د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: الدولة الموازية في مصر 11/4/2009, 10:47 pm | |
| الدولة الموازية في مصر بقلم: د. رفيق حبيب في المجتمع المصري، مثل غيره من المجتمعات، يفترض أن تقوم الدولة بدورها في حفظ استقرار المجتمع وتقدمه وتنميته، كما تقع علي الدولة مسئوليات اجتماعية تجاه المجتمع، لمواجهة ما يمر به من أزمات أو مشكلات. وفي أي نظام سياسي، يحدد الدستور دور الدولة، وتحاسب النخبة الحاكمة عن مدي التزامها بالمهام التي حددها الدستور والقوانين. وأي حزب حاكم، يكون له تصور عن دور الدولة، وتختلف الأحزاب السياسية فيما بينها حول دور الدولة، ما بين من يعظم دور الدولة ومن يحد منه، خاصة في المسألة الاقتصادية والمسألة الاجتماعية.
ولكن يبقي علي الدولة مسئولية الحفاظ علي المجتمع، وعلي سلامته الداخلية والخارجية. والنظام الحاكم في مصر، ومنذ ثورة يوليو 1952، كانت له تصورات عن دور الدولة، وتغيرت تلك التصورات بين عهد جمال عبد الناصر وعهد أنور السادات، ثم المرحلة الراهنة لحكم الرئيس حسني مبارك. والظاهر عبر تلك الفترة الزمنية، هو تغير تصور النخبة الحاكمة عن دور الدولة، من مرحلة الدولة المحتكرة لكل الأنشطة، إلي الدولة المنسحبة من المجال الاقتصادي، ومن بعده المجال الاجتماعي. ومع عملية انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي غابت مسئولية الدولة تدريجيا عن هذا المجال، وهو ما يحدث في المجال الاجتماعي أيضا. وتقوم هذه الفكرة علي النظرة الليبرالية الرأسمالية والتي تحد من دور الدولة وتدخلها في المجال الاقتصادي. يمكن فهم هذه التحولات من خلال الفرق بين دور الدولة في الأنظمة الاشتراكية ودورها في الأنظمة الرأسمالية. ولكن في كل الأحوال، تكون للنظام السياسي أهداف واضحة تجاه دور الدولة، تتركز في بناء الدولة القوية، والقادرة علي حماية البلاد، وقيادة عجلة التقدم أو تنظيمها أو تحفيزها. نقصد من هذا، أن في كل الأحوال، تكون الدولة هي المسئول الأول عن الأوضاع العامة في البلاد، بوصفها المستهلك الأكبر والمستثمر الأكبر، وصانعة التوجهات العامة. ويضاف لذلك، أن النظام السياسي ومن خلال التشريعات القانونية يحدد توجهات ومسارات العمل الأهلي، سواء في المجال الاقتصادي أو المجال الاجتماعي أو المجال التعليمي والصحي. ولكن ما يحدث في مصر الآن، يختلف إلي حد كبير عن تلك المسارات التي يفترض أن تسلكها الدولة والنظام السياسي. فهناك أمر جديد طرأ علي الحياة السياسية المصرية، أدي إلي تحولات حقيقية في بنية الدولة المصرية. ولهذه التحولات ارتباطها المباشر بما يحدث من تغير في النخبة الحاكمة، كما أنها ترتبط بما تراه هذه النخبة أو فريق فيها من سيناريو انتقال السلطة بعد الرئيس حسني مبارك، خاصة المجموعة التي تحاول تنفيذ سيناريو نقل السلطة من مبارك الأب إلي مبارك الابن. وهذه التحولات التي يتم تنفيذها علي الدولة المصرية لا تتعلق بالرؤية الرأسمالية، والتي تقوم علي الحد من دور الدولة في الاقتصاد، سواء في صورتها الرشيدة أو صورتها المتطرفة التي أسسها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق مارجريت تاتشر. فما يتم الآن علي الدولة المصرية، هو محاولة لإضعاف الدولة والحد من قدراتها، حتي لا تصبح قادرة علي التأثير في مجريات العمل السياسي أو الاقتصادي، مما يجعل الدولة كمؤسسة خارج دائرة صنع القرار، أو صنع التوجهات. وبهذا يتم التخلص من تقاليد الدولة المصرية، ومن مناهجها في العمل، والتي تحملها كوادر الدولة الفنية. نقصد من هذا، أن نخبة الحكم المؤيدة لمشروع التوريث خاصة، تريد التخلص من دور الدولة كمؤسسة، وتحويل دورها ومسئولياتها وصلاحيتها، إلي دولة موازية تدار من خارج إطار مؤسسة الدولة، مما يترتب عليه إخضاع جهاز الدولة لتلك الدولة الموازية، وبما يضمن عدم قدرة الدولة علي عرقلة أي مخططات تقوم بها النخبة الحاكمة في المستقبل. حدث هذا الأمر علي عدة مستويات، فقد تم إفراغ الدولة من كل مشروعاتها القومية والوطنية الكبري، منذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. حتي تصبح دولة تابعة وليست دولة مستقلة، ولكن ظل للدولة أدوارها المحلية. ويبدو أن جهاز الدولة مثل عقبة في عملية التحولات الرأسمالية، خاصة في قضية الخصخصة وغيرها من القضايا المهمة. وعندما ظهرت نخبة الحكم الجديدة، متمثلة في رجال الأعمال، ورجال جمال مبارك، باتت الدولة تمثل عبئا علي مخططات وتصورات النخبة. فتم تحجيم دورها وتأثيرها تدريجيا، من خلال بناء دولة موازية أخري، في مجال القطاع الخاص، يكون لها من الإمكانات والقدرات، ما يجعلها قادرة علي التأثير في مجريات الأمور، بل ما يجعلها قادرة علي الإمساك بزمام الأمور. وحتي تتشكل هذه الدولة الموازية، تم بناؤها في شكل شبكة علاقات مترابطة، حتي تتحول إلي كيان مؤسسي عرفي، قادر علي إدارة أمور البلاد. وكان العامل الأول لنجاح هذه السياسة، هو تركيز الثروة في يد عدد محدود، بحيث يمكن تشكيل شبكة اقتصادية منهم، تكون لها توجهات واحدة، ويسهل السيطرة عليها وإدارتها. ولكن الأمر لم يقتصر علي بناء شبكة المال، بل تم توزيع رجال هذه الشبكة علي مختلف مؤسسات النظام السياسي، لتصبح شبكة المال هي التي تدير الدولة. ثم جاءت الخطوة الأخطر، وهي إضعاف كل مؤسسات الدولة، وبناء مؤسسات بديلة لها في المجال الخاص. فبعد خروج الدولة من المجال الاقتصادي، ثم مجال البنوك، ومع تراجع دور المؤسسات التعليمية للدولة وكذلك المؤسسات الصحية، قام القطاع الخاص بالسيطرة علي مجال البنوك، وتم وضع رجال علي رأس هذه البنوك، يسمون برجال مبارك الابن، بحيث يكون لهم السيطرة علي مرفق المال، وقامت الجامعات الخاصة والمستشفيات الخاصة، لتصبح مرفق الخدمات لطبقة الحكم والشرائح العليا. وتم السيطرة علي الدولة من خلال قوانين للتعيينات في الوظائف العليا، توقف أي نوع من الترقي التلقائي. ولم يعد لمؤسسة الدولة توجهات داخلية نابعة من الخبرات الفنية المتراكمة، وبهذا تم القضاء علي العرف والمبادئ والقواعد الوطنية التي كانت تحملها قيادات أجهزة الدولة، ولم تعد لمؤسسات الدولة توجهات خاصة بها، تعبر عن تقاليدها كدولة عريقة. فإذا نظرنا للمشهد الحالي، سنجد أن الدولة قد أصبحت أداة من أدوات عمل شبكة المال، والتي تسيطر علي الدولة وتوظفها، كما تسيطر علي المجلس التشريعي وتوظفه في إصدار القوانين المناسبة لها. وتحولت السيطرة علي جهاز الدولة، لتصبح سيطرة خارجية من شبكة المال، والتي أصبحت تملك من القدرات والإمكانات، ما يجعلها صاحبة الكلمة الأولي. وهنا يتضح خطورة تلك التحولات، لأن شبكة المال أصبحت تملك القرار الفعلي في مصر، لأنها تملك مفاتيح تمكنها من إحداث تغييرات أو تحولات مهمة في المجتمع، والأهم أنها تملك مفاتيح تحريك الاقتصاد، سواء في اتجاه الانتعاش أو في اتجاه الركود، كما أنها تملك القدرة علي إحداث انهيار اقتصادي في مصر. وبهذا تكون شبكة المال، قد جعلت لنفسها مكانة من خارج النظام السياسي ومن داخله، تمكنها من أن تصبح أحد صناع القرار فيما يخص مستقبل النظام السياسي المصري، وتواجه مصادر القوة الأخري داخل الدولة، خاصة الأمنية والعسكرية، خاصة في عملية اختيار الرئيس القادم. فالمسألة لم تعد فقط تزاوج المال والسلطة، بل أصبحت سيطرة رأس المال علي الحكم، كما كان قبل ثورة يوليو، بصورة تجعل رأس المال هو صاحب القرار الأول في اختيار الحاكم القادم، لأنه قادر علي دفع البلاد نحو الانهيار الاقتصادي. وبهذا تصبح شبكة المال، هي الدولة الموازية التي تعمل كي يصبح جمال مبارك رئيس مصر القادم. نشرت بجريدة الدستور عدد 11/04/2009
| |
|