د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: خمسون عامًا على موت الثقافة! 3/2/2009, 1:55 pm | |
| خمسون عاماً على موت الثقافة! بقلم: عزت القمحاوى
نشرت بجريدة المصرى اليوم عدد 3/2/2009 حقاً، الدائم هو الله؛ فحتى معارض الكتب تموت! رحل معرض القاهرة الدولى للكتاب عن واحد وأربعين عاماً؛ السن التى يرحل فيها الأدباء والفقراء جميعاً، على الرغم من أن المعرض غني، وقوى ومشهور. وقد عشنا سنوات طويلة فى ظل الرئاسة الراحلة للمعرض نموت من الضحك، بسبب الإصرار على وصفه بـ "المعرض الأكبر فى العالم بعد فرانكفورت". الذين زاروا معرض فرانكفورت كانوا يضحكون من المقارنة، والذين لم يزوروه كانوا يضحكون من الثبات الذى تلقى به هذه النكتة من دون أن يرف لقائلها جفن! ومنذ أن رحل المنظم العتيد للمعرض، واصلت هذه المناسبة الثقافية انهيارها، لكن من دون ادعاءات، حتى كانت دورة هذا العام التى أقيم بها المعرض بلا مقهى يستريح عليه الرواد ويلتقون، وسرعان ما اكتشفنا أن هذا غير مهم أيضاً لأن عبور معابر المعرض وبواباته لم يعد ممكناً إلا لقويّ، ليس بحاجة إلى استراحة. لم يكن معرض القاهرة فى يوم من الأيام معرضاً للكتب، بل كان سيركاً كبيراً، فيه البالونات والفول والفلافل والأمشاط والفلايات، وكثير من الكلام المعاد المراق على أرضه المتربة وسط خشخشات الأكياس البلاستيكية، وفيه دورات مياه يقف عليها المزنوقون بالطوابير، لكن كان فيه مقهى للقاء المثقفين بعضهم ببعض، وأخيراً كان فيه الكتب التى تنجو من رقابة غامضة، تتقاذف جهات غامضة المسؤولية عنها، بل لقد حدث فى إحدى السنوات أن تأخرت الكتب فى ميناء دمياط إلى ما بعد انتهاء المعرض! كل سنوات الضنك هذه عبرناها بقليل من الانتقاد وكثير من الفكاهة لهذا العرض المسرحى السنوى المرتجل، مع أوصافه الفخمة والعناوين الفخمة لمحاوره الثقافية. وكان من المفترض أن يقوم من غيبوبته الآن، لأن حركة القراءة فى مصر تنتعش، بدليل ميلاد هذا العدد الكبير من المكتبات فى السنوات القليلة الماضية. لكن المعرض مؤسسة دولة، ولم يكن يومًا ابنًا للمجتمع لكى يستجيب لتطوره الإيجابي، هو ابن الحكومة، وقد جرى عليه ما يجرى لكل مؤسسات الدولة المصرية، وهذه ليس مهماً فيها ماذا تفعل، ولكن المهم أن تنتهى الليلة بأمان. لم يكن هاجس المعرض الأساسى بيع الكتب، أو تنوير الجمهور على أيدى حملة بطاريات التنوير عاماً بعد عام، بل أن يقام المعرض وينتهى بأمان. ولا أحد يعرف سر الأثر العجيب فى كشافات المنورين، فعاماً بعد عام كان الظلام يتقدم، ليحاصر النور الضعيف المنطلق من فوق منصات الكلام المعاد باتجاه لا أحد، حتى كان هذا العام، حيث تداعيات أزمة غزة، التى يجب أن تمضى بسلام حتى لو لم يشعر أحد بوجود المعرض الذى تعاند الدولة للاحتفاظ بتنظيمه، فهو فخر الصناعة الوطنية، وأهم من مصنع الحديد والصلب وسائر مصانع النسيج وعمر أفندى أيضاً. والحكومة لا يهمها الكلام المكتوب فى الكتب أو المدلوق على رؤوس رواد المعرض من فوق منصات الندوات، ما يهمها هو المعابر والبوابات، فهذه مسألة سيادية. وقد تسبب الهاجس الأمنى فى ترك قاعة الندوات الرئيسية المخصصة لمناقشة محور «خمسون عاماً على تأسيس وزارة الثقافة المصرية» فارغة. مع أن العنوان ملآن، إذا عرضناه لنقاش ثقافى مستقل، بعيداً عن كلام التنوير المدهون بزبدة المجمعات الاستهلاكية الثقافية. خمسون عاماً من تأميم الأفكار، منها عشرون لوزير واحد، وهذا دليل أكيد على الحيوية. ونحن هنا لا نتحدث عن شخص، بل عن حقبة استكملت إدخال المثقفين فى الحظيرة، وتم فيها تدمير صناعة الكتاب، وبناء العديد من المتاحف الفخمة التى تصفر فيها الريح، ضرب أمان المسارح الذى انتهى بالمحرقة وإقامة مهرجان سنوى للمسرح التجريبي، تداعى قاعات السينما المملوكة للدولة وتحويلها إلى خرابات تهدد الأرواح فى القاهرة والأقاليم، وارتفاع سعر لوحة الوزير من ثلاثمائة جنيه قبل الاستوزار مباشرة إلى ثلاثمائة ألف بعده، وتساقط مساعديه فى أيدى العدالة، مع عدد ضخم من حملة كشافات التنوير العام لا يقولون إن نور العقل لا ينبع من ظلام الفساد، وإن ما يفعلونه ليس إلا مسخرة عندما يقاس بعمل مثقفى التنوير فى فرنسا، ولا يشبه عمل مثقفينا فى نصف القرن الأول الذين كانوا يتطلعون إلى المكان اللائق برؤوسهم، لا الكرسى المريح لمؤخراتهم فى ظل ثقافة مؤممة. خمسون عاماً من "تمثيل" الثقافة لا ممارستها. ولأن الأربعين هى سن الرحيل للكتاب والقراء، فإن من يعش خمسين عاماً مؤمماً، لا أبا لك يسأم | |
|