د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: خيارات مصر الصعبة في ظل أزمة الاقتصاد العالمي 14/3/2009, 12:11 pm | |
| خيارات مصر الصعبة في ظل أزمة الاقتصاد العالمي بقلم: مكرم محمد أحمد لايزال العالم يشكو من صعوبة معرفة الأبعاد الحقيقية للأزمة الاقتصادية التي تمسك الآن بخناق الجميع, سواء في تلك الدول الغنية التي تسببت مؤسساتها المالية الضخمة في صنع الأزمة وتصديرها الي العالم أجمع, عبر ديونها المسمومة التي جاوز حجمها30 تريليون دولار, أفسدت النظام المالي العالمي, وضربت في مقتل العديد من المصارف والمؤسسات المالية الكبري, وأدت الي ركود ضخم زاد معدلات البطالة الي حد يكاد يسرق النوم من عيون الأمريكيين والأوروبيين, الذين يصحون كل يوم علي أخبار إغلاق مئات المصانع وتسريح آلاف العمال, أو الدول الناهضة التي تمكنت من زيادة ضخمة في حجم فوائضها المالية وتحقيق معدلات نمو عالية علي امتداد السنوات الأخيرة بسبب الزيادة المستمرة في حجم صادراتها الصناعية والسلعية الي العالم الخارجي مثل الهند والصين والبرازيل, وعدد من الدول الآسيوية, اضطرت أخيرا الي إغلاق آلاف المصانع وتسريح ملايين العمال نتيجة انخفاض الطلب العالمي علي الشراء, وخوف المستهلكين المتزايد من الانفاق بسبب غياب ثقتهم في الغد, وإحجام المصارف التجارية عن إقراض الأفراد والمؤسسات بسبب قلة السيولة المالية وتباطؤ عجلة الاقتصاد, وفي الصين وحدها تم في غضون الأسابيع القليلة الماضية تسريح أكثر من20 مليون عامل دفعة واحدة اضطروا الي العودة الي قراهم في الريف. وفي البرازيل حدث شيء مماثل نتيجة انخفاض حجم صادراتها السلعية هذا العام بمعدلات جاوزت30 في المائة, أما في الدول النامية فتكاد تصل آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الي حدود كارثية بعد الانخفاض الضخم الذي حدث في معدلات النمو والانحسار المخيف في القدرة علي تمويل المشروعات بسبب انخفاض حجم الاستثمارات المباشرة القادمة من الخارج, وغياب فرص التمويل من خلال المؤسسات المالية العالمية التي لم تعد تملك ما تستطيع إقراضه.. وثمة تقرير أخير للبنك الدولي يحذر من الآثار المتفاقمة للأزمة الاقتصادية العالمية علي اقتصادات الدول النامية في عام2009 بسبب انكماش الاقتصاد العالمي بصورة لم يشهد لها العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية, وانخفاض معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة التي ارتفع حجمها إلي24 مليون عاطل علي مستوي العالم وارتفاع عدد الفقراء, الأمر الذي يمكن أن يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لعديد من الدول النامية تضربها الأزمة في العمق, ما لم يفطن العالم الي أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي تمسك بخناق الجميع تحتاج الي حلول عالمية, تساعد في انقاذ اقتصادات الدول النامية وليس الدول الغنية وحدها, لأنه ما لم ينتعش الطلب العالمي وتتوافر من جديد فرص التنمية أمام الدول النامية فسوف تطول فترة الركود الاقتصادي في ظل الانحسار الراهن في معدلات نمو التجارة الدولية.. فهل يستطيع مؤتمر لندن الذي يحضره رؤساء20 دولة غنية وناهضة في أبريل المقبل أن يصل إلي صيغة متكاملة لإنعاش اقتصاد العالم أجمع بما في ذلك الدول النامية؟ وما يزيد من صعوبة الموقف أن الأزمة الاقتصادية العالمية تكاد تكون مثل جبل الجليد العائم, ما يظهر منها فوق السطح هو الجزء الأقل, أما الحجم الحقيقي للأزمة فلايزال تحت السطح في نطاق المجهول, لا يستطيع أحد بمن في ذلك عتاة الاقتصاديين في العالم أجمع أن يعرف حجمه الحقيقي, أو يتنبأ علي وجه الدقة بالآثار المتوقعة لها, ولاتزال التقديرات تختلف حول المدي الزمني الذي يمكن أن تستغرقه الأزمة قبل أن تبدأ في الانحسار ويبدأ الاقتصاد العالمي في الانتعاش مرة أخري, وفي الولايات المتحدة وبرغم خطة الرئيس باراك أوباما لإنعاش الاقتصاد الأمريكي التي تتكلف820 مليون دولار, لايزال الرئيس الأمريكي عاجزا عن أن يؤكد للأمريكيين حجم المدي الزمني الذي يمكن أن تستغرقه الأزمة, ولايزال غير قادر علي أن يؤكد لهم متي يمكن علي وجه التحديد أن يبدأ الاقتصاد في التحسن, وقبل فترة كان أوباما يتوقع انكماش الأزمة في غضون عامين علي الأكثر, لكنه يعود الآن ليؤكد أن الأزمة ربما تستغرق أكثر من عشرة أعوام, وأن كل ما يستطيع أن يعد به هو أن تبدأ خطته في غضون عامين في توليد فرص عمل جديدة, تعوض بعضا من خسائر البطالة المتزايدة التي وصل معدلها الآن الي حدود جاوزت ثمانية في المائة, ويتوقع الرئيس الأمريكي أن تقفز بمعدلات متزايدة ترفع النسبة الي حدود تزيد علي عشرة في المائة... وفي انجلترا يشكو وزير المالية البريطانية من أن الأزمة لم تصل بعد الي نقطة القاع كي يستطيع تقدير حجم المدي الزمني المطلوب للصعود من القاع الي السطح!, أما خارج نطاق الدول الصناعية والغنية فتكاد تكون الاقتصادات العالمية في حالة عماء شبه كامل, لا تعرف حجم الأزمة علي حقيقته, ولا تستطيع تقدير حجم الآثار المتوقعة لها أو حساب تكلفة اصلاحها علي نحو دقيق, لأنه اذا كانت التقديرات العالمية الراهنة تؤكد أن حجم الديون المسمومة التي أفسدت النظام العالمي يتجاوز30 تريليون دولار تحقق خسائر سنوية تربو علي ثلاثة تريليونات دولار يدفع الاقتصاد العالمي تكلفتها, وذلك مجرد مؤشر واحد علي أزمة ضخمة تعددت أسبابها, فربما لا يكون في وسع الاقتصادات المحلية مهما تعاظمت خبرة اقتصادييها أن تدرك علي وجه التحديد حجم الآثار المتوقعة ومداها الزمني, ولهذا السبب يكاد يكتفي الجميع بتحديد بعض المؤشرات الاقتصادية المهمة التي يمكن من خلالها متابعة تطورات الأزمة العالمية وتداعياتها علي الاقتصادات الوطنية, بهدف الوصول الي تقديرات أكثر دقة ولو بصورة نسبية, تمكن خبراء هذه الدول من اتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحد من الآثار السلبية لهذه الأزمة, ويزيد من صعوبة التوصل الي مؤشر حقيقي يدق جرس الإنذار وينبه الي حجم الخطر القادم اعتبارات عديدة, أهمها انعدام معايير الدقة في حساب عديد من المؤشرات الاقتصادية المهمة, الي حد يكاد يصعب معه أن تتحصل علي رقم واحد يشير بدقة الي معدلات البطالة والنمو والتضخم التي تختلف تقديراتها باختلاف البيانات الاقتصادية التي تصدر عن المؤسسات الحكومية المختلفة. يصدق ذلك علي كل الاقتصادات الوطنية بما في ذلك مصر, التي تسعي الآن الي إنشاء مرصد وطني يتابع الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها علي الاقتصاد المصري, يعتمد علي بعض المؤشرات ذات الدلالة الحاكمة التي تتعلق بمعدلات التشغيل والبطالة, ومعدلات عودة العمالة المهاجرة من الخارج, وقياس حركة الاستهلاك والطلب المحلي علي عديد من السلع, ونسب التغير في أعداد السياح القادمين من الخارج, ومؤشرات العجز المتزايد في الموازنة العامة, ومراقبة تطورات حجم الائتمان الذي تمنحه المصارف لأوجه النشاط الاقتصادي المختلفة. غير أن السؤال المهم الذي يفرض نفسه علي الواقع المصري الآن, هو أيهما يكون الخيار الصحيح, أن تظل تطورات الأزمة ومؤشراتها حبيسة أدراج المسئولين الحكوميين, لا يتم الافراج عنها إن حملت بعض الأخبار غير السارة؟! أم أن الصالح الوطني العام يتطلب إشراك المواطنين في تحمل المسئولية ومصارحتهم, أولا بأول بكل الآثار المتوقعة للأزمة علي مختلف جوانب الاقتصاد الوطني حتي يستطيع المواطن المصري, الذي هو بالضرورة طرف أساسي في زيادة حدة هذه الأزمة أو تخفيف بعض آثارها, أن يلتزم الموقف الصحيح, خصوصا أن المجتمع سوف يجابه في ظل هذه الأزمة أسئلة عديدة, تلزمه حسن الاختيار بين بدائل صعبة, يفرض أولها تكتيل الجهد الوطني للإبقاء علي الوضع الراهن لأن الامكانات المتاحة غدا لا تساعد علي تحسين جودة الموقف, وبالطبع فإن نقطة البدء الصحيح لقبول هذه الحقيقة المهمة, هي وقف كل صور الانفاق الترفي وشبه الترفي من جانب الدولة والالتزام بمعايير انفاق متقشف تسري علي الجميع ابتداء من الوزير الي الخفير! وفي أمريكا واليابان قبل عمال صناعة السيارات تجميد الأجور للتقليل من أعداد العمال المسرحين بسبب انخفاض حجم المبيعات بنسب تجاوزت50 في المائة, فإذا كانت مبيعات السيارات في مصر قد هبطت من115 ألف سيارة في الشهر الي ثلاثة آلاف سيارة, فهل يقبل عمال صناعة السيارات في مصر حلا مشابها يجمد الأجور أو تخفيضها بهدف تقليل أعداد المسرحين؟ وهذا مجرد سؤال. واذا كانت الخزانة العامة تشكو من هبوط مدخلاتها من الضرائب والجمارك الي حد سوف يتجاوز30 في المائة نقصا في ايرادات الحكومة, لأن الجميع توقف عن سداد التزاماته, فهل يمكن الاستمرار في صرف العلاوات العام المقبل بذات النسبة برغم العجز المتزايد في الموازنة وبرغم الزيادة المؤكدة في أعباء التضخم؟!, وهذا مجرد سؤال آخر. وهل يمكن في ظل الهبوط المتوقع في حجم الاستثمارات المباشرة الذي ربما يتجاوز40 في المائة, طبقا للمؤشرات الأولية, أن نأمل في تشغيل مثل هذا العدد الضخم الذي تجاوز120 ألف وظيفة جديدة خلال العام الماضي؟! أم أن الخيار الأكثر صحة هو زيادة حجم الاستثمارات في عدد من مشروعات البنية الأساسية لإيجاد فرص عمل جديدة تعوض بعضا من خسائر البطالة الناتجة عن زيادة تسريح العاملين في بعض المصانع, نتيجة ضعف التصدير وقلة الطلب العالمي المتوقع علي بعض المنتجات المصرية؟! وهذا مجرد سؤال ثالث. صحيح أن الموقف الاقتصادي في مصر يحمل بعض أوجه الخلاف مع اقتصادات وطنية أخري تعاني من أزمة نقص السيولة, علي حين يزيد حجم السيولة الموجودة في البنوك المصرية في صورة ودائع عن780 مليار جنيه, تقل معدلات توظيفها بصورة ملحوظة, لأن البنوك تخشي من التوسع في الائتمان للقطاع الخاص في ظل الركود الراهن خوفا من التعثر في السداد, ولعدم توافر الضمانات الكافية التي تساعدها علي الإقراض الآمن, فهل يمكن للحكومة أن تكون طرفا في ضمان قروض لأصحاب المشروعات المتوسطة التي تستوعب ما يزيد علي70 في المائة من حجم العمالة في مصر, خصوصا أن نسب سداد مثل هذه القروض الصغيرة تتجاوز90 في المائة؟! والي أي حد يقف سعر الفائدة المرتفع مانعا من التوسع في الإقراض؟! أم أن مشكلة الإقراض لاتكمن في ارتفاع سعر الفائدة وانما في غياب ضمانات السداد أو بسبب الأيدي المرتعشة داخل البنوك خوفا من مخاطر الائتمان التي أدت الي تقليص مهام البنوك الي حد الاعتماد علي بطاقات الائتمان الشخصية أو انتظار الأرباح علي أذون الخزانة! أسئلة عديدة تحتاج الي اجابات واضحة وصريحة من جانب الحكومة, تضع النقاط علي الحروف, كي يتعامل المجتمع بأكمله مع الآثار المتوقعة للأزمة الاقتصادية العالمية من الاقتصاد الوطني دون تهوين بالغ السذاجة يخفي أعداد العمال المسرحين الذين يزداد عددهم كل يوم, ويقلل من حجم الآثار المتوقعة برغم أن الاقتصاد المصري أصبح جزءا من الاقتصاد العالمي, سوف يتأثر بالضرورة بهبوط حجم التجارة الدولية الذي يؤثر علي دخل القناة, كما يتأثر بقلة الطلب العالمي علي عديد من السلع التي تصدرها مصر الي الخارج, فضلا عن هبوط معدلات الاستثمارات المباشرة القادمة من الخارج وانخفاض أعداد السياح القادمين من دول معظمها كان مركز الأزمة الاقتصادية العالمية بتوابعها العديدة التي أثرت علي كل الاقتصادات الوطنية. نشرت بجريدة الأهرام عدد 14/3/2009 | |
|