ضياء رشوان يكتب:
أوباما وأوهام مصرية وعربية حول فلسطين والديمقراطية
موجة واسعة من الفرح والأمل اجتاحت العالم كله بعد الفوز التاريخى لباراك أوباما فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكان المصريون والعرب شعوباً ونخباً فى قلب هذه الموجة من المشاعر العارمة.
فرحة العالم وأمله كان السبب الرئيسى فيهما هو، أن انتصار أوباما يعنى نهاية «كابوس» حكم الرئيس جورج بوش، الذى أرهق شعوب الأرض ودولها طوال السنوات الثمانية التى قضاها رئيساً للقوة الأكبر فى العالم، وأن سقوط زميله فى الحزب الجمهورى جون ماكين كان يعنى أنه تم التخلص نهائياً من أى أثر لبوش وسياساته طوال الأعوام الأربعة القادمة على الأقل.
أما لدينا نحن فى مصر وعالمينا العربى والإسلامى فقد كمنت وراء مشاعر التأييد والاستبشار بأوباما ونجاحه، عوامل إضافية أبرزها أننا نحن الذين اكتوينا بنار سياسات الرئيس بوش الخرقاء، وكانت بلادنا هى الميدان المفضل لمغامراته العسكرية وشعوبنا هى الضحية الأولى لهذه المغامرات.
وقد انعكست تلك المشاعر جميعها لدينا نحن العرب والمصريين فى موجة تفاؤل واسعة، اجتاحت الشعوب والنخب بأن أوباما سوف يكون هو «المخلص» الذى ينهى فى عهده الجديد جميع الأزمات والمعاناة التى عشناها خلال فترة حكم سلفه بل والتى سبقته بأعوام طويلة.
وفى هذا الإطار ظهرت القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية والاحتلال الأمريكى للعراق والحرب على ما يسمى الإرهاب والديمقراطية وإيران، لكى تمثل قائمة القضايا والأزمات الرئيسية التى انتعش الأمل لدى بعضنا فى أن الرئيس الأمريكى الأسود سوف ينهى معاناتنا الطويلة معها.
والحقيقة أن الأولويات التى وضعها الرئيس الجديد فى برنامجه الانتخابى والضرورات الواقعية التى تحيط به لحظة وصوله للبيت الأبيض لا تتطابق مع هذه القضايا والأزمات، كما أن الطريق المتوقع أن يسلكه للتعامل مع معظمها ليس هو ما يتمناه معظمنا فى احتفائه بنجاحه رئيساً للولايات المتحدة.
فمن بين تلك القضايا والأزمات جميعها تبدو قضية العراق وبالارتباط معها النزاع الأمريكى ـ الإيرانى هى الأكثر إلحاحاً على الرئيس الجديد والأكثر تقدماً فى أولوياته الخارجية.
وما يجب الانتباه إليه هنا هو أن هذه الأولوية لتعامل مختلف مع القضية العراقية يقوم على الإسراع بسحب القوات الأمريكية منه فيما لا يزيد على ستة عشر شهراً تبدأ من يناير ٢٠٠٩، ليست بسبب أن العراقيين ـ أشقاءنا ـ قد عانوا ما يزيد على طاقتهم من احتلال هذه القوات بلادهم وتدميرها، بل بسبب معاناة أبناء الولايات المتحدة فيه طوال سنوات هذا الاحتلال ومعاناة بلادهم من نزيف الخسائر المالية والاقتصادية بسببه.
أولوية الانسحاب الأمريكى من العراق على برنامج الرئيس أوباما هى فى الأساس واحدة من القضايا الأمريكية الداخلية وليست الخارجية، فضغوط الرأى العام الأمريكى لإنهاء غرق بلادهم وقواتهم المتواصل فى مستنقع العراق هى التى دفعته إلى وضعها فى هذا المكان المتقدم من أولوياته.
ومع ذلك، فقد نتج عن تلك الضغوط والتورط الأمريكى الفاشل فى العراق أن أصبحت واحدة من قضايا العالم العربى للمرة الأولى ربما فى التاريخ الحديث للإدارات الرئاسية الأمريكية هى الأكثر أهمية وألوية فى السياسة الخارجية للرئيس الجديد فور تسلمه سلطاته فى البيت الأبيض.
والأمل الوحيد هنا هو أن يؤدى فتح الرئيس أوباما وإدارته لملف العراق ومعه الملف الإيرانى إلى لفت نظرهم إلى الترابط الوثيق بينهما وبين الملفات والقضايا الإقليمية الكبرى الأخرى وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، فتحتل فى سياستهم الخارجية الموقع الذى تستحق والتعامل الذى يساعد فى حلها بصورة شاملة وعادلة ودائمة. إلا أن هذا الأمل يبدو منذ الوهلة الأولى غير قابل للتحقق بالصورة التى قد يظنها البعض منا لأسباب متعددة:
أولها أن معاناة الفلسطينيين طوال عقود لا تقل عن الستة لم تدفع بقضيتهم إلى موقع الصدارة فى برنامج الرئيس الأمريكى الجديد ولن تكون أيضاً فى سياساته كما هو الحال بالنسبة لمعاناة الشعب العراقى، الفارق فقط هو أن هناك أمريكيين يعانون فى العراق وهو ما لا يوجد فى فلسطين.
الثانى هو أن معظم المؤشرات المتوافرة عن الفريق المحيط بأوباما بدءاً من نائبه جو بايدن ومروراً بكبير موظفى البيت الأبيض الإسرائيلى الجنسية وانتهاء بالشخصيات المتداولة أسماؤها لإدارة ملفات الشرق الأوسط مثل دينيس روس ومارتن إنديك، كلهم من غلاة المتشددين لإسرائيل وكان لبعضهم، مثل الشخصين الأخيرين، مواقف شديدة الانحياز لها حينما كانوا ضمن المسؤولين عن تلك الملفات فى إدارة الرئيس كلينتون.
ليس هذا فقط، بل على الأرجح أن عوامل ثلاثة أخرى إضافية ستجعل من تعامل أوباما وإدارته مع القضية الفلسطينية دائراً كما كان الحال دوماً مع جميع الإدارات الأمريكية السابقة، ديمقراطية كانت أو جمهورية، ضمن منطق الحفاظ على إسرائيل وأمنها.
العامل الثالث هو الأصل الأفريقى والجذور المسلمة للرئيس الجديد، والتى ستمثل له قيداً على أى تصرف أو قرار لصالح الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطينية المشروعة قد يفسره البعض بأنه ناتج عنهما، بما يفتح الباب واسعاً لابتزازه ـ بافتراض توافر رغبته لتغيير السياسة الأمريكية ـ من جانب مؤيدى إسرائيل الكثيرين والأقوياء فى الولايات المتحدة.
ويتمثل العامل الرابع فى أنه من المتوقع أن يتبنى أوباما سياسات مختلفة بوضوح عما سبقه إليه سلفه بوش فيما يخص العراق وإيران، فضلاً عن سياسات أكثر اختلافاً عنه فى الداخل الأمريكى،
وهى كلها سوف تثير معارضة له من جانب خصومه السياسيين والفكريين فى المجتمع الأمريكى، الأمر الذى يجعل من الصعوبة بمكان أن يضيف إليها سياسات أخرى مختلفة عن كل أسلافه من الرؤساء فيما يخص إسرائيل التى لا تجتمع النخبة السياسية الأمريكية بجميع ألوانها على شىء تقريباً سوى على تأييدها والوقوف بجانبها.
ويتمثل العامل الخامس فى النتيجة المتوقعة للانتخابات الإسرائيلية المبكرة التى ستجرى بعد عشرين يوماً فقط من تولى أوباما صلاحياته الرئاسية (١٠ فبراير ٢٠٠٩)،
والتى ترجح فوز بنيامين نتانياهو زعيم حزب الليكود اليمينى المتطرف والذى سيمثل بذلك قوة ضغط وابتزاز هائلة على الرئيس الأمريكى الجديد توقف أى محاولة له لتبنى سياسة أمريكية مختلفة تجاه القضية الفلسطينية.
أما القضية الثانية الرئيسية التى أمل قطاع من النخبة المصرية والعربية فى أن يساعد نجاح أوباما فى حلها فى البلدان العربية فهى قضية تطبيق الديمقراطية والقضاء على النظم المستبدة.
والحقيقة أن هذا الأمل لن يكون مصيره على الأرجح بأفضل من مصير الأمل السابق فى قيامه بحل القضية الفلسطينية بصورة عادلة وشاملة ودائمة وضمن مقررات الشرعية الدولية.
ويستند هذا الترجيح إلى سببين أمريكيين وآخر مصرى أو عربى. ويتمثل السبب الأمريكى الأول فى أن أوباما لا يملك نفس الرؤية التى تبناها الرئيس بوش وفريق المحافظين الجدد معه بأنهم يقومون «برسالة» حضارية واستراتيجية من أجل إعادة تشكيل العالم وفق التصور والمصالح الأمريكية سواء باستخدام القوة العسكرية أو الضغوط الدبلوماسية، حيث كان نشر النموذج الديمقراطى الأمريكى فى البلدان العربية والمسلمة واحداً من ملامح ذلك التصور.
وليس فقط أن أوباما وفريقه لا يملكون هذا التصور «الرسالى»، بل أيضاً أن الرئيس بوش نفسه وإدارته قد تراجعا عن «مهمة» نشر الديمقراطية فى البلدان الحليفة ذات الأنظمة المستبدة بعد اكتشافهم مخاطر ذلك على المصالح الأمريكية الاستراتيجية فيها وفى المناطق التى توجد بها،
وهو ما يمثل العامل الأمريكى الثانى فى توقع عدم تحمس الرئيس أوباما وفريقه لوضع قضية نشر الديمقراطية فى سياساتهم الخارجية، حيث إن المهمة الرئيسية لهما هى إنقاذ تلك المصالح التى أضحت مهددة بشدة بفعل السياسات الخرقاء للإدارة الجمهورية طوال ثمانى سنوات.
وأما السبب المصرى والعربى فهو يبدو بديهياً، فحال قوى المعارضة السياسية للأنظمة المعادية للديمقراطية لا يبدو مشجعاً بأى حال للإدارة الأمريكية الجديدة لأن تغامر بتأييد مطالبها والوقوف معها ضد هذه الأنظمة الحليفة القوية التى تتكفل بتحقيق وحماية المصالح الأمريكية بأفضل مما يقوم به أصحابها أنفسهم.
ضعف المعارضة وتفككها هو الأمر الذى لا يغيب عن أى مراقب مدقق للأوضاع العربية والمصرية، فما بالك بإدارة أكبر دول العالم وأكثرها تورطاً فى النزاعات بداخل العالمين العربى والإسلامى، فضلاً عن القانون الواقعى الدائم الذى يبدو أن بعض المتحمسين الدائمين للدور الأمريكى فى نشر الديمقراطية فى بلداننا بغض النظر عمن يحكم فى البيت الأبيض، وهو أن التغيير الحقيقى والدائم والمستقر فى أحوال أى بلد على الصعيد الديمقراطى هو مهمة أبنائها، هم وحدهم الذين يصنعونه، وهم وحدهم الذين يحافظون عليه.
نشرت بجريدة المصرى اليوم عدد ٨/ ١١/ ٢٠٠٨