيسى"، وعاهدت ربي على تنشئته تنشئة صالحة ولأدعون له بطول العمر وبالتوفيق إلى ما فيه رضا الله وبأن يكون له في حياته ومن بعد حياته أحسن الذكر على ألسنة العباد، ولذا جعلت من وجود هذا الولد شهادة تنبض بالحياة بأن "عيسى" "عبده" وما هو بولده، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.. فكلما ذكره الذاكرون غائباً أو حاضراً.. حياً أو ميتاً.. كان ذكرهم هذا شهادة مني بين يدي الله جل وعلا بأن عيسى عبده...}. ويقول محيي الدين عطية في مجلة "المسلم المعاصر" بعددها لشهر ربيع الثاني 1404هـ: {...لقد نشأ عيسى عبده في بيت أسس على اعتناق الإسلام عن قناعة وإيمان، وقد لاقى والده في سبيل ذلك من مقاطعة الأهل والأصحاب ما لاقى، وندب نفسه وأبناءه للدعوة الإسلامية، فكان عيسى ـ أول الأبناء ـ مندفعاً بحكم بيئته في هذا الاتجاه، وقد التقى الإمام الشهيد حسن البنا ورافقه في جولاته بالقرى، وعاصر افتتاح عدد من شُعب الإخوان المسلمين في أول عهدهم في الثلاثينيات، وظل على علاقته الوثيقة الحميمة بمؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" طيلة حياته، ومازال أبناء عيسى عبده حتى يومنا هذا يحتفظون بوثيقة عزيزة عليهم، لأنها تربطهم بهذا الماضي المشرِّف، وهي عقد زواج الابنة الكبرى "ليلى عيسى عبده"، وذلك العقد الذي أمهره حسن البنا بتوقيعه كشاهد على الزواج}. لقد حقق الله على يدي د.عيسى عبده إبراهيم إنشاء البنوك الإسلامية التي كانت أملاً يراود نفوس الكثير من المسلمين، وتلك هي الثمرة اليانعة لجهوده وجهود إخوانه وتلامذته ومحبيه في العالم الإسلامي كله، وهي في محصلتها مظهر من مظاهر الصحوة الإسلامية المباركة. إن من الوفاء لهذا الرجل أن يعرف هذا الجيل بعض هذه الجهود التي بذلها الدكتور عيسى عبده، وإخوانه كي ينطلق شباب الصحوة الإسلامية لإكمال المسيرة في كل الميادين، فكلٌ ميسر لما خُلق له. كانت وفاة أستاذنا في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية يوم 9- 1- 1980م،وقد تم نقل جثمانه إلى مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام "المدينة المنورة" حيث دفن بالبقيع حسب أمنيته. | |
|