اعداد / محمود عبدالعليم
التحليل السيسولوجي للأسرة المصرية في ظل التشريعات القانونية
لا يستطيع أحد أن ينكر الأهمية المحورية للأسرة كنسق رئيسي من أنساق المجتمع ، فالأسرة في أساسها هي جماعة إنسانية صغيرة الحجم تختلف عن أي جماعة أخري في أنها تقوم بطريقة قانونية أو شبه قانونية وفي تقارب أفرادها بدرجة عظيمة تجعل منهم كيانا موحدا، وفي استمرارها وتآلفها مع نسيج المجتمع كوحدة اجتماعية واقتصادية وسياسية يقوم عليها المجتمع كله.
و قد تتخلل الحياة الأسرية مشكلات تؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الزوجين وإلى السلوكيات الشاذة والتعاسة الزوجية، مما يهدد استقرار الجو الأسري والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة. ويصدر النزاع والشجار عن أزواج غير متوافقين مع الحياة الزوجية، نظرًا إلى عدم وضوح دور كل منهما وتفكك شبكة العلاقات بينهما، مما يؤدي إلى شعور الزوجين بخيبة الأمل والإحباط والفشل والغضب والنزاع والشجار ويرجع البعض حدوث النزاعات الأسرية ( الزوجية ) إلي العوامل الثقافية والديموجرافية فالسن والتعليم والدخل والمستوي الاجتماعي وطول مدة الزواج بالإضافة إلي العلاقات السابقة علي الزواج ووجود الأطفال بالإضافة إلي الاختلافات الثقافية والاجتماعية مثل العمر والمستوي التعليمي وقدرة الزوجين علي التعامل مع المشكلات والخلافات الزوجية .
و ينظر البعض إلى النزاعات الأسرية علي أنها مجرد خلاف بين رجل وامرأة تربطهم علاقة زواج وإنها لا تخص إلا أطرافها ولكن الحقيقة أن النزاعات الأسرية هي أكثر من ذلك بكثير فالأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع ، ومؤسسة الأسرة كنظام قانوني واجتماعي يقوم في أساسه على رجل وإمرأة تربطهم علاقة زواج هي الأساس الأول لإستقرار أي مجتمع وبالتالي فأي دمار يلحق بمؤسسة الأسرة هو في حقيقته دمار للمجتمع وإذا كان المجتمع مكون من ملايين الأسر فأنه كلما ذاد عدد الأسر المنهارة في المجتمع كلما كان ذلك مؤشراً على إنهيار بنيان هذا المجتمع وكلما ذاد تماسك الأسر المتماسكة كلما ذادت درجة ترابط المجتمع وتماسكه.
ونظراً لهذه الأهمية التي تحتلها الأسرة في المجتمع فقد حظيت بإهتمام مختلف العلوم الاجتماعية بهدف الوصول إلي أطر نظرية تساعد في فهم وتحليل وتفسير الأوضاع الأسرية السوية وغير السوية ، وكيفية مساعدة الأسرة وتهيئة كافة الظروف التي تمكنها من أداء وظائفها بشكل فاعل في ضوء المتغيرات المجتمعية و العالمية الراهنة.
ومن جهة أخري تسعي المجتمعات المختلفة علي تباين أيديولوجياتها إلي اتخاذ كافة التدابير التي من شئنها تهيئة الظروف و الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والتشريعية التي تساعد بل وتدعم الأسرة في القيام بوظائفها ومواجهة ما يعترضها من تحديات.
وتضع الكثير من الحكومات العربية خططا لإدخال إصلاحات على قوانين الأسرة على أجندتها نظراً لأهميتها بالنسبة لفئات عريضة من المجتمع، وقد نالت قوانين الأحوال الشخصية المصرية تعديلات قانونية كثيرة لتتواكب قواعدها مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها المجتمع المصري خاصة مع الانفتاح الحضاري على الدول الأخرى المتقدمة حضاريا، فالقانون والتشريع في مجال الأحوال الشخصية المصري يلعب دوراً فاعلا في معالجة مشاكل الأسرة بقصد رأب الصدع وإعادة توازن العلاقات الاجتماعية من أجل مزيد من التفاعلات المتزنة والحفاظ علي الخلية الأولي للمجتمع، كل ذلك يفضي إلي القول بالتأثير المتبادل بين التحولات الاجتماعية الاقتصادية في المجتمع المصري و بين السياسة التشريعية في مجال الأحوال الشخصية وخاصة الأسرة علي هيئة تعديلات جوهرية في هذا المجال.
وتعتبر التعديلات التي طرأت منذ عام 2000 على قوانين الأحوال الشخصية، وعدد من القوانين الأخرى المتعلقة بأوضاع المرأة العربية لم تأت من فراغ، ومن غير الموضوعي أن ننسبها إلى عوامل داخلية مستقلة عن العوامل الخارجية .ورغم تعدد القوانين وكثرة تعديلاتها الا أن التناقضات كانت هي المشكلة التي صاحبت صدور القوانين وتعديلاتها أيضا ، ويلاحظ ذلك في القانون رقم 10 لسنة 2004 الخاص بمحكمة الأسرة، فكانت بعض نصوصه الموضوعية تتناقض مع ما جاء في القانون رقم "1" لسنة 2000 مما استلزم التفكير لعلاج تلك التناقضات.
وبغض النظر عن هذه التناقضات يمكن القول "بأن تجربة محاكم الأسرة قد أثبتت أهميتها من خلال تعاطيها مع القضايا المعروضة أمامها.فقد نجحت مكاتب التسوية بمحاكم الأسرة في إعادة الوئام والإصلاح بين الأزواج حفاظاً على الترابط الأسري والاجتماعي. وذلك عن طريق الخبراء النفسيين والقانونيين والاجتماعيين بمكاتب التسوية، الذين يمتلكون خبرة واسعة في التدخل لحل المشاكل التي لا تحتاج إلى لمساع حميدة بين الطرفين ودون الحاجة لإنهاء الحياة الزوجية.
وينص قانون محكمة الأسرة على إختصاص محاكم الأسرة دون غيرها في نظر جميع مسائل الأحوال الشخصية، حيث تصبح محكمة الأسرة مختصة بنظر أول دعوى ترفع إليها من أحد الزوجين دون غيرها فيما يتعلق بالطلاق أو التطليق ودعاوى النفقات والأجور أو ما في حكمها، سواء للزوجة أو الأولاد أو الأقارب، وكذلك حضانة الصغير وحفظة ورؤيته وضمه والانتقال به ومسكن حضانته. وتعمل محاكم الأسرة على حل الخلافات والنزاعات الأسرية في محاولة لعلاج بطء التقاضي أمام المحاكم الأخرى, ولتحل محل محاكم الأحوال الشخصية بعد قرن كامل من العمل بالنظام القديم .