إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Empty
مُساهمةموضوع: كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل   كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Empty4/12/2008, 3:50 pm

كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Levi-strauss_260
«أبو الأنثروبولوجيا» يطفئ 100 شمعة
كلود ليفي ـ ستراوس: فتوحات كبيرة مصحوبة بالجدل والإثارة
باريس: محمد المزديوي - جريدة الشرق الأوسط عدد 4 ديسمبر 2008
نزوع كلود ليفي ـ ستراوس، الأنثروبولوجي والإثنولوجي الفرنسي الكبير، ذي الجذور اليهودية، إلى الابتعاد عن الأضواء جعل الكثيرين يتصوّرون أنه رحل عنا منذ فترة، ولكن الحقيقة هي أنه لا يزال حياً ويرزق وقد بلغ الآن سن المائة (28 نوفمبر 1908)، شأنه في ذلك شأن المخرج السينمائي البرتغالي مانويل دي أوليفيرا (12 ديسمبر 1908). والاحتفالات الفرنسية الحالية بهذا العالم المتميز لها ما يبررها، فقد أثار ستراوس من خلال أبحاثه وآرائه جدلا كبيرا، ولا تزال طروحاته تثير الأسئلة، وتعين على فتح آفاق جديدة. من هو ستراوس؟ وما الذي منحه تلك الأهمية التي يستحق؟

نخرج من قراءة نصوص ليفي ـ ستراوس بصورة عن المفكر الموسوعي، الذي كتب في غير ما موضوع، عن «أنظمة القرابة» عن البنية والبنيوية (تحليله الشهير لقصص بودلير) عن التواصل «الذي هو فيزيقي ورمزي في آن معا» و«كل ما يدور بين البشر، من ممتلكات وكلمات وأشخاص، يمكن أن يعتبر فعلاً تواصلياً». وقد كتب ستراوس عن الطبيعة/ الثقافة: «إن التمظهر الأول للثقافة باعتبارها منتوجا للعقل البشري هو وُجود قواعد. توجد قواعد في الفن والقرابة والدين. فالطبيعة تستجيب لأسباب، وبعض القواعد مثل التحريم وزنا الأقارب هي كونية، من حيث المبدأ، ولكنها مختلفة من خلال تمظهراتها». وثمة مواضيع أخرى تناولها ستراوس مثل «الطوطمية» و«تنوع الثقافات» وغيرها. وقد تسببت مواقفه من تنوع الثقافات في الكثير من الجدل، خصوصاً حين حكم على فكرة «الحضارة العالمية» بكونها تجريداً، وحين تحدث سنة 1971 عن «صمَم» بين الثقافات.

وقد كان اكتشافه لماركس والتحاقه بالحزب الاشتراكي من بين الأسباب التي جعلته يبتعد عن الشأن الديني، بل ويعبر عن نفور شخصي شديد من التدين، لكنه سيعود لاحترامه. «كنت في سن العشرين، معادياً للشعور الديني لكن مع مرور الزمن أصبحت أكثر تسامحاً، على الرغم من أني أظل أصمّ إزاء الأجوبة الدينية».
وقد كان ظهور كتاب «مدارات حزينة» بمثابة قنبلة في حينه، وأعلن عن ظهور مفكر ورحالة وعالم وأديب. ونجاح «مدارات حزينة»، الذي ظهر في أكتوبر 1955، كان سريعا، وحظي بتقريظ من قبل أهم كتاب عصره ومن بينهم موريس بلانشو وجورج باتاي وميشيل ليريس وريموند أرون. وعلى الفور اشتهرت تعابير أطلقها ستراوس مثل «أنا أمقت الأسفار والتنقلات» و«وداعا للمتوحشين، وداعا للأسفار». ولأن كتابه كان متميزاً، عبرت لجنة جائزة الغونكور حينها، أي في ديسمبر من نفس السنة، عن أسفها لعدم استطاعتها منح الجائزة للكتاب لأن قوانين الجائزة تفترض أن تمنح لكتاب تخييلي. ويبدو أن نجاح الكتاب فتح أمام ستراوس الكثير من الآفاق، فقد منح جائزة أول ريشة ذهبية، تعطى لأفضل كتاب عن الرحلة أو مغامرات السَّنَة، لكنه رفض تسلم الجائزة. وهذا ما جعله يتكرّس ليس فقط كعالِم بل وككاتب يعكس صورة عن الحياة الفكرية.

إن كتاب «مدارات حزينة»، يرى فيه الكاتب الفرنسي ريجيس تيتامانزي Régis TETTAMANZI في كتابه «الكتاب الفرنسيون والبرازيل» (دار لارماتان 2004) أنه يشكل نقطة فارقة في العلاقة مع البرازيل والهنود الحمر هناك. وبالتالي يشكل قطيعة مع كل الكتابات السابقة، وخصوصا كتابات القس جوزيف بورنيشو وألبير كامو وبول كلوديل وبنيامين بيريت وغيرهم. لقد كان دفاع ستراوس عن الهنود الحمر وأنماط عيشهم قوياً، وساهم مع جامعيين آخرين في تأسيس جامعة ساوباولو. وشهرته الكبيرة في البرازيل جعلت منه نجماً أثناء انعقاد سنة البرازيل في فرنسا. وليس من الغريب أن يشاطر الهنود الحمر البرازيليين خيبة أملهم من عدم تنفيذ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا لوعوده الانتخابية في ما يخصهم.
لم يكن الكتاب الذي يبتدئ بمقولته الشهيرة «إني أمقت الأسفار والاستكشافيين»، احتقارا للسّفر وإنما دعوة لنوع جديد من السفر. ويفسّر ستراوس معنى هذه الجملة التي أثارت غضب واستغراب الكثيرين وعلى رأسهم بول ريفت، في كتاب «عن كثب وعن بعد». وهي محاورات أجراها معه الصحافي ديديي إيريبون DIDIER ERIBON، بالقول: «تطلب الأمر مني كثيراً من الرحلات. لكني لا أحب السفر من أجل السفر. وأنا على اتفاق كامل مع مدام ستايل حين تقول: إن السفر يظلّ إحدى مُتَع الحياة الأكثر حزنا. وما عدا سنواتي الأولى، لم تثر الأسفار حماسي أبداً».

ولكن ما هو أكثر استفزازا في الكتاب يبقى موقفه القاسي من الإسلام ومن العرب. في مقابل اللطف والتسامح الشامل للبوذية والرغبة المسيحية في الحوار، فإن اللاتسامح الإسلامي يتبنى شكلاً لا واعيا لدى أتباعه. لأنهم إن لم يكونوا يريدون دائما أن يقودوا الآخرين، بطريقة عنيفة، إلى تقاسم حقيقتهم، فإنهم (وهنا يبدو الأمر أكثر خطورة)، يَبْدُون عاجزين عن تحمّل وجود آخَرين باعتبارهم آخَرين. الوسيلة الوحيدة بالنسبة لهم للاحتماء من الشكّ والإهانة تتجلى في «عملية إفناء» الآخرين، الذين يُنظر إليهم باعتبارهم شهود إيمان آخر وسلوك آخر.
ويذهب ستراوس إلى درجة مقارنة جمود الإسلام بجمود فرنسا العاجزة عن تجاوز عظمة الحقبة النابوليونية. ويقول أيضا «المشكلة التي يعاني منها الإسلام تتجلى في التفكير في العزلة. فالحياة، بالنسبة للإسلام، هي قبل كل شيء الجماعةُ، والموتُ يستقر دائما في إطار جماعة، محرومة من كل مُساهم».

ولكن ما يجب الإشارة إليه هو أن موقفه من إسرائيل هو الآخر لم يكن مؤيداً، أو أعمى، وهو ما كان يثير حزن المفكّر الفرنسي اليميني ريمون أرون. وفي رسالة أرسلها ستراوس لأرون يقول: «لا يمكنني أن أنظر إلى تدمير الهنود الحمر كجرح، وأتصرف عكس ذلك حين يتعلق الأمر بالعرب الفلسطينيين، على الرغم من أن اللقاءات القصيرة التي جمعتني بالعالم العربي أوحت لي بنفور لا يمكن استئصاله». ويعترف ستراوس أن عدة شهور قضاها في بنغلاديش لم تجعله يحس بأي ميل نحو هذا البلد.
ويبدو أن مواقف ستراوس من اليهودية وإسرائيل هي التي جعلت مواقفه من الإسلام تبدو أقل قسوة، أو أنها أثارت انتقادات أقل إذا ما قورنت بالاحتجاجات التي أثارتها مواقفه من الأعراق ومن التنوع الثقافي. «اليهودية كانت بالنسبة لأبويّ ليس أكثر من تذكار. لقد ترددتُ كثيرا قبل زيارتي إلى إسرائيل، لأنّ إعادة الاتصال الجسدي مع الجذور تشكل تجربة مؤلمة». كما أن ستراوس عبر في رسالته السابقة الذكر إلى ريمون أرون عن اتفاقه مع مقولة الجنرال دوغول الشهيرة عن دولة إسرائيل: «واثقة من نفسها ومُهَيْمنة». ويعبر عن قرفه من قيام بعض زعماء الطائفة اليهودية في فرنسا بالتحدث باسم جميع اليهود. بالفعل كانت مواقف كلود ليفي ـ ستراوس أحيانا غير منتظرة، وهو ما يشكل أصالته. فها هو يرفض التوقيع على «بيان 121» من أجل الدفاع عن «حق العصيان، أثناء حرب الجزائر»، في حين أنه وقّع، سنة 1958، على النداء من أجل السلام في الجزائر، على الرغم من أنه الآن لا يتذكر إن كان بالفعل قد وقّع على البيان.


وثمة موقف آخر للاختلاف، عن الآخرين، عبر عنه الأنثروبولوجي الفرنسي، سنة 1971، وهو تبنيه موقفاً مختلفاً عن برنامج اليونسكو. وقد اعتبر أن منظمة اليونسكو تتيه حين تحاول مُصالَحَة نزعتين تناقضيتين، سبق للانثروبولوجي أن أشار إليهما في كتابه «عرق وتاريخ»، وهي أن التقدم التحديثي (التمديني) يقود إلى ازدياد السكان، وهو ما يساعد على التبادلات الثقافية. ولكن هذه التبادلات تقود إلى محو التنوع الثقافي. يتدخل ستراوس للتأكيد على حق كل ثقافة في أن تظل «صمّاء» إزاء قِيَم الآخَر أو انتقادها. وهو ما يعني استبدال التصور الذي تدافع عنه اليونسكو عن الإنسان المنفتح، على الآخر، بتصور آخر عن إنسان يميل، إلى أن يكون متحفظاً وحَذِراً إن لم يكن معادياً.
وقد دافع عن أفكاره في مقر اليونسكو مما تسبب في أزمة حقيقية، اعتبرها هو: «فضيحة جميلة». لكن الكثيرين اعتبروا أفكاره نوعاً من شرعنة الطروحات العنصرية. وقد ظل الأنثربولوجي الفرنسي وفياً لهذه الطروحات ودافع عنها مرة أخرى أمام اليونسكو سنة 2005، وكرّر القول ان الانفجار الديموغرافي هو كارثة مسؤولة عن مصائبنا وتقود إلى إفقار التنوع الثقافي. ويرى أنه من أجل الحفاظ على التنوع الثقافي، يتوجب على الشعوب أن تَحُدَّ من التبادلات وتحافظ على مسافة فيما بينها.
التنوع الثقافي العزيز على قلب اليونسكو وعلى قلب ليفي ـ ستراوس، يطرح إشكالية حقيقية، في زمن العولمة، حيث العالم أصبح قرية كونية، وحيث اللغات تموت كل يوم. وبالتالي فإن طروحات الأنثروبولوجي التي كانت تعتبر عنصرية وتصب في اتجاه حزب الجبهة الوطنية العنصرية، حسب اتهامات اليسار الفرنسي حينها، تتطلب إعادة قراءة باعتبارها تتضمن نسبة لا يستهان بها من القلق المشروع.
الاحتفال بعيد ميلاد ستراوس فرصة لقراءة كتبه ومناقشة أفكاره،
وفيما يخصنا، نحن كعرب، فلا نزال نناضل، دونما تقدم كبير، من أجل
أن نفرض احترام الآخرين لنا، ونقنعهم بأننا قابلون للتطور مثل
شعوب العالم الأخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبهذه المناسبة أقدم لكم كتاباً عن فكر شتراوس بعنوان (البنيويه و العولمه في فكر كلود ليفي شتراوس) للدكتور محمد مجدي الجزيري، وتجدونه على الرابط التالى:
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=011501.pdf

وهذا رابط لعدد خاص من مجلة "رسالة اليونسكو " (يونيو 2008) بعنوان: "كلود ليفي ستروس: نظرات متباعدة"...
http://typo38.unesco.org/ar/cour-05-2008.html



عدل سابقا من قبل algohiny في 6/8/2009, 12:58 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Empty
مُساهمةموضوع: ماذا بقي من البنيوية؟   كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Empty16/4/2009, 7:10 pm

كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Art1.497469

ماذا بقي من البنيوية؟
بقلم: هاشم صالح

يحتفل الفرنسيون حاليا بمفكرهم الكبير كلود ليفي ستراوس الذي سيصبح عمره قرنا كاملا هذا الشهر وبالتحديد في 28 نوفمبر (تشرين الثاني). وقد صرح بانه اول المندهشين بهذا الوضع، ولم يكن يتوقع اطلاقا ان يعيش كل هذا العمر المديد. فهو ولد مع غريمه سارتر في بدايات القرن العشرين. وجلسا على مقاعد الدراسة معا. ولكن سارتر مات منذ زمن طويل. أما هو فلا يزال على قيد الحياة يقرأ روايات بلزاك للمرة الاربعين ويتعلم اللغة اليابانية! وهو يعيش في قرية صغيرة على الحدود الفرنسية- السويسرية بعيدا عن ضجيج العواصم وتلوثات المدن الكبرى وقريبا من الطبيعة الخلابة التي طالما أحبها استاذه الكبير: جان جاك روسو. وقد كرست له مختلف المجلات الكبرى والجرائد ملاحق ثقافية وتحقيقات واسعة تتحدث عن انجازاته الفكرية وكتبه ونظرياته ومسار حياته ككل. وهنا نقدم نبذة عن أعمال هذا العالم الفذ الذي اشتهر بانه مؤسس البنيوية في الفكر الحديث. ومعلوم ان البنيوية اصبحت موضة شائعة ليس فقط في مجال النقد الادبي وانما في كل المجالات. وانتقلت الى شتى انحاء العالم ومنها عالمنا العربي بالطبع.


ولكن إذا كانت البنيوية قد انحسرت كموضة أو كإيديولوجيا، إلا أنها بقيت كمنهجية في البحث العلمي. فعندما تزول حركة فكرية ما فإنها لا تزول كلياً وإنما يبقى منها أفضل ما فيها، ثم ينصهر ويذوب في الحركة العامة لتاريخ الفكر. وهكذا يمكن القول بأنه لا شيء يموت كلياً، ولا شيء يولد من عدم. ولكن تعاقب الحركات الفكرية وراء بعضها البعض كالليبرالية والماركسية والظاهراتية والسريالية والوجودية والبنيوية والحداثة وما بعد الحداثة، دليل على أن الواقع أكبر من أي نظرية مهما علا شأنها وعظمت عبقرية صاحبها. فكل نظرية لا ترى من الواقع إلا جانباً واحداً ثم تتوهم أنها رأته كله وفسرته حتى استنفدته تفسيراً. ولكن الواقع خصب، غني، معقد، كثيف. وحركة الحياة لا تتوقف. وهكذا تبدو النظرية عاجزة –بعد فترة- عن مسايرة الوضع. هكذا تنشف النظرية وتجمد، وتظل الحياة مليئة... بالحياة. وكما قال غوته في كلمته الشهيرة: «رمادية» هي النظرية، يا صديقي، ووحدها شجرة الحياة تظل خضراء....
ما هو الشيء الجديد الذي أتت به البنيوية؟ للجواب عن هذا السؤال سوف نستعرض هنا آراء أهم المفكرين المعاصرين في هذا المجال: أي كلود ليفي ستراوس الذي يجمع الكل على أنه أب البنيوية ليس فقط على المستوى الفرنسي وإنما على الصعيد العالمي ككل. فمن هو كلود ليفي ستراوس؟

ولد ليفي ستراوس في عائلة بورجوازية في بدايات هذا القرن ودرس الفلسفة مثل سارتر وسيمون دوبوفوار. ولكنه تحول عنها فيما بعد لكي يتخصص في علم الاثنولوجيا (أو دراسة عادات الشعوب البدائية وتقاليدها وعقليتها). وهكذا قام برحلتين إلى البرازيل عامي 1935 و1938 وأتيح له الاطلاع على أحوال الهنود الحمر في ضواحي ساو باولو أو أريافها البعيدة. وبعد أن درس الشعوب البدائية عن كثب وبشكل ميداني كما يفعل أي عالم انثروبولوجيا عاد إلى فرنسا وهو محمَّل بالمعلومات والحكايات والأساطير العديدة. ثم اضطر للهجرة إلى نيويورك أثناء الحرب العالمية الثانية، وهناك أُتيح له اللقاء برومان جاكسون، زعيم الألسنيات البنيوية الحديثة. وكان لقاء حاسماً غيَّر مجرى حياته كما اعترف بذلك فيما بعد. فقد كشف له جاكسون على أنه تمكن دراسة المجتمع كما تُدرس اللغة. فعادات المجتمع وتقاليده هي أيضاً لغة وترمز إلى شيء آخر يقبع تحتها او خلفها هو: البنية. من هنا نتج علم السيميائيات او الدلالات بالمعنى الواسع للكلمة: أي من لغوية وغير لغوية. فالازياء لغة، والمطبخ لغة، والعادات والتقاليد المختلفة من مجتمع الى آخر لغة، واسلوب التحية والتهذيب الياباني او الفرنسي او العربي لغة، ومغازلة السيدات الباريسيات لغة تختلف عن مغازلة الفتيات العربيات ولها قواعد وأصول الخ..

لنضرب على ذلك مثلاً نظام القرابة (أو المصاهرة) السائد في مجتمع ما. فالناس يتزوجون طبقاً لقواعد أو لعادات يمكن دراستها كنظام رمزي متماسك كما تدرس اللغة. وقد طبق ليفي ستراوس هذه المنهجية البنيوية على أنظمة القرابة السائدة لدى قبائل الهنود الحمر التي زارها وعاش بينها لفترة وخرج باكتشافات مدهشة. بل وأدى إلى إحداث ثورة معرفية داخل علم الانثروبولوجيا. وهكذا صدر كتابه الكبير الأول عام 1949 بعنوان: «البنى الأولية للقرابة». واكتشف أن الزواج في هذه القبائل –وفي كل المجتمعات البشرية- يخضع لقواعد وقوانين صارمة دون أن يكون الناس واعين بها تماماً. وهذه القواعد تشكل لغة المجتمع في إقامة العلاقات بين أعضائه عن طريق المصاهرة. وبالتالي فيمكن دراسة هذه العلاقات الاجتماعية كما يدرس جاكبسون العلاقات البنيوية داخل اللغة. فـ«الفونيم» أو الوحدة الصوتية الأولى تشبه البنية الأولية للقرابة. والعلاقات بين عدة فونيمات (أو وحدات صوتية) هي التي تشكل المعنى داخل اللغة، مثلما أن العلاقة بين عدة أطراف هي التي تشكل نسيج النظام الاجتماعي عن طريق المصاهرة.

هكذا راح ليفي ستراوس يدرس المجتمع كما يدرس عالم الألسنيات اللغة سواء بسواء. وقد اكتشف ليفي ستراوس أن هناك ثوابت (أو متغيرات) تقبع خلف التنوع الظاهري لأنظمة القرابة السائدة في مختلف المجتمعات البشرية. من هذه الثوابت حظر التزوج بالنساء القريبات جداً. فليس هناك من مجتمع في العالم سواء أكان بدائياً بسيطاً، أم حضارياً معقداً، إلا ويمنع الزواج بالخالة أو العمة ناهيك عن الأم والأخت أقرب المقربات. ومنع الزواج بالنساء المقربات هو الذي يتيح المصاهرة بين العائلات المختلفة وهو الذي يخلق شبكة العلاقات الانسانية والديناميكية الاجتماعية. وإذن فإن الزواج أو المصاهرة هي لغة يمكن دراستها بنيوياً كما تدرس الجملة أو النص اللغوي والعلاقات الداخلية التي تتحكم فيه.

وهكذا دعا ليفي ستراوس إلى الاستفادة من علم الألسنيات أثناء صعود البنيوية في الستينات والسبعينات. فقد أصبح العلم الرائد والطليعي بالنسبة لمختلف الباحثين. ولكنهم تطرفوا في تطبيقه بشكل شكلاني إلى درجة أنه قد حصل رد فعل ضده الآن. في الواقع إن ليفي ستراوس أراد استخدام نتائج علم الألسنيات من أجل تقديم نظرية عامة عن المجتمع بصفته نظاماً متكاملاً. أو قل إنه أراد تقديم نظرية عامة عن التواصل والتبادل. وقال بأن التواصل في المجتمع موزع على ثلاثة طوابق.
1 ـ فهناك أولاً تبادل النساء داخل المجتمع عن طريق الزواج. وهذا التبادل هو الذي يشكل شبكة العلاقات الاجتماعية الحية. وهو يتم طبقاً لقوانين القرابة والمصاهرة التي يمكن اكتشافها عن طريق الدراسة الميدانية للمجتمع. لماذا تفضل هذه العائلة المصاهرة مع تلك، وتمنع المصاهرة مع عائلة أخرى؟ الخ.. ما هي المعايير أو القوانين التي تتحكّم بكل ذلك؟ وكيف يمكن لنا أن ندرس بنية المجتمع من خلالها؟
2 ـ وهناك ثانياً تبادل الأرزاق والسلع عن طريق المتاجرة. وهذا التبادل يخضع لقوانين علم الاقتصاد التي يمكن دراستها بنيوياً أيضاً. فبنية الاقتصاد الإقطاعي أو الريفي البدائي، غير بنية الاقتصاد البورجوازي التجاري أو الصناعي..
3 ـ وهناك ثالثا تبادل الرسائل اللغوية –أو الخطابات الكلامية- ويمكن دراستها عن طريق تطبيق قواعد علم الألسنيات. فتبادل الكلام بين البشر ليس عفوياً إلى الدرجة التي نتوقعها، وإنما يخضع لقوانين غير واعية. فمثلاً قبل أن نفتح فمنا لكي نتكلم نراعي نوعية الشخص الذي نخاطبه، هل هو كبير أم صغير، مهم أم غير مهم، عدو أم صديق، غني ام فقير، الخ..
كل هذه الأنظمة الثلاثة (نظام القرابة، ونظام التبادل الاقتصادي، ونظام الخطاب) هي التي تتحكم ببنية المجتمع ككل، أو قل هي التي تشكل البنية العامة للمجتمع. ودراستها الواحدة بعد الأخرى تساعدنا على فهم بنية المجتمع. هكذا نجد أن فعاليات المجتمع تشكل أنظمة رمزية (أو شيفرات) تدرس بنيوياً كما تدرس أي لغة بشرية.

ولكن لكلمة «بنيوية» معنى آخر لدى ليفي ستراوس. فهو يقصد بها ثوابت الطبيعة البشرية. وهو هنا يلتقي بالمثالية الكانطية. ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني أن الطبيعة البشرية واحدة على الرغم من اختلاف الأجناس والأنواع والأقوام البشرية. فعلى سطح الأرض يوجد عدد كبير من المجتمعات البشرية، الصغيرة او الكبيرة، البسيطة أو المعقدة، الزراعية او الصناعية، البدائية أو الحضارية. ولكن الإنسان هو الإنسان في كل مكان. فهو يحب ويكره، أو يغبط ويحسد، أو يصادق ويعادي في كل مكان... صحيح أنه يفعل ذلك بأشكال وصيغ مختلفة طبقاً لنوعية المجتمع ودرجة تطوره أو عدم تطوره، ولكن الحسد يبقى هو الحسد، والحب هو الحب، والحقد هو الحقد الخ... بمعنى أن هناك ثوابت للطبيعة البشرية. وتركيز ليفي ستراوس على الثوابت (أو اللامتغيرات) هو الذي جعل الآخرين يتهمونه بكره التطور، والحركة التاريخية، وحب الجمود أو التزامن الأبدي، أي بقاء المجتمع على نفس الحالة إلى أبد الآبدين. وقد حاول ليفي ستراوس أكثر من مرة الدفاع عن نفسه والقول بأنه لا يكره التاريخ ولا التطور، وأنه ليس مع الثبوت، ولكنه لم ينجح في ذلك تماماً. فهو يعتقد بوجود دوافع عميقة جداً أو لاواعية تتحكم بالروح البشرية وعقلية الانسان ويستحيل تغييرها. ويعتقد أن مهمته كباحث تكمن في الكشف عن هذه الدوافع الثابتة التي تتحكم بالطبيعة البشرية في كل زمان ومكان.

صحيح أن هناك عدداً لا نهائياً أو قل هائلاً من الثقافات والمجتمعات البشرية المختلفة في عاداتها وتقاليدها وأنماط حياتها. ولكن وراء هذه الاختلافات «السطحية» للبشر تربض دوافع ثابتة لا تتغير ولا تتبدل هي ما يدعوه ليفي ستراوس بمكوّنات الطبيعة البشرية او ثوابتها. فالبشر أحبوا وكرهوا وتحاربوا قبل آلاف السنين مثلما يحبون ويتحاربون الآن. وحدها الأسلحة اختلفت ولكن الدوافع بقيت واحدة. ففي السابق كانوا يتحاربون بالسيوف واليوم يتحاربون بأحدث أنواع الأسلحة من طائرات وصواريخ ودبابات. وكما كان كانط يرى بأن هناك مقولات أسبقيّة تتحكم بالعقل البشري قبل أن يتنطّح لمهمة التفكير ودراسة الواقع (كمقولة السببية، والزمان والمكان...) فإن ليفي ستراوس يعتقد بأن هناك قوانين أو إكراهات أبدية تتحكَّم بطريقة اشتغال الروح البشرية.

ولكن الإنسان يعتقد أنه حر، وأنه يتصرف بشكل عفوي لأنه غير واع بهذه الإكراهات والقيود التي تحركه من وراء الستار او من خلف الوعي الظاهري. وليفي ستراوس يعتقد بأن الإنسان مسيَّر أكثر مما هو مخيَّر، من هنا نزعته التشاؤمية وعدم ثقته بالطبيعة البشرية. ولهذا السبب اختلف مع جان بول سارتر الذي كان ثورياً رومانطيقياً يؤمن بالإنسان وبإمكانية تغيير المجتمع نحو الأفضل باستمرار. سارتر كان يؤمن بامكانية تغيير الطبيعة البشرية، ولكن ليس ليفي ستراوس. من هنا نزعته المحافظة واليمينية التي جعلت منه خصما لسارتر اليساري التقدمي على الساحة الفرنسية.
نشرت بجريدة الشرق الأوسط عدد 6 نوفمبر 2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Empty
مُساهمةموضوع: رد: كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل   كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل Empty6/8/2009, 1:26 pm

كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل 444p

الفكر الميثولوجي ليس أقل قوة من فكر العلماء
بقلم: حسونة المصباحي

أواخر هذا العام (2008)، وتحديدا في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يكون عالم الانتروبولوجيا الكبير كلود ليفي ستراوس صاحب كتاب "مدارات حزينة" قد بلغ من العمر 100 عام.

ولأنه واحد من أعظم المفكرين الذين عرفهم العالم خلال القرن العشرين، ونظرا للدور الهام الذي لعبه في فتح آفاق جديدة أمام الانتروبولوجيا، وأمام الفلسفة الانسانية بصفة عامة، فإن فرنسا سوف تخصص له احتفالات وندوات تعرّف بأفكاره، وبالقضايا الكبرى والاساسية التي عالجها في مجمل أعماله خلال مسيرته الفكرية الطويلة. وكانت البداية، صدور المجلد الأول من أعمال كلود ليفي ستراوس ضمن سلسلة "البلياد" الشهيرة المختصة في نشر أعمال عظماء الانسانية من الأدباء والشعراء والفلاسفة والمفكرين من مختلف اللغات والثقافات. وقد قال المشرف على صدور المجلد المذكور: "إن دخول كلود ليفي ستراوس ضمن سلسلة "البلياد" يمثل الاعتراف به كاتبا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.
ونحن نتعرف على نوع من الكتابة والأسلوب اللذين يندرجان ضمن لغة وأسلوب كل من بوسييه وشاتوبريان. ويعني هذا الدخول إلى "البلياد" أيضا أننا نرغب في توسيع معنى ومفهوم الأدب. وهذا الأدب لم يعد معنيا فقط باستكشاف الذات الانسانية، وإنما بمجالات أخرى مختلفة ومتعددة. ثم إن كلود ليفي ستراوس يشكل لنا نوعا جديدا من القراءة. وعندما نقرأ أعماله، فإننا نقوم بتجربة لشكل من أشكال الفكر، ونجد أنفسنا مجبرين على أن نجعل فكرنا يتفاعل مع أفكار الشعوب التي درس أحوالها وأوضاعها. بهذا المعنى يمكن القول إن كلود ليفي ستراوس يحتفظ بشيء من التجربة الخاصة بالأدب في القرن العشرين...".
ولد كلود ليفي ستراوس في بروكسيل "بلجيكا" يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1908. ومنذ الطفولة اهتم بثقافات الشعوب الأخرى، البعيدة بالخصوص. وكان أحيانا يحلم بالبرازيل، ذلك البلد الذي سحره فيما بعد، عندما نضج فكريا، فكتب من وحي رحلاته إليه، واقامته الطويلة فيه، عمله الفكري الرائع "مدارات حزينة".

وعند دخوله إلى الجامعة، فتنته نظريات فرويد في علم النفس وأيضا أفكار ماركس. وعن هذا الأخير، كتب في ما بعد يقول: "لقد حلّقت بي قراءتي لماركس بعيدا حتى أنني عقدت الصلة من خلالها مع التيار الفلسفي الذي يبدأ من كانط وينتهي بهيغل. وقد بدا لي أن عالما بأكمله انكشف لي. ومنذ ذلك الحين، لم يفارقني التحمس لأفكار ماركس. ونادرا ما كنت أنشغل بمسألة تتعلق بعلم الاجتماع أو بالاثنولوجيا من دون أن أقوم مسبقا بشحذ أفكاري من خلال قراءتي لصفحات من مؤلفاته مثل "18 من برومير للويس بونابرت" أو "نقد الفكر الاقتصادي".
أما النظريات والفلسفات الميتافيزيقية مثل الفينومينولوجيا والوجودية، فلم تفتن المفكر الشاب الذي هو كلود ليفي ستراوس الذي اكتشف خلال السنة الفاصلة بين 1933 و1934، كتابا سوف يحدد مساره الفكري. ولم يكن هذا الكتاب إلا "المجتمع البدائي" لروبرت. هـ. لويفي الذي ساعده على اكتشاف حياة وتقاليد البعض من المجتمعات البدائية، وجعله يشعر بأن فكره انفتح للمرة الأولى على "الهواء الطلق". وواصفا المشاعر التي هزت نفسه إثر قراءته للكتاب المذكور، كتب كلود ليفي ستراوس يقول في "مدارات حزينة" "مثل حضري يطلق في الجبال، انتشيت بالفضاء في حين كانت عيني المنبهرة تعاين ثراء الأشياء وتنوّعها".

بعد اكتشافه للأنثروبولوجيا الأنجلو – أمريكية، اندفع الشاب كلود ليفي ستراوس لاكتشاف الثقافات البدائية وفي ذهنه قصة هندي تمكن من الفرار من القبائل الكاليفورنية "نسبة إلى كاليفورنيا" التي كانت لا تزال متوحشة. وعلى مدى سنوات، ظل هذا الهندي يعيش مجهولا من قبل سكان المدن الكبيرة، ناحتا الحجر، ليصنع منه رؤوس النبّال التي كان يصطاد بها. وشيئا فشيئا انقرضت الحيوانات والطيور التي كان يصطادها ليجد نفسه ذات يوم عاريا وجائعا عند مدخل المدينة الكبيرة. وقد انهى هذا الهندي حياته حارس عمارة في كاليفورنيا.
وفي ما بعد سيكتب ليفي ستراوس قائلا: "العالم بدأ من دون الإنسان، وسوف ينتهي من دونه أيضا. والمؤسسات والعادات والتقاليد التي كان عليّ أن أمضي الشطر الأكبر من حياتي في فهمها وفي استكشافها وإحصائها هي في حقيقة الأمر بداية تفتّح عابر لتكوين لا نملك تجاهه أي معنى، سوى السماح ربما للانسانية بأن تلعب فيها دورها".
في عام 1935، وبعد أن درّس الفلسفة في المعاهد الفرنسية انطلق كلود ليفي ستراوس إلى البرازيل حيث عيّن أستاذا في جامعة ساوباولو التي ظل فيها حتى عام 1938. وخلال هذه السنوات، اقترب المفكر الشاب من القبائل البدائية في غابات "الامازون" وبدأ ينشغل بدراسة سلوكياتها، وعاداتها، وتقاليدها.

ومتحدثا عن اكتشافات كلود ليفي ستراوس في هذه المرحلة الحاسمة من مسيرته الفكرية، كتب أحدهم يقول: "إن أهم إسهام لكلود ليفي ستراوس هو مشاركته في ليّ عنق الرؤية الاثنولوجية المركزية للحضارات كما تم ترويجها من قبل فلسفة التاريخ لدى ماركس: فـ"البدائيون" بحسب هذه الفلسفة يشكّلون مرحلة ثقافية متخلفة في التاريخ الانساني. واليوم، وقد أصبح تقييم الهويات والاختلافات الثقافية مبدأ، فإنه من الصعب علينا معاينة أهمية مثل هذا النقل. ومع ذلك، ومن دون أن نحترس، فإن عمق هذا المفهوم لم يختلف بعد، حتى على مستوى الفكرة العفوية التي تقول إن المجتمعات البدائية قد تكون "أقرب من الطبيعة" من المجتمعات المتحضرة.
فإن ننظر إلى غياب الحضارة كشائبة "ايديولوجية التقدم"، أو كفضيلة "نقد الحداثة"، فإن نفس الفكرة الغامضة حاضرة. وهذه الفكرة تقول إن البدائيين ينتمون إلى الطبيعة أكثر من انتمائهم للثقافة. وضد هذا ركز ليفي ستراوس نقده قائلا إن هذه المجتمعات لا تمثل مرحلة طفولية وسفلى في تاريخ الانسانية- كان ليفي برومل يتحدث عام 1910 عن "عقلية ما قبل المنطق" – وإنما هي مؤسسات معقدة لا رغبة له في ما نمتلكه نحن بحسب مقاييس ثقافية. وأشكال هذه الثقافة المتوحشة هي التي سيضع ليفي ستراوس أسسها في اتجاهين أساسيين: التحليل الانثروبولوجي لبنى الأبوّة والتحليل الايديولوجي للحكاية الميثولوجية، أي الحالات الاجتماعية العامة والخطب الجماعية التي ترافقها".
نهاية الثلاثينات من القرن الماضي عاد ليفي ستراوس إلى فرنسا، غير أن اندلاع الحرب الكونية الثانية جعله يسرع بالرحيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعيش هناك سنوات طويلة التقى خلالها بعدد كبير من المفكرين والمبدعين والفنانين والفلاسفة. كما التقى العالم اللغوي الشهير رومان جاكوبسون الذي كان أول من ساعده على وضع الأسس الأولى لما أصبح يسمى بـ"البنيوية" التي ستصبح العدوة اللدودة لوجودية سارتر "هذا الطفل المدلل وغير المحتمل الذي شغل طويلا المشهد الفلسفي، مانعا كل عمل جدي مطالبا الناس بأن يكونوا منتبهين له هو فقط". بعد الحرب، أصبح ليفي ستراوس مستشارا ثقافيا في السفارة الفرنسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد ظل في هذا المنصب حتى عام 1948. وعند عودته إلى فرنسا، عمل في التدريس وفي الآن نفسه انشغل بتأليف واحد من أعماله الأساسية، أعني بذلك "البني الأولية للقرابة" الذي كتب في نهايته يقول: "لقد لاحظنا هكذا أن قواعد معتمدة واعتباطية في الظاهر يمكن أن تختصر في عدد صغير: ليس هناك إلا ثلاث بنى قرابة ممكنة تتشكل بمساعدة موضوعيْ تبادل يتعلقان بطابع مفارقة وحيد، هو الطابع المتطابق أو المتفاوت للنظام المدروس". وخلال الخمسينات من القرن الماضي، انشغل كلود ليفي ستراوس بما سماه "وضع قليل من النظام داخل العلوم الانسانية".

وقد كتب يقول في "الانسان عاريا" الذي أصدره عام 1971: "لقد نجحت الفلسفة ولوقت طويل في أن تحبس العلوم الانسانية داخل حلقة وذلك بعدم السماح لها بأن تدرك بالنسبة للوعي أي موضوع آخر للدرس غير الوعي ذاته ".." وما تريد الماركسية استكماله بعد روسو، وماركس، ودوركهايم، وسوسير، وفرويد هو الكشف عن موضوع آخر للدرس من غير الوعي. وإذن جعله في مواجهة الظواهر الانسانية في وضع مشابه للوضع الذي نجحت فيه العلوم الفيزيائية والطبيعية في أن تثبت أنه الوحيد القادر على السماح للمعرفة بأن تعمل وبأن تكون".
وعندما كان المثقفون الفرنسيون منشغلين بالقضايا السياسية، خصوصا خلال حرب التحرير الجزائرية، رفض كلودليفي ستراوس الانضمام إلى صفوفهم وأبدا لم يُمض على أية عريضة من تلك العرائض التي طالبت باستقلال الشعوب المستعمرة "بفتح الميم". وكان يقول: "نحن لا نستطيع أن نقيّم مجتمعا انطلاقا من نظام معيّن. واي مجتمع هو قبل كل شيء مصنوع من ماضيه، ومن عاداته ومن ممارساته: مجموعة من العوامل اللاعقلانية ضدها تتكالب الأفكار النظرية".
وكان يقول أيضا: "من الأفضل أن أواصل العمل بكتمان، وأن أحاول لأحل المشاكل الكبرى لمصير الانسان أو لمستقبل المجتمعات، وإنما تجاوز صعوبات صغيرة لا أهمية لها في الوقت الراهن. وقد اخترتها لأنني أعتقد أنه باستطاعتي معالجتها بطريقة دقيقة لا تقدر عليها تلك العلوم التي تسمى بالعلوم الانسانية وذلك عندما تتصدى منذ البداية لمواضيع جدّ معقدة على أمل أن تساهم ولكن على مدى طويل في بلورة فهم أفضل لأولويات الحياة الاجتماعية ولنشاط الفكر الانساني". من عام 1959 وحتى عام 1982، وهي السنة التي تقاعد فيها، عمل كلود ليفي ستراوس استاذا في "الكوليج دوفرانس". وفي عام 1973 أنتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية. عن كلودليفي ستراوس، كتب اللغوي والفيلسوف تودوروف يقول: "يجسد كلود ليفي ستراوس بالنسبة إليّ راهنا امكانية تجاوز الفصل التقليدي بين العالم والفنان. فقد عرف كيف يبيّن أن الفكر الميثولوجي ليس أقل قوة من فكر العلماء. وقد أثبت ذلك في جميع كتبه التي لا يقل جمالها عن جمال الروايات".
نقلاً عن العرب أون لاين 23/05/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
كلود ليفى شتراوس 100 عام من الجدل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأفغاني.. مصلح رغم الجدل
» الأنثروبولوجيا البنيوية لكلود ليفى شتروس
» «بنيوية» ليفي شتراوس والأنثروبولوجيا
» كيف تتطور المعرفة العلمية .. الجدل حول ما يسمى بالدراسات السابقة
» حفريات المعرفة ميشيل فوكو

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
ســــير وأعــلام وتراجــم
-
انتقل الى: