إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الألم‏ ..‏ النعمة التى لا نتمناها‏!‏

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الألم‏ ..‏ النعمة التى لا نتمناها‏!‏ Empty
مُساهمةموضوع: الألم‏ ..‏ النعمة التى لا نتمناها‏!‏   الألم‏ ..‏ النعمة التى لا نتمناها‏!‏ Empty22/2/2009, 3:57 pm


الألم‏..‏ نعمة لا نتمناها‏!
بقلم : د‏.‏ عبدالهادي مصباح

ربما كان أول ما لفت نظري وأنا أكتب تاريخ المرض لهذه الطفلة الجميلة التي تجلس أمامي بجوار والديها أن اسمها سارة‏,‏ علي اسم كبري بناتي التي أنعم الله بها علي بعد أن استرد وديعته في ولدين قبلها‏,‏ وكان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما في أحد أيام الشتاء القارس في مدينة فيلاديلفيا بالولايات المتحدة‏,‏ وفي قسم المناعة بالمستشفي التي كنت أعمل به‏,‏ حيث جلست لأجد نفسي منجذبا الي هذه الطفلة البريئة التي تبلغ من العمر سبع سنوات‏,‏ ولها وجه ملائكي صاف‏.‏

وكان صراخ ابنتي سارة لايزال يرن صداه في أذني‏,‏ فهي لم تنم ولم ننم معها أنا وأمها طوال الليل‏,‏ فقد اصيبت بالتهاب حاد في الأذن الوسطي جعلها تتلوي من الألم‏,‏ وتبكي في حرقة انخلع لها قلبي وقلب أمها‏,‏ وبرغم ما أخذته من مسكنات وعلاج إلا أنها ظلت طوال الليل تصرخ من الألم حتي نامت قرب الصباح‏.‏

وذهبت الي عملي لأجد سارة الأمريكية أمامي‏,‏ وبدأت أبحث شكواها من خلال سؤال الأب والأم‏,‏ لقد تم تحويلها من قسم الأعصاب للاطمئنان علي كفاءة الجهاز المناعي عندها‏,‏ وبدأت استمع الي كلمات الأب الذي قال في استكانة‏:‏ عندما كان عمر سارة عدة شهور بدأت تحبو مثل بقية الأطفال وتحاول الوقوف‏,‏ إلا أننا كنا نلاحظ أنها كانت تقع وتتعثر في أشياء حادة‏,‏ ولكنها لا تتأثر ولا تبكي مثل بقية الأطفال‏,‏ وكنت أنا وأمها نتخيل أنها تحتمل الألم أكثر من أقرانها من الأطفال‏,‏ وكنا نسعد بذلك لأنها قليلة البكاء‏,‏ وبمرور الوقت بدأت سارة تكبر وتتصرف بطريقة خاطئة مثل كل الأطفال‏,‏ فنحاول أن نعلمها السلوك والتصرف الصحيح‏,‏ وكنا في بعض الأحيان نضربها علي يديها عندما تكرر السلوك الخاطئ‏,‏ إلا أنها لم تكن تبدي أي نوع من التألم نتيجة لضربنا لها وعقابنا إياها‏,‏ وفي الوقت نفسه لا تقلع عن التصرف الخاطئ الذي ضربت بسببه‏,‏

وبعد أن أتمت عامها الأول الذي ظهر خلاله عدد من أسنانها كانت هناك عدة مشاكل‏,‏ فقد كانت تعض علي شفتيها وهي نائمة حتي يسيل منها الدم دون أن تدري أو تستيقظ من نومها‏,‏ ثم بعد ذلك ضعفت أسنانها وسقطت لأنها كانت تضغط عليها بقوة دون أن تشعر‏.‏ ثم حدث أن اصيبت ببعض الحروق في قدمها نتيجة سقوط براد الشاي عليها‏,‏ وعجبنا لأنها لم تبك‏,‏ وأثناء علاج هذه الحروق والغيار عليها لم تكن تبدي أي شعور بالألم أو البكاء مع أن ظاهرة الجرح يبدو أنه مؤلم للغاية‏,‏ وكانت في بعض الأحيان تمد يديها الي النار في غفلة منا فتصاب بحروق وجروح شديدة دون أن تبكي حتي ننتزعها قبل فوات الأوان‏,‏ وهنا بدأت رحلتها مع الأطباء عن سر هذه الظاهرة الغريبة‏.‏

وقد تبين من فحص سارة انها مصابة بعيب خلقي وخللل موروث في الألياف والقنوات العصبية المسئولة عن نقل الإحساس بالألم والحرارة الي المخ لكي يشعر به الانسان‏,‏ ولذلك فقد انقطعت رسائل الألم عن المخ‏,‏ وكان ماكان من حظ سارة العثر وما قد يصيبها من كوارث قد تودي بحياتها في أي وقت من الأوقات‏.‏ وتذكرت صراخ سارة ابنتي في ذلك الوقت حينما هرعنا الي الطبيب المتخصص كي يعطيها العلاج المناسب‏,‏ وحمدت الله وشكرت فضله علي نعمة الألم التي منحنا الله أياها‏,‏ فالألم ظاهره العذاب ولكن باطنه الرحمة‏.‏

ولعلنا الآن نستطيع أن ندرك أن أسوأ أنواع الأمراض‏,‏ وأشدها فتكا‏,‏ وأكثرها خطورة هي تلك التي تنمو وتترعرع دون أن تحدث أي نوع من الألم أثناء نموها مثل الأورام الخبيثة والسرطانات‏,‏ والتي لا يشعر الانسان بوجودها إلا إذا كبر الورم وبدأ يضغط علي الأعضاء المجاورة‏,‏ ويسبب أعراضا مرضية وألما‏,‏ فالألم هو عامل أساسي ومهم لاستمرار الحياة وتواصلها‏,‏ فهو يحذرنا ويحمينا ويعلمنا بكل ماهو ضار حولنا وبداخلنا‏.‏

وربما كان الألم وتخفيف الألم من أوضح وأهم الأمثلة التي تبين لنا كيف تتحكم عقولنا في أجسادنا وصحتنا‏,‏ فالعقل بالتأكيد يمكنه أن يتحكم في درجة الاحساس بالألم والتعايش معه‏,‏ ولكن من خلال تدريبات نفسية وإيمانية معينة ترتقي بقدراتنا الحسية حتي تجعلنا نتحكم في الأولويات التي يمكنها ان تشغل مراكز الإحساس بالألم في المخ‏.‏

ولذلك ليس غريبا علينا بعد أن نفهم هذه الحقائق أن نستعيد قصة الصحابي الجليل عمرو بن الزبير الذي اصابت ساقه الأكلة‏,‏ أو كما نسميها الآن غرغرينا‏,‏ وكان لابد أن تبتر ساقه‏,‏ فأشاروا عليه أن يشرب الخمر حتي يتحمل الألم عند بتر الساق‏,‏ فرفض وقال لهم‏:‏ والله لا استعين بحرام الله علي حلاله وطلب منهم الانتظار حتي يدخل في الصلاة فيقطعوا ساقه حتي لا يشعر بما يدور حوله‏,‏ وبالفعل نفذوا ما طلبه منهم وكأنه مخدر بأقوي أنواع التخدير‏,‏ فما هو سر هذا التخدير الإلهي والتخفيف الإيماني؟
إنه يكمن في أن ذلك الرجل عندما يدخل الي الصلاة يكون بكل عقله ووجدانه وجوارحه مع الله سبحانه وتعالي‏,‏ فلا يشعر بأي شيء آخر يحدث في جسده في نفس الوقت‏,‏ فكابينة الاتصال والاستقبال في عقله مشغولة بحب الله والخوف منه والإيناس بحضرته‏,‏ ولذلك فإن رسالات الألم التي تأتي اليه من أي جزء من جسده تجد الخط مشغولا فلا تصل الي غايتها ولا يشعر الانسان بها‏,‏ تماما مثل خط التليفون عندما نحاول الاتصال برقم معين فإذا كان هذا الرقم في حالة اتصال مع رقم اخر فإن الجواب يكون بأن الخط مشغول‏,‏ ولن يتم الاتصال إلا إذا كان الرقم المطلوب متفرغا تماما لاستقبال الخط الذي يطلبه‏.‏

ولعله في قصة سيدنا يوسف التي رواها لنا المولي عز وجل في كتابه الحكيم تطبيق عملي لنظرية بوابة الألم التي نتحدث عنها والتي لم تكتشف تفاصيلها سوي عام‏1965,‏ فلنتأمل معا ذلك الموقف‏..‏ وقالت أخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ماهذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم‏,‏ فقد كان ما رأي هؤلاء النسوة يفوق تخيلهن من الحسن والجمال والبهاء‏,‏ وكيف لا؟ ويوسف قد أعطي شطر الحسن كما وصفه الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث الإسراء‏,‏ فلم يرين في البشر شبيها له ولذلك قلن‏,‏ لا يمكن أن يكون هذا من البشر‏,‏ إنما هو ملك كريم‏,‏ تري هل يمكن أن يقطع الانسان يده أو يجرح أنامله دون أن يشعر وهو ينظر الي شيء معين بانبهار وإعجاب؟

في الحقيقة إن الجهاز العصبي أو المخ بصفة خاصة لا يمكنه استقبال كل المنبهات الحسية من كل نوع في نفس اللحظة‏,‏ سواء كانت هذه المنبهات نتيجة الألم أو اللمس أو غيرها‏,‏ وعندما يصل أكثر من منبه الي منطقة الاحساس بالمخ فإن المنبه الأقوي هو الذي سيجد طريقه الي المخ والجهاز العصبي ويحدث رد فعل‏,‏ أما المنبه الآخر فيجد البوابة مغلقة أمامه أو الخط مشغولا‏,‏ مثلما أطلب في التليفون أحد الأشخاص الذي يتكلم في التليفون مع شخص آخر فأجد الخط مشغولا ولا تتم المكالمة‏,‏ فكذلك لا يشعر الانسان بالألم لأن كابينة الاستقبال في المخ مشغولة بمنبه آخر‏,‏ وهو هنا حسن وجمال وبهاء سيدنا يوسف الذي سد البوابة والطريق علي خط سير الألم الذي يريد أن يصل الي المخ ولكنه وجد الطريق موصدا أمامه‏.‏

ومن الأشياء العجيبة في هذا الموضوع أن أصابع اليدين والشفاه هما أكثر الأماكن في الجسم حساسية‏,‏ وتحتوي علي أكبر عدد من المستقبلات العصبية التي تشعر بالألم‏,‏ وتميز اللمس والحرارة‏,‏ واليدان والشفتان تشغلان في منطقة الاحساس بالمخ مساحة تساوي المساحة التي يشغلها الاحساس القادم من بقية أجزاء الجسم‏,‏ وللدلالة علي ذلك فإن الانسان يستطيع أن يميز أن هناك منبهين‏(‏ كوخزة إبرتين مثلا‏)‏ ينبهان أحد أصابع اليد حين تكون المسافة بينهما‏2‏ ملليمتر فقط‏,‏ بينما لا يشعر الانسان إلا بمنبه واحد إذا فعل نفس الشيء في الفخذ مثلا حتي مسافة‏7‏ سنتيمترات‏,‏ ويدلنا هذا علي مدي التمييز في الاحساس في اليد والأصابع‏,‏ ومع ذلك لم يشعر هؤلاء النساء بما فعلنه بأنفسهن عندما رأين حسن سيدنا يوسف إلا بعدما رأين دماءهن‏,‏ فصحن في انبهار وتعجب‏..‏ ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم‏.‏
وبعد كل ما تقدم‏,‏ هل نستطيع أن ندعو الله بأن يخفف عنا الألم وألا يحرمنا منه؟‏!
نشرت بجريدة الأهرام عدد 22/2/2009
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
الألم‏ ..‏ النعمة التى لا نتمناها‏!‏
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من وحى الألم
» الأسئلة التى يجب أن يعالجها التقرير:
» اهم الموضوعات التى يهتم بها الباحثون فى رسائل الماجستير
» القيم التربوية التى تضمنها السؤال فى القرآن رسالة ماجستير
» منهج النبى صلى الله عليه وسلم فى مواجهة الإساءات التى تعرض لها وتطبيقاته التربوية فى واقعنا المعاصر رسالة ماجستير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: