د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: واشنطن ومسئوليتها القانونية عن حرب العراق 17/12/2008, 3:16 pm | |
| واشنطن ومسئوليتها القانونية عن حرب العراق بقلم: المستشار/ محمد فهيم درويش رئيس محكمة أمن الدولة بالقاهرة من المبادئ المقررة في القانون الدولي أن أي دولة عضو في المجتمع الدولي تتمتع بالاستقلال الداخلي والخارجي ولا تخضع لسلطة أجنبية فيها, وقد أورد ميثاق الأمم المتحدة عددا من القيود علي حرية الدول من بينها عدم استعمال القوة في ميدان العلاقات الدولية ووجوب حل المنازعات الدولية حلا سلميا ووجوب احترام حقوق الإنسان. وقد قرر القانون الدولي عدم مشروعية تدخل دولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في شئون دولة أخري ويمتنع علي الدول الأجنبية استخدام القوة المسلحة أو التهديد أو الضغط السياسي أو الاقتصادي للتأثير في سياسة الدولة أو الحصول علي مزايا معينة.
ومن المسلم به في فقه القانون الدولي أن كل عمل غير مشروع أي كل عمل أو امتناع عن عمل ينسب لشخص دولي ويكون مخالفا لالتزام قانوني يولد التزاما آخر هو الالتزام بالمسئولية الدولية, ومقتضي المسئولية الدولية قيام الشخص الدولي المنسوب إليه العمل غير المشروع بالتعويض عما يترتب علي عمله من نتائج, ويقرر القانون الدولي مسئولية الدولة وباقي أشخاص القانون الدولي في حالة اخلالهم بالتزام يفرضه عليهم من مواجهة دولة أخري أو شخص آخر من أشخاص القانون الدولي.
هذه المبادئ القانونية المستقرة هل كانت معلومة لقادة العالم عند اتخاذ قرارات الحرب الظالمة علي العراق وأفغانستان والصومال, فبرغم اعتراض فقهاء القانون الدولي علي شن حرب ثالثة علي العراق وإزاء الرغبة العارمة للبيت الأبيض في شن حرب علي دولة العراق ورغم المظاهرات واعتراض بعض الدول الكبري, استطاعت الولايات المتحدة الحصول علي قرار من مجلس الأمن بشن الحرب للمرة الثانية علي العراق بعد حرب الخليج وغزو الكويت عام1990 والتي استمرت من1990/8/2 حتي1991/2/28 توجه الرئيس الأمريكي جورج بوش بخطاب في8 يوليو2005 إلي مواطنيه بخصوص الحرب علي العراق وكانت القوات الأمريكية قد بدأت غزو العراق في30 مارس2003 من قبل قوات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة,
شكلت من القوات الأمريكية والبريطانية وقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية من المدنيين في تاريخ العراق والتي بلغت أكثر من مليون شهيد اضافة إلي تدمير كل المنشآت الحضارية وتحويل الدولة إلي دولة متخلفة من القرون الوسطي. وقد قدمت الإدارة الأمريكية قبل وأثناء سقوط بغداد في2003/4/9 مجموعة من التبريرات لاقناع الشارع الأمريكي والرأي العام العالمي بشرعية الحرب وهذه المبررات يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 ـ استمرار حكومة الرئيس العراقي في عدم تطبيقه لقرارات الأمم لمتحدة بالسماح للجان التفتيش الخاصة بأسلحة الدمار الشامل بمزاولة عملها, حيث قامت بوضع مهلة نهائية لتبدأ العمليات العسكرية بينما كانت فرق التفتيش تقوم بأعمالها.
2 ـ استمرار العراق في تصنيع وامتلاك أسلحة دمار شامل وعدم تعاون العراق مع الأمم المتحدة.
3 ـ أن هناك علاقة بين تنظيم القاعدة والعراق وبعض المنظمات الإرهابية التي تشكل خطرا علي أمن واستقرار العالم!
