الريع النفطي وخراب الدول
بقلم عزالدين مبارك
لم يكن يخطر على بال أحد أن يتحول الريع النفطي من نعمة على الدول التي حباها الله بهذه الثروة والدول المحيطة بها والمتعاملة معها إلى خراب وفتن وحروب طاحنة تأتي على الأخضر واليابس. وهذا الوضع الكارثي يخص بالأساس الدول العربية التي تعيش الآن مخاضا عسيرا وتتطلع إلى مستقبل قاتم ومظلم وشبه ميؤوس منه.
لقد جاءت هذه الثروة الطائلة في بنية اجتماعية واقتصادية جد متخلفة ولا تعيش عصرها بحيث كانت الدولة القبلية والعشائرية والاقطاعية مهيمنة على المجتمع مستندة على الأيديولوجيا الدينية حسب مفهوم الطاعة العمياء لأولي الأمر وقص الرقاب والنفي في الصحاري الخالية لكل مخالف أو معارض وكانت البنية الاقتصادية بدائية فلا تجد غير الزراعة والرعي والصيد والتجارة والخدمات البسيطة.
كما أن استخراج هذه الثروات من باطن الأرض يتطلب تقنيات متطورة وأموالا طائلة لم تكن متوفرة لهذه الدول الفتية في ذلك الوقت فاستعانت بشركات عابرة للقارات احتكارية سيطرت باستعمال الحيلة والنفوذ على القطاع النفطي فتم من حيث لا يعلم أصحاب الشأن الاستحواذ على الريع بأكمله.
فحتى الدول المارقة كعراق صدام حسين والتي أرادت تأميم ثرواتها واستعمالها لصالح شعوبها لم تسلم من التضييق والتدمير ولو بعد حين وكلما تسنح الفرصة التاريخية بحيث تصبح القيادات السياسية المتنطعة على قرارات الدول المهيمنة عرضة للعاصفة والخلع ولو بقوة السلاح والدسائس والأمثلة عديدة.
فالمسألة النفطية التي أصبحت بالنسبة للدول الغربية مسألة حياة أو موت بالنسبة لاقتصادها ورفاهية شعوبها وضعت كل الخطط الجهنمية للسيطرة على منابع النفط حيث وجدت فأصبحت بذلك دول الريع رهينة سياسات الشركات العالمية والدول التابعة لها ولم يعد لها القرار المستقل خاصة في المجال الاقتصادي والمالي.
وتحولت دول الريع مع الوقت إلى محميات بحيث تنعم العائلات الحاكمة برغد العيش وشعوبها تئن تحت الفقر والخصاصة والتخلف والقهر فلا وجود لمعارضة وحراك اجتماعي ومطالبة بالحقوق الانسانية الأساسية وتحول نحو الديمقراطية وذلك خوفا من بروز أنظمة جديدة تطالب بتأميم النفط والتحكم في الثروة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وهكذا كان الريع النفطي وبالا على الكثير من الدول وخاصة العربية منها بحيث تم نهب الثروة والتحكم فيها من طرف الدول المتنفذة وتوجيهها نحو تمويل القلائل وما يسمى ثورات نحو دول لا ترضى عليها الدوائر الاستعمارية وتريد تغيير نمط عيشها وقياداتها.
كما انتهى الأمر بجمود المجتمعات الريعية والتي تعيش رفاهية زائفة عالة على العالم بحيث تستهلك بشراهة مفرطة دون التحول إلى اقتصاد انتاجي وتكنولوجي متطور متناسية أن عمر النفط قصير وسيأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم.
ومن خلال أموال الريع تم التغرير بالفقراء والمساكين وبيعهم الأوهام والأحلام الزائفة فتحولوا إلى عصا غليظة في يد الشيوخ والعم سام يضربون بها الدول الناشئة لتفتيتها والتلاعب بأهلها وقص الرؤوس على الملأ كالوحوش وكأننا في عهد التتار والمغول. فها هم في سوريا يصولون وها هم في العراق يجولون وقد كانوا ومازالوا في أفغانستان يرتعون وعيونهم على ليبيا وتونس مفتوحة على الآخر والبقية في الطريق.
وسبب الأسباب وعلة العلل الريع النفطي وكأنه لعنة السماء قد حلت بنا فالثروة التي لا تجد من يتحكم فيها ويدافع عنها ويحميها ويوجها إلى خير ومنفعة للناس تصبح خرابا على الدول ونقمة على المجتمعات بحيث يكتوي بنارها الجميع ولو بعد حين.