د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: أحداث عارضة وشاذة أم مخطط للفتنة المدمرة 21/11/2009, 4:27 pm | |
| كرة القدم تفجر زلزال المؤامرة وتفضح الأيدي الخفية أحداث عارضة وشاذة أم مخطط للفتنة المدمرة بقلم :أســـامــــة غــــيـــث
جريدة الأهرام عدد السبت 21 نوفمبر 2009 بكل الحسابات المتعارف عليها بشريا وإنسانيا, وبجميع المعايير والمقاييس المتعارف عليها بديهيا ومنطقيا وواقعيا فإن مصر والجزائر لابد أن يجتمعا في خانة واحدة وفي مربع واحد يظلله أقصي درجات التفاهم والود والمحبة والاتفاق, ويرتكز ذلك إلي الكثير والكثير الذي يجمع ولا يفرق, ويفتح السبل والطرق ولا يغلقها, ويمد الجسور ولا يهدمها, فهناك قائمة طويلة من مبررات العقيدة ووحدة الاعتقاد والتاريخ المشترك القديم والحديث, وهناك دعاوي ودوافع المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة, وكل هذا وذاك تظلله ثقافة وحضارة واحدة في أصولها ومنابعها تجعل الفهم ميسورا والتغاضي عن الخطأ في حال وقوعه مقدما علي غيره من الاحتمالات, بحكم أن الخلاف بين الاخوة والأشقاء يحل دوما بالتراضي ولا يعرف أبدا طريقه للتصعيد والشحن الأهوج والإثارة المحتقنة, وفي ضوء هذه البديهيات والحقائق استنكرت نصيحة عدد من الأصدقاء الأعزاء بإلغاء سفري للعاصمة الجزائرية في اليوم السابق علي مباراة كرة القدم الأولي بين البلدين بالقاهرة متصورا بيقيني واقتناعي الشخصي أن عتاب الأخوة والأشقاء لا يمكن أن يخلو من الود والمحبة, ويستحيل أن يتجاوز الخطوط الحمراء ويتحول من مباراة لكرة القدم تحتمل دائما الفوز والهزيمة إلي موقعة عدائية ينصب حولها سيرك مظلم من الاختلاف والادعاء الأهوج, وتغذيها نيران من سموم البغضاء والوقيعة المنظمة والمدروسة لاصطناع جفوة وعداء وشقاق تجرف في زلزالها المحموم والمصطنع والشيطاني كل الثوابت الراسخة وكل الحقائق المتأصلة.ومع الصدمة الطاغية والمروعة التي أصابتني مع مطالعة الصحف الجزائرية المتوافرة بطائرة الخطوط الجوية الجزائرية في رحلة الذهاب فقد أعادتني ملاحظة هادئة وعميقة من شقيق جزائري إلي أرض الواقع وحقائقه مع إشارته إلي حقائق الديموجرافيا السكانية والقائلة إن شعبي مصر والجزائر يشكلون ثلث الثقل السكاني للعالم العربي, ويشكلان ثقلا جغرافيا حاكما مطلا علي البحر الأبيض المتوسط ومتعمقا في القارة الافريقية, اضافة إلي ما يشكلانه من رموز حاكمة ومؤثرة لانتصار الثورة العربية علي الاستعمار البريطاني في حالة مصر, والفرنسي في حالة الجزائر, وفي ضوء هذه الحقائق المهمة فإن اثارة النزاع والخصام وتأجيج المعارك الوهمية بين الشعبين لابد أن يكون في قلب مخطط الشرق الأوسط الكبير بأركانه الصهيونية والأمريكية والاوروبية,ولما حاولت مراجعته بالقول إنه مهما تكن مخططات الخارج والأعداء فإن المسئولية في النهاية والبداية تقع علينا كعرب وكمسلمين وأن الاعلام لا يمكن أن يتناسي مسئولياته الإنسانية والحضارية والمجتمعية ولا يمكن أن يتخلي عن الحد الأدني من الفهم والإدراك لتأثيرات الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية علي القاعدة العريضة من المواطنين البسطاء الذين تحركهم المشاعر والعواطف بالدرجة الأولي والأساسية, وجاء رده وكأنه يوشك أن يفقد صبره قائلا إن ما يحدث من انفلات وتجاوز لا يمكن أن يكون عفويا وتلقائيا وليس وليد اللحظة بل هو نتاج عقود متوالية من الوهن والضعف والتراجع العربي وغياب الديمقراطية والمشاركة السياسية والاحتراف الشائع لإلهاء الناس عن قضاياهم الرئيسية.الصحافة الجزائرية وتجاوز كل الخطوط الحمراء وبغض النظر عما يحمله حديث الشقيق الجزائري من الصواب والخطأ في تحميله المخططات الخارجية المعادية المسئولية الكاملة عن التجاوزات الفادحة في حق البلدين والشعبين إلا أن كل الشواهد التي يمكن رصدها في الصحافة الجزائرية تحديدا, وفي محركات الشقاق والعداء الفضائية وفي مقدمتها قناة الجزيرة القطرية التي تقطر الكثير من تعليقاتها وحواراتها بسموم التخطيط الشيطاني المنظم والمدروس, الذي يتحرك صوب غاياته لتحقيق الفرقة والانقسام العربي بنشاط ودأب وتكثيف, معتمدا علي فنون وعلوم الدعاية السوداء وإطلاق بالونات الاختبار للشائعات المختلفة والكاذبة, اضافة إلي تهييج المشاعر بين الشعوب بالأحاديث الرديئة التي تصطنع المن والسلوي في العلاقات والمعاملات بين الدول, كما حدث في قناة الاوربيت وكل هذه الشواهد لا تؤكد فقط قدرة المخططات الخارجية والداخلية ولكنها تؤكد خطورة شيوع روح عدم المسئولية والتأثير المفجع للجهل والتخلف في صناعة رسالة اتصالية بين الاعلام والمواطن بالغة التأثير السلبي لاعتمادها علي كل مفردات الديماجوجية الفكرية والثقافية, وللأسف الشديد فإنها صادرة عمن يسمون أنفسهم أهل الصفوة وأهل الفكر والتحضر, وهي رسالة اتصالية لا يسأل عنها فقط أهل الصحافة المحترفون بل يسأل عنها كل أطياف المجتمع السياسية والثقافية والأدبية والفنية والرياضية, التي تتبرع بالرأي والتقييم والحديث وكأنها تتمايل علي أنغام كودية زار شريرة غيبت كل العقول وكل النوازع الطيبة والرشيدة.وعلي الرغم من ملاحظاتي السلبية الكثيرة عما نشر ببعض الصحف المصرية وما أطلقته بعض الفضائيات الخاصة المملوكة لرجال الأعمال والتي يطلق عليها ثلاثية دريم ـ الحياة ـ مودرن سبورت ورابعتهم قناةOTV وانفلات البرامج الرياضية والمعلقين الرياضيين خارج نطاق الكياسة واللياقة, وبعيدا عن مقتضيات السياسة ولزومياتها إلا أن كل ذلك يصبح بمثابة القطرة في بحر التجاوزات غير المحدودة للصحف الجزائرية مجتمعة, وكأنها تستعيد شئون وشجون حرب داحس والغبراء في الجاهلية الأولي, واللافت للنظر والانتباه التركيز الشاذ وغير العادي علي استخدام حديث الدم واستغلال شائعات القتل والموت للمشجعين الجزائريين بالقاهرة والانغماس في جريمة التحريض وإثارة المشاعر وإشعالها باضافة وقود الاغتصاب للجزائريات إلي حدود القول بأن شابة جزائرية تم اغتصابها علنا وعلي رءوس الأشهاد في استاد القاهرة, وتلفيق أحداث غير عاقلة وغير معقولة تتحدث عن ترتيبات قامت بها سلطات الأمن المصري باستاد القاهرة لفضح المواطنات الجزائريات وهتك عرضهن في سادية غريبة وغير مألوفة, لا توجد إلا في الأفلام التي ترصد قصص التعذيب في سجون الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية, أو في سجون الاحتلال الفرنسي التي لم تعرف حدودا لامتهان البشر وتعذيبهم, حيث تحدث خبر للصحيفة الجزائرية النهار وكذلك الشروق عن عمليات التفتيش للجزائريات وأن الشرطيات المصريات كن يأمرن الجزائريات بنزع ملابسهن كاملة بغرض التفتيش بأحد الغرف ثم يسمحن لرجال مصريين ـ غير متخلقين كما تذكر الصحيفة ـ بدخول المكان ومشاهدة الجزائريات عرايا دون ملابس, ويتضح الهدف الأسمي الجليل لهذه الصحيفة بتأكيدها في النهاية أن الهدف من ذلك التصرف هو استباحة شرف الجزائر وهو خبر بقدر ما فيه من اختلاق وتدن مهني وأخلاقي إلا أنه يعكس درجة بشعة من درجات السعي المنظم لإثارة الفتنة والوقيعة بين الشعبين وكذلك التخطيط المنظم والمقصود لإشعال نيران الغضب بين الجماهير والمشجعين, وذلك بخلاف ما نشر عن إجبار الجزائريات علي نزع النقاب وصور التفتيش الأخري المسيئة والمهينة للمشجعات والصحفيات.وقد تضمنت الصحافة الجزائرية استخداما مفرطا منظما لكلمة الفراعنة بما يصب في معناها اللغوي الذي يصب في كل الفهم الدارج والعامي لمعاني التجبر والتسلط, وباستدعاء اسقاطات قرآنية في غير موضعها وفي غير محلها في إقحام مبتذل للدين لإضافة المزيد من عناصر السخط والرفض الشعبي للمصريين, ومصر وتفننوا في ربط كلمة الفراعنة بكل ما هو سيئ من أحداث وسلوكيات وصور صحفية مثيرة ملطخة بالدماء للمصابين وتفوح برائحة الموت لمن ادعوا أنهم قتلوا بأيدي المصريين, وكل ذلك كان يصب دائما في رفع شعارات بغيضة عن الثأر والانتقام من الذين استباحوا الأنفس والأعراض, والمثير والمفجع اسلوب تعامل هذه الصحف مع تصريحات المسئولين الجزائريين التي نفت تماما أن يكون هناك قتلي بين المشجعين الجزائريين وأن هناك فقط لا غير حالات اصابة في مشاجرات بين أطراف مصرية وجزائرية, واعتبروا أن تصريحات السفير الجزائري بالقاهرة لنفي حوادث القتل المزعومة ما هي إلا أحاديث كاذبة واتهموه بالخوف وعدم تحمل المسئولية, مع تنشيط حملة منظمة من رسائل الهاتف المحمول علي أوسع نطاق وبإلحاح مستمر لصور الذين يقولون عنهم أنهم قتلوا بالأيدي المصرية الملطخة بالدماء ويصنفونهم وينعتونهم في تحليلات الكتاب والمعلقين الجزائريين بأسوأ الصفات وأشدها قبحا.واستمرارا لمسلسل تشويه صورة مصر والمصريين بالصحافة الجزائرية, وإثباتا لتعمده وقصده فإن الصحف الصادرة صبيحة يوم المباراة الثانية بالسودان وحتي تستمر سياسة الشحن العاطفي الأهوج تحت شعارات الثأر والكرامة الوطنية والدفاع عن عرض وشرف الجزائريات والجزائر لم تسع إلي إبراز الأخبار المؤكدة من كل الأطراف الجزائرية, وليس المصرية التي ترصد عدم تعرض أي جزائري للقتل بالقاهرة خلال المباراة الأولي, وأن المشجعين لم ينقص منهم واحد بل استمرت فيما بين المباراة الأولي والثانية في تأجيج نيران الغضب الاسود والحقد الأعمي بالحديث المتواصل عن أحداث مفتعلة وتصريحات مريضة, ووصل الأمر إلي حدود أن تطالب ما تسمي الجبهة الوطنية الجزائرية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تقليص البعثة الدبلوماسية الجزائرية بمصر ومراجعة العلاقات الاقتصادية معها, لاسيما في مجال التجارة والخدمات, ووصل الأمر بحزب عهد54 أن ينتقد الدبلوماسية الجزائرية في الأحداث مشيرا بالاسم إلي السفير عبد القادر حجار سفير الجزائر بالقاهرة الذي وصفته بأنه لم يعد يشرف التمثيل الدبلوماسي في مصر, ووصل الأمر إلي حالة هيستيرية غريبة, حيث أعلن الناطق باسم جبهة التحرير الوطني أن ما عاناه الجزائريون في مصر ارهاب سياسي ساهم فيه اعلامهم الموجه من طرف الأجهزة الأمنية وواصل هذيانه بالتهجم علي القضاء المصري ووصفه بالخبير في غلق مكاتب الانتخاب في الثامنة صباحا وإعلان التزكية في المساء بنسبة99 في المائة. وكل ذلك يكشف عن تشابك وتعدد أهداف الحملة المنظمة للهجوم علي مصر, التي هي في الوقت نفسه حملة منظمة لتدمير العلاقات المشتركة وما شهدته خلال السنوات الأخيرة من تحسن واضح في تدفق الاستثمارات والشركات المصرية للعمل في الجزائر, ومساندة برامج النهوض الاقتصادي والمشاركة في دعم مشروعات وتطلعات التنمية.استهداف الاستثمارات وتخريب الشركات المصرية وليس بعيدا عن تفسير أهداف مخططات الإثارة والشحن للمواطنين, والسقوط في هاوية الإساءة المباشرة والفجة للشعب المصري وتاريخه ودينه وأخلاقياته وسلوكه, ما تم من تصرفات وسلوكيات في الشارع الجزائري من تعديات واسعة النطاق طالت كل المصريين في الجزائر بغير استثناء, واستهدفت كل الشركات والمشروعات والمنشآت المصرية في كل مكان, وتسببت في خسائر مادية ضخمة وفي توقف أعمالها تماما والهروب الواسع النطاق للمصريين للعودة إلي مصر بكل الوسائل والسبل, وكأن مصر والجزائر في حالة حرب معلنة بالفعل, ولم تقتصر السلوكيات العدائية للسلطات الجزائرية علي مجرد ترك الممتلكات المصرية تتعرض للتدمير والتخريب بأيدي المحترفين, بل تعدي الأمر إلي درجة تجميع المصريين بدعوي تأمينهم وحمايتهم في أماكن وساحات غير لائقة إنسانيا وكأنها معسكرات الاعتقال التي قام الأمريكان بتجميع اليابانيين الأمريكان فيها بعد قيام الجيش الياباني بضرب قاعدة بيرل هاربر الأمريكية وتدميرها, ولا يجد المصريون المأوي الإنساني اللائق وتعيش غالبيتهم العظمي في حالة رعب شديدة خاصة هؤلاء الذين توجد معهم أسرهم وتتراوح تقديرات العاملين المصريين بالجزائر بين12 و15 ألفا وترفع بعض التقديرات العدد إلي ما يزيد عن20 ألفا بحكم أن التسجيل بالسفارة المصرية لا يتم بشكل كامل من قبل كل العاملين, يضاف إلي ذلك أن شركات المقاولات الصناعية التي تتولي أعمال التشييد والتجهيزات الصناعية تستدعي عمالة من تخصصات مختلفة لإنجاز أعمال محددة, وهي عمالة تقوم بإنجاز عمل محدد ثم تعود لمصر وأعدادها الاجمالية كبيرة علي امتداد فترة التنفيذ, وتقوم شركة آسيك المصرية حاليا بإنشاء مصنع للأسمنت, كما تقوم شركة السويدي بإنشاء مصنعها الثاني للكابلات وتتولي شركة أوراسكوم بإنشاء سجن مركزي ضخم باستثمارات كبيرة, وهناك شركة جيزي للمحمول, وكانت شركة شقيقة لها تملك من قبل شركة للأسمنت باعتها إلي شركة لافارج الفرنسية وتسبب هذا في ذلك الوقت في أزمة حادة مع الحكومة الجزائرية التي اعترضت علي صفقة البيع بحكم أنها أعطت عائلة ساويرس مزايا وحوافز واعفاءات رفضت أن تمنحها للشركات الفرنسية وأعطتها لشركاتهم باعتبارها شركة مصرية, وأن قيامهم بالبيع قد منح الشركات الفرنسية عن طريق المصريين المزايا والحوافز والاعفاءات التي رفضتها الجزائر لهم من قبل.وخلال الاسبوع الماضي وقبله تعرضت شركة جيزي للهاتف المحمول والمملوكة لنجيب ساويرس في غالبية مقارها للسرقة والتدمير والإتلاف, وهناك دعوة مخططة ومدبرة واسعة النطاق بين الجزائريين للتوقف عن التعامل مع شرائح شركة جيزي ومقاطعتها وكأنها شركة من شركات الدول المعادية, ووصل الأمر إلي تهديد أصحاب العقارات الجزائريين من قبل جماعات البلطجة المحترفة بملاحقتهم والاضرار بهم وبممتلكاتهم إذا لم يقوموا بنزع محطات ارسال شركة جيزي الموجودة فوق عقاراتهم في محاولة لتعطيل شبكة الإرسال والاستقبال للشركة, وفرض التوقف الكامل عن العمل عليها, ويبرر الجزائريون العقلاء ما يحدث بأنه منافسة غير شريفة من شركتي المحمول الجديدتين بالجزائر ومحاولة منهما لإخراج شركة جيزي من سوق معاملات المحمول بشكل كامل ونهائي.وتكاد المؤشرات الواقعية أن تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أطرافا اقتصادية خارجية بالاشتراك مع أطراف فاعلة ومسئولة ونافذة في النظام الجزائري تسعي إلي إخراج الشركات المصرية من السوق الجزائرية والتي تتضمن نشاطا واسعا للمقاولون العرب وايقاف تدفق أعمالها ومعاملاتها والتي شهدت طفرة في الفترة الماضية, وأن الأطراف الخارجية الساعية لاحتلال ساحة الاقتصاد الجزائري الواعدة تتضمن أطرافا عربية خليجية, كما تتضمن الطرف الصيني النشيط, والأطراف اليابانية والهندية وغيرها من القوي الآسيوية الناهضة, يضاف إلي ذلك الطرف الفرنسي الذي يترقب الظرف المناسب للانقضاض الاستثماري خاصة أن الشركات الفرنسية كمصدرين للجزائر تملك قاعدة عريضة وواسعة من المصالح تحتاج لزيادتها وتوسيعها وتأمين القائم منها في مواجهة الأطراف المنافسة الأخري المتعددة والكثيرة.وقد تصاعدت الحملة المنظمة ضد الاستثمارات المصرية بشكل واضح للغاية خلال الأيام الثلاثة الماضية وكشفت عن جانب مهم من محركات الهجمة الشرسة المدبرة ضد مصر بإعلان مصلحة الضرائب الجزائرية مطالبتها لشركة أوراسكوم تيليكوم الجيريا, والتي تتولي تشغيل شبكة جيزي للهاتف المحمول والمملوكة لنجيب ساويرس بدفع نحو600 مليون دولار كضرائب وغرامات عن السنوات الثلاث المنتهية في عام2007, خلافا لقواعد القانون الجزائري التي تعطي الشركة إعفاء ضريبيا للثلاث سنوات الأولي من نشاطها بحجة أن الشركة قدمت قوائم مالية غير صحيحة وغير سليمة, وتري بعض الأطراف المصرية في الجزائر أن ذلك نوع من أنواع العقاب المتوقع والمنتظر منذ فترة لبيع شقيقه ناصف ساويرس لشركة الأسمنت المملوكة لشركته بالجزائر لشركة لافارج الفرنسية, بالرغم من اعتراض الحكومة الجزائرية الشديد علي البيع, وهو ما يعكس عدم تقدير لردود الأفعال الجزائرية ويتنافي مع الملاءمات والحسابات السياسية التي يجب أن يلتزم رجال الأعمال بقواعدها ونصوصها, وأن ما حدث من عائلة ساويرس من وجهة نظر أطراف مصرية لم يقتصر ولن يقتصر ضرره علي شركاتهم بل يمتد إلي كل الاستثمارات والشركات المصرية, واستغلته بكل ذكاء القوي الخارجية والداخلية التي تخشي من الدور المصري الوطني القومي وجذوره القوية والراسخة لدي قطاعات من الشعب الجزائري, وقد تمكنت هذه القوي بالفعل من توجيه ضربة عنيفة للأنشطة والاستثمارات المصرية بالجزائر يتطلب مواجهتها وعلاجها الكثير والكثير من الوقت والجهد.وقد ارتفعت درجة الاشتعال الغوغائي إلي حدود تدمير وتخريب وحرق مكتب مصر للطيران بالعاصمة الجزائرية, وسرقة ونهب معدات وآلات الشركات والمكاتب المصرية, ووصل الأمر والحال إلي رفض أصحاب السوبر ماركت البيع للمصريين والتوقف عن بيع كل ضرورات الحياة بما فيها الخبز, وملاحقة المصريين في مساكنهم وأماكن اقامتهم وملاحقتهم بالشوارع وضربهم بالحجارة والطوب في حملة تخويف منظمة ضد العمالة المصرية والوجود المصري لاجبارهم علي المغادرة النهائية وعدم الرجوع, وتتضمن روايات المصريين أن الأمن الجزائري كان يبلغهم بضرورة سرعة إخلاء المكاتب ومواقع العمل لاحتمال تعرضها للهجوم, وفور خروجهم يتم الاعتداء عليها في غياب كامل لحماية الأمن اللازمة والمطلوبة, وكأن الأمن يشارك المعتدين ويتستر عليهم ويخطط معهم لعمل منظم يستهدف منشآت الأعمال المصرية لضمان توقفها الكامل عن العمل والنشاط, مما يكشف عن حقيقة المخطط وأهدافه ومراميه ويكشف أيضا عن القوي الفاعلة والمنفذة التي تمكنه من تحقيق ما يريد وما يستهدف للإضرار بالمصالح المصرية المباشرة, وإعاقة مشاركتها الجادة في التنمية والبناء وهدم ما حققته وما صنعته من صورة ايجابية علي امتداد السنوات.الماضية في عقل ووجدان المواطن الجزائري. ما حدث وما يحدث لا يمكن تحليله ولا يمكن فهمه أو شرحه في نطاق مباريات كرة القدم, ويستحيل القبول بأنه حالة احتقان عشوائي للمشجعين, العاديين لأنه عمل محترف ومنظم لا علاقة له بالمواطن البسيط ويصعب ادراجه بذلك تحت بند الحالة الطارئة والمؤقتة التي تزول بزوال مسبباتها, لأن حقيقة ما حدث بالعقل والمنطق والبديهيات تؤكد أن هناك مخططا خارجيا قد يكون أحد روافده الحقد الدفين الأسود للمخطط الصهيوني الأمريكي الأوروبي ينفذه علي الأرض قوة داخلية ومؤثرة وقادرة تمسك بالكثير من الخيوط, ولكن المؤكد أيضا أن هناك روافد أخري تتشابك مصالحها وأحقادها مع المخطط الأصلي, وأن جميع المخططات تستهدف مصر ومصالحها وتستهدف تشويه صورتها الوطنية والقومية وفصلها عن العروبة والاسلام, وفصل العروبة والاسلام عنها, وليس أدل علي ذلك من النعوش التي كانت تملأ شوارع العاصمة الجزائرية وقد التفت بالعلم المصري الذي وضعت عليه نجمة داود الصهيونية بالحجم الكبير لاختلاق عقيدة العداء لمصر وللمصريين, وغرسها في الوعي واللاوعي الجزائري وسط الصيحات المجنونة بقتل الجزائريين واغتصاب الجزائريات وانتهاك عرضهن وشرف الجزائر وكأن قتال مصر وحربها واجب عقيدي وديني.وفي مواجهة هذه المخططات الشيطانية وأهدافها العظمي التي لا تعرف بديلا عن تكسير عظام كل العالم العربي وهدم كل العالم الاسلامي باعتبارها ـ ادعاء وبطلانا ـ وفقا لضلالات بوش الابن وعقيدته الاصولية المسيحية الصهيونية المتطرفة مصدر الشر والارهاب والتدمير في العالم وما حدث خطر داهم يستوجب نوبة صحيان ونذير إيقاظ وتنبيه لكل القوي العاقلة التي تشعر بالغيرة علي أوطانها وقوميتها ودينها وعقيدتها لإدراك حقيقة وحجم الخطر الذي تجاوز مرحلة طرق الأبواب وأصبح يجوس في طرقات المدن العربية وداخل جدران منازلها ويتسلل في الظلام إلي نفوس وأفئدة البشر, في هجمة شرسة لم تعرف البشرية لها مثيلا باستخدام تكنولوجيا الاتصال والتلاعب المحكم بثورة المعلومات وتدفقها إلي حدود أن يتحول الأخ الشقيق إلي العدو الغاشم المقيت.وهي مسئولية تتحملها مصر بالدرجة الأولي بحكم حضارتها وبحكم ريادتها وبحكم وزنها وثقلها العربي والاسلامي والافريقي والعالمي, وهي مسئولية لا يمكن التنازل عنها أو التفريط فيها, وبقدر الخطر الداهم الذي انساب عبر الحدود فإن بعثا عربيا جديدا لابد أن يفرض نفسه علي كل الأطراف حتي بمفهوم المصلحة والضرورة في مواجهة طابور خامس من الخونة والعملاء والمرتزقة والأفاقين والجهلة استشري نفوذه وتأثيره في الكثير من المواقع والميادين والأنشطة والأعمال, ويعني تحركه ليزحف ويتوسع بالمزيد والمزيد أن الحروب الكروية ستندلع قريبا ين دول الوطن العربي كله كما حدث بين الهندوراس والسلفادور في أمريكا اللاتينية عام1970 ويومها سيصبح العرب بالفعل والضرورة هم الهنود الحمر للعصر الحديث. ؟!
| |
|