4 ـ نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط, وكذا الاطاحة بحكومة صدام حسين خاصة بعد أحداث سبتمبر2001, وقد قال المناهضون للحرب إن سبب العدوان واحتلال العراق هو الهيمنة علي النفط ودعم الدولار الأمريكي وضمان عدم حصول أزمة وقود في الولايات المتحدة, اضافة إلي المصالح الشخصية لبعض شركات الأعمال, وحينما تم احتلال العراق لم يعثر علي أسلحة دمار شامل نووية أو كيماوية أو بيولوجية, بشهادة القادة العسكريين الذين دهسوا البلاد من مشرقها لمغربها,
ومن خلال العديد من مقالاتنا عارضنا هذه الحرب غير المشروعة باعتبارها مخالفة للبند الرابع من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة وهو الأمر الذي عارضه أيضا سكرتير الأمم المتحدة آنذاك بطرس غالي. والآن وقبل أن توشك ولايته علي الانتهاء, اعترف الرئيس جورج بوش بأن حرب العراق بأكملها قامت علي أساس معلومات كاذبة من المخابرات الأمريكية حول امتلاك نظام صدام لمثل تلك الأسلحة واعتذر عن الحرب وأكد أن صدام حسين لم تكن له أي صلة أو علاقة بتنظيم القاعدة أو المنظمات الإرهابية, كما جاء في تبريرات الحرب السابقة وأنه لم يكن يمثل خطرا علي جيرانه خاصة إسرائيل!
هذه الاعترافات الخطيرة من الرئيس الأمريكي والتي اتسمت بالصراحة هي دليل اتهامه بشن حرب عدوانية وغير مشروعة راح ضحيتها الملايين من البشر, وما ألحقته من دمار بكل ما هو حضاري في دولة العراق, اضافة إلي الخسائر المادية من البترول وسرقة حقول النفط العراقية. ومهما حاولت القيادة الأمريكية اضفاء الشرعية علي هذا العمل العدواني بأنه جاء بعد محاضر مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الدول الخمس الكبري, فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئا بأن ما حدث هو أكبر جريمة تاريخية في حق الإنسانية, تقتضي مثول ومحاسبة المسئولين عنها والذين تسببوا في هذه الكارثة العالمية التي مازالت تداعياتها قائمة حتي اليوم, اضافة إلي عودة الاستعمار والاحتلال إلي العالم.
إن المجتمع الدولي الآن مطالب بمحاكمة المسئولين عن شن هذه الحرب العدوانية كما حدث في نورمبرج, حيث حوكم النازيون في محاكمات نورمبرج بموجب الخطة العامة أو المؤامرة وعن جرائم ضد السلام بانتهاك المعاهدات الدولية, وجرائم الحرب المتمثلة في الخراب والقتل والتعذيب اضافة إلي ما أصاب الشعب من أمراض وبائية وفتاكة بسبب استخدام أسلحة دمار شامل وإلي اثارة الفتنة والحرب الأهلية بين الشيعة والسنة وإعدام رئيس الدولة من خلال محاكمة صورية.
إنني أطالب المسئولين عن تلك الحرب غير المشروعة بتعويض الضحايا تعويضا عادلا واعمار العراق واعادة اصلاح مرافقها من جسور ومنشآت واعادة المسروقات التي تم نهبها, كما أطالب بمحاكمة المسئولين عن الحرب وخاصة وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول الذي خدع العالم بتقديم صور وهمية لمنشآت نووية في العراق أمام مجلس الأمن وهو يعلم أنها صور مفبركة لاقناع الرأي العام بشرعية الحرب. إن ما حدث للعراق هو جريمة كبري لن تسقط بالتقادم وسيظل التاريخ يذكرها بأنها مهزلة بشعة ومأساه إنسانية كان سببها غرور القوة وبطشها ورعونة وغباء القيادة الأمريكية والبريطانية التي استهانت بأرواح الملايين من البشر في حرب ظالمة وعدوانية تستحق المحاسبة والمسئولية.نشرت بجريدة الأهرام عدد 17/12/2008 | |
|