د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: أول منهج دراسي مصري لحقوق الإنسان عام1925 4/12/2008, 2:11 pm | |
| أول منهج دراسي مصري لحقوق الإنسان عام1925 بقلم : د. أحمد يوسف القرعي
من حقنا ــ كمصريين ــ أن نفخر ونتفاخر علي المستوي الدولي بأن الفكر السياسي المصري, منذ فجر استقلال15 مارس1922, كان علي مستوي روح العصر, مدركا تداعيات الحرب العالمية الأولي ودروسها المستفادة, ومدركا أهمية إعادة ترتيب البيت المصري بتعزيز مفهوم المواطنة في الداخل, واسترداد دور مصر الدولي في الخارج, عندئذ بادرت وزارة المعارف العمومية بإعداد أول منهج دراسي حول الوطنية وتكامل الاجيال وحقوق الإنسان المصري.. إلخ. وكانت الوزارة تحتضن آنذاك كلا من مراحل التعليم العام, وكذا الجامعة المصرية, وهي جامعة القاهرة, والتي تحتفل بمئويتها حاليا..
ومع الاحتفال الدولي بالذكري الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في10 ديسمبر1948, فمن واجبنا أن يتضمن احتفالنا التذكير بهذا المنهج الدراسي الذي أعدته وزارة المعارف العمومية عام1925, أي منذ83 عاما تحت عنوان( كتاب في التربية الوطنية), وأوضحت مقدمة الكتاب أن الغاية منه أن يتعلم الطالب ماله في هذا المجتمع من حقوق وما عليه من واجبات, مع تقديم صورة واضحة عن مركز مصر بين الدول ونظام الحكومة وأساليب إدارة المرافق العامة وخدماتها.. إلخ. تم إعداد الكتاب آنذاك تحت الإشراف المباشر لوزير المعارف العمومية( صاحب المعالي) علي ماهر( باشا) الذي عهد بتأليف الكتاب( في28 مارس1925) إلي المفكر المصري المعروف أحمد أمين( بك) وكيل مدرسة الحقوق الملكية بالاشتراك مع عبد الفتاح بك السيد, ودويت افندي إبراهيم الاستاذين بمدرسة الحقوق الملكية, والشيخ عبد العزيز البشري القاضي بمحكمة مصر الشرعية, وعندما أتموا تأليف الكتاب كتبوا إلي وزير المعارف خطابا( في20 اكتوبر1925) اشاروا فيه إلي أنهم[ اطلعوا علي الكتب الموضوعة في التربية في البلدان المختلفة واحتذوا( كما جاء في الخطاب) من كل شيء فيها اكمله وأوفاه وأشبهه بنا, وتحرينا بقدر ما اتسعت له الطاقة أن نلم فيه كل ما يحسن بالناشيء الوطني علمه في قول سهل لا يتعذر علي فهم أولئكم الذين ما برحوا في صدر أيام الطلب.] والكتاب يقع في198 صفحة وتتوزع مادته علي عشرين بابا حظيت منه حقوق الإنسان بالنصيب الاوفي في اطار منهج متكامل للتربية الوطنية... حيث أفرد الكتاب الباب الأول للحديث عن الأمة والوطن والوطنية, موضحا الروابط الوثيقة بين الوطن والمواطن, وما يتصل بها من حقوق وواجبات سواء في وقت السلم أو الحرب من منطلق أن الوطن هو كل تراث الآباء, وهو في الوقت نفسه كل مجد الأبناء. وتحت عنوان الدولة والحكومة أوضح الكتاب في الباب الثاني مهام الدولة ابتداء من حماية البلاد والمحافظة علي الأمن واقامة القضاء إلي المحافظة علي الحريات وترقية العلوم والفنون... إلخ, وعندما تناول الباب الثالث الحديث عن الدستور أبرز الكتاب ما تضمنه الدستور من حقوق الأفراد وواجباتهم وما يترتب علي كليهما من الآثار والأحكام, ثم يخصص الكتاب الباب الرابع للحديث عن حقوق الأفراد الثلاثية( الحرية ــ المساواة ــ الحقوق السياسية) وتناول الكتاب مظاهر الحرية في الحرية الشخصية وحرمة المسكن وحرية الملك أو التملك وحرية العمل والصناعة والتجارة وحرية الفكر وحرية الصحافة وحرية الدين وحرية التعليم والتعلم وحرية الاجتماع. ونتوقف عند حرية الصحافة كنموذج من نماذج الحرية التي قدمها الكتاب, وكيف كفل الدستور للصحافة حريتها في حدود القانون, وكف يد الإدارة عن التعرض لها بالإنذار أو الوقت أو التعطيل ما لم يكن ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي كاتقاء خطر الدعوة البلشفية.. وهنا طالب الكتاب بما يمكن تسميته بميثاق شرف صحفي عندما دعا إلي ضرورة ضمان حرية الصحافة وحفظ كرامتها, مطالبا بأن يسن قانون يحدد الشروط العلمية والاخلاقية التي ينبغي توافرها فيمن يتصدي لمهنة الصحافة, فلا يكون الترخيص والمنع رهنا بمشيئة السلطة الإدارية. وبشأن المساواة أقر الفصل الرابع وجوب التسوية في الوجوه الآتية( المساواة في القانون, القضاء, المناصب, الضرائب), أما بشأن الحقوق السياسية فقد وصفها الكتاب بأنها التي تجيز للفرد الاشتراك في إدارة شئون بلاده كحق مخاطبة السلطات العامة, أي تقديم العرائض وحق الانتخاب وحق التشريع. وجاء الباب الخامس ليشرح واجبات الافراد في إطاعة القوانين والتعليم وأداء الضرائب والخدمة العسكرية, ثم تأتي الابواب الأخري, وحتي الباب العشرين لتعطي تعريفا موضوعيا ومبسطا للسلطات العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية, والتعريف بالشئون الخارجية لمصر في مختلف المحافل الدولية, ومنها عصبة الأمم ومركز مصر الدولي عبر العصور, وحتي الحصول علي استقلالها في15 مارس1922 قبل تأليف الكتاب بثلاث سنوات تلك نبذة سريعة عن كتاب مدرسي كان مقررا كمنهج دراسي منذ عام1925 علي طلاب المرحلة الثانوية, ولا ندري متي تم استبعاد هذا الكتاب من المناهج الدراسية.؟ ولعل التساؤل المطروح حاليا لماذا لا تكلف وزارة التربية والتعليم فريق عمل من المفكرين الثقاة بوضع منهج دراسي عصري لحقوق الإنسان ــ علي غرار تجربة1925 ــ وحتي يمتنع مفتشو المناهج الدراسية عن تأليف الكتب الموجودة في مدارسنا والمليئة بالحشو والمادة الجافة التي لا تغني ولا تفيد. وأمامنا عدة مبادرات تستحق أخذها في الاعتبار وفي مقدمتها. مبادرة د. حسين كامل بهاء الدين بشأن تدريس مفاهيم المواطنة وحقوق الانسان للمرحلة الابتدائية في منتصف التسعينيات في إطار منهج دراسي متكامل وغير مسبوق. أما المبادرة الثانية فجاءت من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان عندما كلف نخبة ممتازة من اساتذة كلية الإعلام بجامعة القاهرة بإعداد دراسة شاملة لخصائص ومفردات خطاب حقوق الإنسان في الكتب المدرسية لطلاب مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي بهدف تدارك نقاط القوة والضعف في المناهج الدراسية بالنسبة لحقوق الإنسان. نشرت بجريدة الأهرام عدد 4/12/2008 | |
|