إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اغتصاب مجانية التعليم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

اغتصاب مجانية التعليم Empty
مُساهمةموضوع: اغتصاب مجانية التعليم   اغتصاب مجانية التعليم Empty17/12/2008, 3:55 pm


اغتصاب مجانية التعليم
بقلم الدكتور حامد عمار

حسبنا الله ونعم الوكيل، ما إن تملكتنا الحيرة حول البدع والمتاهات التي نضيع في ظلمات أنفاقها المتعددة، إلا ونفاجأ برؤي جديدة قديمة تطل برأسها متطاولة مع الأيام. وفيها تختلط الأحلام والأوهام مع الواقع المرير، حيث يقرر المسئولون عن تعليمنا، بأن ما يجري فيه من إصلاح هو نقلة نوعية، وتحديث للأفكار والممارسات الحالية البائسة. لكن تلك الإجراءات اصطدمت أو سوف تصطدم بمشكلات معقدة شائكة حاضرًا أو مستقبلاً. ومن هذا القبيل امتحانات المدرسين من أجل تطبيق ما يسمي بكادر المعلمين: ومنها إنشاء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم. هذا إلي جانب ما أشرنا إليه في المقالين السابقين حول اعتبار شهادة الثانوية العامة شهادة منتهية لا محل لها من الإعراب في الالتحاق بالجامعات، إلي جانب قضايا أخري كثيرة.

وفي هذا المقال نعالج القضية الكارثة حول اغتصاب مجانية التعليم، وهو إجراء لو تم تطبيقه فسوف يكون أدهي وأخطر من كل ما سبقت الإشارة إليه. وكارثتنا الأدهي هنا تمس ما يعتبره رئيس مجلس الوزراء جمودًا فيما استقر من سياساتنا التعليمية منذ عام 1944 حتي اليوم. ففي حديث ضاف لسيادته مع صحيفة الأهرام بتاريخ 18/10/2008 تم استعراض كثير من قضايا ومشكلات التنمية والنهضة المصرية. ومن المشاركين فيه أحد عشر من الأساتذة الأجلاء من كبار الصحفيين، أذكر منهم مع حفظ الألقاب أسامة سرايا، ومكرم محمد أحمد، وسلامة أحمد سلامة، وعبدالمنعم سعيد وغيرهم ممن لهم أقلام صحفية متميزة. فماذا قال السيد رئيس مجلس الوزراء لهذا اللقاء الجليل عند تساؤلهم عن أحوال التعليم (وهو طريقنا الوحيد للتنمية والتقدم؟) كما كانت صيغة ذلك التساؤل.

وقد جاء رد سيادته: (عندنا 40 ألف مدرسة، ومليون مدرس، 17 جامعة، وكلها بالمجان بما في ذلك الكتب- ونستدرك باستثناء الكتب الجامعية- فمن يتحمل هذه الفاتورة؟ المجتمع هو الذي يتحملها). ومع هذه الإجابة يستطرد سيادته بأنه (يجب أن نعترف بأننا أَسْرنا أنفسنا في قالب معين هو موضوع "مجانية التعليم". وأنا ممن يؤمنون بأن التعليم حق لكل مواطن، وأنه لا يجوز حرمان أحد من التعليم بسبب دخله) وهذا كلام جميل عدل. ثم يفاجئنا بقوله (لكن هذا ينطبق علي التعليم الأساسي، أما ما بعد ذلك فينبغي أن يكون أحد أمرين: أن يكون متفوقًا فأعفيه من المصروفات، أو غير متفوق، فيتحمل تلك المصروفات). ومن هنا يبدأ ولا ينتهي الخلاف حول ذلك الاغتصاب. وهذا من نصائح البنك الدولي في استرداد تكلفة التعليم، والمعروفة بالإنجليزية Cost recovery.

ومع اتباع سياسة البنك يتجاهل سيادته معارك الحركة الفكرية والاجتماعية التي ارتبطت بالاستقلال وبالنهضة المجتمعية الليبرالية الساعية إلي تحقيق الديمقراطية بجناحيها من الحرية والعدالة. وهي الحركة التي أدت مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلي توحيد التعليم الابتدائي ومجانيته، وبضم التعليم الإعدادي إلي هذه المرحلة في منتصف الخمسينيات ليتألف منهما التعلم الأساسي بالمجان. وفي عام 1951 يقرر وزير المعارف إذ ذاك مجانية التعليم الثانوي مع مقولته الشهيرة (وعلي وزير المال أن يدبر المال) ثم يأتي قرار مجانية التعليم الجامعي/ العالي عام 1961 /الذي أعلنته الثورة الناصرية لتصبح مراحل التعليم كلها بالمجان.

وقد اكتسب الشعب المصري هذا الحق في المجانية بنضاله ووعي مثقفيه وساسته. ومن ثم أصبحت حقًا مشروعًا من حقوقه حتي اليوم. ومن الناحيتين الدستورية والقانونية يؤكد ذلك دستور 1971 الذي نص علي حق كل مواطن في التمتع بالمجانية، وعلي الدولة أن تكفل هذا الحق للجميع. ومن ثم لست أري كيف يعتبر سيادة رئيس الحكومة (بأننا "أَسرنا" أنفسنا في "قالب معين" هو موضوع مجانية التعليم) والأصح والأصدق هو أننا (حرَّرنا أنفسنا) في أول الطريق من أسر الجهالة والتخلف، ومن مجرد الاكتفاء بإعداد مواطنين يلمون بالقراءة والكتابة مع قدر ضئيل من مقومات المواطنة في مرحلة التعليم الأساسي. بيد أن مجانية التعليم قد أصبحت وأضحت وغدت وأمست وباتت حقًا مكتسبًا، وليست (قالبًا معينًا) تشكله كيف تشاء أهواء وزاراتنا المختلفة.

ويتساءل رئيس مجلس وزرائنا عمن ينبغي أن يتحمل فاتورة التعليم في (40) ألف مدرسة في التعليم قبل الجامعي، و (17) جامعة، ومليون مدرس، وإجابة سيادته علي هذا التساؤل -كما أسلفنا- أن (المجتمع هو الذي يتحملها). ومع ما في مفهوم المجتمع من غموض وشمول لا يبين، فإن في التفاصيل والتداعيات يكمن الشيطان، كما يقال. وهنا نتساءل: أليست الدولة هي المسئولة عن هذا المجتمع وعن إدارة أحواله ومصائره. عليها أن تنهض بهذا الدور وتبعاته، وأن تتكفل من خلال مختلف نظمها وآلياتها وقنواتها السيادية بتدبير الوفاء بحقوق مواطنيها وأجيالها المتعاقبة. وقبل هذا وبعده، لابد من الإقرار والتأكيد علي أن التعليم قطاع (سيادي) من مجالات سياسات إدارة المجتمع. وهو سيادي بقدر القطاعات السيادية الأخري كالقوات المسلحة، وجهاز الأمن الداخلي، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل والقضاء.

ويحتم ذلك ما أكده مرارًا السيد رئيس الدولة بأن التعليم جبهة من جبهات الأمن القومي والاستقرار وصناعة المستقبل، فالثروة البشرية أغلي ما يمكن أن تمتلكه مصر، وهي ذخيرته وعتاده حاضرًا ومستقبلاً ويظل التعليم من بين أهم مسئوليات الدولة الكبري في أداء واجباتها القومية، وتوفير الموارد المادية والمالية التي تقتضيها مهمات بناء البشر بدنًا، وعقلاً، ووجدانًا، وعملاً، وتوجهًا وطنيا لتأسيس مقومات الانتماء والمشاركة في تحمل اقتضاءات المواطنة في السراء والضراء.
ويبدو أنه ليس من قبيل الصدفة ألا يذكر السيد رئيس الوزراء عدد التلاميذ والطلاب في مدارسنا وجامعاتنا، مما يقترب من 18 مليونًا بالمدارس الحكومية في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي، ومع إضافة حوالي 2 مليون في الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة، ينفق عليهم من الميزانية الحكومية المخصصة للتعليم عام 2008 حوالي 28 مليار جنيه.

ويقدر ما يخص التعليم قبل الجامعي من تلك الموازنة عادة بالثلثين والتعليم الجامعي بالثلث الباقي. وبعملية حسابية بسيطة يمكن تقدير متوسط ما ينفق علي الطالب سنويا في مرحلة التعليم قبل الجامعي حوالي (1300) جنيه. وفي التعليم الجامعي يخصه في المتوسط سنويا حوالي (4700) جنيه. وتتضمن هذه التكلفة جملة الإنفاق الاستثماري والأجور والنفقات الإدارية والجارية. وهذان الرقمان متدنيان للغاية بالنسبة لما يخصص من ميزانية لمتوسط تعليم الفرد في كثير من الدول النامية، ناهيك عن الدول المتقدمة.

ونتساءل من المسئول عن هذا التدني؟ ويبرر ذلك التدني الرهيب بمحدودية موارد الدولة. ونتساءل من المسئول عن هذه المحدودية؟ والواقع أن السبب الحقيقي إلي جانب ذلك يكمن فيما يخصص للتعليم من أولوية حقيقية في توزيع المخصصات علي المرافق والقطاعات السيادية الأخري، بما لا يتمشي مع الخطاب الرسمي اللفظي الإنشائي، وعدم الالتفات إلي موقع الدور السيادي لقطاع التعليم.
نشرت بجريدة البديل عدد 17/12/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
اغتصاب مجانية التعليم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التعليم والمستقبل‏..‏ التجرية الكورية نموذجاً
» مستقبل التعليم العربي بين الكارثة والأمل
» التعليم والمواطنة
» كم ينفق المصريون على التعليم؟
» خصخصة التعليم ومستقبل الفقراء .. بقلم الباحث مصطفى محمود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: