د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: التعليم والمستقبل.. التجرية الكورية نموذجاً 3/4/2009, 9:25 pm | |
| التعليم والمستقبل.. التجرية الكورية نموذجاً بقلم: د. محمد صابر عرب رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية القاريء للواقع المصري يلحظ اضطرابا وخللا هائلين في العملية التعليمية برمتها, سواء من حيث السياسات أو من حيث البرامج المؤهلة, جميعها اتسمت بقدر غير معقول من الفوضي والتسيب, في ظل عالم راهن علي التعليم باعتباره الطريق الوحيد نحو التنمية الشاملة, اقتصادا وبشرا وفكرا, ويبدو ذلك بشكل لايقبل الجدل, فكل الدول التي تقدمت كان التعليم هو قضيتها الأولي, وقد شهد العالم نماذج رائدة في هذا المجال ابتداء من اليابان مرورا بكوريا الجنوبية والصين والهند, وجميعها تجارب تستحق الدراسة والاستفادة خصوصا في التكنولوجيا وعلوم المستقبل. وبقدر ما تبدو القضية معقدة, بقدر ما تبدو الحلول سهلة وميسرة, اذا ما أخذنا في الاعتبار دراسة تجارب دول أخري اعتبرت ان البشر هم الرصيد الحقيقي في التنمية, ولعل التجربة الكورية كوريا الجنوبية تعد نموذجا لافتا, فقد اتيح لي زيارة هذا البلد الذي تربطه علاقات وثيقة بالعالم العربي بحكم أن80% من احتياجات كوريا من النفط تأتي من العالم العربي, وان السوق العربية تأتي في مقدمة الاسواق التي تعتمد علي المنتجات الكورية, خصوصا الصناعات الثقيلة كالسفن والسيارات وكذا البرمجيات الخ. المثير للدهشة ان كوريا حتي بداية ستينات القرن الماضي قد صنفت كواحدة من أفقر ثلاث دول في اسيا بينما اليوم وبفضل التعليم وبرامج التدريب قد اصبحت في المرتبة العاشرة من بين اغني دول العالم, وفي المرتبة الثالثة بين أكبر الاقتصاديات في اسيا بعد اليابان والصين. اللافت للنظر ندرة الموارد الطبيعية والكثافة السكانية, التي لاتتناسب مع تلك الموارد50 مليون نسمة يسكن العاصمة سيئول وحدها ثلاثة عشر مليونا من السكان, وكان الرهان الحقيقي علي التعليم والتدريب, والتعليم وحده يستنفد20% من اجمالي الدخل القومي, باعتباره هو الاستثمار الحقيقي. لقد اندهشت من السياسات التعليمية الطموحة, ايمانا من الحكومة الكورية بأن البشر هم الثروة الحقيقية, لذا فان ثلث السكان يشاركون في العملية التعليمية, سواء أكانوا طلابا11 مليون طالب أو يخدمون في قطاعات التعليم بشكل أو آخر, فالاطفال في سن التعليم الابتدائي ملتحقون بالتعليم بنسبة100% والمعلم هو عصب الحياة التعليمية, لذا فان مخصصاته الشهرية بين2500 و3000 دولار شهريا. لقد شعرت مع كل من التقيت بهم سواء أكانوا مسئولين حكوميين أو اعلاميين أو اساتذة جامعات أو اصحاب شركات ان قضيتهم جميعا هي التعليم, لذا فهو القضية القومية الأولي, تلحظ ذلك في الصحافة والتليفزيون وفي برامج الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني, الكل يتسابق وكأن التعليم مسئوليته وحده. لقد اتيح لي متابعة التليفزيون الكوري, حيث توجد به خمس قنوات متخصصة في التعليم تتسابق جميعها بطريقة مشوقة جاذبة في رفع مهارات المعلم وتقدم لطلاب المدارس برامج تعليمية غاية في التشويق. كما توجد صحافة يومية متخصصة للأطفال تعني بمهارات الطفل وتبسيط المعارف العلمية وتقدم له تجارب العلماء الكبار في العالم بطريقة سهلة وجاذبة, كما تقدم تجارب الطلاب النابهين في البرمجيات والمعارف العلمية المتخصصة, وتتسابق الشركات الاقتصادية الكبري علي دعم الانشطة الطلابية. وبما ان التعليم مسئولية المجتمع يعود بالنفع علي الجميع, فان الشركات الكبري تتسابق في بناء المدارس وتجهيز المعامل والمختبرات فمعامل الفضاء والمراصد الفلكية والمعامل البيئية والفيزيائية هي مسئولية الشركات. وجميع مراحل التعليم تحت اشراف مسئولية وزارة واحدة فقط هي وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية. العملية التعليمية من الابتدائي حتي الجامعة تتم في نسق متناغم وفي ظل سياسات متكاملة باعتبار التعليم موضوعا متكاملا, حيث يفرز التعليم بشكل تلقائي مهارات متباينة, ويتم التعرف عليها وتوجيهها بما ينمي القدرات الخاصة للطلاب, وفي بداية المرحلة الثانوية تكون المدرسة قد تعرفت علي ميول واهتمامات كل طالب, عندها يتفرع التعليم إلي اربعة اقسام, ثانوي عام, ثانوي مهني, زراعي, صناعي, الخ ثم التعليم المتخصص, علوم, فنون, لغات الخ. يرتبط التعليم في مجمله ارتباطا وثيقا بالجانب التطبيقي والتجريبي من خلال برامج منتظمة بين المدرسة والمصنع, حيث ينتظم الطلاب في مجموعات للقيام برحلات استكشافية من خلال اندية العلوم, التي تعد قاسما مشتركا بين الجانب النظري والجانب التجريبي, وتجربة اندية العلوم تجربة فريدة ومبهرة في نجاحاتها. المدرسة الكورية مؤسسة شبه مستقلة يديرها مدير المدرسة من خلال مجلس إدارة, وهو الذي يختار المعلم ويتعرف علي مهارات كل طالب, وهو الذي يضع اللوائح والتشريعات المنظمة للعملية التعليمية وهو مستقل في سياساته استقلالا كاملا, وكل مدرسة تضع لنفسها الضوابط والمعايير المنظمة للعملية التعليمية برمتها وبطريقة سهلة وميسرة بما يسمح باطلاق المهارات وتنمية ابداعات الطلاب. الملحوظة الأكثر أهمية تلك الرسالة الواضحة التي تبدأ من المدرسة وتتواصل مع المجتمع, وهو ان التعليم ضرورة وطنية وقضية تحد للطبيعة التي حرمت كوريا من الموارد الطبيعية كالبترول والزراعة وضنت عليها بما افاءت به علي غيرها وليس امام الكوريين من سبيل إلا العلم طريقا للتقدم وسبيلا وحيد لرفاهية المجتمع الكوري, والمدرسة والجامعة لايقومان وحدهما بتوصيل هذه الرسالة, بل المجتمع كله اعلاما واحزابا ومؤسسات اقتصادية وجمعيات أهلية, جميعها تؤمن بهذه القضية والجميع يعمل في سبيل ان تصل هذه الرسالة إلي المجتمع بكل فئاته. الصدق والاخلاص والابداع هي شعارات ترجمها الكوريون علي أرض الواقع دون تكلف أو افتعال, الجميع يعمل في صمت والمجتمع يتقدم ويزداد رفاهية والرابح الوحيد هو الشعب الكوري والوطن الكوري الذي يتفاخر به الجميع. المعركة الحقيقية التي تستوجب النظر, هي هذا الصراع الدائر بين الكوريين والطبيعة التي ضنت عليهم باية موارد طبيعية, لكنهم اختاروا خيار التحدي خروجا من الواقع الجغرافي مستثمرين البشر ايمانا بأنهم الثروة التي لاتنضب, وكلما استثمروها وضاعفوا من عنايتهم بها, ازداد ايمانهم بان البشر هم أنفس ما يمتلكون. نشرت بجريدة الأهرام عدد 29/3/2009 | |
|