الحياة بدء مستمر
الحياة بدء مستمر؛ إذ تدخل فيها أشياء جديدة يوما بعد يوم لحظة تلو أخرى تزيد القصة تشويقا وتمنحها معنى الاستمرارية والتجديد....ذكريات مواعيد...أهداف...وخطط كلها مكونات تلون وجودنا الاجتماعي...وتوجهه.
إننا محكومون من طرف الموتى؛ من قبل الأجداد؛ أي أننا نحيا الحاضر ونتطلع للمستقبل بعقلية مسجونة بإرث الماضي؛ الماضي الذي نحت في قلوبنا الرغبة...في العمل...في بناء المستقبل...في تحقيق الذات....ولما لا تكوين أسرة...تعزف على إيقاعات انتصارنا الأكبر واحتفالنا بتحقيق هدفنا في الحياة ؛ أي جعلها بدء مستمر إكمالا لمسرحية التاريخ وتأثيثا لفصول الزمن فيها.
سيناريو نمثله بلا تردد ونخضع له بدون أي مقاومة؛ إذ هو الخطاب الذي همس به إلى مسامعنا ونحن لم نعرف بعد معنى الحياة: أي ما معنى أن يكون الإنسان حيا؟
هل وجودنا مرتبط فقط بمحدداتنا الخبزية؟؛ التي نصبح معها كائنات خبزية لا تحس بكينونتها ووجودها إلا وهي على مائدة الطعام؟ أم أن معنى الحياة يرتبط بمتغير آخر يوجهه الإبداع ، والمشاركة الفعالة، والتعبير عن الإرادة في الحياة والرغبة في التفوق لبناء مملكة الإنسان الأعلى وصياغة قوانين حكومته المرحة؟ أم أن الحياة لا هي كذا ولا هي كذلك. بل هي فقط معسكر لإعادة تنفيذ العقوبة وتوريثها عبر الأجيال....كما تورث المناصب الحكومية والوظائف...في بعض الدول المنهجة لسياسة النعامة؛ إذ يولد الشخص وزيرا وإن كائن يبلغ مستوى سطح البحر من البلادة بينما يحكم على شخص أخر بالإنحراف والقيام بالدور البطولي في عالم الإجرام رغم مواهبه الإبداعية وذكاؤه الخارق.
تاريخ الإنسانية غذن مسار تنقية جينية تجعل من البعض رعية..أتباع...عبيد مهمتهم الرقص على إيقاعات الطبول التي يتم قرعها في القسم العلوي من السلم الهرمي في إمبراطوريات الإذلال.....التي يحكمها أصنام؛ أشباح ؛ موتى....حفاري قبور أحلامنا وطموحاتنا؛ أي باختصار قامعي إرادة الحياة فينا.
يمارس علينا تنويم مغناطيسي جماعي؛ يجعلنا عوض التساؤل والنقد وتعرية عورات منتفعينا نتفوق في حفظ أوراد الخضوع وأناشيد الطاعة والولاء؛ إننا نضطر إلى فقدان الثقة في أنفسنا حتى نندمج مع الأخريين ونساهم في تدفئة مجالسهم الانتقامية وكأن عهد الإقطاع والأقنان؛ ونظام الخماسة قد عاد من جديد واحتل كل مراكز صنع القرار؛ إذ انتقل من عالم الانتاج الفلاحي إلى دائرة الثقافة والإبداع.
أصبح المثقف إذن شبيه بالطفل الصغير الذي لا يتجاوز فكره محور ألعابه الطفولية داخل الصالة الصغيرة التي اثتتها أمه؛ فإن خالف تعاليم هذه الأخيرة تعرض للعقوبة والشتم...والضرب أحيانا.
أضحت الثقافة إذن معلبة وتباع وفق معايير ومقاييس محددة ترتبط بطقوس احتفالية تزداد من خلالها مكانة وحظوة حفاري قبور أحلامنا وتمنحهم الشرعية على المزيد من الاحتكار والاستبداد بعقولنا الفتية التي أضحت لا تميز بين الحقيقة والصواب في مكاتب ومعاهد الحواضر البشرية المدجنة.
انقرضت الديناصورات...سقط جدار برلين...فلماذا لم تنسحب بعد ثقافة الشيخ المريد وإيديولوجيتها السلطوية التي جعلتنا نخاف قول الحقيقةح ونخشى من لعنة وهول أبطال المعسكرات الاذلالية في مجتمعنا.
الحياة بدء مستمر...المعاناة واقع مستمر...الأمل مشروع وجودنا الأصيل؛ الحياة تجربة إبداعية جعلها هنري برغسون: "لحن موسيقي يبدأ بولادتنا وينتهي بموتنا" فلماذا تتحول في مجتمعا إلى غضب وسخط وقهر وبؤس مستمر يفرش لنا قبل ولادتنا ولا يفارقنا حتى بعد موتنا.
محمد الجلالي طنجة في:17-03-2012