إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في إشكالية الديموقراطية الرقمية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

في إشكالية الديموقراطية الرقمية Empty
مُساهمةموضوع: في إشكالية الديموقراطية الرقمية   في إشكالية الديموقراطية الرقمية Empty31/8/2009, 7:59 pm


في إشكالية الديموقراطية الرقمية
يحيي اليحياوي
جامعة محمد الخامس‏,‏ الرباط‏,‏ المغرب‏
ترتبط الديموقراطية عموما‏،‏ فيما هو قائم وسائد وشائع‏،‏ بطبيعة النظام السياسي‏،‏ إذ عن طريقها يتم التمييز بين نظم سياسية ليبيرالية وأخري سلطوية‏،‏ بين نظم تعتمد أسلوب التمثيلية المباشرة‏،‏ وأخري لا تلجأ إلي ذات الأسلوب إلا جزئيا‏،‏ أو لا تتعامل به في الجملة والتفصيل‏.‏

وبقدر ما تثار إشكالية الديموقراطية بارتباط وطبيعة النظام السياسي‏،‏ فإنها تثار أيضا في شق ليس بالضرورة من طينة سياسية خالصة‏،‏ عندما تعتبر السوسيولوجيا مثلا أن الديموقراطية ليست حتما‏'‏ حالة سياسية‏'،‏ بل هي بالأساس حالة اجتماعية‏،‏ تتجاذبها مستويات أخري محددة‏(‏ ثقافية ونفسية وتاريخية وغيرها‏)،‏ لا مكانة أخري في خضمها للبعد السياسي‏،‏ إلا في كونه البعد الطاغي والمهيمن‏..‏ لا المحدد نهاية المطاف‏.‏
ولئن كان الطرح الصائب‏،‏ لفهم إشكالية الديموقراطية‏،‏ يتمثل‏(‏ ويجب أن يتمثل فيما يروج من أدبيات‏)‏ في استحضار أكثر من مستوي‏،‏ فإن المثير حقا أن يتم ربط الديموقراطية بتقنية ما‏،‏ أو يعمد إلي تذييلها بمستجد تكنولوجي‏،‏ من قبيل المعلوماتية أو الاتصالات‏،‏ أو السمعي‏-‏ البصري‏،‏ أو الشبكة‏،‏ أو ما سواها‏.‏
لا يبدو أمر الربط هذا‏(‏ علي الأقل بالنسبة للمدافعين عن هذا الطرح‏)،‏ لا يبدو أنه مجرد شغف من لدنهم بثورة تكنولوجية كبري‏،‏ اتسعت وبدأت تسائل مستويات‏'‏ عليا‏'(‏ كالسياسة والثقافة والفضاء العام‏،‏ وغيرها‏).‏ ولا يبدو الأمر بالنسبة لهؤلاء‏،‏ أن لذات الربط خلفية إيديولوجية‏،‏ من قبيل ما أسميناه في مناسبات عدة بـ‏'‏ إيديولوجيا الاتصال‏'(1)،‏ بل ويبدو لهم ذلك علي اعتبار أن التكنولوجيا‏،‏ كل التكنولوجيات المتاحة‏،‏ إنما هي أيضا وسيلة من الوسائل الفعالة في تشكيل السلوك الفردي والجماعي‏،‏ وفي صناعة تمثل الأفراد والجماعات لذواتهم‏،‏ للمجتمع من حولهم وللعالم أيضا‏.‏

بالتالي‏،‏ فهم لا يرون فيها فقط أداة اتصال وتواصل‏،‏ بل وسيلة حقيقية‏،‏ يضعون علي محكها أطروحة الحق في التعبير‏،‏ وحرية الاتصال‏،‏ والحق في الإعلام والخبر‏،‏ وأداة من أدوات تكريس‏،‏ إذا لم تكن الديموقراطية المكتملة‏،‏ فعلي الأقل المواطنة‏،‏ باعتبارها مكمن واجبات الأفراد‏،‏ والضامن الأسمي لحقوقهم‏.‏
وعلي هذا الأساس‏،‏ فالديموقراطية الرقمية المقصودة في هذا الباب‏،‏ إنما هي العملية التي يتم من خلالها توظيف الأدوات التكنولوجية‏(‏ من تلفزيون‏،‏ ومتعدد الأقطاب‏،‏ وشبكات الكترونية‏،‏ وفي مقدمتها الإنترنت‏)‏ إما بغرض تجديد مضمون الممارسة الديموقراطية‏،‏ أو بجهة توسيع فضائها ومجال فعلها‏،‏ أو علي خلفية من ضرورة إعادة تشكيل قواعد اللعبة القائمة عليها‏.‏

‏1-‏ في الديموقراطية الرقمية‏:‏
تتحدد الديموقراطية الرقمية‏(2)،‏ أو الديموقراطية الالكترونية‏،‏ أو ديموقراطية الشبكة‏،‏ أو الديموقراطية الافتراضية‏،‏ أو ما سواها من تعابير وعناوين جامعة‏،‏ تتحدد بالقياس إلي الرافعة المادية‏،‏ التي تؤثث الفضاء العام‏،‏ الذي تعتمل فيه الممارسة الديموقراطية‏،‏ والممارسة السياسية بوجه عام‏.‏ البنية التحتية هنا هي المقياس والمعيار‏،‏ الذي بالبناء عليه يتشكل ذات الفضاء‏،‏ سواء أكانت ذات البنية وسيلة مكتوبة أو مرئية أو مسموعة‏،‏ أو مزاوجة لكل هذه المستويات في حامل واحد‏،‏ كما الشأن مع التقنيات الرقمية‏،‏ ومع شبكة الإنترنت علي وجه التحديد‏(3).‏
ولما كانت كذلك‏،‏ فإنها تحيل بالبداية وبالمحصلة‏،‏ علي تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال‏،‏ علي مستوي الأعتدة والأجهزة والأدوات‏،‏ باعتبارها البنية الحاملة‏،‏ وعلي البيانات والمعطيات والمعلومات‏،‏ باعتبارها المادة الخام التي تقتني ذات البنية‏،‏ بغية الرواج والشيوع‏،‏ والانتقال من الجهة المنتجة والمخزنة والباثة‏،‏ إلي الجهة المتلقية‏،‏ المعيدة للإنتاج أو المستهلكة له بهذا الشكل أو ذاك‏.‏

ولما كان من أحد أسس الديموقراطية توافر المعلومة‏،‏ وسريانها دون إكراهات أو عوائق‏،‏ فإن توافر البني الأساسية لتوزيعها‏،‏ بات أمرا حيويا لتوسيع الفعل السياسي‏،‏ وإشراك الجماهير في مسلسلات اتخاذ القرار العمومي‏،‏ سيما بظل تراجع مد الديموقراطية التمثيلية التي لطالما أسست للخيط الناظم لذلك‏.‏
إن الشفافية والتعاون والتفاعلية هي المظاهر الكبري التي يتغيؤها أسلوب الديموقراطية الرقمية‏،‏ والتحولات التي تنشدها بغرض إخراج الديموقراطية التمثيلية من أزمتها‏،‏ المتمثلة في احتكار الفاعلين العموميين لمنظومة المعلومة‏.‏ بالتالي‏،‏ فتوافر المعلومة إنما بات قيمة ديموقراطية في حد ذاتها‏،‏ من شأنها زعزعة مفهوم السلطة التمثلية التقليدية‏،‏ دونما حاجة إلي فعل مؤسساتي منظم‏.‏ والمنتخبون لم يعودوا مطالبين بتملك هذه الأدوات‏،‏ ولكن أيضا ضبط استعمالاتها واستخداماتها‏(4).‏
من هنا‏،‏ فإن المدافعين عن الأنماط التقليدية لتنقل المعلومات‏،‏ والمرتكزة علي العمودية والتراتبية والمراقبة‏،‏ إنما أضحوا في محك نمط جديد في الفعل السياسي‏،‏ يتجاوز علي مبدأي الأغلبية والتوافق‏،‏ ويتيح لفاعلين جدد‏'‏ علي الهامش‏'،‏ التأثير المباشر في ذات الفعل‏.‏ بالآن ذاته‏،‏ فإن بروز وانتشار الشبكات الرقمية‏،‏ خلص المعلومة من احتكار وسائل الإعلام التقليدية‏،‏ ومن هيمنة المجموعات الإعلامية‏،‏ التي كانت تسيطر علي السوق عتادا ومضامينا‏،‏ أجهزة ومحتويات‏(5).‏

إلي جانب الشفافية‏،‏ فإن ذات الشبكات قد أغنت الفضاء العام‏،‏ وأسهمت بالانتقال من المجتمع من مجتمع للتواصل‏،‏ من خلال وسائل إعلام ذات توجه عمودي‏،‏ إلي مجتمع للتواصل تفاعلي‏،‏ أفقي‏،‏ تشاركي‏،‏ مكسرة بذلك ثنائية الإخبار والتواصل‏،‏ وأيضا ثنائية الإعلام والشبكات‏،‏ لدرجة تحول معها متلقي المعلومة ومستهلكها‏،‏ إلي منتج للمضامين‏،‏ بفضل التقنيات والتطبيقات التي حملتها التقنيات الرقمية‏،‏ وأجيال الإنترنيت المختلفة‏،‏ سيما جيل الويب الثاني‏.‏
إن الخروج من اختزالية النمط التمثيلي‏،‏ الذي لم يكن المواطن بموجبه‏،‏ إلا مجرد مصوت أو مراقب للسياسة عن بعد‏،‏ هذا النمط بات في طريقه للتجاوز‏،‏ ليس فقط بفعل التحولات التي طاولت الفضاء العام‏،‏ ولكن أيضا لأن جدلية التكنولوجيا والمجتمع والإبداع هي التي باتت تؤثث ذات الفضاء‏،‏ وتحول الفعل السياسي من طبيعته العمودية‏،‏ الأبوية والجافة‏،‏ إلي فعل سياسي يحمل قيما جديدة مثل‏:‏ التفاعلية‏،‏ والتشاركية‏،‏ والأفقية في التواصل‏.‏

بالمقابل‏،‏ فإن الاعتقاد الرائج منذ مدة إنما أن الديموقراطيات القائمة‏(‏ الليبيرالية منها كما الشعبية‏،‏ التمثيلية منها‏،‏ كما المفروضة‏'‏ قسرا‏'‏ من فوق‏)‏ قد أصبحت أبعد ما تكون عن استيعاب قيم التشاركية‏،‏ أو المساهمة‏،‏ أو استقطاب الجماهير‏.‏ وهذه الأخيرة لم تعد ترضي بأن تبقي مجرد بطاقة انتخابية‏،‏ يدلي بها بين الفينة والأخري لفائدة هذا الحزب أو ذاك‏،‏ بزمن محصور‏،‏ سرعان ما ينقضي لتنقطع فيما بينهما‏،‏ طيلة ما بين الفينتين‏،‏ علاقة المساءلة أو المحاسبة أو المتابعة أو ما سوي ذلك‏(6).‏
الديموقراطية الرقمية هنا‏،‏ إنما تقدم ليس فقط في كونها نقلا جزئيا وتدريجيا لفضاء الانتخاب من الصندوق إلي الشبكة‏،‏ بل وأيضا في قدرتها علي ضمان السبل للمواطنين في بلوغ ممثليهم ومساءلتهم‏،‏ دونما حاجة تذكر إلي البحث عنهم بين أروقة البرلمانات‏،‏ أو في متاهات المكاتب وقاعات الاجتماعات وما سواها‏.‏
ثم إن الاعتقاد بذات الديموقراطية إنما هو كذلك من الاعتقاد‏،‏ وإن في نهاية المطاف‏،‏ بضرورة نقل العملية جملة وتفصيلا إلي الشبكات الألكترونية‏..‏ يقول المواطن عبرها ومن خلالها قوله‏،‏ ويبدي عبرها رأيه‏،‏ دونما حاجة تذكر إلي تواجده بهذا المكان أو ذاك‏،‏ لقول الرأي إياه‏،‏ أو‏'‏ معاقبة‏'‏ الجهة الثاوية خلفه‏.‏
إن انتشار المدونات ومواقع الإنترنت‏،‏ الشخصي منها كما المؤسساتي‏،‏ إلي جانب اليوتوب والدايلي موشيون والماي سبايس وغيرها‏،‏ لم تعد أدوات اتصال وتواصل فحسب‏،‏ بل باتت وسائل ضغط وتأثير‏،‏ يوظفها أصحابها كرافد من روافد الفعل السياسي المباشر‏،‏ وكرافعة جديدة لتجديد مضمون الديموقراطية‏،‏ وتوسيع الإناء الجماهيري المرتكزة عليه في الشكل والجوهر‏.‏

‏2-‏ الديموقراطية الرقمية والفضاء العام الافتراضي‏:‏
عبارة الفضاء العام عبارة قديمة نسبيا‏،‏ تعود لعصر الأنوار‏،‏ حين تحدث عنها إيمانويل وكانط‏،‏ لتخضع‏،‏ طيلة القرن العشرين‏،‏ لمناقشات كبري وتنظيرات واسعة‏،‏ من لدن حانا أرندت‏،‏ كما من لدن هابرماس‏،‏ بارتباط وإشكالية الديموقراطية‏،‏ ليتحدث عنها‏،‏ فيما بعد‏،‏ عالم الاجتماع الفرنسي دومينيك فولتون‏،‏ لكن من زاوية تأثير وسائل الإعلام علي ذات الفضاء‏(7).‏
إن الطرح الرائج‏،‏ بامتداد لأطروحة الفضاء العام‏'‏ التقليدية‏'،‏ إنما تقديم الشبكات الرقمية‏،‏ سيما جيل الإنترنيت الثاني‏،‏ باعتبارها فضاء وليس وسيلة إعلامية‏،‏ كما شأن باقي الوسائل التقليدية‏.‏ إنه فضاء يشتغل بأدواته الخاصة وبآلياته‏،‏ حيث يلتقي منطق المعلومة الصرف‏،‏ مع المنطق الاجتماعي الواسع‏،‏ أي يلتقي المنطق العمودي‏(‏ من الكاتب للقارئ‏،‏ دونما رجع للصدي‏)،‏ مع منطق العلاقة التفاعلية بين الأفراد داخل الشبكة‏،‏ علي اعتبار انفتاحها‏،‏ ويسر النفاذ إليها‏،‏ وتقاسم مضامينها ومعطياتها‏،‏ في زمن آني وسريع وواسع‏.‏

الشبكة هنا باتت كما لو أنها الفضاء العمومي الرقمي الجديد حقا‏(،‏ باعتباره تعبيرا عن تصاعد مد الديموقراطية الرقمية‏،‏ وتجاوزا للفضاء المادي الذي أطر‏'‏ السوق السياسي‏'‏ طيلة الأزمنة السابقة علي انفجار الشبكات‏.‏ صحيح أننا بإزاء توسع هائل للمجال العمومي‏،‏ لم تعرف البشرية مثيلا له‏،‏ منذ اكتشاف المطبعة‏،‏ لكنه بالآن ذاته مجال يتسع أفقه لباقي المجالات‏،‏ سيما للفئات التي كانت عرضة للإقصاء أو للتهميش‏.‏
نحن بالتالي‏،‏ بإزاء اجتماع افتراضي‏'‏ حقيقي‏'،‏ بالقياس إلي الاجتماع الواقعي الذي كنا نعيشه من ذي قبل‏،‏ سيما مع الانتشار الهائل للمدونات‏،‏ وكثافة الروابط‏،‏ وإشاعة المعلومة بالويب علي نطاق واسع‏.‏
إن ثنائية الفضاء الخاص والعام في طريقها للتجاوز‏،‏ بعدما تماهت مستوياتها‏،‏ وتم تمييع الحدود الفاصلة فيما بين مكوناتها‏،‏ فبات الويب بعدا جديدا من أبعاد الفضاء العام كما الخاص‏،‏ وأضحي الأفراد كما الجماعات كما المؤسسات‏،‏ مطالبين بإعادة تموقعهم بهما‏،‏ وهو ما يستوجب من الفاعلين تكوينا عاليا ومعرفيا عاليا‏،‏ للإفادة من ذلك‏.‏

يبدو إذن‏،‏ علي الأقل قياسا إلي هذه‏'‏ الفرضيات‏'،‏ أنه إذا كانت الديموقراطية الليبيرالية أو الشعبية أو غيرها‏،‏ هي واقع الحال القائم‏،‏ فإن الديموقراطية الرقمية تقدم وكأنها مآلها المستقبلي حتما‏،‏ إذ استنفاذ مقدرات الأولي هو من تقوية الثانية‏،‏ وتقوض الأولي تدريجيا هو‏،‏ في المحصلة‏،‏ من تجذر الثانية‏،‏ وهكذا‏.‏
والحاصل‏،‏ حقيقة الأمر‏،‏ أن المدافعين عن الديموقراطية الرقمية‏،‏ المؤمنين بطرحها‏،‏ لا تتراءي لهم‏،‏ في المدي القصير والمتوسط علي الأقل‏،‏ كأداة دمقرطة للنظم السياسية‏(‏ والاجتماعية والثقافية‏)‏ القائمة‏،‏ بل وأيضا‏(‏ وإن في المدي المنظور‏)'‏ المحطة النهائية‏'‏ للإشكالية الديموقراطية برمتها‏(9).‏
ودفوعاتهم في ذلك إنما الاعتقاد بأن الديموقراطية الرقمية‏،‏ حيث التباري افتراضي والمبارزة‏'‏ متكافئة‏'،‏ ستستنبت من جديد الديموقراطية‏'‏ الحقيقية‏،‏ المبنية علي اتخاذ القرار الجماعي في‏'‏ فضاء أثيني‏،‏ لا حاجة بداخله لانتداب ممثلين‏،‏ أو تعيين مفوضين‏،‏ أو التنازل عن السيادة الشعبية لفائدة أفراد‏،‏ كائنة ما تكن درجة نزاهتهم ومستوي التزامهم‏.‏

قد يسلم المرء بأن الشبكات الرقمية هي إلي حد ما مكمن‏'‏ ديموقراطية مباشرة‏'،‏ تقترب من الوجهة النظرية علي الأقل من النموذج الأثيني‏،‏ إذ الشبكات تلك لا تعير كبير اعتبار لطبيعة‏'‏ المنخرط‏'‏ فيها‏،‏ أو لجنسه أو لبشرته أو لدينه أو لانتمائه السياسي حتي‏،‏ بقدر ما تتعامل معه باعتباره مواطنا له حقوق وواجبات ومطالب‏..‏ وهو‏،‏ فضلا عن ذلك‏،‏ أداة إدارة الشأن العام ومكمنه في الآن ذاته‏.‏
قد يسلم المرء بذلك عموما‏،‏ لكنه لا يستطيع أن يسلم به إلا في حالة القياس مع باقي الشبكات‏،‏ سيما التلفزيونية منها‏،‏ التي استقطبت لعقود بعيدة‏،‏ الفاعلين السياسيين‏.‏
فإذا كانت شبكة الإنترنيت مثلا نموذجا لذات الاعتقاد‏،‏ بحكم انفتاحها‏(‏ ولو النسبي‏)‏ وتوفيرها لمنابر للحوار والتواصل والنقاش‏،‏ فإن التلفزة‏(‏ وإن في جماهيريتها الواسعة‏)‏ تبقي أحادية الخطاب‏،‏ فوقية الرسالة‏،‏ لا إمكانية لديها‏(‏ في ظل واقعها الحالي‏)‏ علي تمكين التفاعلية‏،‏ والتخاطب المتبادل بين السياسي‏'‏ المتوفر علي الحل‏'،‏ والمواطن المطالب بالمساهمة في صياغته‏،‏ وتكريسه‏،‏ وتنفيذه‏،‏ مادام هو هدفه نهاية المطاف‏(10).‏
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

في إشكالية الديموقراطية الرقمية Empty
مُساهمةموضوع: رد: في إشكالية الديموقراطية الرقمية   في إشكالية الديموقراطية الرقمية Empty31/8/2009, 8:00 pm

تابع .. في إشكالية الديموقراطية الرقمية

‏3-‏ محدودية طرح الديموقراطية الرقمية‏:‏
بصرف النظر عن مصداقية هذا الطرح أو ذاك‏(‏ ومثالية البعض الآخر‏)،‏ فإن التعامل مع إشكالية الديموقراطية الرقمية يطرح مجموعة إشكالات‏،‏ لا نستطيع تثبيتها هنا كاملة‏،‏ حتي وإن اختزلناها في الثلاثة الآتية منها‏:‏
‏-‏ الأولي وتكمن في القول بأن الشبكات البانية لهذه الديموقراطية‏،‏ هي‏'‏ سيف ذو حدين‏'‏ كما يقال‏.‏ فبقدر ما هي أداة تواصل واتصال وتحاور‏(‏ ورافعة حرية تعبير‏،‏ يقول البعض‏)،‏ فهي أيضا وبالآن ذاته‏،‏ أداة مراقبة ورقابة وتجسس علي مراسلات الأفراد وتراسلهم‏.‏ إذ بقدر ما قد يجر تصريح لمواطن بالتلفزة المحاصرة والمتابعة‏،‏ فقد تجر عليه رسالة بالبريد الألكتروني ويلات لا بداية لها ولا نهاية‏،‏ كما هو الشأن بداية هذا القرن‏(11).‏

-‏ الثانية وتتمثل في الإعاقة الموضوعية التي من شأن هذه الشبكات أن تقيمها أمام الأفراد والجماعات‏(‏ بالدول الديموقراطية‏،‏ كما بدول العالم الثالث‏)‏ والتي يغدو البلوغ‏(‏ بلوغ الشبكات‏)‏ أقواها وأهمها‏.‏

التلميح هنا لا يطاول إمكانات وسبل التجهيز لتكريس ذات البلوغ‏،‏ ولكن أيضا وأساسا العوائق اللغوية والتكوينية والثقافية وغيرها‏،‏ والتي من شأنها أن تحول دون ذلك‏،‏ حتي بتوفر الأداة وإزاحة عوائق البلوغ‏...‏والقياس في ذلك أن‏'‏ توفير‏'‏ الديموقراطية الرقمية‏،‏ لا يعني تلقائيا‏،‏ القدرة علي الاستفادة منها أو علي تجذيرها‏(12).‏

-‏ أما الثالثة فتكمن‏،‏ في حالة تحقق الديموقراطية الرقمية‏(‏ كما يتطلع إلي ذلك المتبنون لذات الطرح‏)‏ ويبرز في قابلية ذات الديموقراطية علي الانتكاس الموضوعي‏،‏ إذ فتح المجال‏(‏ يقول هؤلاء‏)‏ للجماهير لحسم أمر ما‏،‏ بواسطة الشبكة قد يكون من شأنه تهديد الديموقراطية‏،‏ سيما لو كان مبنيا علي العواطف المتأججة والمتسرعة‏،‏ لا علي التفكير المتزن والخابر بحال الأمور ومآلها‏..‏ وهكذا‏(13).‏

بالمقابل‏،‏ وعلي الرغم من الطبيعة الليبرالية‏،‏ التي تدعيها النظم الديموقراطية‏،‏ فإنه لا تزال هناك ممانعة قوية من لدنه لتوسيع مجال الفضاء العام‏:‏ حالة محاكمة نابسطير لمنع تحميل الموسيقي من خلال إم‏.‏ب‏.3،‏ ورفض السلطات تحرير البلوغ للبرامج المعلوماتية التي صممت من الميزانيات العامة‏،‏ وتزايد نفوذ اللوبيات لمنع تقنين البرمجيات‏،‏ ومحاكمات متعددة حول الملكية الفكرية‏...‏الخ‏.‏
من ناحية ثالثة‏،‏ فثمة مخاطر كبري من بين ظهراني الشبكة‏،‏ سيما عندما تتكون مجموعات عرقية أو طائفية أو غيرها‏،‏ منغلفة‏،‏ ولا تتواصل إلا فيما بين بعضها بعضا‏،‏ وهو ما يتناقض مع فلسفة الشبكة‏،‏ التي غايتها إفراز رأي عام مرتبط‏،‏ لا يأبه كثيرا بتمثلات السياسة السائدة‏،‏ أو بالتعاقدات الجانبية‏،‏ ناهيك عن الاصطفافات الإثنية أو العرقية أو اللغوية أو ما سواها‏.‏

مراجع‏:‏
‏(1)‏ يحيي اليحياوي‏،'‏ كونية الاتصال‏،‏ عولمة الثقافة‏'،‏ منشورات عكاظ‏،‏ الرباط‏،‏ ديسمبر‏2004.‏
‏(2)‏ تتحدد الثورة أو الطفرة الرقمية‏،‏ بالاحتكام إلي تقنية الرقمية‏(‏ أو الرقمنة‏)‏ التي من شأنها تحويل كل المعلومات والبيانات والمعطيات‏،‏ المكتوب منها كما المرئي كما المسموع‏،‏ إلي سلسلة من البتات المتتالية‏،‏ المكونة حصرا من الأصفار والآحاد‏،‏ تعمل علي خفض ضجيج الشبكات التشابهية التقليدية‏،‏ وترفع من قدرة الشبكات علي تحميل وإرسال أحجام ضخمة من ذات المعلومات‏.‏ راجع لتحديد تقني أوسع‏:‏
‏-Thry.G،Lesautoroutesdel'information،LaDocumentationFranaise،Paris،.1994‏
‏(3)‏ هناك طروحات عديدة تتساءل عمن ستكون له الغلبة في المستقبل‏،‏ هل الحاسوب أم التلفزة‏.‏ وخلفية ذات التساؤل إنما تتأتي من واقع تمرير الحاسوب المرتبط بالشبكات‏،‏ لما تمرره التلفزة‏،‏ وبتفاعلية شبيهة بأكثر من جانب‏.‏
‏(4)‏ عن أطروحة الاستخدام والاستعمال‏،‏ راجع‏:‏
‏-Del'accsl'usage:lmentsdedbat،CommunicationauSymposiuminternationalLelibreaccs:
dfisetenjeux،tenuenmargeduSommetmondialsurlasocitdel'information،
CentreNationaldeDocumentation،Rabat،11-12Dcembre،.2003‏
‏(5)‏ هناك العديد من شركات تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال التي غدت بحق شركات متعددة الجنسيات‏،‏ لعل أشهرها علي الإطلاق شركات مايكروسوفت‏،‏ وهاوليت باكارد وآي‏.‏بي‏.‏إم وموطورولا وما سواها‏،‏ لدرجة أن رقم معاملات بعض منها‏،‏ يتجاوز بكثير‏،‏ مجموع النواتج الداخلية الخام للعديد من دول العالم‏،‏ بما فيها الدول المتقدمة‏.‏
‏(6)‏ يقول جون فيرنون بافليك‏،‏ مدير مركز الإعلام الجديد بجامعة كولومبيا‏:'‏ إن النفاذ للمعلومات الشاملة‏،‏ والتفاعلية والمضامين المتعددة الأقطاب‏،‏ هي مصدر التحولات الجوهرية الكبري التي عرفها الإعلام بالقرن التاسع عشر‏'.‏ راجع في ذلك‏،‏ كتابه‏:‏
‏-PavlikJ.V،Journalismandnewmedia،ColumbiaUniversityPress،New-York،.2001‏
‏(7)‏ راجع كتابه المرجعي‏:‏
‏-Wolton.DetAlii،L'espacepublic،CNRS،Paris،.2008‏
‏(Cool‏ انظر بخصوص أطروحة الفضاء الرقمي الجديد‏:‏
‏-NicolasVanbremeersch،Deladmocratienumrique،Seuil/PressesdeSciencePo،Paris،.2009‏
‏(9)‏ للتفصيل في هذه النقطة‏،‏ راجع‏:‏
‏-PascalJosphe،Lasocitimmdiate،CalmannLevy،Paris،.2009‏
‏(10)‏ راجع بشأن هذه الجزئية‏:‏
‏-Bourdieu،Surlatlvision،Ed.Raisonsd'Agir،Paris.‏
‏(11)‏ راجع للتفصيل في ذلك‏:‏ يحيي اليحياوي‏،'‏ الإرهاب وأممية الاحتجاج علي العولمة‏'،‏ منشورات عكاظ‏،‏ الرباط‏،‏ يوليو‏2002.‏
‏(12)‏ يقول هوبير بوف ميري‏:'‏ المواطن المسؤول هو المواطن الذي بمقدوره الحصول علي المعلومة‏'.‏
‏(13)‏ راجع بهذه النقطة‏:‏
‏AlanSokaletJeanBricmont،Imposturesintellectuelles،Ed.OdileJacob،Paris،.1997‏

نشرت بمجلة الديمقراطية العدد 34 ابريل 2009
http://democracy.ahram.org.eg/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
في إشكالية الديموقراطية الرقمية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الديموقراطية في فكر رواد النهضة المصرية
» انطلاق المكتبة الرقمية العالمية من اليونسكو
» حول إشكالية الملاحظة العلمية في العلوم الاجتماعية
» محاولة لفهم إشكالية رأس المال الاجتماعى
» لأول مرة على النت: المظاهر الاغترابية في الشخصية العربية بحث في إشكالية القمع التربوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: