الفصل الأول مدخل إلى علم المقاصد
ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث الأول في معنى المقاصد وأهميتها والثاني في تاريخ المقاصد وعلاقتها بأصول الفقه الثالث في أنواع المقاصد ومظانها
المبحث الأول معنى المقاصد وأهميتها
المطلب الأول : معنى المقاصد لغة واصطلاحا : للمقاصد دلالتان لغوية واصطلاحية _ فهي لغة : مفردها مقصد أو مقصود وهو مشتق من قصد يقصد قصدا , والقصد يطلق على معان كثيرة , كلها متقاربة المراد فقد يرد القصد بمعنى استقامة الطريق , كما في قوله تعالى ( وعلى الله قصد السبيل ) أي على الله تبين الطريق المستقيم . وقد يرد نفس اللفظ بمعنى العدل كما في قول الشاعر:
على الحكم المأ تي يوما إذا قضى قضيته أن لايجور ويقصد
وقد يرد بمعنى الوسط ولاعتدال يقال : قصد في الامر لم يتجاوز فيه الحد ورضي بالتوسط وفي الحديث الشريف : كانت صلاته قصدا وخطبته قصدا , أي متوسطة بين الطول والقصر قال تعالى في هذا الصدد :وقصد في مشيك. أي توسط بين الإسراع ولإبطاء , ويرد كذالك بمعان كثيرة منها : الاعتماد- ولأم- والرفق- ولامتلآء- ولاكتناز. وأما المقصد بالفتح فهو مكان للقصد يتخيل فيه انه ظرف للقصد , ويحتمل ان يكون جمع مقصود, وأسقطت الياء المقلوبة عن الواو في جمعه على مقاصد , لانه جائز كما في مطالب ومكاتب , ومكتوب . فان أريد به ظرف مكان فهو محل لما يقصده الشارع من جلب المصالح ودرء المفاسد , وان أريد به المفعولية فالمراد به نفس ما يتغياه الشارع من جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم في المعاش والمعاد
معنى المقاصد اصطلاحا : لقد كان العلماء في الأزمنة التشريعية الأولى يعبرون عن كلمة : مقاصد الشريعة, بتعبيرات مختلفة واصطلاحات كثيرة تتفاوت من حيث تطابقها مع مدلول المقاصد الشرعية ومعنا ها ومسماها ,لذالك لم يبرز على مستوى البحوث والدراسات الشرعية ولأصولية تعريف محدد ومفهوم دقيق للمقاصد يحظى بالاتفاق والقبول من طرف كافة العلماء او اغلبهم وقدكان جل اهتمامهم الاجتهادي مقتصرا على استحضار تلك المقاصد والعمل بها اثناء الاجتهاد الفقهي دون أن يولوها حظها من التدوين تعريفا وتمثيلا وتأصيلا وهكذا نجد شيخ المقاصد الإمام ابو إسحاق ألشاطبي لم يهتم با عطاء تعريف محدد للمقاصد الشرعية , ولعل السبب الذي زهده في هذا الأمر هوكونه قد وضع كتابه المخصص للمقاصد من الموافقات للعلماء الراسخين في العلم وهذا ما يستشف من قوله صراحة : ولا يسمح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد حتى يكون ريان من علم الشريعة أصولها وفروعها منقولها ومعقولها غير مخلد الى التقليد والتعصب للمذهب . أما العلماء المعاصرون فقد ذكروا تعريفات تتقارب في مجملها من حيث الدلالة على إعطاء مفهوم دقيق يدل على معنى المقاصد ومسماها فقد عرفها مصطفى شلبي بقوله: مقاصد الشريعة هي الغرض الأساسي من تشريعات الإسلام تحقيقا لمصالح العباد في الدنيا ولآخرة لجلب المنافع لهم ودرء المضار عنهم وإخلاء المجتمع من المفاسد حتى يقوم الناس بوظيفة الخلافة في الأرض وعرفها مصطفى الزرقا بقوله: المقاصد هي صيانة الأركان الخمسة الضرورية للحياة البشرية ثم ضمان ما سواها من الأمور التي تحتاج إليها الحياة الصالحة مما دون تلك الأركان الضرورية في أهميتها .والمراد بالأركان الضرورية الخمسة : الدين - النفس - العقل – النسل – المال والمراد بما دونها : الحاجيات - والتحسينات سأواصل فيما بعد بحول الله