د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: لماذا نضحك؟ 18/12/2008, 2:44 pm | |
| لماذا نضحــك؟ بقلم د.حسان المالح
«إن الإنسان هو الأشد ألماً بين المخلوقات الأخرى لأنه يعي أنه سيموت ولذلك كان لابد له من أن يخترع الضحك» نيتشه «إن روح الفكاهة ذاتها تجد مصدرها السري في الحزن لا في الفرح، فليس هناك فكاهة في الجنة». مارك توين يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات من خلال اللغة المتميزة، والتاريخ الذي يحمله كخبرات يستعين بها في تعامله وتغييره للواقع من حوله، والضحك والإضحاك أيضاً.. والضحك عملية شديدة التعقيد وواحدة من وظائف القشرة الدماغية المتطورة. ويستلزم الضحك إدراكاً وحساسية للأمور التي تطرأ في حياة الإنسان ومعانيها، ويحدث الضحك بعد حدوث إدراك معين يعمقه الاستدعاء والربط والتفسير، ويؤدي الإدراك إلى انفعال يتحول إلى انقباضات متتالية في عضلات الوجه والصدر والبطن وإلى اهتزاز الجسم كله والقهقهة وربما التصفيق والانحناء وهز الرجلين والانقلاب على الظهر في بعض الأحيان.
وتتعدد الفرضيات والتفسيرات التي قدمها الفلاسفة والعلماء لموضوع الضحك.. ومنها: 1 ـ الضحك هو ممارسة عدوانية وجوهرها حيث يحس الضاحك أن المضحوك منه أقل منه شأناً وأقل قيمة وفي ذلك استعلاء وشعور بالتفوق يعوض عن مشاعر النقص وهذه العدوانية ليست مذمومة إلا حين تعمد إلى إيذاء مشاعر الآخرين وجرحهم.. وهي مقبولة في إطار الضحك والإضحاك ومتعارف عليها على أنها مزاح وفكاهة وليست جداً. وهذه الفرضية قديمة ولكنها مؤثرة وباقية وقد قال بها أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى فولتير وغيره. 2 ـ الضحك ينشأ بسبب التناقض بين الشيء أو الأمر الحادث وبين ما اعتدنا أن يكون عليه. ويفسر ذلك أن الضحك ينتج عن المفارقة والتناقض وغير المتوقع أو المضخم أو غير المألوف أو سوء الفهم والتفاهم الاعتيادي. ويؤكد الفيلسوف الفرنسي برجسون هذه النظرية في كتابه النادر الضحك عام 1934، وأيضاً غيره من الفلاسفة. 3 ـ الضحك ينشأ بسبب ارتخاء مفاجئ وتفكك مؤقت في مناطق الضبط النفسي بسبب التوتر والإحباط والعقد التي نحملها في داخلنا والتي تنتج عن ضغوط الضمير والقيم وغيرها من الضغوط، ويأتي المثير الخارجي للضحك ليفتح المجال لإزالة التوتر والشحنات الانفعالية المتنوعة بداخلنا. وقد بين التحليل النفسي الفرويدي أن الضحك يشبه الحلم من حيث تحلله من القيم والممنوعات وأنه كلما زادت الضغوط كلما احتاجت تركيبتنا النفسية إلى التخفيف منها بعدة وسائل ومنها الأحلام والضحك. وفي ذلك نكوص مؤقت إلى مرحلة طفيلية بما فيها من أحلام براقة وخيالات سعيدة جميلة. ويمكن أن يصبح هروباً من الواقع ومرضاً. كما يمكن أن يكون نضجاً وقوة ونوعاً من السمو الأخلاقي والذي يجعل الإنسان يواجه مواقف الحياة الصعبة بروح الهزل والاستخفاف وعدم الاكتراث «الفيلسوف الساخر». 4 ـ الابتسام والمرح والضحك والبشاشة والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والكوميديا كلها تصدر عن طبيعة واحدة في النفس البشرية المتناقضة حيث تمل الجد والصرامة والعبوس وتبحث في الفكاهة عن منفذ للتنفيس عن آلامها وواقعها ولو مؤقتاً مما يعيد التوازن النفسي ويؤدي إلى أداء أفضل، وهو استراحة واسترواح، ونشوة تنتج عن تقبض العضلات وتفريغ التوتر الجسمي والنفسي. وهذا رأي شائع ومنطق عام يؤيده كثيرون.
ويطرح بعض الأدباء والفلاسفة نظريات خاصة عن الضحك مثل: «إن الإنسان هو الأشد ألماً بين المخلوقات الأخرى لأنه يعي أنه سيموت ولذلك كان لابد له من أن يخترع الضحك (نيتشه الفيلسوف الألماني وقد مات منتحراً في سن الشباب). ويقول مارك توين الكاتب الأمريكي الساخر: «إن روح الفكاهة ذاتها تجد مصدرها السري في الحزن لا في الفرح، فليس هناك فكاهة في الجنة». ويقول المعري «ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة وحق لسكان البسيطة أن يبكوا». وبعض هذه الآراء اكتئابية متشائمة لكنها تستحق التأمل والفهم.
وفي الممارسة اليومية للطب النفسي نجد في حالة اضطراب المزاج المعروفة باسم الهوس أن مزاج المريض يكون منبسطاً مرتفعاً ومتفائلاً... وهو يلعب بالكلمات ويغير من مدلولاتها بشكل مضحك وهو لا يتوقف عن المزاح والمرح والضحك والإضحاك والتهريج الممتع ويمكن لمزاجه أن يتغير وأن يصبح اكتئابياً لمدة دقائق أو ساعات ثم يغلب على المزاج الفرح. وهناك أشكال خفيفة من هذا الاضطراب أقل شدة.. كما نجد في حالات استعمال بعض المواد الإدمانية أن المريض يصبح منشرحاً ضاحكاً خيالياً.. ويدل ذلك على أن اضطراب كيميائية الدماغ بسبب مرضي، أو بسبب تناول مواد تأثير نفسي مزاجي، يمكن أن يغير المزاج بشكل مرضي إلى الفرح المفرط والضحك والإضحاك، مما يستدعي التشخيص والعلاج. كما يدل على أن الإنسان في توازنه واعتداله وصحته لا يمكنه أن يكون مازحاً طوال الوقت أو فرحاً ومضحكاً.. وبالطبع يختلف الناس في شخصيتهم ومزاجهم وميولهم.. ومنهم المعتدلون والأصحاء ومنهم المرضى ومنهم بين هذا وذاك. وتدل الدراسات على أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن لها أن تعدل المزاج وأن تخفف من التوتر والقلق، كما أن مشاهدة البرامج المضحكة والأفلام الكوميدية مفيدة للصحة النفسية والجسدية، وكل ذلك من الأساليب العامة العلاجية وهي لا تكفي في حالات الاكتئاب الواضحة. وأخيراً.. وكما هو واضح فإن فهم الضحك والفكاهة قد أثار العقول والأفكار بحثاً وصياغة لتفهمه.. ولفهم الإنسان وانفعالاته وتفكيره.. ما يزال الإنسان ذلك المجهول.. ولابد من الاعتدال في أمور الضحك والفكاهة دون إفراط أو تفريط. مراجع: ـ تفكيك الضحك، هشام السلاموني، مجلة وجهات نظر، العدد 93/ أكتوبر 2006 ـ الفكاهة والضحك ـ د. شاكر عبد الحميد ـ عالم المعرفة ـ يناير 2003 ـ الكويت. ـ الطب النفسي والحياة ـ الكتاب الثاني ـ د.حسان المالح ـ دار الإشراقات، 1997، دمشق ـ الضحك ـ هنري برجسون ـ دار العلم للملايين ـ ط3 ـ 1983 ـ بيروت. جريدة الاسبوع الادبي السورية العدد 1130 تاريخ 6/12/2008 | |
|
lolo
عـضــو
عدد الرسائل : 13 العمر : 46 التخصص : علم نفس تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| |