الخيال العلمي الإ جتماعي عند رايت ميلز

يعتبر الوعي الإنساني الوسيلة المثلى لفهم الواقع الاجتماعي فهما جيدا فمدى قبول الفرد ورفضه لواقعه يتحدد بمدى وعيه بواقعه.

والمتأمل لتاريخ التفكير الاجتماعي أنه يتميز بوجود تياران مختلفان لحد التناقض .

فالتيار الأول يحاول تفسير الواقع على أنه ثابت وينفي وجود مظاهر الصراع في المجتمع ويسلم بالتوازن في متطلبات النسق.

بينما التيار الثاني يسلم بوجود مظاهر الصراع وأن التفاوت الطبقي ليس مجرد تفاوت طبيعي بل هو تفاوت من أجل الهيمنة .

كما يحول التيار الأول تزييف الواقع وبذل الجهد من أجل إنتاج نخبة مفكرة تدعم فكرة خلو المجتمعات من مظاهر الصراع وأن التفاوت والاختلاف الطبقي شيء طبيعي من أجل استمرار المجتمع فلا بد من وجود طبقة خاضعة وطبقة ترعى مصالح المجتمع .وفق ما يعرف بنظرية العقد الاجتماعي.إذ تسلم الطبقة الدنيا أمور الحكم وسن القوانين الاجتماعية لطبقة الصفوة وذلك بالتنازل عن جزء من حريتها إلى النخبة الحاكمة أو الصفوة من أجل تنظيم المجتمع على أسس عادلة وتوزيع الثروة والوظائف الاجتماعية حسب الأحقية والجدارة في تحمل المسؤولية والكفاءة.

فتعود هذه الفكرة القائلة بضرورة استمرار المجتمع وإنهاء كل مظاهر التوتر والصراع ""حرب الكل ضد الكل"" ،إلى الفلاسفة الاجتماعيين أمثال"" سبنسر ولوك وروسو"". غير أن هؤلاء كانت غايتهم إعادة الاستقرار للمجتمع بعد فوضى القرون الوسطى .

فلم تكد المجتمعات الأوربية الحديثة أو الغربية من الخروج من ظلام وسيطرة الإقطاع الخاص بالقرون الوسطى حتى وجدت نفسها في متناقضات الثورة الصناعية وقوانين عصر الحداثة ،التي تعطي الأولوية لطبقة الصفوة "" سياسية – عسكرية – اقتصادية ........."".

بينما تبقى طبقة العمال أو الطبقة الوسطى تحت سيطرة طبقة الصفوة .

أما طبقة الصفوة فهي الطبقة المنظمة والتي تسن القوانين وفق مصلحة المجتمع ولكن الواقع يقر بوجود قوانين تخدم مصالح طبقة الصفوة بما يعرف ""إعادة إنتاج رأس المال البشري "".

وجاء رايت ميلز بفكرة الخيال العلمي الاجتماعي وهو أسلوب في التفكير يمزج بنوع من الذكاء بين ما هو سيكولوجي واجتماعي خاص بالفرد وما هو إجماعي خاص بالمجتمع .

فقد سلم بوجود علاقة بين الفرد والبناء الاجتماعي.

فيعطي مثال العامل الذي يشعر بالأسى من عدم تمكنه من تلبية حاجيات أسرته نتيجة الوضع المادي لهذا العامل إلى التفاوت الطبقي وعدم وجود عدالة اجتماعية تحقق مطالب الفرد في المجتمع وليس إلى أسباب سيكولوجية تتمثل في الجانب المعرفي لهذا العامل كونه ليس لديه مستوى دراسي عالي يسمح له بتولي مسؤوليات أكبر وتدرج مناصب سامية في جهاز مؤسسته مما يوفر له دخل أوفر لعائلته . أو إلى الطبيعة المتقاعسة للفرد كونه كسول .

فالفرد حسب رايت ميلز يتأثر بالطبقة التي ينتمي إليها ويتأثر أيضا بالظروف المحيطة به

فعدم تمكن الفلاح المصري الذي يعمل في زراعة القطن من تزويج ابنته يعود إلى انخفاض أسعار مادة القطن في البورصات العالمية نتيجة الاحتكار أو وجود كميات وافرة هذه السنة أو زبائن مصر في هذه المادة وجدوا أسواقا أحسن من السوق المصرية

أو عدم تمكن التلميذ أو الطالب الجزائري من الدراسة في جامعات عالمية سببه تحول الاقتصاد الجزائري من الاقتصاد الموجه من طرف الحكومة أو الاشتراكي إلى اقتصاد السوق أو الحر وهذا التحول أدى إلى تسريح غالبية العمال من المؤسسات العمومية فقد أصبح غالبية الآباء بلا دخل يعيل أبنائهم أو حتى تمكين الأبناء من الدراسة في جامعات خارج الجزائر .

فلا يمكن أن نرى إلى عدم تمكن الفلاح المصري أو الأب الجزائري من عدم تلبية هذه المطالب للأبناء تقاعس أو شيء من هذا القبيل بل مرده إلى الظروف المحيطة بالطبقة التي ينتمي إليه

الفلاح والعامل على حد السواء وكما أن ظروف بلادهما الاقتصادية أيضا نتيجة لقوانين السوق والسياق التاريخي كونهما الجزائر ومصر كانت مستعمرتين من طرف دول قوية .

كذالك لجوء هذه الدول لصندوق النقد الدولي وفرض الشروط المجحفة على هذه الدول.

وطبيعة الجهاز الإداري الذي يخضع لهما العامل والفلاح .

فمشاكل الفرد في المجتمع لا يجب النظر إليها بمعزل عن البناء الاجتماعي والمتغيرات المحيطة به .

بل يجب ربط حالة الفرد بالظروف المحيطة به أي السياق الاجتماعي ، كما قام ميلز بطرح عدد من الأسئلة التي من شأنها أن تأسس لخيال علمي خصب ومثمر والابتعاد عن النقد من أجل النقد

أو التسليم بوجود حالات الإستقرا في المجتمع، كما هو في الوظيفية عند بارسونز .

وهي على التالي :

المجموعة الأولى :

ما هو البناء الاجتماعي للمجتمع المحدد في كليته؟.

ما هي مكوناته الجوهرية وكيف يرتبط كل مكون بالأخر ( علاقة كل نسق بالأخر)؟.

وكيف يختلف هذا البناء الاجتماعي عن غيره من النظم المتباينة ؟.

وما هو دور كل نسق اجتماعي وعلاقته بالكل الاجتماعي؟.

المجموعة الثانية :

أين يقف المجتمع من التطور الإنساني ( المشاعة الإقطاع الحداثة ما بعد الحداثة )؟.

كيف يتغير المجتمع( آليات التغير الاجتماعي) ؟.( يتبع)

شكراً على هذا الطرح الرائع
ولكننا نجد ان ميلز يرى ان بعض المشكلات تنشأ من الفرد بسبب تقاعسه او ضعف قدراته وامكانياته اوعدم التدرب على وظيفة معينة اووجود مشكلات صحية اخرى تمنعه من اداء عمله بشكل جيد ومن هذه الناحية تكون المشكلة لدى الفرد مشكلة شخصية وليست مشكلة اجتماعية .
تقبل مروري

نرجو ذكر المصادر التى نقوم بالنقل منها

ولنتذكر أن النقد يتطلب الأمانة العلمية

المعلومات الواردة أعلاه من مقدمة الترجمة العربية لكتاب رايت ميلز الخيال السوسيولوجى، وقد كتبها الدكتور سمير نعيم أحمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس عام 1986

» علم الاجتماع وفلسفة الخيال
» أسس البحث العلمى لإعداد الرسائل الجامعية
» حول إشكالية الملاحظة العلمية في العلوم الاجتماعية
» سيكولوجية الخرافة والتفكير العلمي
» صياغة الاستبيان كأحدى خطوات البحث العلمي