فى العاشر من ديسمبر هذا العام يُتم الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة عام 1948 عامه الستون. وهى مناسبة أعتقد أنها جديرة بالتوقف عندها والتأمل فيها.
ستون عاماً مضت منذ إطلاق أول إعلان عالمى يطالب بتحقيق كرامة الإنسان والحفاظ على حقوقه، ويحث الشعوب على المطالبة بحقوقها، ويدعو الحكومات للالتزام بحقوق مواطنيها، ستون عاماً من الكفاح من أجل الإنسان .. فما الذى حصل عليه هذا الإنسان من حقوق؟ .. وما الذى جنته الدول الفقيرة والضعيفة من مكاسب؟؟
إن المتابع لحال حقوق الإنسان حول العالم ليشعر بالأسف، والألم، لما آلت إليه نصوص هذه الوثيقة الرائعة الرائدة - إعلان حقوق الإنسان العالمى - من إهمال فى التطبيق الواقعى، وإزدواجية وانتقائية فى التعامل مع نصوصها!!
فالمنظمة التى من المفترض أن ترعى هذه الوثيقة وتسهر على تنفيذ بنودها ونصوصها، تخلت عن مهمتها، وتنازلت عن وظيفتها منذ أمد بعيد، بل وأسلمت زمامها للقوة الوحيدة المتفردة بالهيمنة والسيطرة على مقدرات العالم، أعنى الولايات المتحدة الأمريكية، فلا ينكر منصف أو عاقل ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية من سيطرة على المنظمة الدولية وأجهزتها المختلفة، وما تقوم به من حتى تخرج كل قرارات المنظمة الدولية - محلية صرفة - لصالح دولة وحيدة هى أمريكا!!
فمنذ تربعها على عرش العالم – بعد تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1989- قامت الامبراطورية الأمريكية برفع شعار مؤداه أنها تحمل رسالة نشر الحرية والديمقراطية والرخاء لكل شعوب العالم فى كل مكان، وخصت العالم الإسلامى باهتمام متزايد مقارنة بغيره فى هذا الاتجاه.
ولكن السياسة التى تنفذ هذه الرسالة بدت متناقضة مع نفسها إلى حد كبير منذ بداية الألفية الثالثة، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم كما لم تفعل أية امبراطورية مطلقاً من قبل. فهى تمارس سيطرة ساحقة فى خمسة مجالات تقليدية للقوة: سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وتكنولوجياً، وثقافياً. وللمرة الأولى فى تاريخ البشرية يغدو العالم خاضعاً لسيطرة قوة فائقة واحدة.
وترتب على ذلك أن أصبحت المنظمات الدولية الشرعية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، كما يقول المفكر الفرنسى ابنياسيو رامونيه، أشبه بالحَكَم الذى يخضع لتأثير العضو الأقوى والأكثر تشدداً فى النادى. وفى كل مكان تقريباً على ظهر الكوكب، صارت جدارة الأمم المتحدة بالاحترام قريبة من درجة الصفر، وغدت متهمة بالكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بتقييم مشكلات العالم، وفقاً لما إذا كان أحد الأطراف حليفاً أم خصماً للولايات المتحدة.
ثم جاءت أحداث الحادى عشر من سبتمبر الإرهابية عام 2001 لتشكل أكبر تحول فى النظام القانونى والسياسى الدولى بل والشرعية الدولية ذاتها، حقيقة أن المظهر كما هو لم يتغير، فالهياكل القانونية للتنظيم الدولى مازالت على ما هى عليه؛ أمم متحدة، وكالات متخصصة، محكمة عدل دولية، منظمات إقليمية، ولكن – كما يؤكد الدكتور مصطفى الفقى - فإن الجوهر تباين بشكل واضح، فلقد سقط الحياء الدولى، وانتهى العشم بين القوة الكبرى وأصدقائها، بل وحلفائها، وأصبح كل شىء محتملاً، فإذا لم نكن أمام عالم جديد من الناحية القانونية، فإننا بالتأكيد أمام عالم مختلف من الناحية السياسية.
إنها الحقيقة التى لا تقبل أى جدال، فإذا كانت المصالح الأمريكية متوافقة مع دولة ما، فإنها تغض البصر، والسمع، بل وتفقد جميع الحواس، فيما يتعلق بانتهاكات هذه الدولة لحقوق الإنسان مهما تعاظمت. أما إذا تعارضت المصالح الأمريكية مع دولة ما، أو غضبت عليها سيدة العالم، فإن هذه الدولة توضع على القائمة السوداء فى مجال حقوق الإنسان، وتشنع عليها دولياً، وتستعدى عليها الأمم المتحدة ومنظماتها وأجهزتها.
ستون عاماً من حقوق الإنسان، انتهت بنا تحت رحمة الغرب، بزعامة أمريكا، يشنعون علينا ويحاسبوننا على انتهاكنا لحقوق "الحيوان" عندما ننحر أضحياتنا يوم الأضحى، ولا نجد من يحاسبهم على انتهاكاتهم المستمرة لحقوق "الإنسان" عندما ينحروننا فى العراق وأفغانستان ودارفور والصومال وفلسطين وغيرها بدم بارد ويد لا ترتعش.
ستون عاماً، لم تستطع أن تأتى للفقراء، والمستضعفين، والمقهورين، فى كل أرجاء المعمورة، ولو بجزء يسير من حقوقهم .. فهل نحتاج أن ننتظر ستون عاماً أخرى حتى نحصل على حقوقنا؟؟!!