إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القيمة السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

القيمة السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية Empty
مُساهمةموضوع: القيمة السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية   القيمة السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية Empty21/9/2010, 3:41 pm



القيمة السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية
د‏.‏ ثناء فؤاد عبد الله
خبيرة في النظم السياسية


إذا نظرنا إلي الممارسة الديمقراطية علي أنها‏'‏ عملية‏'‏ نجدها تنطوي علي عدة مراحل‏,‏ بدءا من الحصول علي المعلومات الميسرة‏,‏ ثم حرية التعبير عن المواقف والمصالح‏,‏ مرورا بحريات التنظيم‏,‏ وتشكيل المؤسسات المستقلة‏,‏ وصولا إلي إجراء عملية الانتخابات الحرة النزيهة‏.‏ وبناء علي ذلك‏,‏ فإن‏'‏ الانتخابات‏'‏ تأتي محصلة لحالة ديمقراطية تتوافر فيها شروط وضمانات وحريات وحقوق ثابتة‏.‏ ويتوافق مع هذه النظرة‏,‏ أن تقترن‏'‏ الديمقراطية‏',‏ كحالة سياسية بالإجراءات والمؤسسات التي تمكن الأفراد من المشاركة في صنع القرارات السياسية عن طريق‏'‏ انتخابات تنافسية حرة‏'.‏
إن الأصل الفلسفي للجوء إلي عملية الانتخابات يتمثل في‏'‏ نزعة سياسية‏'‏ انبثقت من أجل الفصل بين الحاكم كشخص‏,‏ والسلطة باعتبارها وظيفة‏,‏ ليصبح الأساس في ممارسة السلطة يتمثل في‏'‏ التفويض الشعبي‏'‏ بما يترتب علي ذلك من تقييد لسلطات الحاكم‏,‏ استنادا إلي مبدأ‏'‏ حكم القانون‏'.‏ وعبر مسيرة سياسية وتاريخية طويلة‏,‏ ترسخ تدريجيا مبدأ‏'‏ أن الشعب هو المصدر النهائي للسلطات‏',‏ وصولا إلي إعمال نظرية التفويض العام‏,popularmandate‏ كآلية للتمثيل السياسي‏,‏ بمعني تفويض النواب المنتخبين والقدر المناسب من السلطات اللازمة لاتخاذ القرارات‏,‏ واقتراح السياسات‏,‏ التي تحقق الصالح العام‏.‏ وفي الديمقراطيات التي تتمتع بمؤسسات سياسية راسخة‏,‏ تتجدد النخب عبر‏'‏ انتخابات دورية‏'‏ تبعا للنظام القائم‏.‏

الانتخابات وآليات الشرعية السياسية والديمقراطية‏:‏
لاشك أن هناك علاقة مباشرة بين عملية الانتخابات‏,‏ والمشاركة السياسية والالتزام والتمثيل السياسي‏,‏ لذلك لامناص من الربط بين الديمقراطية والانتخابات‏,‏ حتي مع الاعتراف بأن الديمقراطية مسألة أكبر وأعمق من إعطاء حق التصويت في انتخابات دورية‏,‏ علي فترات متباعدة‏,‏ كذلك مع الاقرار مبدئيا بأن مجرد توافر آلية الانتخابات لا يمثل في ذاته ضمانة لتحقيق مشاركة سياسية فعالة‏,‏ لأن الأمر يتعلق أساسا بما إذا كان الاقتراع يحقق مشاركة حقيقية أو لا يضمنها‏.‏ ومع ذلك‏,‏ يعلمنا التاريخ الديمقراطي أن مسألة‏'‏ التمثيل‏'‏ مثلت علي الدوام هما رئيسيا في الديمقراطيات التمثيلية الحديثة التي انشغلت بالتوفيق بين حقيقتين أساسيتين‏:‏ أولهما‏,‏ أن الشعب هو مصدر السلطات‏.‏ ثانيهما‏,‏ أن هذا الشعب نفسه لا يمكن العثور عليه من فرط تعدده واختلافه‏,‏ ومن ثمة‏,‏ لم يكن بدا من بلورة‏'‏ ديمقراطية توازنية‏'‏ تقوم علي التقنية الانتخابية‏,‏ ودور المؤسسات الوسيطة‏,‏ والأحزاب‏,‏ والنقابات‏,‏ والهيئات التي تهتم بالشأن العام‏,‏ حتي يمكن إعطاء أفضل صورة ممكنة عن رغبات واختيارات الناس‏(1).‏

إن القاعدة الفلسفية التي يتم الاستناد إليها هي أن‏'‏ التنافسية‏'‏ أمر لا مفر منه‏,‏ صحيح أن الديمقراطيات الكلاسيكية كانت في البدايات‏,‏ تمجد‏'‏ المشاركة الجماعية‏',‏ والتعاون‏,‏ اعتقادا منها بأنها آليات مناسبة للوصول إلي قرارات جماعية‏,‏ تأتي بالممارسة العملية‏,‏ والموازنة بين المزايا والعيوب‏,‏ إلا أن الإدراك الديمقراطي تبين بعد ذلك مصداقية مقولة‏'‏ جيمس ماديسون‏'‏ بأن الأسباب الفطرية للاختلاف مغروسة في الطبيعة البشرية‏,‏ ومن ثم‏,‏ لابد أن يتم البحث عن أفضل صورة ممكنة للتنافس‏,‏ لاحتواء الآثار التي تترتب علي الخلافات‏,‏ حتي لو اضطررنا إلي الاعتراف بأن التنافسية شر لابد منه‏.‏ وبناء علي ذلك‏,‏ فإن الصورة التي تم التوصل إليها باعتبارها توصيفا لدولة ديمقراطية هي دولة المؤسسات‏,‏ وليست دولة فرد أو أفراد‏,‏ فالقوانين‏,‏ والأنظمة والتشريعات‏,‏ يتم صناعتها في مؤسسات دستورية‏,‏ وهيئات سياسية وقانونية ثابتة‏,‏ مع تغير الحكام والمختصين الذين يتولون وظائف محددة عبر انتخابات تنافسية‏.‏ في الوقت نفسه‏,‏ لابد من التأكيد هنا علي أن السلطة في النظام الديمقراطي مسئولية دستورية تتم ممارستها وفقا للصلاحية المخولة لها بموجب أحكام الدستور‏,‏ مع وجود ضمانات تكفل احترام القانون‏,‏ وذلك من خلال سلطة مستقلة تراقب تطبيق القوانين والأنظمة والتشريعات‏,‏ وتعاقب علي مخالفتها‏.‏ هذه السلطة المخول لها المراقبة وتوقيع عقوبة تسمي الرقابة القضائية‏JudicalReview‏ وعلي هذا الأساس‏,‏ فإن الشرعية الديمقراطية‏,‏ تتميز بأن الحكام يمثلون الشعب في سعيهم لتحقيق الصالح العام بتفويض منه‏,‏ وعلي قاعدة حرية ونزاهة وسرية العملية الانتخابية‏.‏

وإذا كنا في النظام الديمقراطي نؤكد علي‏'‏ التنافسية‏'‏ المشار إليها‏,‏ فإن التنافسية ليست أمرا مقصودا لذاته‏,‏ إنها‏'‏ آلية‏'‏ تنطوي علي وظائف محددة‏,‏ ولا غني عنها‏,‏ وكما يري أندرو هيوود‏HeywoodAndrew‏ أنها تحقق الغرض من الانتخابات والمتمثل في تجنيد السياسيين‏,‏ واختيار النواب والحكام‏,‏ وإضفاء الشرعية علي الحكومات‏,‏ هذا فضلا عن أنها مدرسة تعليمية للناخبين‏(2).‏ وفي الإطار الأشمل‏,‏ وعن طريق تفعيل إرادة الناخبين‏,‏ فإن التنافسية السلمية تبقي أسلوبا شرعيا معترفا به من أجل تغيير مراكز القوي السياسية‏,‏ والتداول السلمي للسلطة‏,‏ والاحتكام إلي إرادة شعبية سواء لإبقاء الحكومة القائمة أو تغييرها‏.‏ وعلي كل‏,‏ فالانتخابات لها أشكال متنوعة‏,‏ فمنها انتخاب رئيس الجمهورية‏,‏ أو انتخاب أعضاء البرلمان‏,‏ أو أعضاء المجالس المحلية‏,‏ أو اعضاء المجالس النقابية‏,‏ أو الموافقة علي تغييرات في نظام الحكم‏,‏ المهم في كل هذه الحالات هو أن يعبر المواطنون عن إرادتهم‏,‏ وبوجه عام‏,‏ فأيا كان نوع العملية الانتخابية‏,‏ فإنها عادة ما تأخذ الطابع السياسي‏,‏ وتضفي الشرعية علي نخب سياسية يجري تغييرها دوريا‏.‏ وفي أحكام القضاء الدستوري تتجلي التنظيمات الفلسفية للانتخابات‏,‏ والقيمة الدستورية للمبادئ المتعلقة بالانتخابات‏,‏ الأمر الذي يجعلها من وجهة نظر الكثيرين مصدرا للمساواة‏,‏ والمواطنة‏,‏ وأيضا للديمقراطية‏.‏

وهنا‏,‏ لابد من ملاحظة أن‏'‏ التنافسية‏'‏ في الديمقراطيات الحديثة لا تقتصر علي الانتخابات‏,‏ ولكنها تشمل إطارا واسعا يتناول أيضا تنافس القوي والمصالح والقيم‏,‏ والقنوات المعبرة عنها‏,‏ في إطارات فردية أو جماعية‏,‏ مهنية أو إقليمية‏,‏ في سياق يجعلها بحق من أهم مكملات الديمقراطية‏.‏
وفي واقع الأمر‏,‏ فإنه أيا كان الموقف بالنسبة للعلاقة بين الانتخابات والديمقراطية‏,‏ فإن الإشكالية الكبري تبقي ممثلة في‏'‏ نوعية إدارة الحكم‏'Governability.‏ فمن الثابت أن نظام الحكم في بلد ما‏,‏ ماهو إلا مرآة لصورة المجتمع‏,‏ وثقافته‏,‏ وأخلاقياته‏,‏ ودرجة نضجه السياسي‏,‏ ويمكننا هنا ان نستشهد بمقولة معبرة لشومبيتر يري من خلالها أن نظام إدارة الحكم في أي بلد‏,‏ مسألة ليست يسيرة علي الإطلاق‏,‏ لأن النظام السياسي‏,‏ وهو يتولي إدارة شئون المجتمع‏,‏ قد يعيد انتاجه‏,‏ وتشكيله‏,‏ عبر نوعية الاستراتيجية التي يتم اختيارها لتحديد طريقة الوصول للمناصب‏,‏ وخصائص المتنافسين علي المناصب‏,‏ ووظائف الحكم‏,‏ وطبيعة عملية صنع القرارات‏.‏ ولن نجد نظاما نصفه بأنه ديمقراطي‏,‏ ما لم يكن يتيح لكل مواطنيه البالغين الحق في التصويت لانتخاب المسئولين‏,‏ والحق في الترشح للمناصب التي يشترط شغلها بالانتخاب‏,‏ وحق المواطنين في البحث عن معلومات محمية بالقانون‏,‏ والحق في تشكيل المنظمات والاتحادات‏,‏ والأحزاب وجماعات المصالح‏,‏ وحق المسئولين المنتخبين في مراقبة القرارات الصادرة عن الحكومة‏(3).‏ كما لن نجد نظاما نصفه بأنه ديمقراطي‏,‏ ما لم يتوافر له دستور‏'‏ ديمقراطي‏'‏ يرتكز أساسا علي الجمع الوطني كشرط رئيسي للحداثة السياسية‏,‏ فمن أمثلة الدساتير التي تتناقض مع الحداثة السياسية‏,‏ ما ينص عليه الدستور اللبناني من أن يكون رئيس الجمهورية مارونيا‏,‏ ورئيس مجلس النواب شيعيا‏,‏ ورئيس الوزراء مسلما سنيا‏,‏ ومن المعروف أن لكل مذهب أو طائفة نصاب معين من مناصب الدرجة الأولي في الإدارة المدنية‏,‏ ونسبة ثابتة من عدد أعضاء البرلمان‏.‏ فالانتخابات تجري هنا وفقا لأسس مذهبية وطائفية‏,‏ وليست وطنية جامعة‏.‏

وعلي الرغم من أن الدولة الحديثة هي الآن متخمة بالمئات من‏'‏ قنوات التمثيل‏'‏ التي تعد بحق من معايير التمييز بين الديمقراطيات العريقة‏,‏ والديمقراطيات الحديثة‏,‏ وهي القنوات التمثيلية التي تعبر عن المصالح وتتضخم تبعا لمضاعفة المطالب الشعبية‏,‏ فإنه تبقي حقيقتان لابد من ملاحظتهما باهتمام‏:‏ أولا‏,‏ تظل القنوات الانتخابية من أكثر الآليات وضوحا في التعبير الديمقراطي عن الحقوق والمصالح‏.‏ ثانيا‏,‏ تعاظم مسئولية النواب المنتخبين بالنسبة لوظائفهم التشريعية‏,‏ والرقابية‏.‏ فالانتخابات آلية مشروعة للمشاركة السياسية‏,‏ وتحقيق التحول أو التغيير السياسي بطريقة سلمية‏,‏ ونقل رغبات المواطنين لدوائر صنع القرار‏,‏ ومحاسبة المسئولين‏,‏ وهي بالطبع من دلائل التطور الديمقراطي‏(‏ في الولايات المتحدة‏,‏ ينتخب أعضاء مجلس النواب من الشعب مباشرة‏,‏ كل عامين‏,‏ لأن الآباء المؤسسين أرادوا أن يتجاوب المجلس مع أي تغيير في الإرادة الشعبية‏,‏ بالسرعة الواجبة‏,‏ عبر إعادة الانتخاب‏).‏ وبنظرة أشمل‏,‏ فإن الانتخابات تمثل إعمالا للوظيفة‏'‏ العقلانية‏'‏ لدوافع التوافق بين التشكيلات الاجتماعية‏,‏ والقوي السياسية لتعظيم المنافع‏,‏ والمفاضلة الراشدة بين مختلف الخيارات‏,‏ وتدبير المصالح‏,‏ علي مستوي الدولة‏,‏ وبالتالي يكون‏'‏ الاقتراع‏'‏ بمثابة التنظيم السياسي لعملية الموافقة‏.‏ ومن المسائل المتفق عليها في مجال الديمقراطية إلي حد كبير أنه من الصعب التوصل إلي مؤشرات أو خصائص نهائية لتقييم أداء النظم السياسية‏,‏ فالنظم السياسية تختلف في أنماطها وتركيباتها‏,‏ حتي ليصعب المقارنة بينها‏,‏ فهكذا الأمر بالنسبة للديمقراطيات الأوروبية‏,‏ واختلافها عن الديمقراطية الأمريكية‏,‏ وديمقراطيات أوروبا الشرقية‏,‏ ودول العالم الثالث‏,‏ التي بدأت في تطبيق بعض مظاهر الديمقراطية‏,‏ والتي في غالبيتها شكلية متعثرة‏,‏ وفي مراحل تجريبية‏.‏ ومن هنا يلجأ منظرون كثر إلي تحديد شروط بشأن ما هو من الديمقراطية‏,‏ وما هو ليس من الديمقراطية في شئ‏.‏ وفي هذا السياق يتم متابعة الشروط التي تحقق‏(‏انتخابيا‏)‏ الإرادة العامة‏.‏ لذلك يري ديفيد باتلر‏DavidButler‏ ضرورة عدم حرمان أي جماعة من حق تشكيل حزب سياسي‏,‏ والترشح للمناصب السياسية‏,‏ وإجراء الانتخابات بدون تمييز بين المواطنين علي أساس اللون‏,‏ أو الأصل‏,‏ أو الجنس‏,‏ أو اللغة‏,‏ أو الدين أو العرق‏,‏ وذلك ضمانا لإعمال مبدأ المساواة السياسية‏,‏ وتكافؤ الفرص بين المشاركين في عملية الانتخاب‏(4).‏ وفي هذا‏,‏ يعتبر جان جاك روسو أن حق التصويت لا يمكن لأحد أن ينتزعه من المواطن‏(5).‏ وتاريخيا‏,‏ فإن منح حق التصويت لم يكن شاملا‏,‏ فالمرأة لم تعط حق التصويت في فرنسا وبلجيكا وسويسرا إلا بعد الحرب العالمية الثانية‏,‏ وفي الولايات المتحدة في البداية‏,‏ قصرت جميع الولايات حق التصويت علي البيض الذين لديهم ممتلكات‏,‏ ثم ألغي شرط الملكية تدريجيا في بعض الولايات‏,‏ بعد ذلك‏,‏ سمح للمرأة بالتصويت في عام‏1920‏وفي بعض الأمور‏,‏ ثم أدخلت التعديلات علي الدستور الأمريكي ليشمل السيدات‏,‏ والسود الأمريكيين‏,‏ وفي عام‏1972‏ تقرر أن يشمل التصويت كل من بلغ ثمانية عشر عاما في جميع الولايات‏,‏ أما بالنسبة لمشاركة المرأة في البرلمان‏,‏ وهي قضية شائكة في غالبية النظم السياسية‏,‏ فإنها في الغالب تعتمد علي قيام الأحزاب السياسية بترشيح عدد كاف كمرشحات في الانتخابات‏,‏ وفي بعض الحالات يتم الاعتماد علي نظام‏'‏ المقاعد المحجوزة للمرأة‏'.‏

وفي الآونة الراهنة‏,‏ يعتبر حق المشاركة في الانتخابات‏,‏ حقا لصيقا بآدمية الفرد‏.‏ وكان‏'‏ روسو‏'‏ قد أكد علي أن الجميع ملتزم بالمشاركة مباشرة في شئون المجتمع علي نحو يسمو علي الرغبات الشخصية‏,‏ ولا يغير من ذلك تعدد النظريات ما بين من ينظرون إلي حق المشاركة الانتخابية علي أنه‏'‏ وظيفة‏'‏ تقتضي توافر شروط معينة بالناخبين‏,‏ تتعلق بالكفاءة الشخصية‏,‏ أو الثروة المالية‏,‏ ذلك أن التيار الغالب بين نظريتي الانتخابات كحق أو وظيفة يميل إلي دمج النظريتين‏,‏ والنظر للانتخابات علي أنها حق وواجب‏,‏ يؤديها أفراد الشعب‏,‏ في إطار ممارسة السيادة عن طريق الاقتراع العام‏.‏ ولا يغير من ذلك أيضا‏,‏ حالات استثناء نماذج معينة من المشاركة في الانتخابات‏(‏ وفقا للقانون‏)‏ بالنسبة للعسكريين‏,‏ أو مرتكبي الجرائم‏.‏
ويعتبر البعض أنه عندما تكون نسبة التصويت عالية‏,‏ فإن ذلك يمنح الشرعية للمؤسسات السياسية‏,‏ وفي بعض الدول مثل بلجيكا وهولندا والنمسا‏,‏ يكون التصويت إجباريا‏,‏ ولكن القاعدة الديمقراطية تميل بدرجة أكبر لجعله اختياريا‏,‏ يمارسه المواطن وفقا لأحكام الدستور والقانون‏.‏ ويحتكم النظام الديمقراطي إلي رأي الأغلبية في تحديد الاختيار‏,‏ واتخاذ القرار‏,‏ باعتبار ذلك هو الخيار الذي يحقق العدالة والمساواة السياسية‏,‏ بناء علي قاعدة‏(‏ صوت واحد لكل مواطن‏).‏

آليات عمل الديمقراطيات الانتخابية
في المجمل العام بالنسبة لعملية الانتخابات فإنها لا تخرج عن كونها مجموعة من الإجراءات والأعمال القانونية والمادية التي تؤدي بصورة رئيسية إلي تعيين أعضاء السلطة التشريعية من قبل أفراد الشعب‏,‏ بمعني أن الانتخابات هي الوسيلة التي تمكن المواطنين من المشاركة‏,‏ بصورة غير مباشرة في عملية اتخاذ القرارات‏.‏ وعن طريق الانتخابات‏,‏ يمكن للمواطن قبول أو رفض الخيارات السياسية‏,‏ وقبول أو رفض من يطرحون هذه الخيارات‏.‏ وفي الحالات التي تشهد إجراء انتخابات بشروط ديمقراطية‏,‏ فإن ذلك يؤدي إلي تفعيل آليات المساءلة في المجتمع‏,‏ كما أنه يجعل العلاقة بين المجتمع والحكومة أكثر يسرا‏,‏ فالحزب الذي تتوافر له أغلبية حقيقية يتسلم السلطة عبر صناديق الاقتراع‏,‏ بينما يبقي الحزب أو الأحزاب التي لم تحصل علي أغلبية أصوات الناخبين في جانب المعارضة‏,‏ لممارسة نشاطها في مراقبة ومحاسبة الحكومة‏.‏ وبناء علي ذلك‏,‏ فإن الحزب الحاكم والمعارضة‏,‏ هما قطبا الحكم‏.‏
ومع ذلك‏,‏ لا مفر هنا من الاشارة إلي الصعوبات التي تكتنف عملية‏'‏ التمثيل‏'‏ فأيا كان الموقف في الديمقراطيات التمثيلية‏RepresentativeDemocracy‏ فإن دور المواطنين يقتصر علي‏'‏ انتخاب المسئولين‏'‏ علي فترات متباعدة‏,‏ بينما من يتولي فعليا الممارسة السياسية‏,‏ وتدبير الشأن العام هم النخبة السياسية‏PoliticalElite‏ ويواجه الممثل النيابي مشكلات عديدة مرجعها ضخامة المطالب الشعبية‏,‏ ومدي حريته في التعبير عن هذه المطالب‏,‏ وفي الوقت الراهن يتمثل التحدي في تقدم تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات‏,‏ والأقمار الصناعية والإعلام‏,‏ مما دفع البعض إلي عرض مقترحات باستخدام هذه الوسائل‏,‏ ومنح المواطنين مساحة أكبر من المشاركة السياسية‏,‏ لكن هذه الاقتراحات لا تلقي قبولا علي اعتبار أن التمثيل النيابي لا يزال الأفضل في مجال الدفاع عن الحقوق‏,‏ وتقديم المصالح‏(6).‏

هناك أيضا المشكلة المتعلقة بنوعية التصويت‏,‏ انطلاقا من نوعية المنافسة الحزبية الداخلية‏,‏ ففي الدول الديمقراطية القديمة‏,‏ والحديثة علي السواء‏,‏ هناك ما يطلق عليه‏'‏ التصويت الشخصي‏',‏ وهو يعتمد علي نوع من الارتباط الشخصي بين الناخب والمرشح بمعني أن الخدمات الشخصية التي يؤديها المرشح للناخب يمكن أن تكون أحد أسس اختياره وترشيحه‏,‏ ويرتبط ذلك بنوع المنافسة الحزبية الداخلية التي يتيحها النظام الانتخابي المتبع‏,‏ ففي ايطاليا مثلا‏,‏ وباتباع نظام التمثيل النسبي‏,‏ بالقائمة المفتوحة‏,‏ فإن المرشحين يتنافسون ضد بعضهم بعضا‏,‏ لذلك كان الحزب المسيحي الديمقراطي يركز حملته الانتخابية علي أساس كسب التصويت الشخصي‏.‏ وفي الدول النامية يرتكز التصويت الشخصي علي خدمات وميزات وهبات مالية يمنحها المرشح‏.‏ علي أنه بجانب هذا النوع من التصويت‏,‏ فإن ما يحقق الجوهر الديمقراطي بدرجة أكبر‏,‏ هو أن تجري العملية التنافسية علي رامج انتخابية سواء كانت برامج أعدتها الأحزاب أو كتل أو تحالفات انتخابية ذلك أن البرنامج الانتخابي ما هو إلا‏'‏ خطة‏'‏ المرشح التي يعرضها علي الناخبين بشأن طرق حل مشكلاتهم‏,‏ أو رؤيته للإصلاح السياسي أو الاقتصادي‏,‏ أو حل مشكلات التعليم او البطالة‏,‏ وتكون هذه البرامج الانتخابية‏,‏ هي العقد أو الوعد‏,‏ الذي يجري علي أساسه مساءلة النائب عند انتهاء فترة نيابته‏,‏ وعندما يحل موعد الانتخابات التالية‏,‏ الأمر الذي يعني أن يتوافر لدي كلا من الناخب والمرشح درجة مناسبة من الخبرة‏,‏ والثقافة الإدارية والقانونية‏.(‏ في عام‏1975‏ تولت مارجريت تاتشر زعامة حزب المحافظين‏,‏ وبزغ نجمها أساسا‏,‏ بالنظر إلي فكرها السياسي والاقتصادي‏).‏

وما يهمنا في هذا الإطار‏,‏ هو الإشارة إلي عدة مستويات تتضمنها النظرية الديمقراطية الغربية حول طبيعة عمل الانتخابات فقد تعطي الأهمية الأولي والدور الأكبر للناخبين‏,‏ في معترك العملية الإنتخابية‏,‏ ليصبح طابعها العام بمثابة المحاسبة للأحزاب والسياسيين الذين يكون عليهم في هذه الأحوال التعرف الجيد علي احتياجات الناخبين‏,‏ والسعي لإرضائهم‏,‏ ويترتب علي ذلك توسيع قاعدة المشاركة الشعبية‏,‏ وتضييق نطاق عمل النخبة‏.‏ أما في المستوي الثاني فإنه يعطي الفاعلية في العملية الانتخابية للنخبة‏,‏ ويكون علي الناخبين السعي للتعرف علي برامج ورؤي وأفكار وسياسات النخبة‏,‏ ويترتب علي ذلك تأكيد سلطة النخبة وترسيخها‏,‏ وربما احتكارها السلطة والعملية السياسية علي حساب المشاركة الشعبية‏.‏ أما في المستوي الثالث فيتم تحقيق درجة مناسبة من التوازن بين النخبة والناخبين في العملية الانتخابية‏,‏ بحيث يستفيد كلا الطرفين من الانتخابات‏,‏ فالانتخابات تضفي الشرعية علي النخبة‏,‏ وللناخبين سلطة التأثير علي القرارات‏,‏ والحد من سوء استخدام السلطة‏.‏
وإذا كانت القاعدة الديمقراطية‏,‏ كما يقول جوزيف شومبيتر‏JosephSchumpeter‏ ان الحكومة لابد أن تكون مسئولة مسئولية مطلقة أمام المواطنين‏,‏ وصولا إلي تحقيق العدالة‏,‏ فإن الأخيرة تقتضي إعمال المبدأ الذي يتيح المساواة بين جميع القوي السياسية للوصول إلي السلطة‏,‏ فالقاعدة الديمقراطية تقوم علي أساس عدم احتكار السلطة من جماعة واحدة‏,‏ أو حزب واحد ولمدة طويلة‏.‏ ومع أن الديمقراطيات الغربية يندر فيها نموذج احتكار السلطة من قبل حزب واحد‏,‏ إلا أن هناك نماذج لذلك منها استمرار الحزب الديمقراطي المسيحي في ايطاليا حتي عام‏1992,‏ واستمرار الحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان من‏1963‏ ـ‏1990.‏

وتفعيل قاعدة العدالة يقتضي حياد الدولة أمام كل الأطراف السياسية‏,‏ فمن الطبيعي أن تشمل المجتمعات فئات وشرائح متعددة وذات اتجاهات وميول مختلفة‏,‏ ويجري التعايش فيما بينها في ظل المجتمع‏,‏ ولا تتناقض التعددية بحال من الأحوال مع وحدة طبيعة الدولة والنظام السياسي‏(7)‏ وهنا‏,‏ إذا كانت العدالة تقتضي الاحتكام إلي قاعدة الأغلبية‏,‏ فإن الأغلبية ليست أغلبية مطلقة الحكم‏,‏ لأنها مقيدة بأحكام الدستور الذي يضمن الحقوق والحريات المدنية العامة لجميع المواطنين‏,‏ الأمر الذي يمنع الأغلبية من إلغاء أو الانتقاص من الحقوق الفكرية والدينية والمذهبية للأقليات‏.‏
وما يعنينا هنا بدرجة أكبر التأكيد علي أن التعرف علي كيفية عمل الديمقراطيات الحديثة ينطوي علي حقائق سياسية تفوق في أهميتها ومغزاها الصراع من أجل انتخاب أو إعادة انتخاب المتنافسين‏,‏ لأنه بجانب التنافسية‏,‏ هناك آليات التعاون‏,‏ والعمل الجماعي‏,‏ والمساومة‏,‏ والتفاوض‏,‏ والتشاور‏,‏ ومحاولة التوصل إلي حلول وسط للمشكلات‏,‏ لأن هذه الآليات من شأنها إنعاش الثقافة الديمقراطية لدي المواطنين‏,‏ وتنمية عمل الأحزاب والاتحادات والمؤسسات والروابط والتعاونيات‏,‏ فالديمقراطية لا يمكن اختزالها في التصويت‏,‏ ولكنها في الجوهر عملية نقاشية مجتمعية موسعة بين القوي والتشكيلات الاجتماعية تنمي الثقافة المدنية‏CivilCulture.‏ وفي هذا الإطار يتعرف المواطن علي مصالحه ومصالح الآخرين‏,‏ وكيفية التوفيق فيما بينها‏.‏ وهكذا يتأتي التقدير للمبدأ الحقيقي المنشود وهو‏'‏ احترام القوي السياسية لاستمرار التنافسية وفقا للقواعد والشروط التي يتوافق عليها المجتمع‏'.‏ ومن أهم ثمار هذا المبدأ أن المنتصرين في الانتخابات أو الحائزين علي الأغلبية لايقومون بسد الطرق وإغلاق الأبواب وإضاعة الفرص السياسية أمام الخاسرين‏,‏ وكذلك فإن الخاسرين يحترمون حق الفائزين في ممارسة مهامهم السياسية‏,‏ وإصدار القرارات‏,‏ ويجري ذلك في ضوء القاعدة العامة المسماة‏'‏ الموافقة الجماعية المشروطة‏'.‏ ويتعين هنا إعطاء الأولوية للقيمة الأساسية المقصودة‏,‏ وهي مشاركة الشعب في تسيير الحياة العامة علي المستوي السياسي عن طريق ممثليه في البرلمان‏,‏ وعلي المستوي الإداري عن طريق المشاركة في مجالس الإدارة المحلية‏.‏
وهكذا يتأتي للعملية الانتخابية أن تكون مدرسة للتعلم الديمقراطي‏,‏ وتحسين الآداء السياسي‏,‏ وتنشيط العملية السياسية‏,‏ وهو ما تحقق في عدة نماذج‏.‏ ففي روسيا علي سبيل المثال‏,‏ وفي مستهل فترة التحول السياسي‏,‏ كانت انتخابات مؤتمر نواب الشعب السوفييتي عام‏1989‏ نقطة تحول في تدعيم المسار الإصلاحي‏,‏ وتنشيط الإصلاح من داخل النظام‏,‏ وتدريب الجماعات علي الدعاية الانتخابية‏,‏ وطرح مرشحين بارزين‏,‏ وفتح الباب لأنشطة مساعدة علي التحول السياسي منها المظاهرات الجماهيرية‏,‏ ومن ثمة تسييس الجماهير‏,‏ وهو ما ظهر في انتخابات مارس‏1990‏ بمشاركة آلاف المرشحين للبرلمان والمجالس المحلية والإقليمية‏.‏

النظام الانتخابي مرآة النظام السياسي‏:‏
إذا كانت العملية الانتخابية هي في الأغلب الأعم نتاج سلسلة من الأعمال والممارسات والتوازنات والتسويات السياسية‏,‏ فإن القانون الانتخابي يأتي انعكاسا لصورة النظام السياسي والمجتمع‏'‏ فالقانون الانتخابي هو جملة القواعد التي غايتها تحديد صفة المواطن الذي يخوض الانتخابات‏,‏ وكيف يجري تنظيم مسار عملية الاقتراع‏,‏ ومن المفترض أن تتم صياغة القانون الانتخابي علي نحو يعبر عن إرادة الشعب‏.‏ وبناء عليه‏,‏ يحدد النظام الانتخابي لمجتمع ما طريقة احتساب الأصوات التي أدلي بها الناخبون لتحديد النتائج ومعرفة الفائزين بالمقاعد التي جري التنافس عليها‏,‏ فالانتخابات‏,‏ إذا لم تكن هي ذروة الديمقراطية‏,‏ لكنها خطوة مهمة في سبيل استمرارها‏.‏

في هذا الإطار‏,‏ فإن مشروع إدارة الانتخابات وكلفتها‏(‏ ايس‏)‏ التابع لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي حدد معايير معينة عند اختيار النظام الانتخابي وهي‏:‏
‏1-‏ ضمان قيام برلمان ذي صفة تمثيلية‏.‏
‏2-‏ التأكد من أن الانتخابات هي في متناول الناخب العادي وأنها صحيحة‏.‏
‏3-‏ تعزيز شرعية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية‏,‏ وتشجيع قيام حكومة مستقرة وفعالة‏.‏
‏4-‏ تنمية حس المسئولية إلي أعلي درجة لدي الحكومة‏,‏ والنواب المنتخبين‏.‏
‏5-‏ تشجيع التقارب داخل الأحزاب السياسية‏.‏
‏6-‏ بلورة معارضة برلمانية‏(Cool.‏

ومع أهمية هذه المعايير‏,‏ فإنه لابد من الانتباه إلي حيوية العلاقة بين النظام الانتخابي والنظام السياسي‏,‏ ففي التطبيقات الأولي للتمثيل النسبي في أوروبا الغربية تغيرت علاقات القوي السياسية‏,‏ وأساليب الحكم‏,‏ مما دفع إلي التساؤل عن مسئولية الأنظمة الانتخابية في إضفاء الصفة الديمقراطية علي النظام السياسي‏,‏ وتشكيل القوي السياسية‏.‏ وفي بريطانيا‏,‏ بعد تطبيق قانون‏1832‏ وتوسيع الانتخابات‏,‏ قامت الجمعيات بالاتصال بالمرشحين بهدف تسهيل عمليات التسجيل الانتخابي‏,‏ كذلك اتصلت الجمعيات بالناخبين‏,‏ ومن ثم تولد نظام الحزبين المحافظ والليبرالي من تجمع الجمعيات‏,‏ فالنظام الانتخابي يولد الأحزاب‏,‏ وفي الديمقراطية البريطانية العريقة يوجد إلي جانب الحزبين الرئيسيين هناك أحزاب أخري تتيح الفرصة لتعدد الآراء‏,‏ والاتجاهات السياسية‏,‏ وهو مؤشر ديمقراطي‏.‏ ومع تعدد الأنظمة الحزبية‏,‏ تختلف الأنظمة الانتخابية‏.‏ وبوجه عام أيضا‏,‏ فإن النظام الانتخابي يمكن أن يكون أداة ناجحة لبناء دولة حديثة ذات طابع قانوني ينطوي علي تنظيم جيد للممارسة السياسية‏,‏ والمشاركة في الشأن العام‏.‏ ومع ذلك‏,‏ يلاحظ أنه ليست هناك أنظمة انتخابية بلغت حد الكمال‏,‏ وفي الولايات المتحدة‏,‏ المعتبرة نموذج الديمقراطية في العالم‏,‏ وعبر مائتي سنة من الانتخابات‏,‏ شهدت في عام‏2000‏ مشكلة انتخابية شغلت العالم إبان المنافسة بين بوش‏,‏ وآل جور‏,‏ بسبب الحاجة إلي اعادة عملية حساب الأصوات في ولاية فلوريدا‏.‏

وبالرغم من أن النظام الانتخابي هو في التحليل الأخير آلية لتحويل الأصوات إلي مقاعد برلمانية‏,‏ إلا أنه يتحكم في صورة وملامح المشهد السياسي الذي يعقب إجراء الانتخابات فيما يتعلق بإتاحة الفرصة لفوز تيار سياسي معين‏,‏ أو أحزاب معينة‏,‏ أو أنه يقود إلي حالة تشكيل حكومة ائتلافية‏.‏ ووفقا لرأي فقهاء النظم الانتخابية‏,‏ فقد يؤدي النظام الانتخابي إما إلي تجديد الحياة السياسية‏,‏ أو جعلها أسيرة حالة مزمنة من الشلل والجمود‏(‏ في ايطاليا‏,‏ في انتخابات عام‏1992‏ تسبب النظام الانتخابي في زيادة حدة أزمة النظام الحزبي‏,‏ إذ أسهمت طريقة الانتخاب بالقائمة النسبية في الإبقاء علي حياة عدد كبير من الأحزاب الصغيرة‏,‏ والتي ما كان أعضاؤها ليرون مقاعد البرلمان‏,‏ في ظل نظام انتخابي قائم علي الدوائر‏).‏ وقد يسمح النظام الانتخابي بإنعاش المعارضة‏,‏ أو قد يجعل فوزها عسيرا مما يفتح الباب لممارسة سياسية من خارج النظام‏,‏ وقد يؤدي النظام الانتخابي إلي الاستقرار السياسي‏,‏ وقد يقود إلي إثارة النعرات الإثنية والانتماءات التقليدية‏(‏ في عام تم تقسيم الكويت إلي عشر دوائر انتخابية بطريقة تتطابق مع توزيع المجموعات السكانية في الكويت فكانت دوائر معينة للشيعة‏,‏ وأخري للسنة‏,‏ وثالثة للقبائل‏,‏ ورابعة عرفت بدوائر التجار‏).‏ كذلك‏,‏ قد يؤدي النظام الانتخابي إلي تمثيل جميع المناطق‏,‏ ويأتي فوز المرشحين لأسباب أخري‏(‏ في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية في عام‏1996‏ سمح قانون الانتخابات الذي بني علي نظام الدوائر‏,‏ ست عشرة دائرة‏,‏ بتمثيل جميع المناطق الفلسطينية‏,‏ وبحجم مشاركة وصل إلي‏70%,‏ ولكن قانون الانتخابات لم يسمح بفرز قادة علي مستوي الوطن‏,‏ واعتمد الفوز أساسا علي قوة العائلة‏).‏ وعليه‏,‏ يمكن القول إن الانتخابات في حالة نجاحها‏,‏ فإنها وسيلة لنقل السلطة سلميا‏,‏ وفي حالة فشلها‏,‏ فإن ذلك يمثل خطرا علي السلم الاجتماعي‏.‏

وعلي هذا‏,‏ فإن نوعية النظم الانتخابية تختلف تبعا للظروف السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المختلفة‏,‏ ووفقا لنوعية العلاقات الاجتماعية‏,‏ ودرجة رسوخ المبادئ الديمقراطية‏,‏ ونوعية النظام الحزبي‏,‏ وعموما‏,‏ فإن الأنظمة الانتخابية التي تضمن‏'‏ التعددية‏'‏ تكون بالتبعية ضامنة لحريات المواطنين‏,‏ خاصة في الحالات التي تشهد تنافسية حقيقية بدون قيود تفرغها من مضمونها‏,‏ لذلك اعتبرت الانتخابات التمثيلية ملازمة للدولة الليبرالية‏,‏ وقال هوريو‏Hauriou'‏ إن الدولة هي التشخيص القانوني للشعب‏'.‏
وتتعدد الأنظمة الانتخابية‏,‏ فقد تختار الدولة النظام الفردي‏,‏ أو نظام الانتخاب علي أساس الأغلبية‏,‏ أو نظم الانتخاب بالقائمة‏,‏ أو نظام الدائرة الواحدة‏,‏ وفقا لظروفها ومقتضيات أحوالها السياسية‏.‏ وعموما‏,‏ يوجد نظامان انتخابيان‏,‏ يعتمد الأول علي الفوز بأكثرية الأصوات‏MajoritySystem‏ بينما يعتمد الثاني علي التمثيل النسبي‏proportional Representation System‏ وتتبع الولايات المتحدة وبريطانيا نموذج الأغلبية النسبية في الانتخابات العامة فيهما‏,‏ والذي يؤدي إلي فوز حزب واحد‏,‏ يشكل حكومة متجانسة قوية
ومن الرؤي التي طرحت في هذا السياق‏,‏ يري موريس ديفرجيه أن التمثيل النسبي يتوافق مع نظام الأحزاب المتعددة الجامدة والمستقلة‏,‏ وأن الاقتراع الأكثري ذا الدورتين يتوافق مع نظام أحزاب متعددة مرنة ومترابطة‏,‏ وأن الاقتراع الأكثري ذا الدورة الواحدة يتوافق مع ثنائية الأحزاب‏(9).‏ ومن الملاحظات العامة في هذا الصدد أن التمثيل النسبي يمكن أن يعكس بصورة أكثر توجهات الشارع السياسي‏,‏ ويمنح القوي السياسية فرصة للظهور والنمو‏,‏ ويبين هذا النوع من التمثيل الصورة العامة للرأي العام السياسي‏,‏ ويسمح للحركات الجديدة بالفاعلية‏,‏ ولذلك يردد البعض أن التمثيل النسبي هو الأقرب لتحقيق تمثيل عادل‏.‏ وفي عام‏1945‏ أدخل نظام التمثيل النسبي في فرنسا مما ساعد علي تثبيت الأحزاب القوية مثل الحزب الاشتراكي‏,‏ والحزب الشيوعي‏,‏ والحركة الجمهورية الشعبية‏.‏ وفي عام‏1919‏ في ايطاليا‏,‏ أطلق نظام التمثيل النسبي في انتخاب أعضاء كل من مجلسي الشيوخ والنواب‏,‏ وقد عزز نظام التمثيل النسبي من مشاركة الجماهير‏,‏ ودعم البنية القومية‏,‏ وتنظيمات الأحزاب الجماهيرية‏.‏ ويلاحظ أن نظام التمثيل النسبي يطبق في عدد من الدول الأوروبية‏,‏ مع اختلافات فيما بينها‏.‏ هذا‏,‏ مع ملاحظة أن النظام النسبي تنشأ عنه حكومات ائتلافية‏,‏ وقد تتجزأ الأحزاب الكبيرة‏,‏ ويتيح الفرصة لصوت الأحزاب الصغيرة‏(‏ في إسرائيل تلعب الأحزاب الدينية المتطرفة دورا حاسما في تشكيل الحكومة‏).‏

أما في نظام الأكثرية‏,‏ فقد يحدث أن يحصل حزب ما علي أكثر مما يستحق من مقاعد البرلمان‏,‏ أو أقل مما يستحق‏,‏ وسواء كان نظام الأكثرية علي دورتين أو دورة واحدة‏,‏ فقلما يعكس هذا النظام أمانة التمثيل‏,‏ ومن المتعذر علي أي حزب جديد أن يفرض وجوده‏.‏ وفي بريطانيا‏,‏ كان هذا النظام من ضمن أسباب تكريس الثنائية الحزبية بين العمال والمحافظين‏,‏ بل إن مستقبل الشخصيات السياسية يعتمد بالدرجة الأولي علي انتماءاتها الحزبية‏(10).‏ ومن ميزات النظام الأكثري عرقلة تمثيل الأحزاب المتطرفة‏,‏ وسهولة فهمه من جانب الناخب‏,‏ وإعطاء فرصة التمثيل للمستقلين‏,‏ والسماح بالمفاضلة بين المرشحين‏.‏
وهناك النظم المختلطة ونموذجها المثالي النظام الألماني‏,‏ وهو يقوم علي اختيار نصف النواب بالانتخاب الفردي بالأغلبية علي دور واحد‏,‏ والنصف الثاني بالقائمة مع التمثيل النسبي‏,‏ علي مستوي الدوائر‏,‏ ولكن بدون أن يحق للأحزاب الاشتراك في توزيع المقاعد إلا إذا توافر لديها‏,‏ إما الحصول علي نسبة‏5%‏ علي الأقل في الانتخابات الفردية علي مستوي الدولة‏,‏ أو علي ثلاثة مقاعد علي الأقل في الانتخابات الفردية علي مستوي الدولة‏.‏ وبالطبع‏,‏ فإن كل دولة لها أسلوبها في الحفاظ علي الاستقرار السياسي بها‏,‏ فالدستور الألماني‏,‏ حفاظا علي الاستقرار يلزم أن تكون الأحزاب التي تحصل علي‏5%‏ من أصوات الناخبين هي التي تمثل في البرلمان‏,‏ وذلك بهدف منع الأحزاب الصغيرة من عرقلة عملية صنع القوانين‏.‏
ومن الثابت أن المجتمعات لا تبقي علي صورة واحدة‏,‏ بل تتطور وتتغير ظروفها لأسباب داخلية أو خارجية‏,‏ الأمر الذي يخلق الحاجة لتغيير أو إصلاح النظام الانتخابي‏,‏ فقد يضغط الشعب أو المجتمع المدني لتغيير النظام الانتخابي كمدخل لإحداث إصلاحات في النظام السياسي‏,‏ وبالطبع‏,‏ فإن الفئات التي تستفيد من النظام القائم تقاوم التغيير‏,‏ غير أن أمثلة عديدة تبرهن علي أن إصلاح النظام الانتخابي يكون مقدمة للتحول إلي ديمقراطية سليمة‏,‏ ومن ذلك الدستور الذي تضمن تغييرات جذرية في النظام الانتخابي في شيلي في عام‏1980‏ مما كان مقدمة للانتقال إلي مرحلة ديمقراطية في عام‏1988‏ في خضم فترة زاخرة بالأحداث السياسية أثناء فترة حكم بينوشيه‏1973‏ ـ‏1990.‏ وفي حالات أخري مماثلة يحدث أن يطالب الناس بتغيير النظام الانتخابي تحت مبررات تعزيز الحريات المدنية‏,‏ والحقوق السياسية‏,‏ والتخلص من الحكم الاستبدادي‏,‏ ولكن من الملاحظات المهمة أن بعض حالات تغيير النظم الانتخابية‏,‏ يأتي بمبادرة من السلطة ومباركتها‏,‏ ويحدث ذلك في الأنظمة غير التنافسية‏,‏ ويتم لأسباب غير ديمقراطية منها‏:‏ إتاحة الفرصة لحزب سياسي معين للفوز في الانتخابات‏,‏ أو تحجيم فصيل معين من المعارضة السياسية‏,‏ أو ضمان استمرار هيمنة قوي سياسية معينة علي النظام السياسي ومن أمثلة ذلك‏,‏ تغييرات النظم الانتخابية في مصر‏,‏ والجزائر‏,‏ والأردن‏,‏ والمغرب‏,‏ وموريتانيا‏,‏ وتونس واليمن‏,‏ علي مدي العقود الثلاثة الماضية‏(11)‏ وفي الجزائر علي سبيل المثال‏,‏ في تعديل قانون الانتخابات في‏27‏ مارس‏1990‏ تم تغيير الفقرة المتعلقة بتوزيع المقاعد‏,‏ لتصير القائمة التي تفوز بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها لاتحصل علي جميع المقاعد‏,‏ بل علي عدد من المقاعد يتناسب مع النسبة المسئولية للأصوات التي حصلت عليها‏,‏ وظلت الطريقة نفسها في توزيع المقاعد في حالة عدم حصول أي قائمة علي الأغلبية المطلقة‏.‏ وكان الهدف هو ضمان فوز حزب جبهة التحرير بالأغلبية الساحقة‏.‏ وفي هذا السياق‏,‏ فربما نتذكر مقولة هيجل‏'‏ لا يمكن تجاوز مرحلة تاريخية‏,‏ إلا بعد أن تستنفد شروط وجودها‏',‏ ذلك أن النظم غير التنافسية‏,‏ لم تمر حقيقة بالمرحلة الليبرالية‏,‏ ولم تستوعب الفكرة الليبرالية بعد في نسيج أنظمتها الثقافية‏,‏ ومن ثم‏,‏ فقد يكون النظام الانتخابي‏,‏ مجرد أداة في يد النظام السياسي لتحقيق ما يريد‏.‏
ويبدو أنه حتي في الحالات التي لا تركز علي‏'‏ الجوهر‏'‏ الديمقراطي‏,‏ فإنه لابد من احترام المعايير الإجرائية‏,‏ حتي تثمر الديمقراطية ثمارها‏,‏ وليقال في هذا السياق إن الحكومة التي لا تتبع قاعدة‏'‏ القانون‏'‏ لا تعتبر ديمقراطية‏,‏ من هنا تأتي أهمية‏'‏ الإجراءات الانتخابية‏'‏ ومنها‏:‏ طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية‏,‏ وتحديد الجهة التي تشرف علي إدارة العملية الانتخابية‏,‏ ونظام دورية الانتخابات‏,‏ والدور الخارجي في الانتخابات‏.‏

فبالنسبة للدوائر الانتخابية‏,‏ يقصد بها ملاءمة الظروف الجغرافية والسكانية لكل منطقة تحقيقا للعدالة‏,‏ وتأمين مشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين في العملية الانتخابية‏.‏ وفي النظام الانتخابي الفردي تكون الدائرة الانتخابية صغيرة‏,‏ وفي ظل نظام الانتخاب بالقوائم‏,‏ تكون الدائرة الانتخابية كبيرة‏,‏ وتؤثر طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية علي المرشحين المتنافسين‏,‏ والناخبين والجماعات الشعبية‏,‏ والأحزاب السياسية‏,‏ وقد يجري إعادة النظر في طريقة تقسيم الدوائر كلما كانت هناك حاجة لذلك‏,‏ وفي هذه الحالة‏,‏ يراعي تقارب المصالح والقيم في الدوائر بقدر الإمكان‏,‏ وأن تتيح الصفة التمثيلية الصحيحة للسكان‏,‏ وعدم الانحياز المغرض لمنطقة بعينها‏,‏ ومراعاة ألا تتحول مناطق أو دوائر إلي مقاطعات تتحكم فيها وتمتلك مصيرها جماعة معينة‏.‏ وبالرغم من هذه القواعد‏'‏ المثالية‏'‏ فإن ما يجري علي أرض الواقع قد يختلف مثلما هو الحال في الولايات المتحدة‏,‏ حيث تقسم الدوائر الانتخابية علي أسس مصلحية وفئوية قد تتعارض مع المصلحة العامة‏,‏ ويطلق عليها‏(‏ نظرية جريماندرن‏)TheorieduGerrymander‏ كما قد يترتب علي طريقة معينة لتقسيم الدوائر حرمان جماعة معينة من الفوز في الانتخابات‏,‏ كما كان يجري في الولايات المتحدة بهدف حرمان السود من الفوز في الانتخابات انعكاسا لسياسة التمييز العنصري‏,(‏ في عام‏2002‏ في ولاية تكساس الأمريكية‏,‏ أعاد المجلس التشريعي الذي هيمن عليه الجمهوريون ترسيم حدود الدوائر البرلمانية‏,‏ ونجحوا في زيادة عدد الجمهوريين الممثلين للولاية بخمسة أعضاء‏).‏ وتاريخيا‏,‏ في ألمانيا أدي التطور الديمغرافي إلي تغييرات سلبية في تمثيل المدن والريف في انتخابات عام‏.1912‏
أما بالنسبة لتحديد جهة الإشراف علي إدارة الانتخابات فهو ما يقصد به ضمان نزاهة وسرية الانتخابات‏,‏ وإبعادها عن مظان التشكيك‏,‏ خاصة في الحالات التي يتولي فيها الحزب الحاكم الإشراف علي الانتخابات الأمر الذي يصعب معه إثبات التزوير والأعمال غير المشروعة وقد يسند الإشراف علي الانتخابات لجهة حكومية‏,‏ أو إدارية مستقلة‏,‏ أو جهة قضائية‏,‏ المهم في أي من هذه الحالات أن يكون الجهاز المشرف علي الانتخابات علي درجة مناسبة من الكفاءة لتلبية شروط الخدمة الانتخابية‏,‏ وأن يكون جهازا محايدا‏,‏ ومستقلا‏,‏ وغير خاضع لأية ضغوط من جانب الحكومة‏,‏ وذلك ضمانا لتشجيع المشاركة في الانتخابات‏,‏ وزيادة ثقة الناخبين في العملية الانتخابية ونتائجها‏(‏ في الانتخابات الأمريكية تتولي إدارات محلية إدارتها‏,‏ مع شروط يحددها الدستور الفيدرالي‏,‏ كذلك تتولي إدارات محلية إدارة الانتخابات في بريطانيا وفرنسا‏,‏ في استراليا تتولي لجنة عليا مستقلة إدارة الانتخابات‏,‏ وهو نظام متبع في دول عديدة‏).‏ ويرتبط بعملية إدارة الانتخابات‏,‏ القيام بمهمة‏'‏ تثقيف الناخب‏'‏ حول مراحل عملية الانتخاب‏,‏ والمناخ السياسي العام‏,‏ والأساليب الديمقراطية‏,‏ ولأن هذه المهمة يغلب عليها الطابع الأيديولوجي‏,‏ فإنها في الغالب تكون من ضمن مهمات الأحزاب‏,‏ ولكن يمكن أن تكلف بها إدارات خاصة أو حكومية‏,‏ وبالطبع‏,‏ فإن وسائل الإعلام تضطلع بدور مهم في هذا الصدد‏.‏
ولا شك أن هناك أهمية لمسألة إدارة الانتخابات‏,‏ وهو ما يمكن أن تتوقف عليه مصير العملية برمتها‏,‏ ذلك أن إدارة الانتخابات هي عملية شاملة‏,‏ ولها زواياها السياسية والاجتماعية والثقافية‏,‏ ويمكن أن تتضح الصورة إذا ما عرضنا إلي نموذج مثل الهند‏.‏ وغالبا ما يقال إن الديمقراطية في الهند هي من النماذج المعقدة والنادرة نظرا للتنوع الإثني الشديد‏,‏ وانتشار الفقر‏,‏ وهنا يلاحظ أن مصدر قوة الديمقراطية الهندية يعود إلي وجود طبقة قيادية تتميز بإدارة ماهرة للعملية الانتخابية‏,‏ وطرح الحلول الوسط‏,‏ وتشكيل الائتلافات‏,‏ هذا بالإضافة إلي ترسخ المعايير والعادات الديمقراطية‏.‏
أما عن ضمان الالتزام بدورية الانتخابات في مواعيد محددة‏,‏ فإنها الآلية التي تتيح للناخبين مساءلة المسئولين العموميين‏,‏ ومحاسبتهم‏,‏ عن طريق رفض إعادة انتخابهم‏,‏ لأنه بدون دورية الانتخابات‏,‏ فإن النتائج تتراوح بين الفساد السياسي‏,‏ والمحسوبية‏,‏ والرشوة‏,‏ واستغلال السلطة واحتكارها‏,‏ والتخطيط لعدم مغادرتها‏(12).‏
وفي بعض الحالات ترتبط شرعية الانتخابات بدور خارجي لمراقبتها‏,‏ من شأنه منح الدعم النفسي والسياسي للمشاركين في العملية الانتخابية‏,‏ وضمان سرية الاقتراع‏,‏ وطمأنة المتشككين‏,‏ ويعد ذلك خروجا علي القاعدة التي تعتبر تنظيم قواعد اللعبة السياسية الداخلية كالانتخابات شأنا خاصا بالدولة‏,‏ ولكن تتبدي أهمية الدور الخارجي في حالة البلدان غير المستقرة‏,‏ والتي تواجه نزاعات داخلية‏,‏ أو في فترات التحول من السلطوية إلي نظام ديمقراطي‏.‏ ففي نيكاراجوا‏,‏ أجريت انتخابات عام‏1990‏ وظهر دور غير مسبوق للمراقبين الدوليين‏,‏ وذلك في مناسبة إجراء اول انتخابات في تاريخ نيكاراجوا شاركت فيها جميع الأحزاب‏,‏ ومثل المراقبون الدوليون من الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية‏,‏ دورا مهما في إنجاح الانتخابات‏,‏ وتقبل الأطراف المشاركة فيها للنتائج‏.‏

الانتخابات‏..‏ تحولات معاصرة‏:‏
تبقي الانتخابات التنافسية الحرة أحد أهم معالم النظم الديمقراطية‏,‏ وذلك علي الرغم من المراحل المتعددة التي مرت بها الديمقراطية كنظرية وممارسة منذ ظهورها في أوروبا والولايات المتحدة مواكبة للفلسفة الليبرالية‏.‏ علي أن التطورات التي يشهدها عصرنا الراهن أثمرت بالنسبة للنظرية الديمقراطية العامة نتيجتين أساسيتين‏:‏
‏1-‏ بلورة ديمقراطية معاصرة يغلب عليها الطابع الإجرائي‏,‏ باعتبارها طريقة للحكم والممارسة السياسية وفقا لترتيبات مؤسسية وتنظيمية في المقام الأول‏,‏ فضلا عن آلية للتنافس بين النخبة السياسية‏.‏
‏2-‏ ارتباط الانتخابات‏,‏ باعتبارها عملية تنافسية مفتوحة للجميع‏,‏ بتنامي دور التنظيمات الوسيطة الجديدة‏,‏ والتي أصبحت موضع جاذبية لفئات مجتمعية عديدة‏.‏
وفي هذا السياق‏,‏ بدا واضحا‏,‏ في ضوء التطورات المعاصرة‏,‏ ومعالم عصر العولمة‏,‏ وثقل السوق‏,‏ والشركات متعددة الجنسيات‏,‏ والمؤسسات المالية والاقتصادية التي تؤدي دورا بارزا في المجتمعات‏,‏ الاتجاه إلي تخصيص دور أكبر في العملية السياسية لهذه الهيئات‏,‏ طالما أن الحكومات أصبحت اليوم تتشاور معها فيما تصدره من قرارات أو تتخذه من سياسات‏.‏ هذا النموذج الذي يجد تطبيقا واسعا له في عدة دول يطلق عليه‏(‏ الشراكة الاجتماعية ـ الاقتصادية‏)‏ ونجده في الولايات المتحدة‏,‏ وبريطانيا‏,‏ وسويسرا‏,‏ وألمانيا‏,‏ وبلجيكا‏,‏ وهو ما قد يصاحبه نسبيا تهميش المؤسسات السياسية التقليدية‏(13).‏
وما يهمنا أن نؤكد عليه أن هذه التطورات أثارت جدلا حول دور الأحزاب السياسية‏,‏ تحت زعم أن دورها تراجع لصالح التنظيمات والجماعات الوسيطة بدءا من الشركات العملاقة وصولا إلي النقابات والاتحادات وأصحاب الأعمال‏,‏ وذلك علي حساب ما يسمي بأحزاب النخبة‏ElitebasedParties‏ والتي ألمح البعض إلي مؤشرات اختفائها‏,‏ لصالح أحزاب الجماهير‏MassbasedParties..‏ وبرغم تعدد التحليلات في هذا الصدد‏,‏ إلا أن الانتخابات التي تجري في بريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة‏,‏ والدول الأوروبية تثبت استمرار دور الأحزاب القوية‏,‏ بل واتجاه التنظيمات الوسيطة للعمل من خلالها‏.‏
ويرتبط بهذه الظواهر ما يطلق عليه‏'‏ أزمة الديمقراطية المعاصرة‏',‏ والتي يمكن أن نعرض بعضا من ملامحها‏:‏
‏1-‏ أزمة التصويت في الديمقراطيات القديمة والحديثة علي حد سواء‏,‏ وتراجع نسب التصويت في الانتخابات‏,‏ ووصول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
القيمة السياسية والفلسفية للعملية الانتخابية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المؤسسات السياسية والقانون الدستوري والأنظمة السياسية الكبرى
» المؤسسات السياسية والقانون الدستورى الأنظمة السياسية الكبرى
» A Critical Dictionary of Sociology
» مؤلفات الفيلسوف الألمانى يورجن هابرماس
» علم الاجتماع والأيديولوجيات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: