إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى خطوة على طريق الوعي |
|
| مصطفي عبد الرازق .. الفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: مصطفي عبد الرازق .. الفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع 29/8/2009, 8:04 pm | |
|
مصطفي عبد الرازقالفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع بقلم: عبد الرحمن أبو عوف نشرت بمجلة الديمقراطية - العدد 27- يوليو 2007
هو الشيخ الجليل والمفكر الأديب العقلاني المستنير النابه مصطفي عبد الرازق باشا, الذي ولد في عام1885, وهو بأبسط تلخيص ممكن مثقف مصري وعربي أصيل ونبيل تتحقق في مكوناته أصالة ونضارة التراث العربي الإسلامي في عصور ازدهار ونهوضه وفقه الدين وأنوار وإشراقات العقل العلمي النقدي الذي استوعب وهضم ثقافة وعلوم وفلسفة وفنون الآخر الأوروبي وبالذات اللاتيني الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. فهو من بيت صعيدي عريق, فآل عبد الرازق مشهورون بالعلم والجاه والحسب والنسب ومن البيوتات الكبيرة أصحاب وملاك الأرض الكبار.. تولي جدوده من الجد السادس حتي أبيه مناصب القضاء في( البهنسا شمال المنيا قبلي). وكان والده حسن عبد الرازق مجيدا لعلوم الأدب والنحو وعلوم اللغة وعرف بكثرة حفظه لجيد الشعر ولم يكن يخلو مجلسه غالبا من الاستشهاد والتمثيل بالشعر عند كل مناسبة وفي أي موضوع, وكانت له قريحة سيالة بنظم المعاني اللطيفة. وقد انتخب والده حسن عبد الرازق عضوا في مجلس النواب في عصر إسماعيل وعضوا في مجلس شوري القوانين سنة1884 واشترك مع الإمام الشيخ محمد عبده وجماعة من إخوانهم في إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة. واشترك أيضا مع محمود باشا سليمان وعلي باشا شعرواي وإبراهيم باشا سعيد, وجماعة من إخوانهم, في إنشاء حزب الأمة في أوائل سنة1907 وآصبح وكيلا له ومتحدثا باسمه.
وعن حقيقة حزب الأمة يقول الشيخ علي عبد الرازق صاحب الكتاب المشهور الثوري( الإسلام وأصول الحكم) في تصديره للكتاب( وحزب الأمة هذا حزب سياسي, أنشئ ليقف بالأمة المصرية موقفا وسطا, لا يميل بهم ذات اليمين ولا ذات الشمال, وكان يتجاذب الأمة يومئذ سلطان الإنجليز المحتلين للبلاد من جانب, وبيدهم القوة بالفعل ومصائر الأمور, وسلطان الخديو عباس من المسلمين, وباسم الدين الإسلامي, ونفوس المصريين يومئذ حيري بين هؤلاء وهؤلاء, وشئونهم مضطربة كذلك وأهواؤهم موزعة وآراؤهم مختلفة, وقلوبهم شتي والحق الذي لا مرية فيه أن كلا من الإنجليز والخديوي كان شرا علي مصر والمصريين, وأن كليهما لا يبغي من الحكم إلا توطيد سلطانه وتمكن يمينه من رقاب المصريين, وكانت المصلحة الحقيقية للوطن يومئذ في أن يتخلص من الإنجليز والخديوي معا, ولم يكن أمام المصريين سبيل إلي ذلك اللهم إلا كانت الثورة, ولكن للثورة ظروف وأسباب لم يكن شئ منها يومئذ مواتيا في مصر, ولم تكن النفوس قد استعدت لها, وهي حديثه عهد بثورة عرابي التي ابتدأت فاشلة وانتهت بفشل أشد, فلم يجد أولو الرأي من المصريين يومئذ من سبيل إلي الإصلاح الحق إلا أن يعملوا علي السير بالبلد إلي غاية هذا الإصلاح سيرا وئيدا لا يفزع الإنجليز ولا يفزع الخديو ولا يملقهما, ولكن الخديو فزع من هذا الحزب فزعا شديدا, فتصدي للكيد له سرا وجهارا, وهب أنصاره يناضلون الحزب وينشرون عنه ظن السوء, ويزعمون أنه يمالئ الإنجليز علي حساب مصر, وهبوا يقاومون هذا الحزب بالدعوة إلي الاحتماء بحمي الخلافة الإسلامية التي يحمل علمها سلاطين آل عثمان, ولكن الواقع أن الإنجليز كانوا أرحم بالبلد وأدني إلي رعاية مصلحته من الخديو الذي شوهت المطامع والشهوات عقله وخلقه وباعدت بينه وبين قلوب العارفين من المصريين, وربما كانوا أرحم بالبلد وأدني إلي رعاية مصلحته من سلاطين آل عثمان وعمالهم.
ومفهوم علي عبد الرازق عن دلالة ومعني ورمز والهوية الطبقية والسياسية لظهور حزب الأمة كان سابقا بشهور ظهور الحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل عام1907 وقد يكون لمن لا يتعمق المسائل التاريخية وجذورها لمواقف المثقفين الواعين أبناء هذا المرحلة الكئيبة والمضطربة والمعقدة بعد هزيمة الثورة العرابية لأسباب عالمية وإقليمية ومحلية متداخلة ومحددة ليس هنا مجال إيرادها بالتفصيل وفي نفس الوقت كانت بداية وضع استراتيجية استعمارية لانجلترا للسيادة وتقنين الاحتلال في مصر وإعادة صياغة التركيب الطبقي في البنية الاجتماعية في مصر ذلك الوقت أو بناء طبقة جديدة أو تقويتها, علي شرط أن تتناقض مصالحها الاقتصادية وبالتالي السياسية مع الخديو والقصر وبالتالي الخلافة العثمانية المترهلة( رجل أوروبا المريض) والتي اغتصبت منه انجلترا السلطة الفعلية والاقتصادية والسياسية, والأهم ترتبط مصالحها مع استمرار تقنين السلطة الفعلية الإنجليزية المحتلة.
فمفهوم علي عبد الرازق هنا وقد كتبه قبل أن يرحل عن دنيانا بسنوات قليلة في تصديره لمآثر وكتابات شقيقه وصديقه الذي نترحم عليه هنا مصطفي عبد الرازق مفهوم مثقف واع بل أقول انه كان ذات يوم ثوريا أو إصلاحيا ثوريا( فقد لا ننسي كتابه المثمر الهام في تاريخ الفكر المصري والثقافة المصرية( الإسلام وأصول الحكم), والذي وضع حدا لجهل الفقهاء ومرتزقة الفكر الديني الإسلامي في مفهوم الخلافة كمفهوم سرمدي أبدي للحكم بجانب انه اسقط أحلام أحد أبرز أبناء الأسرة المالكة العلوية وأشرسهم ميكافيلية جاهلة اقصد الملك فؤاد الأول الذي حلم وحلم معه بقايا حثالات أنصار مفهوم الخلافة أن يصبح خليفة بدلا من سقوط الخلافة العثمانية في تركيا علي يدي أبو الأتراك العلماني كمال أتاتورك.
فعن عقلانية علي عبد الرازق واستنارته واستباقه لأسس ومقومات العصر الحديث الصناعي وقيمه عن حقوق الإنسان وأركان المجتمع المدني وتجاوز التخلف والجهل والفقر الذي كانت تعيشه الأوطان العربية ومصر بالذات صاحبة ومؤسسة الحضارة الإنسانية في فجر التاريخ, والذي لم يجهله دارسو وباحثو آل عبد الرازق, وبالذات الأبناء النجباء البارزون منهم وهم مصطفي عبد الرازق وعلي عبد الرازق.
أن كلا من مصطفي عبد الرازق وعلي عبد الرازق قد تمكن لهما عن طريق عائلة كبيرة ومثقفة وواعية لمصالح طبقيتها ومفهومها المستنير السياسي في ذلك الوقت بجانب حب كل منهما للمعرفة والعلم والفكر وكل مجالات الحضارة الأوروبية الحديثة في ذلك الوقت, ولأنهما حسب النشأة والاستعداد والموهبة كانوا من الثوار والمتمردين من أبناء الأزهر علي الدراسة السلفية في الأزهر وبالذات مصطفي عبد الرازق الذي تتلمذ علي يد الشيخ محمد عبده الإمام المستنير بجانب كل ذلك فقلة من القراء يعرف أن علي عبد الرازق قد سافر في بعثة عن طريق عائلته إلي انجلترا في نفس الأعوام التي سافر فيها شقيقه مصطفي عبد الرازق إلي فرنسا.. وذاك قبل قيام الحرب العالمية الأولي عام1914, فقد سافر علي عبد الرازق ودرس في جامعة أكسفورد القانون والاقتصاد والتاريخ, باختصار العلوم الإنسانية ولا نجد مصدرا يحدد لنا الفترة التي أمضاها في لندن وأوروبا أما شقيقه الأكبر منه سنا مصطفي عبد الرازق فقد ظل في باريس وأوروبا حوالي ثلاثة أو أربع سنوات فقد سافر عام1909 واضطر للعودة إلي مصر قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولي عام1912 والخوف من انقطاع وسائل المواصلات العالمية التي كانت كلها أو معظمها تعتمد علي البواخر البحرية ولقد درس مصطفي عبد الرازق دراسة منظمة في السوربون.
ويقول علي عبد الرازق في تصديره مجلدا من أثار مصطفي عبد الرازق( وقد جاء في مذكرات المرحوم محمد كرد علي) فيما يختص بتاريخ أخي, ما نصه( سافر إلي باريس عام1909 فتعلم الفرنسية وحضر دروس الأستاذ( دوركهايم) في الاجتماع ودروسا في الأدب وتاريخها وفي سنة1911 تحول إلي مدينة ليون ليشتغل مع الأستاذ( ادوارد لامبير) في دراسة أصول الشريعة الإسلامية, وحضر في جامعة ليون دروس الأستاذ( جوبلو) في تاريخ الفلسفة ودروسا في تاريخ الأدب الفرنسي, وتولي تدريس اللغة العربية في كلية ليون مكان مدرسها الذي كان ندب للتدريس في الجامعة المصرية. وظاهر أن هذه المعلومات مستقاة من أخي مصطفي نفسه وجاء في ملف خدمته بالحكومة المصرية ما نصه( كلف أثناء إقامته بمدينة ليون بالتدريس بالجامعة المصرية القديمة, وقد أعد رسالة للتقدم بها لامتحان الدكتوراه في الأدب موضوعها الإمام الشافعي أكبر شرعي في الإسلام, وقد أخرج بالاشتراك مع المسيو( برنارد ميشيل) ترجمة دقيقة بالفرنسية لكتاب الشيخ محمد عبده موضوعه العقيدة الإسلامية... الخ).
ويواصل علي عبد الرازق( اعرف أن اثر هذه المرحلة في حياته كان كبيرا جدا, أكبر مما كنت أتوقع, وأكبر من أن تطيب به نفس يوم ذاك, وأكبر من أن يستسيغه عقلي, واذكر أنني نازعته غير قليل في بعض ما حسبته يومئذ تغييرا غير جميل وقسوتي أحيانا في مجادلته, وكان هو في أكثر أحواله يحسم الجدل بيننا بابتسامه هادئة ونظرة جانبية وكأنه يقول' رويدك حتي تري وتعرف كما رأيت وعرفت' وكان في ذلك عليه رحمة الله صادقا وحكيما.
ولقد تعمدنا الاستطراد في ملاحظة وتأكيد المكونات الفكرية والعلمية لكل من الشقيقين مصطفي عبد الرازق وعلي عبد الرازق باستيعابهما ثقافة الآخر الأوروبي ومناهجه العلمية في البحث في علوم الإنسانيات في مطالع القرن العشرين مع احتضانهما نفس الوقت بجذور ثقافتهما التراثية في الأزهر الشريف وحضور مجالس العلم الديني والفقه وتراث الأدب العربي للشيخ الإمام المستنير محمد عبده مما أهلهما للعب دور مؤثر في فكرنا وثقافتنا الحديثة ما زال لها امتدادات في تلامذة لهما معاصرين لنا.
وهذا الاحتكاك المباشر بالعالم الأوروبي غرس فيها الإيمان المفهوم الليبرالي في أوائل القرن ونموذج الديمقراطية في لندن, وباريس وهي الفترة المزدهرة لحضارة أوروبا الليبرالية, لذلك كانوا من المثقفين المصريين المؤمنين بأركان المجتمع المدني, الحرية الفردية والعدالة والديمقراطية, وهذا يجعلنا نعود بالتفضيل للبعد الطبقي الاجتماعي لإنجازهما كأبناء واحد من مؤسسي حزب الأمة حسن عبد الرازق للدفاع عن مفهوم وموقف سياسي جديد في عام1907 لحزب قديم كان يعكس الجوهر التاريخي للشخصية المصرية.
قبل أن نناقش إنجازات مصطفي عبد الرازق في حقول الفلسفة الإسلامية والفقهية والنقدية الأدبية والإبداعية لابد من إلقاء الضوء علي صباه وشبابه في واحد من أعرق عائلات الصعيد التي تتمتع بالثروة أي ملكية الأرض وأيضا العلم والنفوذ السياسي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
كان والده حسن عبد الرازق باشا أبرز وأنجب أبناء عائلة عبد الرازق, فقد استطاع في فترة وجيزة أن يوجه إخوانه وأهله توجيها حسنا, وأن ينمي ثروة العائلة ويرفع اسمها, فكبر شأنه, وعلا مقامه بين أهالي مديرية المنيا, وأصبح موضوع احترامهم وتقديرهم, فناطوا به ثقة لم يكن ينالها إلا قليل من معاصريه, ولما ألف مجلس النواب في عهد إسماعيل باشا انتخب عضوا فيه, نائبا عن مديرية المنيا, وكان يتلو خطبة الخديو التي يفتتح بها جلسات المجلس السنوية. ثم حل مجلس النواب, وأنشئ بدله مجلس شوري القوانين سنة1884 فانتخب عضوا فيه أيضا عن مدينة المنيا ويفني فيه أكثر من ثمانية عشر عاما, يتجدد انتخابه عن مديرية المنيا, كلما انتهت مدة الانتخاب ولم يسقط في الانتخابات إلا مرة واحدة علي ما أتذكر وكان ذلك بتدخل الحكومة لظروف سياسية ليس هنا موضع بسطها.
واشترك حسن عبد الرازق مع الإمام الشيخ محمد عبده وجماعة من إخوانهم في إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة. واشترك في الشركة المساهمة التي أصدرت جورنال( الجريدة) برئاسة فيلسوف حزب الأمة أحمد لطفي السيد. واشترك أيضا مع محمود سليمان وعلي شعراوي وإبراهيم سعيد وجماعة من إخوانهم, بإنشاء حزب الأمة في أوائل سنة1907 واختاروا محمود سليمان رئيس الحزب واختاروا حسن عبد الرازق وكيلا له ومتحدثا باسمه.
يتبع | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: مصطفي عبد الرازق .. الفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع 29/8/2009, 8:14 pm | |
| تابع الشيخ مصطفى عبد الرازق تأثير الشيخ محمد عبده علي رؤيته الإصلاحية: قبل أن نحلل تطورات وتفصيلات علاقة مصطفي عبد الرازق بالإمام العقلاني المستنير والصحفي المثقف محمد عبده والتي اتخذت شكلا من الأبوة والتلمذة بل شكل المريد للقطب في التصوف المستنير الثورة للحلاج والقارئ المثقف ليس محتاجا مني للتعريف بقيمة محمد عبده في سياق تجديد الفكر الإسلامي وإصلاح الأزهر بل تجديد الفكر والثقافة والفكر المصري الحديث بل الصحافة المصرية ومناقشة الفكر الاوروبي والآخر دفاعا عن خصوصية الفكر الإسلامي العقلاني الذي هو امتداد لأكثر فتراته ازدهارا في العصر العباسي والأندلسي عندما احتكمت الإمبراطورية العربية الإسلامية بتخوم الحضارات القديمة الفارسية واليونانية والهندية والمصرية اولا وأخيرا فمحمد عبده كان يتقن اللغة الفرنسية ولا أريد أن أوسع في التدليل علي أن هذا الإمام والمفتي محمد عبده الذي يحزن المثقف والقارئ العادي عندما يقارن رحابة عقله وسعة أفقه في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من عمر مصر المحروسة كان أكثر تقدمية وعقلانية من المفتي الآن في فترة تاريخية تنهار فيها مصر بتراكمها الحضاري وموقعها الجيوجرافي كما قال( جمال حمدان) أنها إفريقية ومتوسطية, فالإمام محمد عبده كان يفتي بعدم تحريم التصوير والنحت والفنون البصرية الخ. في حين أن المفتي الحالي وفي أيامنا الشاحبة تاريخيا يتحدي المجتمع المدني ويصدر فتوي غريبة علي تراث ثقافتنا المصرية( بأن التماثيل حرام وعمل من أعمال الشيطان.. الخ) كما سبق منذ أن حكم العسكريون مصر أن صدرت فتوي بإلغاء تعرية جسد المرأة كموديل للرسامين وطلبة الفنون التشكيلية في مصر.. الخ. وأتذكر وأنا أقرأ رسالة الدكتوراه لاستأذنا د. عثمان أمين وهي بعنوان( رائد الفكر المصري الحديث محمد عبده) إن ثمة مراسلات كانت تتم بين روائي روسيا الشهير( ليو تولستوي) وبين الشيخ محمد عبده. وبهذه المناسبة فالدكتور عثمان أمين تلميذ الشيخ مصطفي عبد الرازق الذي كتب له مقدمة في طبعتها الأولي وهو شيخ للأزهر عام1946, يثني علي جهده وإنصافه لأستاذه محمد عبده.كما أننا نلاحظ أن محمد عبده هو بالتالي تلميذ لجمال الدين الأفغاني المفكر وباعث الثورات في الشرق الاسلامي. فقد تنبه الأفغاني برؤيته الثورة وبعد بصيرته ذكاء وطموح محمد عبده عندما أقام في القاهرة في أواخر عصر الخديو إسماعيل بحي الحسين في القاهرة المعزية. أنقذه من طريق التصوف ولمح سريعا تمرد محمد عبده علي الدراسة السلفية الجاهلية التقليدية بدراسة المتون والحواشي وشرحها لكتب رثه تتداول في الأزهر من قرن لقرن منذ أن قلب صلاح الدين الأيوبي( السني) قاتل السهرودي المعادي للعقل رسالة الجامع الأزهري الذي أسسه الفاطميون والغي المذهب الشيعي.. وحدد بالتالي المشايخ السلفيون من حرية الفكر والعقل والبحث استنادا للثقة في كتب السلف الصالح وحل النقل محل الإبداع والإتباع محل انطلاق البحث العلمي.ما أريد تأكيده هنا أن تلمذة مصطفي عبد الرازق علي يد محمد عبده والذي بدوره تلميذ للأفغاني كانت محصلتها ثمرة عقل نقدي واثق وجدان شاعر بل روائي ظهر في المذكرات التي نشرها مصطفي عبد الرازق في1914 وهو في باريس تحت عنوان( صفحات من سفر الحياة) والتي كانت تمثل شكلا أدبيا جديدا للأدب المصري الحديث الذي يندرج تحت أدب السيرة الذاتية. كما أننا سنتعرض بالتحليل لوفاء التلميذ لأستاذه في إنجازه كتاب قيم مركز علمي المنهج في كتابه عن محمد عبده والذي صدر عام1946 وهو آنذاك شيخا مهيبا وقد تولي كرسي رئاسة الأزهر الشريف الذي كان طالبا به في نهاية القرن التاسع عشر حتي حصل علي شهادة العالمية في سنة حزينة1908 حيث ودع والده( حسن عبد الرازق) وكيل حزب الأمة وأحد مؤسسيه الذي كان شديد التعلق به ليس كوالد بل كمعلم قاده منذ الطفولة علي نظام صارم من التدين ووجهه في المراحل الأولي من التعليم الأزهري ونمي فيه حسن حب الشعر العربي وتراثه وكتب الأدب العربي القديم الموسوعية. لقد كانت هناك علاقة بين والد مصطفي عبد الرازق المنتخب دائما عن مديرية المنيا عضوا بمجلس شوري القوانين وبين محمد عبده مفتي الديار المصرية المعين دائما من قبل الحكومة بالمجلس منذ عام1899 وكانت في البداية علاقة تعارف بسيط وتقارب يشوبه شئ من الحذر والتحفظ, فحسن عبد الرازق لم يكن يعرف في البداية عن الإمام إلا ما يشيع عنه خصومه السياسيون من انه متهم في وطنيته وما يشيعه عنه خصومه الدينيون من انه متهم في دينه, أما الأستاذ الإمام فكان لم يكن قد عرف بعد من أمر حسن عبد الرازق إلا ما كان متهما به يومئذ من التشدد والجرأة في إنكار الوضع السياسي في مصر ومفاسد الحكم فيها لا يبالي بمن غضب من ذلك وبمن رضي, وربما كان ذلك مذهبا يعده الأستاذ الإمام يومئذ تطرفا في الوطنية لا يتلاءم ومزاجه السياسي الذي اتجه نحو سياسة الملاينة وإيثار التقريب بين مختلف المذاهب والأغراض, غير أن العمل المشترك بينهما في مجلس شوري القوانين يقتضي بينهما بالضرورة تبادل الحديث وتداول الرأي وتدافع الحجة والأخذ والرد, وفي خلال ذلك يزداد كل واحد منها كشفا لدخائل صاحبة ووقوفا علي حقيقة نفسه, ولا تكاد تمضي عليها في هذا الدور سنة أو سنتان حتي يصبحا صديقين حميمين. في ظلال هذه الصداقة المتينة بين الوالد والإمام محمد عبده, نشأت العلاقة بين مصطفي عبد الرازق وبين أستاذه الإمام ورغم ذلك فلم يكن مصطفي عبد الرازق فيما قبل ذلك ممن يرشحه ظاهر حالة لأن يلتحق بمدرسة الأستاذ الإمام أو يأنس إلي تعاليمه فقد بدأ دراسته في الأزهر علي مشايخ أزهريين أقحاح, وظهر عليه منذ السنين الأولي الطابع الأزهري, لأنه أحب شيوخه الأولين واحترمهم, فصاروا في ذهنه مثلا يحتذي.يتبع
| |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: مصطفي عبد الرازق .. الفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع 29/8/2009, 8:20 pm | |
|
تابع الشيخ مصطفى عبد الرازق التحول الفكري والعقلي عند مصطفي عبد الرازق: يقول علي عبد الرازق في تصديره المجلد الكبير الذي جمع وترجم إبداع وإنجازات شقيقه مصطفي عبد الرازق والذي اكتوي وعاني مثل طه حسين الذي صور في راويته( الأيام) الدراسة العقيمة الجافة المعادية للعقل في الأزهر في مطلع القرن العشرين, يقول' وليس في مشايخ الأزهر يومئذ فيما عرفنا إلا زاد علي الشيخ محمد عبده وكلهم يخافه, فهم بين ساكت يغضي علي القذي وبين هماز غماز يوري بالطعن ويسعي بالدسيسة, إلا فريقا من المؤمنين طبيعي- وهذا جوهر الأزهر- أن يسوء رأي طلبة الأزهر وظنهم بالأستاذ الإمام'.
ويقول علي عبد الرازق أيضا عن شقيقه الأكبر( كان وسط بين الجمود والتخلخل لذلك كان منزعه الديني أيامئذ كمنزعه- لا هو بالجامد المتحجر ولا هو باللين المتخلخل, بل كان بين ذلك قواما, وهو رجعي في أكثر من نواحيه ولكن في حدود النظر والفطرة السلمية, فلا تتسرب إليه خرافة, ولا تشوبه شائبة من شوائب الشرك الخفي, ولا يلازم الجامدين غالبا من التزمت وحرج الصدد من كل رأي مخالف. وهو تقدمي في بعض نواحيه, ولكن مع الاستمساك بكثير من التقاليد الموروثة ومع الرجوع إلي سنن من سلف, وإتباع أحسنها ولعله كان في جملة الأمر أدني إلي المذهب الرجعي وإلي حب القديم). فظاهر حالة يؤول انه صعب أن يصبح ملتحقا بمدرسة الأستاذ, وبعد سنوات من الدارسة الجافة الجاهلية في الأزهر بدأ عام1903 يحضر دروس الأستاذ الإمام التي يلقيها بعد صلاة المغرب في الرواق العباسي بالجامع الأزهر ثلاث ليال من كل أسبوع.
في قراءة كتاب( دلائل الإعجاز لأخطر ناقد أدبي في العصر العباسي في بغداد عبد القاهر الجرحاني ومن خلال دراسات أستاذي الناقد يسار الوفد د. محمد مندور أدركت في تراثنا النقدي جواهر مدفونة.. وعندما قرأت المدارس الحداثية الآن في أمريكا وفرنسا وأوروبا وفلاسفة الإهتمام بالشكل واللغة وتحليل النص مثل( فوكو) و(بارت) و(سوير).. أدركت أن الجرجاني من مؤسسي هذا الشكل علي نسق الفكر العربي في العصر العباسي, أيام أن كانت بغداد هارون الرشيد وألف ليلة وليلة تقدم للفكر الإنساني( الجاحظ) و(أبي عطاء الموصلي المعتزلي) والطبري وأبو نواس... الخ.
يلتقي بالإمام محمد عبده في بيت والده حسن عبد الرازق وفي بيته مع وفود الطلبة والزائرين وسرعان ما امتلأت نفسه تقديرا للإمام وثقة به واحتراما وحبالة وسرعان ما التفت الإمام إلي تلميذه يتعهده ويرعاه. فالإمام محمد عبده في هذا الوقت الذي بدأ فيه الشيخ مصطفي عبد الرازق يتأثر به كان رجلا يملأ اسمه البلاد ويتردد ذكره في محافل الإصلاح الديني والسياسي, كان رجلا واسع العلم واسع آفاق الفكر, وله من علمه الواسع منهج علمي, وطريقته في الدعوة إلي منهجه العلمي ومذاهبه الإصلاحية هي المجحفة السمحة الواضحة, فهو في العلم يختار الكتب التي يأنس فيها الخبر ويدرسها لتلامذته علي أسلوبه الخاص به في دروس عامة وهو في مذاهبه الإصلاحية يتجه في كل ما بيده من أمر وفي كل من يشارك فيه من شأن وجهة الإصلاح كما يجب أن يكون الإصلاح, فهو يدعو للإصلاح بالعمل أولا ثم بالقول الصريح يصدع به أني كان في المحافل العامة وفيما يؤلف من كتب وأبحاث وفيما ينشر في الجرائد والمجلات, ومدرسته لا يحدها زمان ولا مكان ولا أشخاص ولكنها مدرسة لتلاقي الأرواح فيها جنودا مجندة والنجاح في هذه المدرسة لا يكون بكثرة الدرس ولا طول التلقي عن الإمام وإنما يكون بالتعارف بروحه والائتلاف معه.
فلا غرو أن يكتب مصطفي عبد الرازق في شبابه قصيدة يمدح أستاذه ويهنئه بعودته من رحلته في أوروبا نشرت بمجلة( المنار عام1903) يقول الشاعر الشاب مصطفي عبد الرازق. أقبل عليك تحية وسلام يا ساهرا والمسلمون نيام تطوي البلاد وحيث جئت لأمة نشرت لفضلك بينهم أعلام أن يقدروا في الغرب قدرك خفية فلمصر أولي منهم والشام
ولقد عاني مصطفي عبد الرازق أزمة نفسية ممكن أن يسميها أطباء النفس( اضطراب نفسي) فقد كان قد اشرف علي المرحلة المنتهية من الدراسة في الأزهر وأدرك أن ثمرة تعليمه في الأزهر أثمرت طعما غير سائغ, كان قد خطي نحو مشارف الرجولة الواعية الحساسة وقد استوت عنده ملكة الأدب وتكثفت لذوقه الناضج رقائق ما في هذه الحياة من بهجة وجمال, لقد عاني من أزمة مركب معقد نفسي فقد تعارضت نزعته الأدبية مع أنظمة الحياة الدينية كما يرسمها شيوخ الأزهر المتزمتون السلفيون وكما تسنها البيوت المحافظة قيودا وأغلال( آل عبد الرازق) أدي به إلي الاضطراب والحيرة فهو قلق متردد لا يهتدي في أمره إلي سبيل.
وفي غمرة هذا الاضطراب النفسي كان قد التقي بأستاذه الإمام محمد عبده وتعارفا فتآلفا, وقد تردد هل يطرح علي أستاذه وطأة هذا الاضطراب النفسي والحيرة بعد أن عاني كما عاني شقيقه علي عبد الرازق ومن بعد طه حسين ضياع العمر من مرحلة الشباب والرجولة البكر في دراسة سلفية جاهلية بالأزهر, لا تغني العقل الوثاب المتفتح الظامئ للمعرفة فشيوخه سلفيون يتنقلون من كتاب قديم رث من عصور وسطي أيام المماليك ويشرحون الحواشي.. الخ, فلا ضياع للعمر!! لم يجد الشاب والرجل البكر ذو النزعة الأدبية والخجول سوي أستاذه الإمام يلجأ إليه ليخرجه من أزمته النفسية وحيرته, ورغم انه يلتقي به في دروسه في بيت أبيه حسن بك عبد الرازق فقد أرسل بالبريد أزمته وحيرته إلي أستاذه الإمام فيقرأ فيه ما يشكو إليه تلميذه من بثه وحزنه ولقد طابت نفسه بأن يلمح بين تلاميذه مثل هذا الطالب, يتفتح نظره فيري من عيوب الطرائق الأزهرية السلفية الاتباعية النقلية المعادية للإبداع والعقل بعض ما يري أستاذه, وتهتف بين طوايا نفسه نوازع الثورة علي هذه العيوب, كما ثار عليها من قبل أستاذه ولقد نشر الإمام خطاب تلميذه هذا في مجلة المنار عام1905 لمنشئها السيد رشيد رضا مؤرخ سيرة الأستاذ الإمام برغبة من الإمام نفسه اشفاقا علي كاتبه من شرور الفتن التي كانت يومئذ ترج جوانب الأزهر والأزهريين وانتهت إلي خروج الإمام من الجامع الأزهر وثار طلبته وكتبوا العرائض في الجرائد والمجلات.
ولننقل نص خطاب تلميذه النابه مصطفي عبد الرازق الذي يقول فيه إنني نظرت في أمري بعد أن قضيت ما قضيت في الجامع الأزهر وأضعت ما أضعت من صحتي وشبابي في طلب العلم, فلم أجد ثمنا لما بذلت إلا حشدا من الصور والخيالات لا يضئ البصيرة ولا يبعث العزيمة ولا يعد للسعادة في الحياة الدنيا ولا في الآخرة ليت الحوادث باعتني الذي أخذت. طلبت السبيل إلي الكمال والعلم النافع فما وجدت الدليل ولا اهتديت إلي السبيل- وكيف أطلب الخير من بين معشر- أعيذك يا مولاي( كلهم شر) وقد هدتني إليك خاتمة المطاف وفاتحة الألطاف. فجئتك أسألك أن تعلمني مما علمك الله وأن لا تكلني إلي رأيي. وهاأنذا أبسط يد الرجاء إليك, ولم أبسط لغيرك يدا وارفع إليك أمنيتي في الحياة, وقد وضعت أملي ببابك, ومثلك من لا يخيب ببابه الأمل. مصطفي عبد الرازق تلميذك
ولم يكتف الإمام بنشر هذا الخطاب بل اعلم والد مصطفي حسن بك عبد الرازق بفرحته وأمله في مستقبل ابنه النجيب النابه تلميذه.وصدقت فراسة الأستاذ الإمام ويخرج الشيخ مصطفي عبد الرازق من قيود الدراسة السلفية الأصولية بالأزهر ولأنه من تلامذة الإمام المتمرد علي السلفية لا يصبح صاحب عمود بالأزهر عام1907 بل يعين مدرسا بالقضاء الشرعي مدرسة استمر بها سنتين, وقد سافر علي نفقة آل عبد الرازق إلي بعثة لباريس ليدرس الفلسفة الإسلامية وعلوم الاجتماع علي يد اكبر علماء القرن التاسع عشر( دوركايم) ويعود إلي متن الفقه الاسلامي والعقلاني النقدي, ولكنه لم ينس أستاذه الإمام وهو في باريس حوالي عام1912, فقد كان وهو في الأزهر يعتني( برسالة التوحيد) لأستاذه الإمام التي كان يحفظ كثيرا منها عن ظهر القلب فيترجمها إلي الفرنسية مع صديقه الخواجة( ميشيل برناد) كما عني بكل مؤلفاته وكتبه وهو الذي كان له فضل المسعي في اتخاذ منزل الأستاذ الإمام في عين شمس متحفا لذكراه, وكان دائم الذكر والبر لأخوه الإمام وأقاربه. ومقالاته ومباحثه ومحاضراته عن الإمام كثيرة لا يسهل حصرها وعنايته بدراسة أستاذ ومعلم الإمام محمد عبده جمال الأفغاني عديدة.
يقول شقيقه( علي عبد الرازق) وقد وجدت في بعض ما كان يحفظ من مذكرات كتابا مخطوطا عنوانه( الشيخ جمال الدين الأفغاني ودخائل صاحب الجلالة الإمبراطورية السلطان عبد الحميد الثاني) لجورج كوتنشي المصري وأغلبها بخط المرحوم أخي مصطفي وهي رسالة مختصرة فيها كثير من أسرار ودخائل حياة الشيخ الأفغاني. أبرز صور الوفاء بين التلميذ والأستاذ الإمام/كتاب محمد عبده الذي ألفه مصطفي عبد الرازق, الذي يقول فيه تلميذك محمد عثمان نجاتي لقد عرض عليه عام1927 أن ينقل من تفتيش المحاكم الشرعية إلي وظيفة أستاذ مساعد للفلسفة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول بالقاهرة وقد أشفق عليه شقيقه الأصغر علي عبد الرازق من خوض غمار العمل الجامعي لمرض صدره غير انه كان أميل إلي القبول وأدني إلي الانشراح له ولقد كان ملهما في اختياره وموفقا إلي طريق الخير والرشاد. فإنه لم يلبث أن أخذ سريعا يشق سبيله في معترك التدريس بنجاح وتفوق في الوسط الجامعي محلا مرموقا, وفي عام1935 قد خلي كرسي أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة وكان يرأسه فرنسي, فلم يختلف أصحاب الشأن في اختيار مصطفي عبد الرازق له فكان أول مصري يرأس كرسي الفلسفة بالجامعة وفي سنة1937 منح رتبة البكوية.
ونعود لوفاء تلميذه( محمد عثمان نجاتي) الذي جمع كل كتابات ومحاضرات مصطفي عبد الرازق وأصدر بعد استئذان حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفي عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر عام1945. ويقول نجاتي في مقدمة الكتاب وإن كان حب التلميذ ووفاءه لأستاذه هو ما دفع أستاذنا الجليل إلي الكتابة في سيرة أستاذه الإمام محمد عبده فإن حبنا ووفاءنا لاستأذنا الجليل واعترافنا بفضله العظيم, ومكانته السامية هو ما يدفعنا اليوم إلي نشر أثر من آثاره الخالدة ظل زمنا طويلا متخفيا عن الناس, إن كل من يعرف فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفي عبد الرازق يشهد بما له من فضائل وأخلاق ومبادئ ومثل إن قلنا في وصفها أنها عظيمة وعالية وسامية وغير ذلك من صفات التعظيم والعلو والرفعة, لكنا مقصرين في التعبير عن الواقع بعيدين عن بيان الحقيقة. ولعلنا نكون أقرب إلي الصواب وأدني إلي الحقيقة إذا قلنا في وصف أخلاقه وفضائله وعمله أنها نادرة الوجود في هذا الزمان.
ومن ضمن ما كتبه مصطفي عبد الرازق في سيرة أستاذه الإمام عدة محاضرات التي جمعت في الكتاب الذي جمعه وأصدره تلميذه محمد عثمان نجاتي وهي محاضرات ألقاها مصطفي عبد الرازق في جامعة الشعب عام1919, والتي كانت قد أنشئت في فبراير عام1917 واختير مصطفي عبد الرازق عضوا في مجلس إدارتها. وهذه المحاضرات لم تصل إلي النهاية التي رسمها لها مصطفي عبد الرازق لأسباب اندلاع ثورة1919 إلا أنها مع ذلك شملت دراسة معظم حياة الإمام منذ ولادته إلي ما بعد الثورة العرابية وهي حقبة طويلة من الزمن انتقل الإمام خلالها في المواد مختلفة يمكن أن يكون كل طور منها موضوع بحث. تكلم مصطفي عبد الرازق في المحاضرة الأولي عن نشأة الشيخ محمد عبده وبين العوامل المختلفة من البيئة والتربية التي كان لها أثر في أخلاقه وشخصيته وبين مراحل دراسته المختلفة مع المعلم الخاص في منزل والده وفي الكتاب وفي الجامع الأحمدي بطنطا, ثم في الجامع الأزهر وتكلم في المحاضرة الثانية عن الجامع الأزهر بالتفصيل والشرح, فشرح الرثة الكئيبة المتجمدة التي كان عليها الأزهر عندما جاءه الشيخ محمد عبده, وبين العلوم النقلية السلفية الأصولية الاتباعية المعادية للعقل النقدي المقارن التي كانت تدرس في ذلك الوقت من نهاية القرن التاسع عشر وحالة طلابه وعلمائه السلفيين, وأشار إلي بوادر حركة الإصلاح في أنظمة الأزهر علي يد الشيخ المستنير العقلاني حسن الطويل والشيخ محمد البسيوني وغيرهما من العلماء الذين أخذوا يدرسون في الأزهر العلوم الفلسفية والأدبية التي لم تدرس فيه من قبل, ثم تكلم عن السيد جمال الأفغاني ومصاحبة الشيخ محمد عبده له وتأثره به.
يتبع | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: مصطفي عبد الرازق .. الفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع 29/8/2009, 8:25 pm | |
| تابع الشيخ مصطفى عبد الرازق غير أننا قبل أن نورد تاريخ مصطفي عبد الرازق نقول أن الطريقة التي سلكها مصطفي في درس سيرة أستاذه الإمام محمد عبده طريقة علمية سديدة كلفته كثيرا من الجهد, فقد بذل عناية كبيرة في بيان العوامل المختلفة التي كونت أخلاقة ومعارفه ومذاهبه في الإصلاح والتي اشرف في نموه وتطوره من البيئة والتربية. واعتمد في ذلك علي مقالاته ومؤلفاته ودروسه وما كتبه عنه معاصروه ورواه معاشروه وفي البداية والنهاية خبرته الشخصية أيام أن كان من طلبة الإمام وتحت رعايته وإرشاده. وفي المقدمة التي كتبها لرسالة الدكتوراه لأنجب تلاميذه د. عثمان أمين قال مصطفي عبد الرازق وكان وقتها وزيرا للأوقاف في حكومة أحمد ماهر عام1945( كنت طالبا من صغار الطلاب أيام جاء الأستاذ الإمام إلي الأزهر. وكان أساتذتنا, عفا الله عنهم لا يفتأون يذمون لنا الشيخ محمد عبده ويمثلونه خطر علي الدين داهما فتتأثر بذلك عقولنا الطفلة وكنت أفر بديني من أن ألقي الأستاذ أو استمع إلي دروسه مع انه كان صديق والدي! وحضرت درسه مرة لأشهد كيف تتشبه وجوه الملحدين معها عقولهم وقلوبهم, فلما رأيت الرجل بالرواق العباسي وسمعته يفسر كتاب الله, قلت منذ ذلك الوقت التاريخي في حياتي الفكرية المبكرة( اللهم إن كان هذا إلحادا فأنا أول الملحدين, لا إن كان رفضا حب آل محمد.. فليشهد الثقلان أني رافض), هذه جرأة عقل مبكر لمفكر علماني وعالم اجتماع وأديب وروائي غفر الله له واسكنه نعيم جناته. ونقتبس من كتابه عن أستاذه الإمام محمد عبده وموقفه من أحداث الثورة العرابية التي ولد بعد انكسارها وهزيمتها واحتلال الإنجليز لمصر بثلاث سنوات ما يدل عن عقل مؤرخ منصف واسع الأفق. يقول مصطفي عبد الرازق( والحق أن مقالات الشيخ محمد عبده قبل إسقاط وزارة رياض باشا كانت تحوم حول القول بأن عقلاء الناس يجتهدون أولا في تغير الملكات وتبديل الأخلاق عندما يريدون أن يضعوا للهيئة الاجتماعية نظاما محكما) ولكنه بعد شهر سبتمبر سنة1881 كان يكتب( أن المصريين دبت فيهم روح الاتحاد وأخذوا ينتبهون من سنة الغفلة ليكونوا أمة متمتعة بمزاياها الحقيقية فهم بهذا الاستعداد العظيم أهل لان يسلكوا الطريق الاقوم, طريق الشوري والتعاضد في الرأي) فلذا اجمعوا رأيهم علي تأليف مجلس شوري. وفي شهري نوفمبر وديسمبر من تلك السنة كتب الأستاذ المقال الذي عنوانه( الحياة السياسية) والفصول التي بين فيها وجوب الشوري شرعا وعقلا, وكان ذلك عنوان الصلح بين الثائرين وبين شيعة السيد جمال الدين الأفغاني, ولم أجد فيما طبع من كتاب( مصر للمصريين) لسليم خليل النقاش ذكرا للشيخ محمد عبده بين العاملين في الثورة لكن شهود العيان رأوا الشيخ عبده وإخوانه في مجامع الثوار وسمعوا خطبهم في الدعوة إلي الحرية التي كانت أساس الثورة ثم انتهت الثورة بالفشل وجرت علي البلاد أسوأ العواقب لا لأنها قامت علي غير أساس شريف ولكن لان دسائس الدول الأجنبية وأغراضها في هذا البلد فرقت بين الحاكم والمحكوم وتتبع ذلك تفريق في الأمة نفسها ليس من العدل أن نلقي إثمه علي فريق جزافا غير أن دعاة الحرية والمجاهدين في سبيلها هم الأشرف مكانا والأعز عندنا شأنا وإن وهنوا وخابوا. هذا صوت مثقف مصري من كبار العقلاء الراشدين يأتي في نهاية عام1919 الذي اندلعت فيه نيران ثورة مصر الوطنية الشعبية الديمقراطية استكمال للحلقة الأولي الثورة العرابية1888 وحيث توقفت محاضراته عن أستاذه الإمام ولا عجب فهو ابن القاضي والسياسي حسن بك عبد الرازق, وتلميذ أستاذ الجيل أبو الليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد والابن الروحي للمفكر المصري الأستاذ الإمام محمد عبده مثقف ذو أصول أزهرية صارمة ولكنه مستنير عقلاني سمح واسع الأفق وناقد موسوعي وأديب ذو حساسية وذوق سامي وعالم في الإنسانيات والفقه درس في باريس واحتك بالحضارة الأوروبية وتخصص في الفلسفة الإسلامية وعلم الاجتماع واستوعبها وافرزها في عدة مؤلفات مكثفة عميقة الأغوار وبنهج علمي وتحكيم العقلانية النقدية في النظر تضيء وتشع من مكانها في المكتبة المصرية العربية.. رغم ندرتها. ولم يكن الشيخ مصطفي عبد الرازق يهتم بإصدار الكتب والمراجع ولكنه كان يعتمد علي تلاميذه الذين يعاملهم كأب قبل أن يكون أستاذ لهم هم الذين يجمعون محاضراته وخطبه ولم يهتم طيلة عمره المتوسط حيث رحل عام1947 إلا بإصدار مرجع تأسيسي في أصول الفلسفة الإسلامية بعنوان( تمهيد لأصول الفلسفية الإسلامية).يقول طه حسين( كان مصطفي عبد الرازق وفيا للشافعي, رحمه الله لأنه كان يذهب مذهبه في الفقه, ويري الوفاء له دينا عليه ومن أجل ذلك ترجم رسالته وعني بدرسها وترجمتها وقتا غير قصير, وقد أثر هذا الوفاء للشافعي في حياته العقلية نفسها وفي نهجه الفلسفي تأثيرا شديدا, وفتح له أبوابا من العلم لم تفتح لأحد من قبله من علماء المسلمين فدراسته لرسالة الشافعي في الأصول ألقت في روعه رأيا خصبا لم يستغله تلاميذه بعد, وأرجو أن يتاح لبعضهم واستقصاء آثاره الخطيرة في تاريخ الحضارة العقلية للمسلمين, فقد رأي أن الشافعي يفلسف في أصول الفقه وما يتصل به من المشكلات المختلفة في الدين واللغة واستنباط الأحكام من النصوص, فإرتقي برأيه هذا إلي من سبق الشافعي من المفكرين المسلمين الذين لم يجادلوا في أصول الفقه وحدها بل جادلوا في أصول الدين أيضا, فأولئك الزعماء القدماء للأحزاب الإسلامية الأولي حين كانوا يجادلون في مذاهب أحزابهم وآرائها. وحين كانوا يجادلون في مفترق الكبيرة مؤمن هو أم كافر أم هو يصير إلي منزله بين من الإيمان والكفر أم هو مرجأ إلي الله يقضي في أمره بالحق؟ وحين صاروا من هذا الجدال إلي الجدال في أمور أخري أعمق من هذه الأمور فجادلوا في العدل والتوحيد إنما كانوا يفلسفون في مسائل الدين قبل أن يعرفوا الفلسفة اليونانية, بل قبل أن يحسنوا العلم باللاهوت عن المسيحيين واليهود, ومعني ذلك أن المسلمين قد أنشأوا فلسفتهم الأولي من عند أنفسهم وكانت فلسفة يسيرة سمحة كالإسلام نفسه, ثم الفلسفة اليونانية بعد ذلك فأدركها ما في هذه الفلسفة من العسر والتعقيد. ولذلك جره الوفاء للشافعي رحمه الله إلي استكشاف مذهب جديد في الفلسفة الإسلامية له خطره العظيم إن عرف تلاميذه كيف يتعمقون وينبهون به إلي غايته. وهذا هو جوهر كتاب مصطفي عبد الرازق( تمهيد لأصول الفلسفة الإسلامية) ولدروسه في الفلسفة التي ألقاها في الجامعة علي تلاميذه أصبحوا فيما بعد رحيله رؤساء الأقسام الفلسفية في الجامعات المصرية وهي رسالته في الدكتوراه من السربون, وسوف نحلل هذا المرجع التأسيسي في تاريخ الفلسفة الإسلامية في الجزء الثاني من بحثنا ونناقش كقارئ للفلسفة بل دارس لها من المرحلة الأخيرة للدراسة الثانوية والجامعة وحتي الآن هذه القضية الخطيرة في نشأة الفلسفة الإسلامية وهل هي بدأت عندما احتك المفكرون الإسلاميون بالفلسفة اليونانية وبالذات الفليسوف الكبير ابن رشد المعروف في أوروبا باسم أفيروس, فهو معروف أيضا بأنه شارح أرسطو في العصور الوسطي وقت أن كانت أوروبا في عصر النهضة الأولي في روما تؤسس العقل العلمي علي أسس فلسفة سقراط وتلميذه أفلاطون, اكبر عقل فلسفي ظهر في اليونان والعالم. ويبقي أعظم مثال للوفاء بين الأشقاء والأزهريين الذين احتكوا بالآخر الأوروبي أن نعود لمرجع كبير أصدره الشقيق الأصغر الشيخ علي عبد الرازق جمع منها من الصحف والمجلات والدوريات إبداع شقيقه الكبير مصفي عبد الرازق منذ أن بدأ يكتب في جورنال( الجريدة) برئاسة لطفي السيد عام1914 حتي أغلقت عندما قامت الحرب العالمية الأولي فبدأ ينشر في جريدة السفور منذ عام1915 حتي عام1917 حيث أغلقت فبدأ ينتشر إبداعه الأدبي والنقدي والاجتماعي والفلسفي في جريدة السياسة برئاسة د. محمد حسين هيكل باشا منذ عام1924 حتي عام1927. هذا الكتاب الجامع الشامل المانع هو من أثار مصطفي عبد الرازق( صفحات من سفر الحياة ومذكرات مسافر ومذكرات مقيم وآثار أخري في الأدب والإصلاح), ونكشف فيها أن مصطفي عبد الرازق روائي وكاتب مذكرات وناقد وعالم اجتماع. لقد قام علي عبد الرازق بإصدار الكتاب بعد أن اعتزل السياسة بعد1952 وأصبح باشا ووزيرا وقضي شيخوخته يرعي أبناء شقيقه, ولعله في شبابه نذكر طرده من الأزهر وسحب شهادة العالمية منه وتكفيره عندما أصدر كتاب( الإسلام وأصول الحكم) عام1927 قبل كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي الذي قدم بسببه إلي النيابة العامة ليطرد من الجامعة ولكن رئيس النيابة المستنير محمود نور الدين أصدر قرارا يبرؤه طه حسين علي أن يحذف منه فصلين شكك فيها في نسب إبراهيم وإسماعيل لمحمد فلنقارن أمام النيابة العامة عام1927 والنيابة العامة الآن وتحكم الأزهر في الفكر والبحث العلمي وإقامة الحسبة... الخ. نجيب محفوظ وأستاذه مصطفي عبد الرازق: وفي نهاية هذه المقالة نعود إلي نجيب محفوظ وهو يكتب عن أستاذه ويتذكره قبل أن يرحل في ثلاثة نصوص من أحلام فترة النقاهة بشهور ثلاثة, والذي درس علي يديه الشيخ مصطفي عبد الرازق الفلسفة الإسلامية, فعندما تخرج من الجامعة عام1930 عام الأزمة والكساد العالمي في وزارة إسماعيل صدقي التي ألغت دستور1923 عاني خريجو الجامعة من البطالة فعينه مصطفي عبد الرازق كاتبا في إدارة جامعة فؤاد الأول.. ثم عينه في وزارة الأوقاف سكرتيرا برلمانيا عندما تولي الوزارة في عهد محمود محمود رئيس حزب الأحرار الدستوريين, وقد قال لي أبي الروحي نجيب محفوظ انه شرع بعد دراسة ماجستير بإشراف مصطفي عبد الرازق عن فلسفة الجمال في الفلسفة الإسلامية ولكنه قد ترك الفلسفة الحقيقية والبحث المضني عن معناها وجوهرها الغامض الأبدي وتحول إلي فن الرواية الذي حقق فيه أمجادا لا تنكر في تاريخ الراوية المصرية العربية, تماما مثل أستاذه مصطفي عبد الرازق الذي ترك الشعر إلي الفلسفة.في مغيب العمر ووهن الشيخوخة المهيبة ظل التلميذ نجيب محفوظ يحلم أحلام فترة النقاهة بأستاذه ومعلمه وأستاذ أساتذة الفلسفة وفقهائها مصطفي عبد الرازق. فكتب هذه النصوص الرمزية الدالة بلغة مركزة وبإيجاز معجز ومزهي له خطاب مجازي فلسفي. النص(1) يقول نجيب محفوظ بلغني أن نزلة برد حقيقية ألمت بأستاذي الجليل الشيخ مصطفي عبد الرازق فقررت أن أعوده ولكني وجدته واقفا علي باب داري والدموع تنحدر علي خديه فهالني منظره الحكيم إذا بكي وقلت له يا مولاي ما هي إلا وعكة خفيفة لا تستحق الدموع, فقال لي أنا لا أبكي علي حالي فأدركت ما يعني من البكاء علي حالنا نحن وانتهزت الفرصة وسألته عن العباد فقال عندنا الكثير من الصيدليات ملئ بالأدوية إضافة إلي الوصفات الشعبية المجربة).خلاصة تأويل وتفسير هذا النص أن مصطفي عبد الرازق الفيلسوف والأديب الذي أحب مصر بقلبه ووجدانه وأثري فكرها وثقافتها بعقله الرشيد الحكيم السمح, مازال يبكي من مقبرته بالإمام الشافعي ومن خلف زجاج الموت البارد علي حالنا وحال مصر المحروسة الخاضعة لحكم الأمن وسرطانات الفساد والتعري السياسي الخارجي والداخلي, ونزيف إرادة الشعب في انتخابات حكامه, والعلاج لهذا السرطان السياسي هو الاحتكام للعلم وخبرة الشعب المطحون والحياة المصرية العريقة لحضارتها المتراكمة منذ الفراعنة حيث قلب مصر البارز في منف الأهرام منذ5 آلاف عام. النص(2) يقول نجيب محفوظ رأيت استاذي الشيخ مصطفي عبد الرازق وهو شيخ الأزهر وهو يهم بدخول الإدارة فسارعت إليه ومددت له يدي بالسلام فصحبني معه ورأيت من الداخل حديقة كبيرة جميلة فقال انه هو الذي أمر بغرس نصفها ورد بلدي والنصف الآخر ورد افرنجي, وهو يرجو أن يولد من الاثنين وردة جديدة كاملة في شكلها طيبة في شذاها).وتأويل هذا النص رمز واضح أن التكوين الفكري الفلسفي الثقافي الأدبي السياسي لمصطفي عبد الرازق هو الجمع بين التراث في الأزهر والدراسة في السربون في باريس وهو يجمل جيل نجيب محفوظ ويرجو أن يولد ثقافة وفكرا مصريا في شكل وردة كاملة في شكلها طيبة في شذاها, أي ثقافة مصرية تجمع بين الاصالة والمعاصرة وهي القضية الإشكالية المطروحة علي أفق العقل المصري العلمي, ولقد حقق نجيب محفوظ هذه الوصية. النص(3) يقول محفوظ هذا ميدان الأوبرا وفيه أسير متجها نحو مقهي الحرية فأدهشني أن أجدها خالية من روادها اللهم إلا شخص منكب علي قراءة أوراق مبسوطة بين يديه وسرعان ما تبين لي أنه أستاذي الشيخ مصطفي عبد الرازق فانشرح صدري واندفعت نحوه مشتاقا إلي لقاء حميم, غير انه التفت إلي متجهما فهبط قلبي وأشار الأستاذ نحو الأوراق وقال لي أسف انه قرأ اسمي بين شهود الإثبات, فلم أدري ماذا أقول ولا كيف اعتذر).تفسير هذا النص الإشكالي بين الوهمي والحقيقي أن المثقف الفيلسوف مصطفي عبد الرازق الذي اخلص طوال عمره للحرية كعقيدة في مقهي الحرية بالعتبة الخضراء سرة وقلب القاهرة, هو الوحيد الباقي من رواد المقهي منكبا علي أوراق صفراء هي تاريخ مصر الذي عاشه بوعي منذ ثورة1919 حتي الغليان السياسي في الأربعينات المجيدة ورحل عام1947 قبل استيلاء العسكريين علي السلطة1952 فشوهوا أحوال مصر السياسية والاقتصادية والثقافية حتي الآن, التفت الأستاذ لتلميذه متجهما وأشار نحو أوراق تاريخ مصر وقال لنجيب محفوظ أسف انه قرأ اسمه بين شهود الإثبات. ولقد شهد التلميذ محفوظ وأرخ روائيا كبلزاك الفرنسي في الكوميديا إنسانية علي تاريخ مصر منذ الأربعينات وحتي الحكم العسكري لمبارك وكتبه بصدق وشرف كاتب ديمقراطي واقعي انساني من كبار معلمي الرواية الواقعية تولستوي, توماس مان وغير أن التلميذ نجيب محفوظ وقع في حيرة) فلم أدر ماذا أقول ولا كيف اعتذر.وأنا أقول لأستاذي نجيب لا يعتذر فقد كان صادقا في شهادته في ملحمتي كلية أعماله الروائية, علي تاريخ مصر المعقد السياسي والاجتماعي والعسكري. أخيرا رحم الله الأستاذ وتلميذه وغفر لهما وأسكنهما فردوس جناته. وأعطانا العمر لنكتب القسم الثاني من الجدارية النقدية السياسية لمصطفي عبد الرازق الفيلسوف الجميل النبيل. | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| | | | | مصطفي عبد الرازق .. الفيلسوف والأديب وعالم الاجتماع | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|