د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: ماذا تبقي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ 2/12/2008, 3:13 pm | |
| ماذا تبقي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ بقلم : د. أحمد يوسف القرعي عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في10 ديسمبر1948, كان عدد الدول الأعضاء58 دولة فقط, بينما بلغت العضوية حاليا193 دولة مع احتفالية مرور60 عاما علي صدور الإعلان. ولم يصدر الإعلان الدولي بين يوم وليلة, فقد بدأت منظمة الأمم المتحدة التفكير في إصداره منذ المرحلة الأولي لإنشاء المنظمة استجابة للحاجة الملحة الي الاعتراف بحقوق الانسان الأساسية, مع وضع وسائل تضمن احترامها, ولهذا تضمنت مقترحات مؤتمر دومبارتن أوكس عام1944 ضرورة تعزيز احترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية. وحينما اجتمع ممثلو الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام1945 انهالت عليهم الخطابات تدعوهم الي إيلاء هذه المسألة الحيوية عناية خاصة, وكان ان ذكرت حقوق الانسان في ديباجة ميثاق المنظمة وفي ست مواد مختلفة منه. وجاءت الخطوة التالية مع مباشرة عمل أجهزة الأمم المتحدة ابتداء من24 اكتوبر1945, حيث شرع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في وضع مشروع بإعلان حقوق الإنسان ومشروع باتفاق دولي يتضمن تلك الحقوق, ومشروع ثالث بالوسائل العملية اللازمة لتنفيذها, وبالفعل ألف المجلس لجنة لحقوق الانسان من ثمانية عشر عضوا لوضع مسودة المشروعات الثلاثة وعقدت اللجنة ثلاث دورات علي مدي نحو عامين لإنجاز هذه المهمة وبعدها تقدمت بمشروع لحقوق الإنسان مع ابداء توصيات لمشروع اتفاق دولي بتلك الحقوق, وفي الجلسة المائة والاثنين والاربعين التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في24 سبتمبر1948 قررت الجمعية العامة تحويل المشروع الي اللجنة الثالثة للمنظمة وخصصت اللجنة الثالثة ـ بدورها ـ85 اجتماعا لهذا الغرض حتي نال مشروع الاعلان العالمي الموافقة في7 ديسمبر1948, وبعد ثلاثة أيام, أي في العاشر من ديسمبر, أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمي بموافقة48 دولة وامتناع ثماني دول عن التصويت وتغيبت دولتان. يعني هذا أن الأمم المتحدة استغرقت نحو3 سنوات لإعداد مشروع الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولا يملك المرء إلا تقديم التحية لجيل الأربعينيات من القرن الماضي الذي أدرك أهمية إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بهدف اساسي, أشارت اليه السطور الأولي من ميثاق الأمم المتحدة, وهو( انقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت علي الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف). وهكذا أدرك جيل الأربعينيات مالم يدركه جيل العشرينيات أعقاب الحرب العالمية الأولي, حيث لم يشر ميثاق عصبة الأمم الي حقوق الإنسان, وان كانت العصبة قد حاولت ان تأخذ علي عاتقها حماية حقوق الإنسان بالوسائل الدولية, علي أن اهتمامها اقتصر فقط علي وضع شروط معينة لحماية الأقليات في قليل من البلاد. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر ـ كما يقال ـ فإن التحية واجبة لجيل أواخر القرن الثامن عشر ممثلا في شخصية اسطورية تمثلت في الأكاديمي والناشط البريطاني توماس كلاركسون الذي قضي سبع سنوات علي ظهر حصانه قاطعا35 ألف ميل في الأراضي البريطانية في حملته ضد تجارة الرقيق, حيث جمع الحكايات من البحارة الذين قادوا السفن الناقلة للأفارقة المختطفين من شواطئ إفريقيا, وقام هو وصحبه وجمعيات الضغط التي تشكلت بفضح تجارة الرقيق ومساوئها سواء علي الانسان الإفريقي أو البحارة البريطانيين, وفي عام1806 قامت مجموعة من المناهضين لتجارة الرقيق في مدينة مانشيستر بجمع آلاف التوقيعات من بينها قائمة مكونة من ألفي توقيع من شخصيات معروفة, وبلغ طول العريضة سبعة أمتار مطالبين باستصدار قانون يمنع تلك التجارة اللاأخلاقية, وتم تمرير المشروع بنتيجة مائة صوت مقابل36 صوتا معارضا في يناير1807, ومنحه الملك جورج الثالث الفعالية عندما صدق عليه في25 مارس من السنة نفسها, وبذلك انتهت أسوأ تجارة في التاريخ راح ضحيتها8 ملايين افريقي, وانتهت بذلك العبودية عام1834 من الامبراطورية البريطانية بينما أعلنت أمريكا تحرير العبيد عام1865, وان ظت حقوقهم المدنية مسلوبة حتي ترشيح وفوز أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة. تلك مجرد ثلاث تجارب دولية تشير بوضوح الي نشوء حقوق جديدة للإنسان كلما تطورت العلاقات الدولية بين الشعوب والدول, كما تشير ايضا الي أهمية وجود تنظيم دولي أو منظمة دولية لحماية الحقوق المتوارثة والمستجدة, وغياب أو تهميش مثل هذا التنظيم الدولي يعوق تحقيق التعاون الدولي لحماية حقوق الانسان, وهذا ما تحقق بشأن عصبة الأمم التي افتقرت الي الإجماع الدولي وإلي إلغاء تجارة الرقيق علي المستوي البريطاني دون المناطق التابعة لها, كما تحقق هذا ايضا علي أرض الواقع عندما تبنت ادارة الرئيس الأمريكي بوش إحداث حالة الفوضي البناءة وشن أول حرب استباقية في التاريخ دون قرار من مجلس الأمن, وواكب هذا ايضا تهميش دور الأمم المتحدة أكثر من ذي قبل, ولعل هذا كان الدافع الرئيسي لدعوة بطرس بطرس غالي الي استحداث جيل ثالث من المنظمات الدولية لتطوير الأمم المتحدة وتحقيق ديمقراطية العلاقات الدولية, وبهذا وحده تستطيع الأمم المتحدة ان تواصل دورها راعية لمنظومة حقوق الإنسان التي يعد الاعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948) هو الأب الشرعي لها. نشرت بجريدة الاهرام عدد 27/12/2008 | |
|