الدكتور على ليلة فى حوار هام: الشارع المصري فوضوي والشباب فقد الثقة في المستقبل
كاتب الموضوع
رسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
موضوع: الدكتور على ليلة فى حوار هام: الشارع المصري فوضوي والشباب فقد الثقة في المستقبل 12/3/2009, 11:39 pm
الدكتور على ليلة فى حوار هام مع جريدة الوفد المصرية: الشارع المصري "فوضوي".. والشباب فقد الثقة في المستقبل!
نشرت جريدة الوفد المصرية حواراً هاماً مع الأستاذ الدكتور على ليلة - أستاذ النظرية الاجتماعية بجامعة عين شمس - بتاريخ 26/2/2009 ويسعدنى أن أتيح لمن لم يطلع على الحوار النص الكامل له.
إذا كان فهم الإنسان من أشد الأمور تعقيدا وصعوبة فإن فهم المجتمعات وخاصة المجتمع المصري يشكل العقدة ذاتها، وليس من قبيل الصدفة ان تكون أغلب ردود افعالنا علي ما يقال وما يحدث اليوم ينحصر في الاندهاش والتعجب كانفعالين يعكسان وجود حواجز مانعة لتحقيق التقبل العادي الذي ينسجم مع المنطق، ومجتمعنا بدأت تظهر علي سطحه في الآونة الأخيرة ظواهر غريبة لم تكن فيه، منها زيادة معدلات الانتحار في مجتمع معروف بتدينه الشديد منذ الأزل، بالإضافة الي عمليات التحرش الجماعي، والشذوذ الجنسي وزنا المحارم، والهجرة غير الشرعية حتي تحولت السفن المتهالكة التي تحمل علي متنها الشباب الي مقابر للدفن الجماعي في باطن البحر بعد أن فضل الشباب الموت علي العيش في بلدهم - إن صح التعبير - الذي أصبح في يد حفنة من رجال الأعمال يتحكمون في كل شيء حتي ارتفعت الأسعار وتفاقمت الأزمة الاقتصادية لتطحن الشعب المصري، تواكب ذلك مع تراجع الوازع الديني وطغيان النظرة المادية فضعفت القدرة علي مواجهة المشاكل.
* فماذا حدث للمصريين؟ سؤال حملناه الي العالم الكبير الدكتور علي ليلة استاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس وبادرناه بالحديث عن وصف وتشخيص الوضع الحالي. - اذا تتبعنا تاريخنا نجد أنه في كل فترة يتم تدمير شيء عند المصريين، فمرة كان الهجوم علي ثقافتنا في مرحلة العشرينات والثلاثينيات والاربعينيات، وهذه المرحلة شهدت هجوما ثقافيا واسعا، ثم جاء الاحتلال ليخترق ثقافتنا بشكل أساسي ووجدت الازدواجية الشهيرة "الأصالة والمعاصرة"، ثم بعد ذلك جاءت فترة اختراق الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، ففقدنا بعض الصفات التي كانت تميزنا، ثم أخيراً ابتلينا باختراق الشخصية المصرية وهي "أم المصائب" فانهارت بعدها تلك الشخصية وأصبحنا في وضع لا نحسد عليه.
* صف لنا الشارع المصري؟ - الشارع المصري فوضوي الكل يصرخ ولا يرغب في الاستماع الي الآخر، كل إنسان يفعل ما يحلو له، لا يلتزم بتعاليم المرور، "يركن" في أي مكان، يستخدم الرصيف في أغراض شخصية، وانتشرت المشاجرات والجرائم الأخلاقية واصبحت لغة التخاطب عنيفة غير متسامحة، تخطت حدود الأدب، ولا أبالغ إن قلت إننا شعب بحاجة الي تربية من جديد، ولن يصلح حالنا الا الالتفاف حول قائد وزعيم يوحد الشعب ويثق فيه الجميع، نحن بحاجة الي صلاح الدين جديد، ومحمد علي آخر.
* الإحصائيات الرسمية تؤكد ان عام ٧٠٠٢ شهد ٨٠٧٣ حالات انتحار منها ٧٠٠٢ في القاهرة وحدها.. لماذا؟؟ - حجم الهموم التي يتحملها الشعب المصري لايتحملها بشر، والمشكلات اصبحت هائلة ومعقدة، فالأب الذي يقتل ابنه وهو يحبه ولكن لا يستطيع إشباع حاجاته، فالقتل من وجهة نظره رحمة، وهذا الأب تحمل قبل ذلك ضغوطا كثيرة من جميع المجالات فضعفت عزيمته، وقل إيمانه، وضاق بحياته حتي اصبحت لاتساوي عنده شيئا.
* وماذا عن ظاهرة التحرش الجماعي؟ - هذه الظاهرة لها أسباب كثيرة اولها الظروف الاقتصادية، شباب ليس له مستقبل يحتاج الي اشباع غرائزه، وبنات كاسيات عاريات، وقانون "رخو" لا يطبق إلا علي فئة معينة، أو لا يطبق أصلاً، وعائلة فقدت جماعيتها، وبالتالي لم يعد هناك رقابة اسرية علي أفرادها، ونقص هائل في التربية الدينية وغرس القيم والفضائل في النفوس، فالدين أيا كان هو الأساس ووسائل إعلام تبث سمومها ليل نهار وكأن هناك مؤامرة ليفقد الشعب أخلاقه، فالتحرش الجنسي نتيجة طبيعية وحتمية لكل ما سبق.
* والشذوذ؟ - المجتمع المصري انفتح علي الخارج واصبح يستورد ثقافته من الغرب، وللأسف يحاول تقليده تقليداً أعمي، فالشذوذ موجود في البلاد الأوروبية بنسبة ٠٣٪ ويعتبرونه حرية شخصية، بالاضافة الي تقلص مساحة الضمير، وزيادة النمط الاستهلاكي.
* ألست تري أن زنا المحارم هو أم الكبائر؟ - أتفق معك تماما، ولكن ماذا تقول في قسو وتوتر ومعاناة تحيط بالفقراء من كل جانب ليس لها إلا التفريغ الجنسي، ومسكن صغير يري فيه جميع أفراد الاسرة بعضهم البعض، وغياب التربية الدينية وانعدام الاخلاق، وعشوائيات في قلب القاهرة غفل عنها المسئولون، وارتفاع معدلات تعاطي المخدرات بين الشباب حتي يفقد الشاب عقله فلا يفرق بين اخته أو امه وغيرهما.
* ولماذا اصبح المواطن سلبيا في جميع أموره؟ - للأسف الشديد القانون المصري يدفعك لأن تكون مواطنا غير صالح، وأروي لك حادثتين من الواقع، كنت عائدا الي بيتي في أحد ايام شهر رمضان قبل المغرب بقليل وشاهدت مصابا فأخذتني الشهامة وحملته في سيارتي لاقرب مستشفي وبعد لحظات حضرت الشرطة ولم تسمح لي بالانصراف قبل منتصف الليل بعد أن افاق المصاب ونفي اي علاقة لي بالحادث، تري لو قال المصاب - متأثرا بإصابته- انني الجاني، او لو توفاه الله ماذا تكون النتيجة، الحادثة الثانية ابلغت الشرطة عن سرقة اجزاء من سيارة تقف أمام منزلي، وفي نفس اليوم جاءني ضابط شرطة وطالبني بالذهاب للقسم لسؤالي وأخذ اقوالي وكأنني المتهم، فالقانون الحالي يحتاج الي تطوير لتشجيع المواطنين علي الايجابية، ومساعدة المحتاج، والابلاغ عن الجرائم دون أن تتعطل مصالحهم، وهناك سبب آخر هو أن بعض الشعوب عندما تتكاثر عليها الهموم تحاول التكيف أو التعايش معها بدلاً من رفضها، فمنذ ثورة يوليو ٢٥٩١ وحتي الآن ونحن نشد الأحزمة ولم نجد من يقول لنا "فكوا الأحزمة" ولكننا تكيفنا ليس مع الدولة فقط ولكن مع الظواهر أيضا.
* وما هي مشكلات التعايش والتكيف؟ - الانسان المتعايش مع الظروف التي تمر به يفقد انتماءه لوطنه بشكل اساسي وينتابه شعور بالدونية وأنه كم مهمل ليس له دور أو قيمة وبذلك تنقطع اي صلة بالوطن، ولذلك نري من يلعن البلد بل يحاول تخريبه لأنه يشعر أنه ليس ملكه.
* هل تري تعاظم دور مؤسسات المجتمع المدني بعد اختفاء دور الحكومة؟ - أولاً لا يجب ان نتجاهل دور الحكومة فهي مسئولة مسئولية كاملة عن الشعب، واذا قصرت في واجبها فليس لها قيمة ورحيلها واجب، اما مؤسسات المجتمع المدني فهي تضم الاحزاب والنقابات والمنظمات غير الحكومية فالاحزاب هشة وضعيفة، والنقابات إما مجمدة وإما تدور في فلك الحكومة والمنظمات غير الحكومية أصبحت وسيلة للاسترزاق بعد أن أثري اصحابها علي حساب المصلحة العامة، إذن ليس هناك أمل في الوقت الحالي، فأبناء الفقراء الذين رباهم عبد الناصر غيروا جلودهم وأصبحوا قيادات في العصر الجديد.
* عودة الي الامل.. حدثنا عن ثورة ٩١٩١ وماذا بقي منها؟ - ثورة ٩١٩١ كانت شعبية، نابعة من داخل الشعب، وتؤكد علي المصرية، وكان الشعب يتظاهر في سبيل هدف عام، وقادها زعيم نظيف ليس له أغراض شخصية يسعي لتوحيد الأمة ويؤمن بحريتها ولذلك التف حوله جميع فئات الشعب، وللأسف لم يتبق منها الآن اي شيء، فالدستور دمر، ولم يعد هناك زعامة شعبية، ولا هدف عام، وكما قال العظيم جمال حمدان اذا كانت مصر عظيمة فلم يعد المصريون عظماء.
* وما هي سمات الشعب المصري خلال ثورة ٩١٩١؟ - كان الشعب المصري في هذه الفترة متمسكا بدينه ومثله ومبادئه، وكانت الجماعية أو العائلية قوية، حتي أن السياسة كانت نظيفة لا تعرف الاساليب التي تدار بها في هذه الأيام ويكفي ان رجل الاعمال طلعت حرب أنشأ بنكاً وشركات وطنية لخدمة الاقتصاد المصري، فماذا فعل رجال الاعمال اليوم.
* الاعتصامات والإضرابات ظواهر سلبية أم إيجابية؟ وهل هي ضرورة للحصول علي الحقوق؟ - الاعتصام ظاهرةايجابية ولكن لها وجهها السلبي، فالحكومة تترك الشعب يعتصم ويعبر عن رأيه حتي يهدأ، ويخرج ما بداخله من طاقة غضب، ثم تفعل ما تريد، ولكن اذا تكرر الاعتصام خاصة علي فترات قريبة وفي اماكن كثيرة حتي يصبح عاما تستجيب الحكومة لاحتواء الموقف لأنها لا تريد فقد ما تبقي من هيبتها امام المواطنين.
* هل تري في مصر أحزاباً حقيقية؟ - الاحزاب ضعيفة جداً ليس فيها كوادر ولا تسعي لاكتساب الشارع المصري عن طريق الالتحام بالجماهير، ومثال بسيط هل فكرت الاحزاب في استقطاب اساتذة الجامعات لعمل ندوات تثقيفية في القري والمدن المختلفة، اذا فعلت ذلك سيكون لديها قاعدة جماهيرية عريضة خلال ٥ سنوات فقط. * لماذا يتفوق المصري خارج بلده ولا يفعل ذلك داخلها؟ - المصري من أفضل العقليات والشخصيات في العالم فهو صاحب حضارة عمرها ٠٠٠٧ عام ونجاحه الباهر والعظيم في الخارج يأتي من خلال منظومة متكاملة تدعو الي النجاح، ولو كانت تلك المنظومة في مصر لحقق نفس النجاح، ولكن هل هناك وزير يفكر بطريقة علمية مدروسة علي أسس ونتائج، هل هناك مناخ للخلق والإبداع هل هناك حوافز حقيقية للمبدعين هل هناك تخلص من القيود والروتين.
* لخص لنا مراحل الانهيار؟ - قبل ثورة ٢٥٩١ جاء الاستعمار بثقافته فضرب الثقافة بشكل عام، وبدأنا نشهد هزيمة الثقافة المصرية، ومن ٢٥٩١ وحتي ٠٧٩١ تفككت العلاقات الاجتماعية والاسرية وسقطت الطبقة المتوسطة التي كانت بمثابة "رمانة الميزان" ودمرت الروابط علي مستوي المنزل والشارع والمدرسة، ثم جاءت الفترة الثالثة من ٠٧٩١ وحتي الآن لتصبح بلا هوية بعد ضرب الشخصية المصرية في مقتل لتكون الضربة القاضية للقيم والأخلاق.
الدكتور على ليلة فى حوار هام: الشارع المصري فوضوي والشباب فقد الثقة في المستقبل