إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإنسان المقهور والدولة الذليلة بقلم عزالدين مبارك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوالراشدات
عضو نشيط




ذكر عدد الرسائل : 66
العمر : 68
التخصص : اقتصاد
الدولة : تونس
تاريخ التسجيل : 11/08/2011

الإنسان المقهور والدولة الذليلة بقلم عزالدين مبارك Empty
مُساهمةموضوع: الإنسان المقهور والدولة الذليلة بقلم عزالدين مبارك   الإنسان المقهور والدولة الذليلة بقلم عزالدين مبارك Empty23/3/2015, 5:18 pm

الإنسان المقهور والدولة الذليلة
بقلم عزالدين مبارك

قوة الدول وعظمتها لا تأتي من توفر الموارد المادية فقط بل هي نابعة في الأصل من قوة وعظمة أفرادها وناسها. ولا يكون الانسان عظيما إلا عندما تكون له قيمة في المجتمع ويترك أثرا على أرض الواقع لا ينمحي بمرور الزمن وحتى بعد الموت. والكثير من العظماء لم تكن لهم سلطة أوجاه أو مال ونفوذ وخطوا بأحرف من ذهب مسودة التاريخ وتركوا إرثا تتحدث عنه الأجيال والأزمنة بل فقط قوة معنوية خلاقة وتجرد من نزوات الذات وعلى هذا الدرب سار معظم المفكرين والمبدعين والعلماء.
ورغم ما للدول العربية من إرث حضاري وبعض النوابغ على مر العصور وخاصة زمن ازدهارها واشعاعها على العالم فقد شح في عصرنا الحاضر هذا الينبوع ولم نعد نسمع إلا بما يفعل أهل السياسة والمتكلمون وأصحاب السلطة في عصر أصبحت حرية الفكر مصادرة وأهل العلم لا حظوة ولا اهتمام بهم وقد نسيهم أهل الحل والعقد خوفا على نجوميتهم من التقوقع والذوبان.
والكثير من علمائنا قد بزغت شمسهم في البلدان الغربية وفتحت لهم أبواب الجامعات والمخابر على مصراعيها ووجدوا الاهتمام الكبير والحظوة بعد أن لفظتهم بيروقراطية دولنا المهتمة بالقشور والسفاسف والنائمة في دهاليز الشيء المعتاد واجترار الماضي البعيد الذي لن يعود.
فالبيئة هي التي تساعد على بروز العباقرة والعلماء والأفذاذ من الناس إذا كانت تقدس العقلانية وتمقت البيروقراطية وتعشق الحرية الفكرية والابداعية حيث تسري قوانين العدالة الاجتماعية واحترام المواطن وحرية الانسان بصورة فعلية وحقيقية وليس لبعث صورة مزيفة للخارج وللاستهلاك الاعلامي.
فالإنسان المقهور في بيئته المحلية بحيث يهدده الجوع في كل لحظة وترمقه احتقارا نظرات عدم الاحترام والريبة وتقتله هواجس البطالة والتهميش ويعيش ذليلا متسولا عملا او لقمة يسد بها رمقه وهو يعيش في بلد فيه الترف الاستفزازي الجارح ويشاهد البذخ المتغول يسير على قدميه متعاليا والسيارات الفارهة والقصور الحاجبة للشمس والسماء والولائم المنصوبة صباح مساء عنوانا أكيدا لهدر الموارد وتبذيرها.
وقد يسمع من ينادي بالعمل وشد الأحزمة وأن الظروف صعبة ولا بد من حلول مؤلمة جدا فلا يجد صدقا في الكلام وكأنه آت من كوكب آخر وهو العارف أن هؤلاء لا يعملون إلا في طاحونة الكلام وبطونهم عامرة وجيوبهم غير مثقوبة ومستقبلهم مضمون وكرسيهم محجوز على الدوام كما لا يريدون ان يكونوا أول المتطوعين لهذه المحنة لأن الأمر لا يعني أهل السلطة وأصحاب التحصين.
وإذا ذكر لهم بأنه على المتسببين في هذه الحالة والوضع المتردي الذي وصلنا إليه أن تتم محاسبتهم ولو سياسيا وهو أضعف الإيمان ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية تعللوا بشح الموارد ومخاطر الارهاب وطالبوا عوض ذلك بتقبل المصالحة وطي صفحة الماضي وكأن شيئا لم يكن.
فالإنسان المقهور القابض على الجمر لا تعنيه ديمقراطية النخب وسياسة التقبيل والمداهنة واقتسام الهزائم التاريخية وكعكة المصالح وهي سياسة التعمية والتحايل على ذكاء الرعية وربح الوقت والتلاعب بالعقول وكل ما يهمه أن يكون سيدا في بلاده، حرا وكريما وليس بخائف وذليل.
فالمواطن المقهور والمفعول به في جميع الأحوال حتى وإن كان مطيعا ولا يمشي إلا بجانب الحيطان ومطأطئ الرأس ومهزوما كالدابة الباحثة عن عشب البراري لا يمكنه أن يكون فاعلا ومبدعا فهو يذهب للعمل بلا روح تسكنه النقمة وتصفر في أذنيه شتى الظنون، فهو الخائف على الدوام وعلى السلطة الواعية أن تعيد له رشده وطمأنينته بأن تذهب إليه وتحترمه وتمنحه حقوقه من غير أن يطالب بها أو يحتج ويثور.
ودون ذلك فالقهر الاقتصادي والاجتماعي للمواطن لا ينتج إلا مواطنا مستهترا بالفطرة ومحتجا وثائرا ومتبرما وساخطا بقوة الموقف والحالة فلا يستطيع ان يكون منضبطا ومستقيما ويرى الاعوجاج في كل مكان. فالمواطن المقهور الذليل لا يمكن إلا أن يكون سلبيا ومخادعا ومنافقا وأخلاقه في الحضيض حتى يتمكن من التأقلم مع دولة الفساد إذا أراد الاستمرار في العيش والوجود.
وهذا المواطن المنبت الضائع في الطريق لا ينتج إلا دولة ذليلة وفاشلة فهي صورة طبق الأصل منه ولا يمكن ان تكون شيئا آخر على الإطلاق إلا في خيال الطبقة السياسية المسكونة بمخادعة الذات والطوباوية والترف الفكري اللاواقعي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإنسان المقهور والدولة الذليلة بقلم عزالدين مبارك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الديمقراطية الفوضوية والدولة الفاشلة بقلم عزالدين مبارك
» الاختيارات التعليمية الفاشلة بقلم عزالدين مبارك
» من علامات انحراف السلطة بقلم عزالدين مبارك
» جذور الإرهاب بقلم عزالدين مبارك
» بورقيبة في ميزان التاريخ بقلم عزالدين مبارك*

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: