د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: كتاب: الترجمة والعولمة 18/12/2008, 4:44 pm | |
| الترجمة والعولمة تأليف: مايكل كرونين عرض: محمد إبراهيم العبد الله يعتبر مايكل كرونين من الكتاب الأكثر إثارة اليوم في مجال دراسات الترجمة. فهو عميد الكلية المتحدة للعلوم الإنسانية، ورئيس مركز دراسات الترجمة والنص في جامعة مدينة دبلن. من مؤلفاته «بين السطور: السفر، اللغة، الترجمة» نشر عام 2000. أما كتابه «الترجمة والعولمة» الذي نشره عام 2003، والذي سنسلط الضوء عليه في هذه الدراسة فقد أثار جدلاً قوياً في الأوساط الأدبية في أوروبا وفي إيرلندا تحديداً.
يلقي هذا الكتاب نظرة واسعة على الترجمة في عالم يتحول اليوم بشكل متسارع بفعل قوى العولمة، ويهدف إلى مناقشة ثلاث نقاط رئيسة. الأولى إن هذه الدراسة تحاول فهم الدور الحسّاس الذي تضطلع به الترجمة في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ البشرية، أما النقطة الثانية فهي الرسالة التي يوجهها هذا الكتاب إلى طلاب الترجمة ومدرسيها على حد سواء، مفادها أن الترجمة ليست عملاً مفيداً فحسب وإنما ممتع ومثير أيضاً. النقطة الثالثة تخاطب الأكثرية العظمى من القرّاء من غير المترجمين لتنقل إليهم المتعة والفائدة التي تتصف بها الترجمة. قد يساجل أحدنا أنه بالإمكان أن تُمتع الآخرين في مجال الترجمة دون التطرق إلى تعقيداتها، ويكفي أن تبين لهم لماذا هي فعل بحد ذاته. الترجمة كما يراها من هم خارج ميدانها بأنها تهتم بمسائل ذات أهمية كبيرة في الماضي والحاضر والمستقبل، وما فتئوا يحبون الاستماع إليها. يتناول الكتاب التغيرات الرئيسة التي طرأت على الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات خلال العقود الثلاثة الماضية والتي كان لها عميق الأثر على الترجمة. ويستكشف الكتاب بعد ذلك الجوانب المختلفة لهذه البيئة أي السلع التي أنتجها الاقتصاد العولمي الجديد، والعلاقة بين الثقافة والترجمة، وما نتج عنها من ترجمة للمواقع الإلكترونية. وبما أنها تكنولوجيا لا بد أن تكون حاضرة في محاولة لفهم العولمة، فهناك تحليل للدور الذي تقوم به أدوات فعل الترجمة، والتي لا يمكن تهميشها، ولا يمكن أن تكون عملاً غير مستحب تحت أي تعريف، فالمقصود هنا أن تكون عملاً متمماً للفعل الإنساني. من هنا لا يمكن أن نعتبر هذه الأدوات ملاحق مناسبة لفعل المترجمين، إنما هي أساسية ضمن الحدود التي يعملون بها دوماً. بعد ذلك يتطرق الكتاب إلى الدور الاجتماعي المرتبط بالدور التقني، باعتبار أن الترجمة لا ينظر إليها فقط على أنها وسيلة اتصال سريعة، إنما قناة نقل على مر الزمن. كما يساجل الكاتب أننا إذا ما أردنا فهماً مناسباً للعمل الذي تقوم به الترجمة والنتائج التي تتمخض عنه، لا بد من أن نقرّ بادئ ذي بدء بأنواع مختلفة وعديدة للحداثة. ويتطرق أيضاً إلى الإمكانية المحدودة للفهم العميق، والابتذالية التي نتجت عن الرؤى العدائية للعالم من جانب أحاديي اللغة، فإن كانت الترجمة تشير بقوة إلى الاتكالية المتبادلة بين الشعوب، عندئذ يمكن أن يساجل أحدنا بأنه لا توجد استقلالية شخصية بمعناها الحقيقي ما دمنا نعترف بالكثير من اتكالاتنا اللغوية والثقافية. يتعامل الكتاب مع النماذج العصرية لمنظومة الترجمة ويتساءل عن الدور الذي يمكن أن يناط بالمترجم خلال القرن الحادي والعشرين. الفكرة الرئيسة هنا هي فكرة الشبكة، وكيف يمكن استكشاف خصائص الشبكة لوصف ميزات فعل الترجمة في كل أنحاء العالم. الأسئلة طرحت بشكل خاص من الذي تشمله شبكة الترجمة ومن الذي تستثنيه. المشكلة بمن تستثنيه لأنه سيظل عاملاً متحولاً وقوياً للحركات المناوئة للعولمة. يستكشف الكتاب أيضاً العلاقة بين دراسات نقد الترجمة التي جاءت من طوباوية السوق والأشكال الليبرالية الجديدة للتعددية التي تم انتقاؤها بعناية فائقة. ومع أن الرأي السائد هو أن العولمة تهدف إلى إنهاء الدولة القومية، فإن الكاتب هنا يتحدى هذه الفكرة وينظر إلى العلاقة الخاصة بين الترجمة والدولة المتطورة. وحينما يُنظر إلى البشر على أنهم مواطنون أكثر من كونهم مستهلكين، فأي نظرة نقدية للعولمة يجب أن تبحث في عودة الطاقة إلى البشر وعدم النظر إلى التيارات الجارية على أنها تيارات جارفة وكاسحة. أحد هذه الاستجابات هي رفض فكرة العملقة والعودة إلى «الصغائر». وهناك طريقة أخرى لعودة الطاقة إلى المترجمين هي النظر مرة أخرى إلى دورهم كوسطاء في هذا العالم المعاصر، والتركيز على البعد النقلي باعتباره مناقضاً للبعد التواصلي في عملهم. كما أن النظرة الأولية للمترجم والترجمة تعني أيضاً البحث عن نهايات الترجمة في عصر تزداد فيه الوسائل (التقنية والاقتصادية) للترجمة بشكل أساسي. من بين هذه النهايات مساهمة الترجمة بالتنوع الثقافي الأصيل على هذا الكوكب. كما أن هناك نظرة متمعنة على الجغرافية المتبدلة لممارسة الترجمة، وعلى كيفية تأثر بلد صغير مثل إيرلندا بالعولمة المعاصرة. كما يلقي هذا الكتاب وفي فصله الثاني تحديداً نظرة أولية إلى الماضي مركّزاً على أن أية محاولة للنظر إلى التجربة الإيرلندية يجب وضعها ضمن مساق تاريخ الترجمة الذي يتجاوز الحدود القومية. ويتحدث عن الأسباب الاقتصادية والتقنية التي أدت إلى ظهور إيرلندا كأحد أهم المراكز الرئيسة في عالم ترجمة مواد الحاسوب. هذا التحول الدراماتيكي لثروات مجتمع الترجمة الإيرلندي يرتبط بأصناف العولمة التي ذُكرت في الفصل الأول من الكتاب. فالحد الذي تمارس فيه نوعية الترجمة في إيرلندا الحديثة مؤخراً يساند أو يخالف التنوع الثقافي الذي تم عرضه. بعيداً عن إيرلندا يتناول الكاتب فكرة الرقابة وهل يشهد عصر العولمة رقابة مستمرة أم أنه تجاهل خبرة الترجمة. ومع أن العديد من الأشكال الواضحة للرقابة مثل الاعتداءات الجسدية على المترجمين أو منع الأعمال المترجمة تنزع إلى كسب الرأي العام، إلا أن الأشكال الأقل وضوحاً والأكثر ضرراً لهذه الرقابة يمكن أن تستمر على نطاق واسع دون أن يكترث بها أحد. فالمراقبون قلما يحملون بأيديهم البنادق إلا أنهم غالباً ما يحملون صفحات من مجلة يمارسون عليها الرقابة. المدينة هي المكان الوحيد في هذا العالم المعاصر الذي يواجه فيه الإنسان وبشكل منظم اختلاف اللغة والحاجة الملحة للترجمة، باعتبار أن الناس يوماً بعد يوم يصبحون من سكان المدن المعولمة. يتفحص الكتاب أيضاً ميزات العولمة الرئيسة التي تؤثر على السياسات المستقبلية لها وعلى الزمن تحديداً، وظهور معاهد عابرة للحدود القومية والمنظمات، والأتمتة والقوة الاقتصادية لبعض اللغات. انتصار الزمن على الفضاء يستشهد به غالباً كميزة ما للحداثة في أولها وآخرها. فالمنفعة التنافسية في مصطلحات الترجمة يعني إنجاز العمل بشكل أسرع من إنجاز مثيله، وفعل كهذا يتضمن عادة الدخول إلى تكنولوجيا أكثر حداثة. المؤسسات العابرة للحدود القومية مثل الاتحاد الأوربي أو منظمة الصحة العالمية ليست مستثناة من الضغوط الزمنية، فالفصل الرابع يتفحص دور الترجمة بهذه المنظمات الدولية في سياق المعلومات المعولمة من مراقبة وإدارة خطر. بالنسبة لأي منظمة محلية كانت أم قومية أم دولية ـ لكي تعمل بشكل فاعل بنمط الترجمة لا بد أن تلجأ إلى التكنولوجيا. وينظر إلى هذه التكنولوجيا بشكل متزايد بمعنى أتمتة عملية الترجمة. يحلل الكاتب تأثير الترجمة الآلية والترجمة بمساعدة الحاسوب على تفكيرنا بخصوص الترجمة، ويقدم طريقة أكثر اكتمالاً وأقل مواجهة للحجج والبراهين المرتبطة بالعلاقة بين الأتمتة والإبداعية في ممارسة الترجمة. إن كان ينظر في العادة إلى الترجمة الأدبية على أنها عنوان الإبداعية، فإن اختلال التوازن الملاحظ في حركة الترجمة بدءاً من الدول المتطورة اقتصادياً ووصولاً إلى الدول الأكثر فقراً لا يبشر بالانفتاح والتنوع الذي وعد به أنصار العولمة الكبار. الطبقات الزمنية للغات، وعدم النظر إلى المترجمين كوسطاء، ومخاطر «الكولونيالية» الجديدة (انتشار التشابه) تم فحصها جميعاً على ضوء النزاعات حول التفقير التدريجي للمصادر الجمالية لكوكبنا. فقد جاء هذا السجال ليعطي مزيداً من الانتباه وبعداً حيوياً مهماً لدور المترجم في عصر العولمة. أما الفصل الأخير من هذا الكتاب ينظر إلى العالم من زاوية معينة. الاتجاهات الحالية تشير إلى الهشاشة المرعبة في التنوع الحيوي للكوكب، وإلى الفقد غير المسبوق لحالة اللغة. لا يمكن القول: إنَّ معظم لغات الأقليات مهددة بالانقراض في هذا القرن، إنما قد تفلت بعض اللغات من شرطها كونها لغة «أقلية» إن استمرت التطورات الحالية دون مراقبة. حالة اللامبالاة النسبية في الدراسات التي تتناول الترجمة والتي تعيشها لغات الأقليات تسير والاستجابات المختلفة للغة الأقلية مع الترجمة، وينظر إليها (بشكل متبدل) تهديد أو عطاء رباني. لا بد من التشديد على أهمية تناول لغات الأقلية في المناطق المختلفة بدلاً من الترجمة الأدبية، فلطالما لم يؤخذ بالحسبان هذه الأقلية، فالميل يمكن أن يتجه أحياناً لرؤية هذا الأقلية تعمل لوحدها في المجال الفني أو الجمالي، وبفهم أوسع للثقافة، باعتبارها تؤثر على كل مناحي الحياة. فالصعوبة لدى المجتمعات في الدفاع عن لغاتها ضد الضغوط الخارجية تم تفحصه في سياق مقاومة الترجمة برمتها. كما يتطرق هذا الفصل إلى الكيفية التي تتعامل فيها هذه الأقلية مع مجالات متنوعة كالبحث والتدريب وكيف يؤتى بهذه المجالات لتجعل دراسات الترجمة مملة. كما يتناول أيضاً من منظور الترجمة البدوية (غير المتحضرة) كيف أن الإبحار في لغة الأقلية هو الطريقة الأفضل لتوضيح معضلات الترجمة في العالم المعاصر. فإن كان متحدثو لغات الأقلية هم المستهلكون الأساسيون لمنتجات الترجمة، فكيف يمكن الحفاظ على هويتهم في عالم يخضع إلى عدد من القوى المتجانسة؟ هل الانفتاح يعني نهاية التنوع، أم أن التنوع يحمل معه وعود الانفتاح؟ هذا السياق يتقدم السجال لصالح ايكولوجيا جديدة للترجمة تربط الأهمية الحقيقية بالخصوصية وبالمكان دون تراجع ارتدادي إلى النظافة العرقية. تلاحظ الباحثة مارثا ناسبوم بأن «رعاية إنسانيتنا في عالم معقد متشابك يتضمن فهماً للطرق التي يمكن أن نخفف بها حاجاتنا العامة وأهدافنا في ظروف مختلفة» (ناسبوم 1997: 10). هذا الفهم لا يمكن تصوره بدون طاقة الترجمة. فلا يمكننا فهم الطرق التي نخفف بها أهدافنا وحاجاتنا إن كان، تبعاً للاختلاف اللغوي، ليس لدينا طريقة لمعرفة ما هي هذه الأهداف وما هي هذه الاختلافات. خيالنا السردي ـ مقدرتنا على محاولة تخيّل لو أن شخصاً آخر من لغة أخرى، وثقافة أخرى ومجتمع آخر أو بلد آخر ـ هو نفسه محض اختلاق من الخيال، إن لم تكن هناك طريقة لقراءة الكتب ومشاهدة المسرحيات والأفلام التي ينتجها الآخرون. بمعنى آخر إذا نظرنا إلى المواطنة على أنها لم تعد تتميز بالقومية أو بالدولة القومية (ديلاني 2000) عندئذ أي فهم حقيقي للمواطنة الكونية يجب أن يشمل الترجمة كعنصر أساسي فيها. هنا لا بد من النظر إلى الترجمة بعيداً عن معانيها الذرائعية الصرفة، فالترجمة مهمة ليس لأنها تجعلنا نتحدث إلى بعضنا بكل بساطة، أو تسمح لأي منا أن يقرأ ما كتبه الآخر، بل لأنها تقدم لنا تبصراً فيه الكثير من العمق. لماذا نجد صعوبة في التحدث إلى بعضنا، ولماذا لا نفهم أحياناً ما يكتبه الآخرون. فإن كان الواقع اليوم هو التعددية الثقافية وتعدد القوميات بلا مهرب، عندها لا بد من البحث عن معرفة وسيطة بين الثقافات واللغات باعتبارها أساسية في مساعدتنا على فهم العولمة وما يمكن أن تعنيه. ولا بد من البحث لمعرفة الصعوبات التي تمنع الإنسان أي يكون مواطناً معولماً. جريدة الاسبوع الادبي العدد 1096 تاريخ 22/3/2008 | |
|