د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: نموذج القوة المصرية .. الملك منفتاح يؤدب إسرائيل 3/2/2009, 3:27 pm | |
| نموذج القوة المصرية الملك منفتاح يؤدب إسرائيل بقلم: د.إبراهيم البحراوى اسمحوا لى سادتى القراء أن نبحث عن مشاهد مختلفة وأبطال آخرين على الرقعة الجغرافية نفسها التى نعيش عليها، على امتداد السهل الساحلى المطل على البحر المتوسط، بدءاً من الحافة الشرقية لبحيرة المنزلة مروراً بغزة ثم المدن الفلسطينية ووصولاً إلى الشام.
أما لماذا هذه الدعوة فذلك لأن المشاهد الراهنة أصبحت مكررة ومعروفة بدءاً من وصول الطائرات الإسرائيلية المعتدية، وإطلاق القنابل على المدنيين، ومروراً بالدورات التفاوضية المفرغة والزيارات الأوروبية والأمريكية التى تنفخ بالونات التفاؤل الزائفة حول التسوية العادلة وإقامة الدولة الفلسطينية، وانتهاء بمشاهد تغيير الحكومات الإسرائيلية فى انتخابات متتالية ليأتى المعتدلون مثل كاديما وحزب العمل فيزيدوا المستوطنات اتساعاً ويقتلوا مزيداً من الفلسطينيين تحت شعار التفاوض والاعتدال ثم يغربوا ليأتى نتنياهو زعيم الليكود من جديد ليقوم بالأفعال العدوانية نفسها تحت شعار تكييف العرب على قبول المطالب الإسرائيلية، مرة وتحت شعار تحضير البنية الاقتصادية الفلسطينية قبل الدخول فى المفاوضات السياسية مرة أخرى.
دعونا اليوم لنعود إلى زمن قديم تسجله لوحة حجرية موجودة بين أيدينا فى المتحف المصرى اشتهرت باسم «لوحة إسرائيل» منذ ترجمها لأول مرة المستشرق شبيجلبرج عام ١٨٩٦، باعتبارها تحتوى على سطر يحمل اسم إسرائيل ضمن أسماء عدد من القبائل والشعوب الآسيوية التى قام الملك منفتاح ـ أو مرنبتاح ـ بتأديبها نتيجة لتجاسرها على تهديد قوافل التجارة المصرية بعد أن تسلم الحكم من أبيه الملك رمسيس الثانى عام ١٢٢٢، أى منذ ثلاثة آلاف ومائتين وثلاثين عاماً بالتمام والكمال.
كان أستاذنا الجليل عالم المصريات الكبير الدكتور أحمد فخرى يحدثنا عن هذه اللوحة وهو يدرس لنا التاريخ الفرعونى فى مطلع الستينيات فى كلية الآداب بجامعة عين شمس، وأتى على ذكرها فى كتابه الشهير «مصر الفرعونية» عندما تعرض لسيرة منفتاح، ابن رمسيس، الثانى وذكر أن الأخير أنشأ لنفسه مدينة فى شرق الدلتا قريباً من بلدة قنتير الحالية فى مركز فقوس وكانت المدينة تحمل اسم (بر رعمسيس) طبقاً للآثار المصرية، وهى المدينة نفسها التى يشير إليها سفر الخروج فى التوراة بالاسم نفسه فى الإصحاح الأول الآية ١١ ضمن المدن الثلاث التى استعبد فيها المصريون بنى إسرائيل وسخروهم فى أعمال البناء. يقول السطر السابع والعشرون من اللوحة طبقاً للترجمة التى اعتمدها العالم برستد وأستاذنا الدكتور فخرى «أبيدت إسرائيل ولم تعد لها بذرة وأصبحت حورو ـ أى فلسطين ـ وما جاورها أرملة لمصر، أى خاضعة لها».
لم تكن الحملة التى قام بها منفتاح لحماية المجال الحيوى لمصر من تهديد الشعوب والقبائل الآسيوية القاطنة فى فلسطين هى الأولى من نوعها فلقد سبقه إلى ذلك ملوك أقدم.. منهم (الملك بيبى الأول) (٢٤٠٢ ـ ٢٣٧٧ قبل الميلاد) حيث أرسل القائد (وني) لتأديب تلك القبائل التى كانت تسكن ـ كما يقول د. رمضان السيد فى كتابه «تاريخ مصر القديمة» ـ بالقرب من جبل الكرمل ونجح القائد (وني) فى ذلك، وهو أمر تكرر أيضاً فى عهد الملك (تحوتمس الثالث) (١٤٩٠ ـ ١٤٣٦ قبل الميلاد) الذى قام بحملة على فلسطين فى العام الثانى والعشرين من حكمه حيث غادر حصن (ثارو) على مقربة من القنطرة فوصل غزة بعد تسعة أيام واتجه إلى مدينة (مجدو) لملاقاة أعدائه الذين تجمعوا هناك تحت قيادة أمير (قادش) وحاصر المدينة إلى أن استسلمت ووصل إلى مدينة (ينعم) القريبة من بحيرة طبرية.. وأخضع جميع العصاة هناك لحكم مصر. وهو أمر تكرر مع (الملك سيتى الأول) ١٣٠٣ ـ ١٢٩٠ ق.م الذى قام بحملة ضد القبائل والشعوب التى ثارت ضد حكم مصر وهى قبائل (العابيرور أى العبريين وقبائل (الشاسو) وهو ما تكرر من جانب الملك رمسيس الثانى الذى أخمد تمرد (الأدوميين والمؤابيين) وهم من الشعوب التى تذكر التوراة أنهم كانوا موجودين قبل دخول بنى إسرائيل إلى فلسطين وكانوا مع (الفلستيين والكنعانيين) أصحاب الأرض الأصليين.
إذن لم يكن الملوك المصريون يسمحون، خاصة بعد تجربة غزو قبائل الهكسوس لمصر فى زمن أقدم، بتكرار الخطر فكانوا يخرجون لتأمين حدود مصر وتشتيت الخطر قبل أن يخطو داخل الأرض المصرية وهذا هو درس الجغرافيا السياسية الثابت. لقد قام الملك منفتاح بشق طريقه على الساحل المصرى حتى وصل إلى كنعان، أى غزة، ثم عسقلان كما يذكر نص لوحته فأدب المتمردين هناك ثم سار بمحاذاة الشاطئ إلى الشمال ثم توجه بعدها إلى مدن الداخل ووادى مرج بن عامر المجاور لحيفا. إن كثيراً من علملاء الآثار الغربيين يعتقدون أن اسم إسرائيل الذى يرد فى اللوحة المذكورة يشير إلى خروج بنى إسرائيل واختفائهم من مصر ولذا يعتبرون أن الملك منفتاح هو الملك الذى خرج بنو إسرائيل فى عهده.
غير أن نص اللوحة يتحدث عن اسم إسرائيل ضمن الشعوب والقبائل التى أدبها الملك فى حملته إلى فلسطين والتى يذكرها بالاسم، كما يذكر خط سير حملة التأديب المصرية. إن معنى سياق اللوحة يشير إلى أن إسرائيل التى تم تأديبها خرجت من مصر قبل ذلك الوقت وكانت ضمن شعوب فلسطين والقبائل الساكنة هناك، وهو الأمر المرجح كما يرى د. عبدالحليم نور الدين فى كتابه «تاريخ وحضارة مصر القديمة، حيث يؤكد طبقاً لنص اللوحة أن إسرائيل التى ورد ذكرها على اللوحة هى قبيلة كغيرها من القبائل التى استقرت فى فلسطين منذ بضعة قرون قبل ظهور الملك منفتاح وكانت خاضعة للحكم المصرى وعندما ثارت كغيرها من القبائل قام مرنبتاح ـ أو منفتاح ـ بتأديبها معهم. إن هذا الرأى المرجح عندى حيث إن المصادر العبرية فى العهد القديم تشير إلى أن بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر ودخولهم إلى فلسطين لم يكونوا دولة أو مملكة إلا بعد عصر القضاة وهو ما يعنى أن تمردهم فى عهد منفتاح كان تمرداً فى شكل قبيلة وليس فى شكل دولة.
المهم هنا أن استرجاع المشاهد الحية الشاخصة فى المتحف المصرى فى لوحة الملك منفتاح يجب أن يكون ملهماً لنا لمحاولة استعادة عصر القوة المصرية لدولتنا فى المسرح الجغرافى الحالى نفسه بدلاً من الانكفاء على مشاكلها الداخلية التى تتضخم يوماً بعد يوم وتنال من قوتها الداخلية وتغرى بها القوى الخارجية. نشرت بجريدة المصرى اليوم عدد ٣/ ٢/ ٢٠٠٩
| |
|