د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: الأخلاق بين الدين والايدولوجيا 18/12/2008, 4:41 pm | |
| الأخلاق بين الدين والايدولوجيا بقلم :عيد الدرويش تشكل الأخلاق معيارا ناظما سواء للدين أو للايدولوجيا, وتحدد ديمومة كل واحد منهما عندما يتعلق الأمر بالهدف والغاية, وتتباين خطواتهما في الوسيلة مع احتساب عامل الزمان والمكان، ويقال أن الدين هو أيديولوجيا الأمم السالفة, أما الايدولوجيا هي دين الأمم المعاصرة، ويمكن لنا أن نتصور أخلاقاً بدون دين، وهذا في باب الايدولوجيا، فالكثير من المسائل التي نراها لدى الأديان القديمة, قد لا يكون أخلاقيا اليوم بعد أن كان يشكل الفضيلة، وكل تجاوز لحدوده يعتبر رذيلة في زمانه ومكانه وهناك نوعان للأديان ما هو وضعي وما هو سماوي, فالدين الوضعي كما تشير القواميس هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي, تتعلق بالقوى الطبيعية والاجتماعية المسيطرة على الإنسان, وهو منظومة للأفعال والمبادئ والقيم وعلاقة الإنسان بالموجودات, أما الدين السماوي هو مجموعة القواعد والأوامر والنواهي الإلهية التي جاءت عبر الأنبياء والرسل, وعلاقة الإنسان بربه ورسم أشكال العبادات، وعلاقة الإنسان بما يحيط به وحدود مسؤوليته ومسؤولية الآخرين بالإضافة إلى القواعد الخلقية والتربوية هناك إجابات لعوالم أخرى وحقائق وقدرات وإجابات لكثير من التساؤلات عن حقائق التي بحث عنها الإنسان عبر تاريخه الطويل ولا تستطيع قدرات الإنسان أن تنالها, ويرى ابن مسكويه بأن الشريعة هي التي تأمر بالأشياء المحمودة لأنها من عند الله عزوجل، فلا تأمر إلا بالخير وبالأشياء التي تفعل السعادة.
ونحن نرى أن الايديولوجيا هي مجموعة من الأفكار والمبادئ والنظريات السياسية والاجتماعية والأخلاقية والجمالية والفلسفية, والتي تتحدد بمستوى الوعي الاجتماعي, وهذه الايديولوجيا هي مجموعة من الإيديولوجيات والمعايير المضافة لتجارب ونظريات أنجزتها البشرية, وقد تكون عاملا مساعدا أو رئيسيا في منهجية بعض الإيديولوجيات, وقد تفتقر إليها إيديولوجية أخرى لمجتمعات أخرى, التي ينتهجها الإنسان وفق فترات زمنية معينة على مدار اليوم, ونتيجة لكثرة المعتقدات والأديان بطوائفها, وكذلك الإيديولوجيات فالإنسان في حياته اليومية يمر على هذه المفردات الثلاث، فبينما هو يؤدي رسالته الإيديولوجية والدينية، تكون المسألة الأخلاقية غير بعيدة عنه، فهل يطبق المرء الأخلاق الدينية عندما تتعارض مع أخلاقية إيديولوجيته؟ أم يطبق أخلاقيات الإيديولوجية عندما تتعارض أخلاق تلك الإيديولوجية مع أخلاقيات هذا الدين أو ذاك في مواضع متفرقة متباينة؟ ومع كل هذه التباينات هناك تباين آخر هو ما يمكن أن يحمله الفرد من قدرات واستعدادات، فهي تختلف من فرد لآخر, وتبقى حالة التدافع قائمة بين كل التيارات البشرية والدينية والأخلاقية. وفي كل الأحوال ترتسم إشكالية المصطلحات ودلالاتها في معايير كثيرة منها: ـ إن كل مصطلح لا يمكن تعريته من ماضيه سواء في الزمان أو في المكان، ولا يمكن أن نتصور أخلاقاً بدون تاريخ وماضي، وهي كالقانون يلتفت إلى الماضي ليستمد منه أحكامه, ولم يكن الدين والايدولوجيا بعيدين عن هذا المساق, ومن خلال جوانب متعددة لا يمكن أن ترقى بدون الارتكاز على ذلك الماضي والصيرورة التاريخية له, فالتنوع والتباين لتلك الأخلاقية والإيديولوجية والعقيدة الدينية هي التي تدفع الحياة لفعل الحيوية وخلق روح الإبداع. ـ إن هذه المصطلحات متعلقة بالإنسان, وهي أكثر التصاقا به, وبحياته اليومية, وفي أشكال تعبده وطقوسه الدينية ومعاملته مع بني أقرانه بالإضافة لتعامله مع المحيط، فنرى هذه المفردات يجسدها في حياته اليومية ممزوجة بقدراته الفردية بالإضافة للظروف المحيطة به، وهذه القدرة الفردية هي التي تسم الفرد بهذه الأخلاقية عند مواءمته لتلك المفردات، وهذا بحد ذاته هو التدافع في الحياة. وهناك تباين آخر واضح بين الدين والايدولوجيا في السمات والخصائص, فالدين تتعلق تعاليمه بالمثوبة التي ينالها في الدنيا وفي الآخرة, ولكن في الايديولوجيا يتحدد الأجر والمثوبة في الدنيا, وتتباين المستويات للإنسان وطموحاته, و في الشكل الكلي من حيث التركيب والتحليل نجد التوافقات فيما بين الايديولوجيا والدين متوافقة عندما تتعلق هذه المفردات بتحقيق إنسانية الإنسان. ونجد هناك بعض الدعوات التي تأتي بين الحين والآخر من ايديولوجيا معينة عبر التاريخ, أو ما تزال في حاضرنا في مواضع متفرقة من العالم, تريد أن تجتث جذور الدين, وترى أنه هو المعيق لحركة التاريخ والنظريات وتطبيقاتها, وهذه النظريات والدعوات هي قاصرة في بعدها الاجتماعي, وإنني أعتقد جازماً أن الدين لا يمكن أن يكون معيقاً, ولكن الإعاقة تكمن في معتنقيه من وجهة نظر غير صحيحة بما يأخذون منه, ولا يكون القصور في الدين, ولكن القصور في تطبيق المبادئ من يحملها, وعلى النقيض من ذلك تماماً نرى بعض المفكرين من القرن الماضي طرحوا أفكارا بنزع الايديولوجيات وفي الوقت الحاضر طرحت أفكار موت الإيديولوجيات, في حين نسوا أنفسهم بأن طروحاتهم هذه هي طروحات إيديولوجية بحد ذاتها. وعندما يتعلق الدين بالسلوك الإنساني, فإن هذا الدين هو جملة معايير أخلاقية، وعندما تسلب دعائمه الدينية يتدهور ذلك السلوك, ويترافق ذلك مع تدهور الجوانب الأخلاقية، فتكون الإيديولوجيات في حالة ضعف شديد, ولا يمكن أن تستمر الايديولوجيا بدون معايير دينية وفي حقيقتها هي سمة أخلاقية. ويتبين لدينا بشكل واضح وجلي, أن كلما زاد فهمنا للدين فهماً صحيحاً ارتقت الأخلاق, وانعكس ذلك على سلوك المجتمع, ويتفاضل بين الناس بالعلوم والمعرفة وبهما تتقدم الأمم والشعوب, وكلما زاد فيه الفعل عن الواجب ازدادت المنفعة, وبازدياد المنفعة تزداد الفضيلة, وبزيادتها يزداد تماسك المجتمع, ويقوى بناء الحضارة واستمراريتها, والعكس صحيح, فكلما اضمحلت الأخلاق والفضيلة أُفرغ الدين من مضمونه الحقيقي, وتعثرت مسيرة الأيديولوجية, حين ذلك تصاب الأمم والحضارات بالوهن والعجز, ولكن لا يمكن أن تمحى الأخلاق من ذاكرة الأمم والشعوب ما دام هناك من يمثل الجنس البشري على المعمورة, ويقول أحد علماء الاجتماع (إنما تتفاضل الأمم في حالة البداوة بالقوة البدنية, فإذا ارتقت تفاضلت بالعلم، ثم إذا بلغت من الارتقاء غايته تفاضلت بالأخلاق). جريدة الاسبوع الادبي العدد 1105 تاريخ 31/5/2008 | |
|