النخبة المثفقة في الجزائر
الطالب : ط،م
قسم علم الاجتماع : جامعة قاصدي مرباح ورقلة
المقدمة :
إن إشكالية النخبة المثقفة في الجزائر لم تطرح لأول مرة ، بل طُرحت في العديد من المرات ومن طرف الكثير من المفكرين والسوسيولوجيين الجزائريين، فنحن هنا لم نحكم أو نصدر أحكاما جزافا، فهناك مئات المقالات والدراسات التي أشارت إلى أن هناك أزمة لغياب الفعالية للنخبة المثقفة الجزائرية، نشير إلى ذلك مثلا، الأستاذ علي الكنز، وأ- جابي نصر الدين، أ- مصطفى ماضي، والقائمة تطول، محاولين بذلك إعادة طرح الإشكالية من منظور آخر، ومحولة دراستها ميدانيا حتى لا نبقى في الإطار التنظيري المجرد، معتمدين على دراسة مجموعة من الأبعاد وقياس بعض المؤشرات التي اعتمدنا عليها في دراستنا
نشير إلى أن سوسيولوجيا المثقفين قد اعتمدت على ثنائيتين، الأولى تقسيم المثقفين إلى تقليديين وعصريين، والثانية دراسة كلا المجموعتين حيال السلطة السياسية ، ونحن في دراستنا حاولنا أن ننظر إلى موضوع النخبة المثقفة من منظور آخر أو مقاربة أخرى وهي مقاربة الفعل التواصلي ليورغن هابرماس المفكر الألماني
وسنحاول هنا البحث في هذه الأسئلة للوصول إلى إجابات ليس بالضرورة أن تكون مقنعة للجميع لكن المهم أن نضع بعض التصورات التي نأمل أن تساهم، في تحريك المناخ الفكري المتعلق بهذا الموضوع عند من يهتم به، ومن تقع بين يديه هذه المادة المقروءة
إشكالية المفهوم :
من المجازفة أن نضع تعريفا شاملا و كاملا للمثقف، لأن الصعوبة تكمن - حسب هذه التجربة المتواضعة - في أن مفهوم المثقف مرتبط ارتباطا وثيقا بدور، المثقف، أو ما هو دور المثقف ؟ فلإجابة على هذا السؤال هي التي خلقت المشكلة في التعريف لأن دور المثقف يختلف من عصر إلى آخر، ومن ظرف معين لآخر، ومن بلد لآخر، فدور المثقف منوط ومرتبط كليا بما تمليه عليه حاجات وقضايا المجتمع، وعلى المثقف أن يكتشف بدوره هذه القضايا، وعليه سنقوم ببناء مفهوم النخبة المثقفة الذي اعتمدنا عليه.
النخبة المثقفة:
هي مجموعة من الأشخاص المتجانسين، يمتلكون رصيدا معرفيا ولهم تكوين عالي، ويتمتعون بسلطة رمزية تخول لهم التفكير في قضايا المجتمع ، كما أن مفردة النخبة تحيل إلى نوع من الانتخاب الإجتماعي بمجرد امتلاكه كفاءات نظرية وفكرية في المعارف والعلوم والتقنيات، ومفردة الثقافة تشمل قطاعات واسعة الأدب والفلسفة والعلوم الاجتماعية وحتى التقنية والبحثية، فالمثقف هو من يتعدى حدود اختصاصه للتكلم في قضايا تشمله كعضو في المجتمع يرتبط مصيره به.
- المثقف والمجتمع
تتسم العلاقة بين المثقف والمجتمع بأنها من النوع الجدلي بمعنى أن كلاً منهما يؤثر في الآخر، فليست العلاقة بين المجتمع والمثقف علاقة عامل مستقل وعامل تابع كما هي في علم الرياضيات، ولتوضيح ذلك باعتبار أن المثقف نتاج مجتمعه لأنه فرد في مجتمع، فالمثقف يتأثر بما يحمل المجتمع من قيم سلبية أو إيجابية ويما ويوجد فيه من تعقيدات، المثقف وليد تأثيرات المجتمع، فلا يمكن للمثقف العيش أو التفكير مع افتراض انعدام تأثير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مجتمعه عليه فمن الصعوبة تصور نشوء مثقف من فراغ بل هو نتاج ظروف معينة تمر وتؤثر عليه بقوة
ومن هنا قد تبدأ مشاكل المثقف مع المجتمع ومن ثم يتواجه معه ، وتأخذ هذه عدة مسارات منها :
1. أن " ينسلخ " المثقف عن مجتمعه،
2. أن يعيش حالة عزلة ،.
3. أن يرفض المثقف الحالتين السابقتين ويبقى مصراَ على ممارسة دوره الناقد
المثقف العربي المعاصر
رغم الاختلافات الجوهرية المتواجدة بين السياق الثقافي الغربي و السياق الثقافي العربي، فإن المتطلع على الخطاب العربي المعاصر سيجد من ينادي بنهاية المثقف بطريقة اختزالية يعمها الكثير من الغموض والإبهام.
ويمكن أن نعتبر المفكر اللبناني علي حرب من المنادين إلى ذلك في كتابه "أوهام النخبة". إذ يرى بأن نموذج المفكر والمثقف صاحب المشاريع وصل إلى أفوله ولا بد من اقتراح مفهوم جديد للمثقف يرتكز على المستجدات الحديثة التي جاء بها المجتمع أو ما يسمى كذلك بالمجتمع الإلكتروني.
أما حسب إدوارد، يعد الاختصاص حيلة من حيل السلطة ما دام المثقف يبقى قابعا في مجالاته؛ إذ يتسنى للسلطة بهذا التوزيع التحكم في زمام الأمور بطريقة شاملة، والأخطر بكثير أن تكون من العواقب الوخيمة لهذا الاختصاص سقوط المثقف في العقل الذري، فلا يفسر الأشياء والعالم من منظور شمولي؛ بل يصبح هكذا تفسيره بعيدا كل البعد عن الواقعية والتأثير.
لهذا يدعو إدوارد سعيد صراحة المثقف أن يكون هاويا؛ أي أن يحشر أنفه في كل الأشياء كي يقلق ويخربط ألاعيب السلطة، ليس المقصود من كون المثقف هاويا ومتطفلا تعالما ما، بل المقصود من ذلك تسجيل حضور، لأن الحضور في حد ذاته سلطة ترفضه كل سلطة جاهزة.
النخبة المثقفة في الفكر الأوربي المعاصر
“إن مفهوم المثقف” L’intellectuel ارتبط بقضية اجتماعية وسياسية شهيرة عرفت في تاريخ فرنسا الحديث باسم قضية دريفوس، في 22 من ديسمبر 1894
لكن ألا نتساءل لماذا أطلقت كلمة مثقف، على المدافعين على دريفوس؟ ، أن مفهوم المثقف ارتبط بها لسببين
- أولا : تحول قضية دريفوس إلى قضية وطنية ، اقتحم فيها المفكرين والأدباء وأدلوا بدلوهم ربما لأول مرة بهذا الشكل و النظام.
- ثانيا: شكلوا لأول مرة فئة أو جماعة اجتماعية لها رأي موحد تجاه قضية وطنية
وعليه يمكن أن نستنتج من بعد قراءتنا هذه أن تحديد المثقف تحدد لأول مرة بموقف وبرأي وباتخاذ موقف النقد، لا بوظيفته أو مستواه التعليمي، أو انتماء إلى حزب أو دين معين، وقد نتساءل أليس الذين كانوا ضد دريفوس هم مثقفين كذلك؟ الإجابة سهلة وواضحة،" لا "لأنهم لم يكونوا في موقف الناقد , ورأيهم لم يكن يخالف السلطة.
أما في الفكر الفرنسي الحديث أي المعاصر، هناك الكثير من بين المفكرين الفرنسيين الذين " تناولوا موضوع المثقف و دوره في المجتمع نجد ـ" ادغار موران Edgar Morin فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي معاصر. وأضاف موران، أن المثقف يمكن أن يكون كاتبا، أو شاعرا، أو روائيا، أو محاميا، أو عالما، يتحدث في المواضيع والقضايا الراهنة، ولهذا احتل المفكرون في فرنسا مكانة مهمة لدى الجمهور، نظرا لمناقشتهم القضايا الراهنة، مشيرا، في هذا الصدد، إلى كل من فولتير، وروسو، وديدرو، جان بول سارتر و نظريته – سارتر-عن المثقف الكلي تفترض عن المثقف الكوني تصورا قانونيا للسلطة يقضي بكونها-أي النخبة - متحيزة في المكان يمتلكها من يملك وسائل الإنتاج ، تحتكرها الطبقة السائدة ولا يمكن للطبقة المسودة أن تستعيد حريتها المسلوبة إلا بمعركة شاملة كلية و فق المبادئ والقيم الكونية، قيم العدالة و الحرية والحقيقة والمساواة ، وفي هذه المعركة الكلية يؤدي المثقفون دورا أساسيا بوصفه شرطا لابد منه لانعتاق الآخرين وهم أنفسهم أيضا، ومن هنا يتضح الطابع الشمولي والكوني لفكر سارت ، و في مقابل المثقف الكلي لسارتر نجد المثقف الخصوصي عند مشال فوكو ليس دور المثقف أن يقول للآخرين ما ذا يتعين عليهم فعله، و بأي حق سيفعل ذلك؟ تذكروا كل النبؤات والوعود الأوامر التي كان المثقفين يصوغونها خلال القرنين الماضيين، والتي رأينا الآن أثارها، ليس عمل المثقف أن يشكل الإرادة السياسية الآخرين، وإنما يكمن عمله في التحاليل التي يقوم بها لميادين هي ميادينه،
خصائص النخبة المثقفة الجزائرية في الوضع الراهن
إنه من الصعب تحديد أو رسم صورة واسعة للنخبة المثقفة الجزائرية ، و ذلك راجع الى عدة أسباب ، منها أن عدم حضور المثقف كفاعل أو محرك للتاريخ ، وهذا راجع حسب الدكتور ناصر جابي أن ''القطاعية'' ساهمت بشكل كبير في انعدام الفاعلية لدى النخبة المثقفة الجزائرية و المقصود با القطاعية هو الإنقسام على مستوى الإيديولوجي واللغوي ،
أما الأستاذ نورالدين زمام فقد كتب حول المثقف أن ثنائية الخطاب الثقافي في أي مجتمع، تُخفي وراءها تباينٌ في المواقف واختلاف في الأدوار، بحيث تجعل من المستحيل الحديث عن نخبة مثقفة متجانسة قادرة على توحيد الرؤى والأفعال خلف هذه الثنائية، أما الدكتور مصطفى ماضي الذي نجده في كثير من مقالاته يتناول موضوع المثقف الجزائر، و هو يرى " أن المثقّف ليس بعالِمٍ ولا بمبدِعٍ، بلْ هو قد أصبح جزءاً من نظام إعلامي .....ومُعوْلَم، وهو في معظم الأحيان يعيد إنتاج تقاليدنا القديمة في الهجاء أو المديح السياسي الطابع. وهذا وضع معاكس تماماً لمفهوم الثقافة والمثقَّف ، وفي دراسة قام بها أستاذ علم الإجتماع الدكتور مولود سعادة : إن انغلاق النخب على نفسها لا يفسح المجال للتفاعل بينها لإيجاد النفاذية المتبادلة والتنسيق المثمر، وقد أشار أستاذنا في عدة نقاط الى خصائص نخبنا في الجزائر نذكر منها، الإرتباط العضوي للنخبة المثقفة بالأيديولوجية الرسمية، إستمرار المشروعية من البعد الوطني المتماهي مع الأيديولوجية الغالبة ، و نشير بدورنا حسب دراستنا يمكن القول بأن النخبة المثقفة الجزائرية أصبح فئة تكنوقراطية أي تسير مصالح رِؤوس الأموال ، وأصحاب النفوذ السياسية والأيديولوجية