د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: مفاهيم راقية ينفرد بها الاقتصاد الإسلامي 12/6/2010, 4:46 pm | |
|
مفاهيم راقية ينفرد بها الاقتصاد الإسلامي بقلم: د. محمد شوقي الفنجري ينفرد الإسلام دون سائر المذاهب الاقتصادية والنظم الوضعية, بنظرة خاصة للمال, وموقف معين بالنسبة للملكية الفردية, فهو لاينكرها شأن المذاهب الجماعية والنظم الاشتراكية كما أنه في الوقت ذاته لايطلقها شأن المذاهب الفردية والنظم الرأسمالية, وإنما هو يعترف بها نتيجة عمل وجهد بقوله تعالي( ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ـ البقرة188 وفي حدود معينة بقوله تعالي:( للرجال نصيب, مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) ـ النساء32 ولم تقل الآية( كل) ما اكتسبوا أو اكتسبن. وفي حدود المساحة المصرح بها نذكر فيما يلي بعض المفاهيم الاقتصادية الإسلامية التي ينفرد بها الاقتصاد الإسلامي.أولا: اختصاص البعض بالمال في الإسلام ليس ميزة أو امتلاكا وإنما هو أمانة ومسئولية:ـ ومن هنا كان اجماع الفقهاء القدامي بأن اختصاص البعض بالمال في الإسلام ليس ميزة أو امتلاكا, وانما هو أمانة ومسئولة بقوله تعالي( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون), المؤمنون8 وقوله تعالي( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) ـ التكاثر8 وهو ماعبر عنه الفقهاء المحدثون بأن ـ( المال مال الله والبشر مستخلفون فيه), لقوله تعالي:( ولله ما في السماوات وما في الأرض) ـ النجم31 وقوله تعالي( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) الحديد7. وقد علق الإمام الزمخشري علي الآية الأخيرة في الجزء الثاني من تفسيره الكشاف بقوله( يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وانشائه, وإنما مولكم إياها وخولكم الاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيها, فليست هي أموالكم في الحقيقة وما أنتم إلا بمنزلة الوكلاء والنواب, فأنفقوا منها في سبيل الله, وليهن عليكم حينئذ الانفاق منها, كما يهون علي الرجل النفقة من مال غيره.ثانيا: عدالة التوزيع أو حفظ التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع ودول العالموبالتالي أصبح من المسلم به شرعا أنه لايجوز في مجتمع إسلامي أن يكون المال متداولا بين فئة قليلة من الناس بل أن يعم الخير الجميع, إعمالا لقوله تعالي( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم), الحشر7 وهو ما عبرنا عنه بالمصطلح الحديث بمبدأ عدالة التوزيع في الإسلام أو حفظ التوازن الاقتصادي سواء بين أفراد المجتمع علي المستوي المحلي أم بين دول العالم علي المستوي العالمي, إذ كما ورد في الحديث النبوي( ليس بالمؤمن ـ فرد أو دولة ـ الذي يشبع وجاره جائع الي جنبه وهو يعلم) الحاكم في المستدرك.ثالثا: أحقية الفقير في مال الغني هي بقدر ما يكفيه.. أصبح من المسلم به شرعا أن للفقير حقا معلوما في مال الغني, هو بقدر مايكفيه, مما عبرنا عنه بـ حد الكفاية لمجرد حد الكفاف, إعمالا لقوله تعالي( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم الذاريات19 وقوله تعالي( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو), البقرة219 أي ما زاد عن الحاجة بمعني الكفاية أو تمام الكفاية, وقول الرسول عليه الصلاة والسلام:( تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم), الشيخان البخاري ومسلم, وقوله صلي الله عليه وسلم( من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له, ومن كان له فضل زاد فليعد به علي من لازاد له) الشيخان البخاري ومسلم ويضيف الرواة أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذكر من أصناف المال ما ذكر حتي رأينا أنه لاحق لأحدنا في فضل مال أي في زيادة عن حاجته. ومن ثم كان قول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب( إني حريص علي ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض, فإذا عجزنا تأسينا في عشينا حتي نستوي في الكفاف), وقوله ـ رضي الله عنه ـ عام المجاعة سنة18 هـ:( لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل علي أهل كل بيت عدتهم, فيقاسموهم أنصاف بطونهم), وقول الخليفة الرابع علي بن أبي طالب:( إن الله فرض علي الأغنياء في أموالهم بقدر مايكفي فقراءهم). ومن هنا كان قول الإمام الشافعي في عبارة فقهية دقيقة مشهورة عنه:( ان للفقراء أحقية استحقاق في المال, حتي صار بمنزلة المال المشترك بين صاحبه وبين الفقير). ويقول ابن حزم ان للجائع عند الضرورة ان يقاتل في سبيل حقه في الطعام الزائد عن غيره( فإن قتل ـ أي الجائع ـ فقد مات شهيدا وعلي قاتله القصاص, وان قتل المانع فإلي لعنة الله لأنه منع حقا وهو طائفة باغية).رابعا: الإسلام لايضع حدا أعلي للملكية وإنما ينفرد دون سائر النظم الوضعية بوضع قيود علي استعمالها: وبالرغم من ان الاسلام لايضع حدا أعلي للملكية أو اكتساب المال وذلك تشجيعا وضمانا للباعث والحافز الشخصي, إلا أنه يضع عليها قيودا من حيث اكتسابها ومجالاتها, بل أساسا من حيث استعمالها مما لانجد له مثيلا في أي تشريع أو نظام وضعي وبحيث يحيلها بحق الي أمانة ومسئولية ومجرد وظيفة شرعية.خامسا: شرعية الملكية باعتبارها وسيلة إنمائية: وفي نظرنا أن الإسلام في اعترافه بالملكية سواء كانت خاصة أم عامة, وفي نظرته اليها وتنظيمه لها, إنما أقامها باعتبارها وسيلة انمائية أي حافز من حوافز التنمية, بحيث تنتفي أو تسقط شرعية الملكية سواء كانت خاصة أم عامة اذا لم يحسن الفرد أو الدولة استخدام هذا المال استثمارا أو انفاقا في مصلحته ومصلحة الجماعة. وقد عبر عن ذلك أصدق تعبير سيدنا عمر بن الخطاب حين قال لبلال وقد اعطاه الرسول عليه السلام ـ أرض العقيق:( إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجز عن الناس وإنما اقطعك لتعمل, فخذ ماقدرت علي عمارته ورد الباقي). ومن هنا ندرك لماذا ربط الإسلام بين الإيمان والإنفاق في سبيل الله أي في سبيل المجتمع وتعميره,, بل إنه جعل هذا الانفاق أو التعمير هو الغاية من خلق الإنسان لقوله تعالي:( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) هود(61) أي كلفكم بعمارتها.سادسا: إنفراد الاقتصاد الإسلامي بعنصر من عناصر الإنتاج وهو التقوي وعائده هو البركة مما تغفله جميع الاقتصاديات الوضعية ان ثمة عنصرا جديدا من عناصر الانتاج تغفله سائر المذاهب والنظم الاقتصادية الوضعية, ولكن يكشف عنه الاقتصاد الإسلامي, بل يعتبره من أهم عناصر الانتاج ألا وهو التقوي أي ابتغاء وجه الله تعالي ومراعاته وخشيته سبحانه في كل ما تقوم به من عمل أو تباشره من نشاط اقتصادي وهو ما عبرت عنه عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية, نذكر منها علي سبيل المثال قوله تعالي( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا, لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض, ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) الأعراف96. ومكافأة عنصر التقوي هو من عند الله, وهو مايسميه العامة البركة في الدنيا والجنة في الآخرة.نشرت بجريدة الأهرام المصرية عدد السبت 12/6/2010 | |
|