النخبة في فكر محمد أركون :
ضمن المشروع الحضاري لأركون ، احتل المثقف نافذة مهمة في فلكه الفكري، حول تحديد مفهوم المثقف ، و خلافا للجابري الذي سعى إلى تبيئة مفهوم المثقف بقياس الأشباه بالنظائر و"إعادة بناء هذا المفهوم بالصورة التي تجعله يعبر داخل الثقافة العربية عن نفس المعنى الذي يعطى له في الفكر الأوربي حيث يجد مرجعيته الأصلية"، وخلافا كذلك لعلي حرب الذي أخذ مفهوم المثقف كما هو جاهزا من الثقافة الغربية وحاول أن يعالج به أزمة المثقف العربي الإسلامي، وخلافا لمسعى المفكر المغربي "علي أومليل" الذي توقف فيه عند الدلالة التاريخية لمفهوم المثقف، معتبرا أن هذا المفهوم هو من بين المفاهيم الحديثة النشأة "التي يصعب الجزم بوجودها في فترات تاريخية سابقة،نجد أركون بطرحه الابستيمولوجي المغاير الذي اعتمد فيه على المنهج التفكيك deconstruction* لجاك دريدا ، وهو ما جعله يقف بجرأة فكرية محدثة في جسد العالم الإسلامي المريض، فهو يعتقد أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة تعاني من قطيعتين : الأولى مع الفترة المبدعة من تراثها ، والتي تنتهي بابن رشد ، والثانية مع الحداثة الأوربية المتواصلة منذ القرن 16 عشر حتى الآن.و هو يدعوا المثقف العربي أن يقوم بنفس دور فلاسفة التنوير في النهضة الأوروبية الحديثة والقيام بقطيعة ابستيمولوجية ، وذلك في إطار مشروع نقذ العقل الإسلامي من خلال تفكيك الخطاب الديني واعتماد المنهج ألتفكيكي*
* التفكيكية منهج نقدي أسسه الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا ( 1930-2004 ) ويهدف من خلاله دراسة النصوص التي غلبت عليها صفة المطلق و المثالية اعتمادا على هذا المنهج التفكيكي الذي لا يعطي اعتبارا للمقدس فيولد من خلاله أشياء كثيرة سكت عنها النقاد القدماء ، وقد طرح آراءه في ثلاثة كتب نشرت في سنة 1967 وهي (حول علم القواعد) و (الكتابة والاختلاف ) و(الكلام والظواهر) واستند ديريدا في هذا المنهج إلى قطيعة سبق أن أعلنها الفيلسوف نيتشه تجاه الميتافيزيقيا ، وتتجلى التفكيكية في أنها تقوض مفهوم الحقيقة بمعناه الميتافيزيقي كما تقوض الواقع بمعناه الوضعي التجريبي وتحول سؤال الفكر إلى مجالات اللغة والتأويل .ويعتبر منهج التفكيك deconstruction أهم حركة ما بعد البنيوية في النقد الأدبي إضافة إلى أنها الحركة الأكثر إثارة للجدل في الوقت المعاصر ويستخدم التفكيك (( للدلالة على نمط من قراءة النصوص بنسف ادعاها المتضمن أنها تمتلك أساسا كافيا في النظام اللغوي الذي نستعمله ، كي تُثبت بنيتها ووحدتها ومعانيها